شكرا لك أستاذة سعاد ، شكرا لك أيتها القامة السامقة ... وأهديك هذا الجزء ...
جدي الرابع وزوجته لم يفترقا أبدا ، كانا متناغمين كأنهما توأمان خرجا من بطن واحدة . يعملان في حقل واحد ، يرعيان نفس القطيع ، اهتماماتهما مشتركة ، وأفعالهما متشابهة ، أفكارهما في تربية الأبناء متطابقة تماما ، يكملان بعضهما في نسق لا يصيبه الخلل ، وكل منهما يمكن أن يقوم مقام الآخر . الفرق الوحيد أن جدي عمّر أكثر ، فقد رحل عن الدنيا في عمر يناهز المائة والستين . لكن كلاهما مات واقفا ، لم يصبهما الهزال ولا الضعف ولم يهز جسديهما مرض ، وكان كل منهما يعمل حتى آخر ساعة في حياته ، ويرحل عن الدنيا وكأنه يلوح للناس بيده مودعا في سفر لا يلبث أن يعود منه . يقول الناس أن جدي وجدتي دفنا في مكان واحد ، هناك في الطرف الجنوبي من البقعة ، منطلق النسمات الخريفية التي تهب على البقعة وأهلها ، تحمل إليهم رائحة المطر ، وتبشرهم بالخير ، حيث تقابلك قبة قصيرة ، لكنها متسعة ، يتم تجديد طلائها كل فترة باللون الأبيض دون أن يعلم أحد من يقوم بهذا الطلاء ومتى يتم ، وقد نبتت أمامها شجرة هجليج ضخمة تستجيب لنسمات الجنوب فتتمايل أغصانها الغضة يمينا وشمالا ، فيتساقط ثمرها غذاء ودواء . هناك واروا جدتي أولا ، وتبعها جدي بعد عدة أعوام بعد أن شيّد بنفسه هذه القبة التي ظلت رمزا حتى يومنا هذا ، وقد ترك وصية لأولاده أن يجعلوا جثمانه إلى جوار جثمان أمهم تحت القبة كأقرب ما يكون القرب ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة