فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 08:50 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2007, 08:48 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    التجانى عبد القادر يرد على امين حسن عمر

    الحركة الاسلامية والمسالة الامنية
    1/4/2007


    «تعقيب 4»
    ذكرت فى مقالتى عن «أخواننا الصغار» أن هناك أحداثا كبيرة وقعت وأثرت على الحركة الاسلامية وعلى الوطن تأثيرا سلبيا كبيرا، وأن الأجهزة الشورية للحركة لم تستشر فى ذلك، ثم أوردت على سبيل المثال قصة دخول أسامة بن لادن الى السودان واخراجه منه بالصورة التى تمت، كما ذكرت قصة دخول «كارلوس الجاكال» الى الخرطوم وتسليمه فيما بعد الى السلطات الفرنسية. ولم يكن قصدى فى ذلك المقال أو فى غيره أن أتقدم بتحقيق بوليسى عن موضوع كارلوس أو موضوع بن لادن، وانما قصدت ايراد بعض الأمثلة للتدليل على «تضخم» الوظيفة الأمنية فى التنظيم الإسلامى، وعلى «تعاظم» الأدوار التى كانت تقوم بها القيادات الأمنية؛ تعاظما جعلها «تحجب» قيادات التنظيم والدولة، أو تبتلعها فى بعض الأحيان.
    غير أن الأخ الصديق د. أمين حسن عمر، والذى أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن الأجهزة الأمنية، توقف طويلا فى تفاصيل القصة «الكارلوسية»، ليختلف معنا فى ما أوردناه، جملة وتفصيلا، ثم يتفضل بسرد وقائع شارك فيها هو شخصيا، ووقائع أخرى لم يشارك فيها ولكنه يعرضها مع ذلك بصيغ التأكيد والجزم مما يوحى بمعرفته التامة التى لا يتطرق اليها الشك. أما نحن الذين لم نشارك فى تلك الوقائع ولم نشهدها، فليس أمامنا غير خيارين: أن نستمع لهذا السرد الرسمى الذى يتقدم به الأخ د.أمين، ثم،«نعمل انتباه ونرجع للخلف»، كما ورد فى عبارة منسوبة للواء الزبير رحمه الله، تاركين هذه الملف فى ذمة التاريخ، وأما أن نستمع لما يقوله د. أمين، ثم نقارن ما أورده مع ما ورد من افادات أخرى منشورة أدلى بها بعض الذين شاركوا مثله تماما فى تلك الوقائع، فنتيح بذلك فرصة للقارىء ليتأمل ولينتهى لما يشاء من رأى.وهذا هو خيارنا.
    يقول د.أمين ان رئاسة الجمهورية لم تكن على علم بوجود كارلوس فى الخرطوم الا بعد المشاجرة التى وقعت فى بوتيك فى سوق نمرة 2، حيث تحركت أجهزة الأمن وألقت القبض عليه، ويواصل: «ولما كان الحادث مثيرا للفضول فقد بلغ رئاسة الجمهورية، وكلفت بالسؤال عن الأمر، وجاءت تفاصيل الحادثة »: ان شخصا يدعى أنه فلسطينى... دخل فى مشاجرة مع نجل صاحبة بوتيك...وفى اليوم التالى كانت المفاجأة الكبرى أن أجهزة الأمن«التى كانت تتلقى احتجاجات مستمرة من فرنسا بوجود كارلوس فى الخرطوم» قد اكتشفت أن الشخص المفرط فى السكر كان كارلوس بعينه وبشخصه..
    هذا ما يقوله د.أمين، ومفاده أنه لا رئاسة الجمهورية ولا أجهزتها الأمنية كانت على علم بوجود السيد كارلوس فى الخرطوم.أما جهاز الأمن فله رواية أخرى تناقض هذا تماما، اذ وصلتنى من السيد رئيس جهاز الأمن «اللواء صلاح عبد الله»رسالة الكترونية بتاريخ 13 ديسمبر 2006، وذلك ردا على ما ورد فى مقالتى، يقول فيها ان: «أجهزة الأمن ومنذ أن وطأت أقدام كارلوس السودان تعرفت عليه وسيطرت على حركته دون أن يشعر بذلك فى انتظار قرار القيادة السياسية حياله».
