|
Re: عن بعض الأبعاد الاقتصادية للعمالة الأجنبية في السودان؛ (Re: عبدالمحمود محمد عبدالرحمن)
|
• • سوق العمل في السودان أصبح مشوهاً ومجزأً بصور شبيهة لكثير من الأسواق المحيطة ولاسيما في الدول النفطية القريبة ـ سوق للعمالة الوطنية وآخر للعمالة الأجنبية. كما أن كل سوق يتجزأ بدوره لأسواق أخرى فرعية ـ سوق للعمالة الماهرة (فنية/مهنية/إدارية) وآخر للعمالة غير الماهرة (منزلية/هامشية)؛ وكل سوق من هذه تحكمه خصائص واعتبارات اقتصادية تختلف عن تلك السائدة في السوق الآخر. • جانب الطلب على العمل والذي تمارسه المنشآت الانتاجية (المصانع/المزارع/المؤسسات) يتحكم فيه اعتبارات الربح/العائد الذي يحصل عليه صاحب العمل والمتمثل بقيمة ما ينتجه العامل الوطني أو الأجنبي المُستَخدم (قيمة الانتاجية الحدية للعامل)، ثم الأجر الذي يتلقاه العامل والتكاليف المنظورة وغير المنظورة الأخرى المصاحِبة لاستخدامه. • يتميز سوق العمالة الوطنية بتدني انتاجية العامل السوداني ـ كماً وكيفاً ـ وبالتالي انخفاض قيمة انتاجيته (الحدية). ويُعزى الأمر لجملة اسباب منها ضعف تعليم وتدريب وتأهيل ومعارف وخبرات العامل السوداني، وقلة ما يستخدمه من أدوات وآلات وأجهزة (رأس مال) كمعينات على الإنتاج، وتدني كفاءة استخدام ما توافر منها لديه؛ زد على ذلك التسيب بدواعي اجتماعية، والافتقار عموماً إلى اخلاقيات المهن وسلوكيات العمل الحديثة والمتمثلة بالانضباط والالتزام وتجويد "الصنعة". وتعد تكلفة العامل السوداني ـ وبخاصة الحرفي ـ مرتفعة حيث يعتبر الأجر الذي يتوقعه مرتفعاً نسبياً اذا ما تمت مقارنته باجر العامل الاجنبي على نفس المهنة وبخاصة إذا ما تم تضمين التكاليف الأخرى غير المنظورة المذكورة أعلاه والمتمثلة بضعف سلوكيات العمل والتسيب و"الكسل ـ ربما"، وكلها اشياء معايشة تحسب على العامل السوداني سواء صدقاً أو خطلا. وهنالك ضعف بيّن في إمكانيات العامل السوداني الإنتاجية حالياً وتعوزه القدرة التنافسية وكل منا يستطيع أن يسرد العشرات من التجارب الشخصية والمُكلِفة في التعامل معه. وفي السابق لم يكن هنالك خيار أمام صاحب العمل ولا مناص من استخدام العمالة السودانية، أما الآن فقد تغير الوضع مع توافر البديل الأجنبي في السوق المحلي وبالاستقدام. • بالنسبة لسوق العمل "الموازي" ـ سوق العمالة الأجنبية ـ فيتسم بارتفاع مستوى الانتاجية فيه وبالتالي ارتفاع قيمة الانتاجية (الحدية)؛ فمعظم العمالة الأجنبية عمالة منتجة ذات قيمة مضافة تفوق تلك المتحصل عليها من رصيفتها السودانية ولا تمارس مهناً هامشية بمثل افتراش الأرض لبيع بطاقات الشحن والملابس الجاهزة والأحذية، أو بيع الصحف والبضائع الصينية زهيدة الثمن عند مفترق الطرقات وشارات المرور، كما أنها لا تمارس بطالة مقنعة في أروقة الدواوين الحكومية. ويتحكم في ارتفاع إنتاجية العامل الأجنبي توافر المؤهلات والخبرات اللازمة لديه وحسن التعامل مع التقنيات الضرورية للإنتاج بالمهارة والمثابرة المطلوبة؛ وهو ما يفتقره العامل السوداني حتى الآن للأسف. ويُعد الأجر الذي تتلقاه هذه العمالة ـ وبخاصة غير الماهرة منها ـ متدنياً نسبياً كما أنها مبرأًة من التكاليف غير المنظورة الأخرى، حيث تتمتع بقدر أعلى من الانضباط والالتزام والتجويد مقارنة مع العمالة الوطنية. كذلك فإن المستثمرين (الأجانب منهم والوطنيين) والحكومة يبدون تفضيلاً للعمالة الأجنبية من زاوية أنها عمالة "وادعة"، ويسهل التخلص منها والتسريح إذا استدعى الأمر ولا تتوافر أنظمة لحمايتها والدفاع عن مصالحها بمثل تلك المتاحة للعمالة السودانية. يضاف لما سبق أن هناك تكاليف طائلة قد يتكبدها صاحب العمل لتدريب العامل على رأس العمل ويغامر بفقدانها عندما يترك العامل السوداني العمل في حين يلتزم العامل الأجنبي بالعقد المبرم مع صاحب العمل ويستمر. وفي الأساس فإن كثير من هذه العمالة تم استقدامها إما بسبب أن العمالة السودانية لا يمكنها القيام بنفس المهام التي يضطلع بها العامل الأجنبي وبالكفاءة المطلوبة، أو أن العمالة السودانية لا ترغب أساساً في أداء تلك المهام. • في ظل هذا الوضع فإن القرار الرشيد بالنسبة لصاحب العمل والذي يسعى لتعظيم أرباحه هو توظيف العمالة الأجنبية إذا توافرت بسبب علو إنتاجيتها وتكاليفها الأقل نسبياً. ولا يلام رأس المال بشقيه الوطني والأجنبي بحسب طبيعته الباحثة عن الربحية على بحثه عن الاستثمارات التي تحقق له أعلى وأسرع الأرباح وتوظيف العمالة الأعلى إنتاجاً وأقل تكلفة، وكذلك تركزه في مجالات خدمية معينة (المطاعم/الفنادق/العقار/ ..) قد لا يستفيد منها الاقتصاد الوطني كثيراً من ناحية تحقيق تنمية مستدامة وخلق فرص عمل إضافية واستبقاء الأرباح المحققة وإعادة استثمارها وتدويرها؛ ويتوجب على الدولة إتباع السياسات التي تحفز وتوجه تلك الاستثمارات نحو القطاعات المنتجة تقليدياً في الاقتصاد (الزراعة/الثروة الحيوانية/الصناعة) والتي شهدت تراجعاً بيّناً في السنوات الأخيرة بحسب طغيان القطاع النفطي على هيكل الاقتصاد (الداء الهولندي) وتصاعد سعر الصرف المريب قبل سنوات قليلة. •
|
|
|
|
|
|
|
|
|