كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
الشاعر الكبير / أبو الطيب المتنبي
|
بسم الله الرحمن الرحيم
: لقد سئل فضيلة الشيخ / عايض القرنى من هو أفضل شاعر فقال : هو المتنبي وهذى نبذه عن الشاعر هو / أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي ، أبو الطيب المتنبي من شعراء العصر العباسي ولد سنة 303 هـ / 915 م وتوفي سنة 354 هـ / 966 م الشاعر الحكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي ، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة ولد بالكوفة في محله تسمى ( كندة ) وإليها نسبته ، ونشأ بالشام ، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس . وفد على سيف الدولة ابن حمدان صاحب حلب فمدحه وحظي عنده ، ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه ، فلم يوله كافور ، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه ، فقصد العراق وفارس ، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز . ولما خرج المتنبي من شيراز في طريقه إلى بغداد خرجت عليه سرية على رأسها ( فاتك بن جبل الأسدي ) وكان بينه وبين المتنبي عداوة شديدة بسبب هجاء المتنبي لخال فاتك هجاءً مقذعا ، ودارت بينهما معركة وأسقط في يد المتنبي وأيقن بالهلاك إذا استمر في القتال ، لذلك قرر إنقاذ نفسه وأركن إلى الفرار ، وعز ذلك على غلامه فصرخ فيه قائلا ويح نفسي ! ألست القائل :
الخَيلُ وَاللَيـلُ وَالبَيـداءُ تَعرِفُنـي = وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَـمُ
فرجع وفضل الموت على التنصل من شعره وعاد إلى القوم وبقي يقاتلهم حتى سقط قتيلا . وهكذا سقط هذا الشاعر مع ابنه محشد وغلامه مفلح قتلى ، وسلبت أموالهم وما كانوا يحملونه من هدايا ، ولم يبق سوى ليلتين لانتهاء شهر رمضان المبارك . وهذى احد قصائد المتنبى العظيمة :
وَاحَـرّ قَلْبـاهُ مـمّنْ قَلْبُـهُ شَبِـمُ = وَمَنْ بجِسْمـي وَحالي عِنـدَهُ سَقَـمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَـرَى جَسَـدي = وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلـةِ الأُمَـمُ
إنْ كَـانَ يَجْمَعُنَـا حُـبٌّ لِغُرّتِـهِ = فَلَيْتَ أنّـا بِقَـدْرِ الحُـبّ نَقْتَسِـمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنْـدِ مُغْمَـدَةٌ = وَقـد نَظَـرْتُ إلَيْـهِ وَالسّيُـوفُ دَمُ
فكـانَ أحْسَـنَ خَلـقِ الله كُلّهِـمِ = وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ
فَوْتُ العَـدُوّ الـذي يَمّمْتَـهُ ظَفَـرٌ = فِـي طَيّـهِ أسَـفٌ فِي طَيّـهِ نِعَـمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ = لَكَ المَهـابَـةُ ما لا تَصْنَـعُ البُهَـمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا = أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَـمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً = تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ
عَلَيْـكَ هَزْمُهُـمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ = وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْـواً سِـوَى ظَفَـرٍ = تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الـهِنْدِ وَاللِّمـمُ
يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي = فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَـمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَـةً = أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَـاعُ أخـي الدّنْيَـا بِنَاظِـرِهِ = إذا اسْتَوَتْ عِنْـدَهُ الأنْـوارُ وَالظُّلَـمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ مـمّنْ ضَـمّ مَجلِسُنـا = بأنّني خَيـرُ مَنْ تَسْعَـى بـهِ قَـدَمُ
أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي = وَأسْمَعَتْ كَلِماتـي مَنْ بـهِ صَمَـمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَوَارِدِهَـا = وَيَسْهَـرُ الخَلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ
وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهْلِـهِ ضَحِكـي = حَتَّـى أتَتْـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ
إذا رَأيْـتَ نُيُـوبَ اللّيْـثِ بـارِزَةً = فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيْـثَ يَبْتَسِـمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتـي من هَمّ صَاحِبـها = أدرَكْتُـهَا بجَـوَادٍ ظَـهْـرُه حَـرَمُ
رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ = وَفِعْلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَيـنِ بـهِ = حتَّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَـوْتِ يَلْتَطِـمُ
ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي = وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً = حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ
يَا مَـنْ يَعِـزّ عَلَيْنَـا أنْ نُفَارِقَهُـمْ = وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـمْ عَـدَمُ
مَا كـانَ أخلَقَنَـا مِنكُـمْ بتَكرِمَـةٍ = لَـوْ أنّ أمْرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ
إنْ كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا = فَمَـا لجُـرْحٍ إذا أرْضـاكُـمُ ألَـمُ
وَبَيْنَنَـا لَـوْ رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعـرِفَـةٌ = إنّ المَعارِفَ فِي أهْـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَـا عَيْبـاً فيُعجِزُكـمْ = وَيَكْـرَهُ الله مـا تَأتُـونَ وَالكَـرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شَرَفِـي = أنَـا الثّرَيّـا وَذانِ الشّيـبُ وَالهَـرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عنـدي صَواعِقُـهُ = يُزيلُهُـنّ إلـى مَـنْ عِنْـدَهُ الدِّيَـمُ
أرَى النّـوَى يَقتَضينـي كلَّ مَرْحَلَـةٍ = لا تَسْتَقِـلّ بِهَـا الوَخّـادَةُ الرُّسُـمُ
لَئِـنْ تَرَكْـنَ ضُمَيـراً عَنْ مَيامِنِنـا = لَيَحْـدُثَـنّ لـمَنْ وَدّعْتُهُـمْ نَـدَمُ
إذا تَرَحّلْـتَ عن قَـوْمٍ وَقَد قَـدَرُوا = أنْ لا تُفـارِقَهُـمْ فالرّاحِلـونَ هُـمُ
شَرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَديـقَ بِـهِ = وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسـانُ ما يَصِـمُ
وَشَـرُّ ما قَنّصَتْـهُ رَاحَتـي قَنَـصٌ = شُهْبُ البُـزاةِ سَـواءٌ فيهِ والرَّخَـمُ
بأيّ لَفْـظٍ تَقُـولُ الشّعْـرَ زِعْنِفَـةٌ = تَجُوزُ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وَلا عَجَـمُ
هَـذا عِتـابُـكَ إلاّ أنّـهُ مِـقَـةٌ = قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلاّ أنّـهُ كَلِـمُ
( براعة المتنبي )
قال : الشاعر / أبو فراس الحمداني لسيف الدولة : ان هذا المتنبي كثير الادلال عليك وأنت تعطيه كل سنه ثلاثة اّلاف دينار على ثلاث قصائد , ويمكنك أن تفرق مئتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره . فتأثر سيف الدولة بهذا الكلام وعمل به وكان المتنبي غائبا فبلغته القصة فدخل على سيف الدوله وأنشد :
الا مـا لـسيف الـدولة الـيوم عاتـبا = فداه الورى أمضى السيوف قواضبا
وكـان يـدني مجـلـسي مـن سـمائه = أحـــادث فــيـهـا بـدره والـكـواكـبـا
حـنـانــيك مسـؤولا ولـبـيك داعـيـا = وحـسـبـي مـوهـوبـا وحـبـك واهـبا
أهذا جزاء الصدق ان كنت صادقا = أهـذا جـزاء الـكـذب ان كـنت كاذبا
وان كـان ذنـبـي كــل ذنـــب فـانـه = محا الذنب كل الذنب من جاء تائبا
فأطرق / سيف الدوله ولم ينظر اليه كعادته فخرج المتنبي من عنده متغيرا . وحضر أبو فراس و جماعة من الشعراء فبالغوا في الوقيعة في حق المتنبي والذي انقطع ينشئ القصيدة التي أولها : واحــر قـلـبـاه مـمـن قـلـبه شـبـم . وجاء وأنشدها وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه مثل قوله :
مالي أكتم حبا قد برى جسدي = وتدعي حب سيف الدولة الأمم
ان كـان يـجـمـعـنا حـبا لغرته = فـلـيـت أنـا بـقـدر الحـب نقتسم
فهم جماعة في قتله في حضرة سيف الدوله ولشدة ادلاله واعراض سيف الدوله عنه وصل إلى انشاده :
يا أعدل الناس الا في معاملتي = فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
فقال أبو فراس : مسخت قول دعبل وادعيته وهو القائل :
ولست أرجو انتصافا منك ما ذرفت = عيني دموعا وأنت الخصم والحكم
فقال المتنبي :
أعيذها نظرات منك صادقة = أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
فعلم أبو فراس أنه يعنيه فقال : ومن أنت يا دعي كنده حتى تأخذ أعراض أهل الأمير في مجلسه . فاستمر المتنبي في انشاده ولم يرد عليه وقال :
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا = بأنني خير من تسعى له قدم
أنـا الـذي نظر الأعــمـى إلى أدبــي = وأسـمـعـت كلماتي مـن به صمم
فزاد ذلك غيظا في أبو فراس وقال : وسرقت هذا أيضا فلم يلتفت إليه المتنبي وإنما واصل إنشاده إلى أن وصل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني = والسيف والرمح والقرطاس والقلم