    فوجود كارلوس فى الخرطوم كان، بحسب رواية د. أمين، «مفاجأة» لكل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الأمن، أما بحسب رواية جهاز الأمن فان وجود كارلوس بالخرطوم كان معلوما لديهم، ليس ذلك فحسب بل أنهم كانوا «يسيطرون» على حركته.هاتان روايتان لا يستقيمان معا، ولا توجد الا طريقة واحدة للتوفيق بينهما:أن نأخذ «نصف» ما يقوله د.أمين و «نصف» ما يقوله السيد رئيس الجهاز لنصل الى النتيجة التالية: ان رئاسة الجمهورية لم تكن تعلم بوجود كارلوس فى الخرطوم حتى وقعت واقعة «البوتيك»، والتى كلف د.أمين بالتحقق فيها«لماذا؟ لا ندرى»، أما من الناحية الأخرى فقد كانت أجهزة الأمن على علم تام بوجود كارلوس وتحركاته، ولكنها لم تخطر رئاسة الجمهورية«لماذا؟ لا ندرى» كما لم تخطر القيادة التنظيمية«كما سيرد لاحقا». فاذا كان هذا التفسير وجيها فانه سيحفظ لكل من الروايتين قدرا من الصدق،ولكنه من ناحية أخرى يؤكد ما ذهبنا اليه ابتداء من أن هذا جهاز يتصرف ويده طليقة، وأنه يستطيع«وقد استطاع فى بعض الأحيان» أن «يحجب» بعض المعلومات والملفات الأساسية عن رئاسة الجمهورية. أما إذا كان هذا التفسير غير معقول فنحتاج من د.أمين أن يوضح لنا الكيفية التى يرتفع بها التضارب بين ما يقوله هو وما يقوله رئيس جهاز الأمن الذى كان يمسك «الملف والملفوف» بكلتا يديه.
    أما فى الجانب الآخر، فهل كانت «قيادة التنظيم» على علم بالملف؟ أم أنها أيضا «فوجئت» كما فوجئت رئاسة الجمهورية؟ هنا يتفق كل من السيد رئيس الجهاز ود.أمين على أن وجود كارلوس بالسودان كان معلوما لكافة المسؤولين فى قيادة الحركة«بما فى ذلك قيادة المؤتمر الشعبى العربى الاسلامى»، وأن القرار الذى اتخذ بشأنه كان بموافقة الجميع. ولكن د.الترابى، الأمين العام للتنظيم ورئيس المؤتمرالشعبى العربى الاسلامى، ينفى ذلك نفيا قاطعا فى مقابلتة المشهورة مع تلفزيون العربية، بتاريخ 17 مارس 2006«برنامج العين الثالثة الذى يقدمه أحمد عبد الله»، والتى نقتطف منها هذه الفقرات:
    أحمد عبد الله: لم تلتق كارلوس؟
    الترابى: وجهاز الأمن لم يستشرنى، ولم يبلغنى، بعد ذلك دخّلوا مستشفى، قبضوا عليه فى المستشفى فى عملية كان ستجرى، يعنى...
    أحمد عبد الله: يعنى الذى سلمه آنذاك، وأنت كنت فى السلطة..
    الترابى: أصلا لم أحدث عنه أصلا، سلم الى الفرنسيين،«الفرنسيون طبعا لأنهم من الخارج يظنون أنى وراء كل ما يحدث فى السودان»، ولما ذهبت الى اسبانيا، مررت بفرنسا، فلقينى كبير اعلام فرنسى، وجاء كبير أمن سودانى، كان موجودا معه هناك، ليأخذ بعض ثمن المساومة، يعنى لجهازه«بعض الأجهزة وسيارات وهكذا»، جاء معه كأنه هذا الذى كان يحترمنى«لأنه كان أيضا فى الحركة الاسلامية يحترمنى»، ولكن الآخر كان يلقانى فى المطار وكأنى من أعظم الناس الذين أهدوا اليه.لأنى فرانكفونى«هو طبعا الذى يتحدث الفرنسية يحسبونه هو الأقرب اليهم فى العالم»، وأنا استحيت طبعا،أنا عابر فقط الى فرنسا، يعنى أشرح له وأقول أنا ليس لى دخل، وهذا جهاز الأمن، لن يصدق هذا، وسكت هذا، يعنى وتحدث وتحدث وشكرنى..
