|
Re: بولتون فضحنا ...نسوى شنو غير الكذب (Re: الكيك)
|
2006-10-09 الخليج
السودان بين سياسة الانفعالات والدبلوماسية الهادئة ... محمد الحسن أحمد
محمد الحسن أحمد
يبعث السودان في كثير من الأحوال رسائل سياسية للعالم تبدو وكأنها رسائل مرسلة إلى الاستهلاك الداخلي، مما يحدث ربكة وتصادماً مع المجتمع الدولي، في نهاية الاسبوع الماضي بعث برسالتين في وقت واحد للأمم المتحدة تحملان مضامين مختلفة واحدة للأمين العام ترحب باسم الرئيس السوداني ب “الدعم الذي ستقدمه الأمم المتحدة إلى بعثة الاتحاد الافريقي في السودان” وجاء في الرسالة ان الحكومة السودانية توالي حشد الطاقات من أجل عقد مؤتمر الحوار الدارفوري وفق ما نص عليه اتفاق سلام دارفور، وأنها “تبذل الجهود الحثيثة من أجل انضمام الفصائل الأخرى التي لم توقع بعد اتفاق سلام دارفور”.
وأكد الرئيس البشير في رسالته للأمين العام تطلعه إلى مزيد من الفهم المتبادل بيننا وبين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي حول أطر وهياكل التعاون المشترك ومعالجة السلبيات السابقة المتعلقة بطرق تناول الأوضاع في دارفور.
وفي ذات الوقت ابلغت الحكومة السودانية الدول الاعضاء في الأمم المتحدة عبر مندوبها الدائم في المنظمة: إنها في ظل عدم موافقتها على نشر قوة تابعة للأمم المتحدة في دارفور ستعتبر أي تطوع من أي بلد بالمشاركة في قوة سلام أممية في الإقليم عملاً عدائياً ومقدمة لاجتياح دولة عضو في الأمم المتحدة”، وأثارت الرسالة احتجاج الولايات المتحدة واعتبر مندوبها الرسالة “محاولة لتخويف دول مستعدة لإرسال قوات في اطار بعثة انسانية، وقال: إن موقف الخرطوم سيشكل تحدياً مباشراً لسلطة مجلس الأمن في جهوده لتخفيف المأساة في دارفور ويتطلب رداً قويا من مجلس الأمن”.
من جهة أخرى قال رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر سفير اليابان كنزو أوشيما: “إن الرسالة السودانية في رأي بعض الأعضاء مهينة، وغير ملائمة لغة ومضموناً” وانه كلِّف من المجلس للاجتماع مع سفير السودان لاطلاعه على اجواء الاستياء في مجلس الأمن من رسالة بلاده.
لا شك أن السياسة السودانية تبدو محيرة، فرسالة تتطلع إلى التعاون مع الأمم المتحدة، وأخرى في نفس اللحظة تحمل تهديداً وتحذيراً لكل الدول الأعضاء إن اقدمت على التطوع في اية قوة أممية يزمع المجلس ارسالها لدارفور! والسؤال لماذا تستعجل الحكومة كسب عداء الدول؟ أو لا تعلم ان مجلس الأمن هو أعلى سلطة عالمية مسؤولة عن السلم؟ وان قراراته واجبة النفاذ على كل الاعضاء فيه؟! أوما كان الاجدر ان تنشط الدبلوماسية السودانية لكسب رد الدول عوضاً عن التهديد والوعيد؟ وان تتمهل الحكومة فعسى أن تجد لها مخرجاً من الورطة الراهنة بوساطة المحاولات الجارية للوصول إلى توافق لا يتجاوز ارادة المجلس ويحفظ للحكومة كرامتها.
لقد كررنا الحديث عن ضرورة التهدئة والتعامل بمنطق التفاهم، والتفهم، ولكن الحكومة ما تلبث هنيهة حتى تفاجئ العالم بما يباعد بينها وبين المجتمع الدولي، وها هو بالأمس الاتحاد الأوروبي يتحرك ويدعو عبر خافيير سولانا مسؤول العلاقات الخارجية إلى فرض حظر الطيران الحكومي على منطقة دارفور ما يعني تحركاً ينم عن تصعيد في المواقف، فهل يا ترى ستقابله الحكومة بتحد من عيار التحدي الذي واجهت به مجلس الأمن فتعلن ان الدول الأوروبية عدوة للسودان وانها ستتعامل معها بهذا المعيار؟.. ترى ماذا تملك الحكومة السودانية من أدوات للضغط على الدول الأوروبية حتى تتحسب تلك الدول لتهديدات السودان؟
دعونا ننظر في المردود الذي يمكن ان تحصده الحكومة من وراء التحذير والتهديد الذي بعثت به إلى كل دول العالم، فماذا نجد غير أنها قدمت سبباً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية لكي تطلب اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن للنظر في الموقف غير المسبوق من الحكومة السودانية في مواجهة مجلس الأمن مما حدا بسفيرها في المنظمة إلى الكشف عن عزم بلاده مطالبة المجلس باتخاذ قرارات فورية إزاء التحدي السوداني معتبراً أن عدم رد المجلس على التحدي سيؤدي إلى فشل قرار التمديد للقوات الافريقية في دارفور، وحذر من أنه إذا تبين أن مجلس الأمن أو منظمة الأمم المتحدة عاجزان عن أداء عملهما بفاعلية سيحين الوقت ليسأل المهتمون بمأساة دارفور هل يمكن اعتماد احتمالات اخرى لمعالجة الأزمة؟
وبعيد سويعات من هذا التهديد الأمريكي والتوتر المتصاعد داخل أروقة المنظمة أطل المندوب الأمريكي من جديد على الاعلام ليعلن ان السفير السوداني اتصل بالخارجية الأمريكية معلنا التراجع عن فحوى رسالة التهديد والوعيد للدول الاعضاء، ما يعني أن السياسة الخارجية السودانية لا تخضع لدراسة معمقة وانما تمليها في كثير من الأحيان ردود فعل متعجلة وغير محسوبة وتتجاذبها بالخوض والقرار فيها جهات لا صلة لها بالدبلوماسية ونظمها وحتى فهم مواثيق الأمم المتحدة وموازين القوى التي تسود العالم!
إن أكثر ما نخشاه، أن تتواصل سياسة العنتريات التي تضر ولا تنفع ولا بد أن يتحد خطاب الداخل والخارج في تناغم وان يكون الهدف هو انهاء ازمة دارفور لا الانصراف عنها في عراك يجعل البلاد تجد أن التمديد الذي منح لثلاثة اشهر قد انقضى والحكومة في حالة اضطراب بين سياسة البحث عن مصالحة مع رافضي اتفاق ابوجا والمطالبة بعقابهم ومبارزتهم، فضلاً عن الاستمرار في المبارزة مع المجتمع الدولي.
|
|
|
|
|
|
|
|
|