قال : وما أبقيت للأمير إذا وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة والرئاسة والسماحة ؟ تمدح نفسك بما سرقته من الاّخرين وتأخذ جوائز الأمير فقال المتنبي :
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره = إذا استوت عنده الأنوار والظلم
فقال أبو فراس : لقد سرقت هذا من قول معقل :
إذا لم أميز بين نور وظلمة = بعيني فالعينان زور وباطل
ولكن سيف الدولة غضب من كثرة مناقشة المتنبي والتطاول عليه في حضرته . فقال المتنبي :
إن كان سركموا ما قال حاسدنا = فما لجرح إذا أرضاكموا ألم
فقال أبو فراس : وأخذت هذا من قول بشار :
إذا رضيتم بأن يخفى سركم = قول الوشاه فلا شكوى ولا ضجر
فلم يلتفت سيف الدولة إلى ما قاله أبو فراس الحمداني وأعجبه بيت المتنبي ورضي عنه في الحال وأدناه إليه وأجازه . وإليكم هذه القصيدة الرائعة للشاعر / أبو الطيب المنتبى ، في مدح سيف الدولة الحمداني على قدر أهل العزم وقد قيلت : سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة من الهجرة النبوية المطهرة الموافق ( 954م ) :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها = وتصغر في عين العظيم العظائم
يكلف سيف الدولة الجيش همه = وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفسه = وذلك ما لا تدعيه الضراغم
يفدي أتم الطير عمراً سلاحه = نسور الفلا أحداثها والقشاعم
وما ضرها خلق بغير مخالب = وقد خلقت أسيافه والقوائم
هل الحدث الحمراء تعرف لونها = وتعلم أي الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغر قبل نزوله = فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا = وموج المنايا حولها متلاطم
وكان بها مثل الجنون فأصبحت = ومن جثث القتلى عليها تمائم
طريدة دهر ساقها فرددتها = على الدين بالخطي والدهر راغم
تفيت الليالي كل شيء أخذته = وهن لما يأخذن منك غوارم
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً = مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازم
وكيف ترجى الروم و الفرس هدمها = وذا الطعن آساس لها ودعائم
وقــد حاكموها والمنايا حواكم = فما مات مظلوم ولا عاش ظالم
أتوك يجــرون الحديــد كأنما = سروا بجياد مالهــن قوائــم
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم = ثيابهم من مثلها والعمائم
خميس بشرق الأرض والغرب = زحفه وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمّــَع فيه كل لِِسْنٍ وأمة = فما يُفهم الحدَّاث إلا التراجم
فللّه وقت ذوب الغش ناره = فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
تقطَّع مالا يقطع الدهر والقنا = وفر من الفرسان من لا يصادم
وقفت وما في الموت شك لواقف = كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة = ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى = إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
ضممت جناحيهم على القلب ضمة = تموت الخوافي تحتها والقوادم
بضرب أتى الهامات والنصر غائب = وصار إلى اللبات والنصر قادم
حقرت الردينيات حتى طرحتها = وحتى كأن السيف للرمح شاتم
ومن طلب الفتح الجليل فإنما = مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
نثرتهم فوق الأُحَيدب كله = كما نثرت فوق العروس الــدراهم
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى = وقد كثرت حول الوكور المطاعم
تظن فراخ الفتخ أنك زرتها = بأُماتها وهي العتــاق الصلادم
إذا زلقــت مشَّيتها ببطونها = كما تتمشى في الصعيـد الأراقـم
أفي كل يوم ذا الدُّمستق مقدم = قفاه على الإقدام للوجه لائم
أيُنكر ريح الليث حتى يَذوقَه = وقد عرفت ريح الليوث البهائم
وقد فجعته بابنه وابن صهره = وبالصهر حملات الأمير الغواشم
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظُّبى = لما شغلتها هامهم والمعاصم
ويفهم صوت المشرفية فيهم = على أن أصوات السيوف أعاجم
يُسَرُّ بما أعطاك لا عن جهالة = ولكن مغنوما نجا منك غانم
ولســت مليكا هازما لنظيره = ولكنك التوحيد للشرك هازم
تشرّف عدنان به لا ربيعة = وتفتخر الدنيا به لا العواصم
لك الحمد في الدر الذي لي لفظه = فإنك معطيه وإني ناظم
وإني لتعدو بي عطاياك في الوغى = فلا أنا مذموم ولا أنت نادم
على كل طيار إليها برجله = إذا وقعت في مسمعيه الغماغم
ألا أيه السيف الذي ليس مغمدا = ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم
هنيئا لضرب الهام والمجد والعلى = وراجيك والإسلام أنك سالم
ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقى = وتفليقه هام العدى بك دائم __________________
|
|
|
|
|
|
|
|
|