    أحمد عبد الله: معقولة هذا الكلام؟ كلام فى كلام، يعنى لم تلتق أنت كارلوس أصلا، ماكنت تعلم أنه موجود؟
    الترابى: أصلا أنا ما التقيته، هو حاول أن يلقانى..
    أحمد عبد الله: بس كنت تعلم أنه موجود؟
    الترابى : فى آخر أيامه، نعم علمت أنه موجود.
    أحمد عبد الله: وحاول أن يلتقيك.
    الترابى: حاول أن يلتقينى ولكن لم يدخل الى».
    ففى هذه الرواية يؤكد د.الترابى ثلاثة أمور على درجة كبيرة من الأهمية، وكلها تتناقض تماما مع يقوله د.أمين: الأمر الأول: أن د. الترابى وهو الأمين العام للحركة الاسلامية لم يكن يعرف بدخول كارلوس الى الخرطوم الا أخيرا جدا حينما أخبره بذلك أحد المسؤولين الفرنسيين؛ الامر الثانى: أن جهاز الأمن «وليست أجهزة وزارة الداخلية-كما ذكر د.أمين»هو الذى كان يتفاوض سرا مع السلطات الفرنسية دون علم الأمين العام؛ والأمر الثالث:أنه قد أبرمت «صفقة» بين جهاز الأمن السودانى والأمن الفرنسى، وأن مسؤولا أمنيا كبيرا «يعرفه د. الترابى بصورة شخصية» كان موجودا فى فرنسا لاستلام «الثمن»«الذى كان عبارة عن بعض الأجهزة والسيارات».
    ولو أن هذه الجزئية الأخيرة من الرواية جاءت من شخص آخر غير د.الترابى لتشككنا فيها، ولقلنا انه ان كانت هناك صفقة بالفعل فليس من المعقول أن يرضى جهاز الأمن «ببعض الأجهزة والسيارات»،اذ من الممكن أن ينتهز تلك الفرصة فيطالب بما هو أكبر من السيارات؛ كأن يطالب مثلا بتخفيف المقاطعة السياسية والاقتصادية على السودان، فهذا أقرب الى المنطق والى الواقع، وتؤكده بعض المصادر الفرنسية ذاتها، اذ ذكرت صحيفة الجيروسليم بوست بتاريخ 25أغسطس 1994«بعد عشرة أيام فقط من أعتقال كارلوس» أن الفرنسيين قد عرفوا بوجود كارلوس فى الخرطوم عن طريق المخابرات الأمريكية، وذلك على اثر اجتماع فى جنيف بين الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون وأحد رؤساء الدول العربية«وقد ذكرته الصحيفة بالاسم»، وان السودان قد وافق على تسليم كارلوس للحكومة الفرنسية على وعد من الأخيرة بأن تعمل على اقناع واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وأن الحكومة الفرنسية قد قامت ببعض المحاولات فى هذا الاتجاه، ولكن ادارة الرئيس كلينتون رفضت ذلك.
    هذا الخبر يجعلنا نتحفظ على الجزء الأخير فى رواية د. الترابى«برغم أنه لا ينفيها أو يكذبها»، ونكتفى منها بالنقطة الأساسية فى موضوعنا وهى أن قيادة التنظيم، ممثلة فى الأخ الأمين العام، كانت أيضا «محجوبة»؛ مثلها فى ذلك مثل رئاسة الجمهورية، وأن الملف المتعلق بكارلوس، والتفاوض بشأنه مع الفرنسيين لم يكن للأخ الأمين العام علم به الا فى الأيام الأخيرة حينما أخبره الفرنسيون أنفسهم وحينما انكشف الأمر كله للخرطوم وصارت الحكومة تبحث عن «مخارجة» منه.« ولكن الذى نعجب له هو موقف الأخ الأمين العام بعد أن توارى كارلوس فى احد السجون الفرنسية، ما هو «القرار» الذى اتخذه بخصوص الجهاز الأمنى الذى كان يعمل تحت أمرته ولكنه كان يتحرك فى الداخل والخارج بلا علم ولا اذن من سيادته؟ هل قام بدعوة المجلس القيادى وطرح الأمر عليه؟هل شكل لجنة للتحقيق والمحاسبة؟ واذا لم يكن فى مقدوره أن يفعل أى شىء فى هذا الصدد فلماذا لم يتقدم باستقالته فى ذلك الحين؟ لماذا انتظر ست سنوات أخرى أتاح فيها للجهاز ذاته أن يواصل عملياته والتى تجلت ثمارها المرة فى ملف بن لادن وملف الرئيس المصرى؟».
