|
عاداتنا وبعض قناعاتنا ، هل تكون سببا في إهدار مواردنا
|
الكثير من عاداتنا الجميلة ، وقناعاتنا الدينية بجميع مذاهبنا ، لها وجه آخر ، ، هذا الوجه الآخر لا يمكن رؤيته إلا إذا جردنا العادة من أطرها الاجتماعية البحتة ، أو إذا جردنا القناعة الدينية من مكاسبها الأخروية ( ليس إلغاء ولكن للفحص ) ،، وفي الحالين نجد أنه يكون من الصعب جدا التخلص من تبعات الاتهام بالعيب ، والبخل ، والنقص ، والإخلال بكل ما تعارفنا عليه باعتباره المسلك الاجتماعي السليم ،، ومن الناحية الأخرى فإن كل الأديان تتحدث عن الحرام ، ومخالفة الرب ، ومخالفة الرسل ، وجلب التعاسة للإنسان في الدنيا والآخرة جراء إهماله بعض أو كل التزاماته الدينية التي يترتب عليها صرف مادي . العادات الاجتماعية : من أهم العادات الاجتماعية التي نفاخر بها عادة الكرم ، وهي عادة محمودة عبر التاريخ ، وقد خلد التاريخ والشعر والقصص والروايات أسماء الكثير من الكرماء ، كما ذم لنا عددا كبيرا من البخلاء ،، لكن الوجه الآخر للكرم والبخل ، أي الوجه الاقتصادي البحت ، هو أن الكرم إهدار للمدخرات الذاتية للكريم ، وإهدار لموارد قومية إذا استشرى كعادة عامة ، أو إذا مارسته الدولة ،، في حين أن البخل يعتبر سلوكا ادخاريا حميدا ربما يفيد في تجميع مدخرات من أسميناهم البخلاء لبناء مؤسسات منتجة تفيدهم على المستوى الشخصي وتفيد البلاد على المستوى القومي . وهناك ثروات بعينها تتضرر من بعض ممارسات الكرم ، ومن أهمها الثروة الحيوانية ، حيث يتم إكرام ضيف واحد بذبيحة كاملة وأحيانا أكثر ، ويتبع ذلك تجهيز الكثير من الخبز أو الأرز أو الكسرة ، ، ولا أعتقد أن هناك من ينفي حاجة أناس آخرين لمثل هذه الفوائض الغذائية ليخرجوا بها من دائرة الجوع القاتل ،، وهناك أيضا ولائم الأفراح والأتراح أيضا ، وفيها تسفك دماء العجول والخراف والمعز تفاخرا وبذخا وحاجة ، وفي كثير من الحالات نخالف فيها أمر الدين فلا نمارس الاعتدال ولا نمتنع عن الإسراف ،، لكن الكثير منا يرى أنها عادة سليمة وهي دليل كرم ،، وهو أمر ربما يكون أوجب من أمر الدين لدى الكثيرين ،، والصرف على الأفراح أيضا يشمل الشيلة ، الشبكة ، المال ، قولة خير ، فتح الخشم ، الحفلة ، العشاء ، الصبحية ، ، وبعض أفراحنا الأخرى لها نصيب في الصرف البذخي وغير المبرر أحيانا ، مثل عيد ميلاد أحد الأبناء ، نجاحه ، ختانه ، سفره ، عودته من السفر ، شفاؤه من المرض ، ومن الظواهر التي انتشرت في بلادنا عادة الذبح والإطعام في المناسبات السياسية ، ومناسبات افتتاح المشاريع الجديدة ، وزيارات المسئولين لبعض مناطق البلاد ،، حيث يحاول كل أهل مشروع أو أهل مناسبة أو أهل منطقة أن يبزوا الذين سبقوهم ،ليظهروا أنهم أكرم وأنهم أكثر إخلاصا ، وتكون الثروة الحيوانية مرة أخرى ضحية لهذه الحماقات الاجتماعية .. والصرف السياسي البذخي يظهر أيضا في المناسبات الرسمية ، مثل الاحتفال بأعياد الثورة ، وعيد الاستقلال ، والمؤتمرات الرسمية ، والكثير من المناسبات التي لا يعرف أحد كم من الأموال صرف فيها ، وأي بنود الميزانية تحملتها ،، المناسبات الدينية : أعرف أن الخوض في هذه الجزئية سيثير حفيظة العديدين من القراء والمتداخلين ، وسيجعل البعض يظنون أن الموضوع في أساسه تمرد ديني ، لكن لا بأس أن نعمل بقاعدة ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ،، وأقول أن الأضاحي والعقائق ( السمايات ) والنذور وعموم ما يسمى عندنا بالكرامة ، كل هذا في وجهة النظر الاقتصادية البحتة هو أمر فيه إهدار للثروة الحيوانية وفيه إهدار للمدخرات ، وفيه إهدار للموارد القومية ،، فإذا افترضنا أن عدد سكان السودان 30 مليون نسمة ، وافترضنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة أربعة ، وافترضنا أن ثلثي الأسر مسلمة وأنها تذبح أضحية عن أعضائها ، فإننا نخلص إلى أن عدد الخراف التي تذبح يكون خمسة ملايين خروف فقط في مناسبة عيد الأضحى . ويمكن بنفس الطريقة حساب عدد الخرفان التي تذبح في السمايات خلال عام مثلا إذا عرفنا عدد المواليد ونوعهم في العام المحدد ، ومن المؤكد أنهم يمثلون بضعة ملايين ،، وكم من النذور تذبح ، وهذا كله في أوساط المسلمين ، ولا أعرف حقيقة ما هي مناسبات الذبح والصرف عند الاخوة المسيحيين ، أو عند المجموعات اللادينية ، لكن لابد أن أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية وعيد شم النسيم وغيرها من المناسبات كلها أيام صرف وربما أيام بذخ ، هذا خلاف ما يتبع هذه المناسبات من خدمات أخرى ، وتكاليف أخرى ، منها لبس الجديد ، النظافة الخاصة والعامة ( خاصة في عيد الأضحى ) ، وتجهيز الخبيز ، والحلويات ، والعطلات أيضا ، ، ومن المناسبات الدينية التي ترتفع فيها وتيرة الصرف ، أداء فريضة الحج ، وفي كثير من الحالات يتعدى الصرف ما هو ضروري ، فالاستعداد لها عند عدد من الحجاج يلزمه أيضا استقبالات وذبائح وحلقات مديح فاخرة ، والعودة من الحج يكون شأنها أكبر ، ثم لا تنس موضوع الهدايا ، والعطايا المتبادلة بين الحاج وزواره ، ولا تنس البوهية والجير وتزيين مدخل الدار ، هذا غير الرسوم الضخمة التي تفرضها الحكومة على الحجاج ، وعلى المستوى القومي التكاليف الضخمة لبعثة الحج الرسمية ، وهي حكر على مجموعة معينة ، ولا يتم تداولها بين عباد الله .. هل يمكننا النظر إلى مثل هذه الممارسات بعين العقل ، هل يدرس علماؤنا وأساتذة علم الاجتماع وعلماء الدين والسياسيين مثل هذه المظاهر ، ويخففون من وطأتها ومن عبئها الذي يتحمله اقتصادنا المتهالك أصلا ، أم أننا سنمشي على ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ، وما حدش حوش ؟؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|