    على أن الذى يهمنا هنا «وقد أكدته افادة د.الترابى ود.أمين واللواء صلاح» هو أن ملف كارلوس لم يكن مفتوحا لقيادة الدولة أو لقيادة التنظيم «ناهيك عما سواهما من أجهزة الشورى»، كما أنه لم يغلق بتلك الصورة «البريئة» التى عمل د.أمين جاهدا على ابرازها من أن «تسليم كارلوس تم فى اطار تفاهمات وترتيبات بين أجهزة وزارة الداخلية ووفق الأعراف القانونية». أما «التشاور المستمر» الذى يشير اليه د.أمين مع قيادة المؤتمر العربى والاسلامى وقيادة الدولة وقيادة الحركة الاسلامية فهو فيما يبدو تشاور اللحظات الأخيرة بعد أن انكشف الأمر وأبرمت الصفقات.
    والسؤال الأخير: هل كانت الأجهزة الأمنية تقوم بهذه التحركات والاتصالات بصورة مستقلة أم باتفاق مع بعض العناصر السياسية؟ الذى غلب على ظنى حين كتابة المقالات انها كانت تفعل ذلك بصورة مستقلة، ولكنها قد تقوم من حين لآخر بتقديم «تنوير» للقيادة، والقيادة تشتمل كما كنت أعتقد لعهد قريب على الأمين العام ونائبه وثلاثة أو أربعة من أمناء القطاعات الأساسية فى التنظيم، يضاف اليهم الرئيس ونائبه وثلاثة أو أربعة من الوزراء«السيوبر تنظيم كما أسماه د.عبد الوهاب الأفندى»، ولكنى بعد قراءة رسالة السيد رئيس الجهاز،والتى أورد فيها أسماء المجموعة القيادية التى تداولت فى ملف كارلوس واتخذت القرار بشأنه، علمت أن تلك «القيادة» لم تكن تتضمن الأمين العام والأمناء الذين أجازهم مجلس الشورى، واذا استثنينا الرئيس ونائبه فليس فى تلك القائمة الا واحد أو أثنان ممن ليس له صلة بجهاز الأمن؛ أى أن القيادة التى يتحدث عنها السيد رئيس جهاز الأمن هى جهاز الأمن ذاته، أو هى عناصر تتحرك فى فلكه، غير أن كل واحد منها يحتفظ بعدد من «القبعات»، فاذا لبسوا القبعات الحمراء صاروا «قطاعا» وزاريا، واتخذوا قراراتهم بتلك الصفة، واذا لبسوا القبعات الخضراء صاروا قطاعا سياسيا أو دبلوماسيا، واتخذوا ما شاءوا من قرارات بتلك الصفة، ولعل هذا هو السبب الذى جعل السيد رئيس الجهاز يقول بثقة تامة أن «القيادة السياسية» كانت على علم وأنها هى التى اتخذت القرارات.
    فعلى أى شىء يدل هذا؟ هل يدل على أن ما كنا نسميه قيادة ومجلس شورى قد تم تجاوزهما منذ عام 1994؟ و أن ما كنا نسميه «قيادة سياسية» قد تماهى فى الجسم الأمنى؟ وهل سيعنى ذلك أننا سنلتفت يوما «ومعنا د.أمين» لنجد أن قيادتنا السياسية صارت هى ذاتها قيادة أمنية، تتبنى أطروحات الأمن وتتحدث بلغة الأمن، من عينة «ان المسألة الأمنية لا تستأذن أحدا»؛ و «دبلوماسية المخابرات» و «الأمن الشامل»؛ أم أننا سنلتفت يوما لنجد أن قيادات الأمن قد ترقت حتى صارت هى ذاتها القيادة السياسية العليا فى التنظيم والدولة؟
    وسنواصل ان شاء الله.







    الصحافة
    14/4/2007

    الحركة الإسلامية والمسألة الأمنية
    «1»
    ذكر أن الشريف حسين الهندى «رحمه الله» كان يشتم رائحة انقلاب مايو 1969 قبيل وقوعه، وذلك استنادا على أنباء تواترت بأن هناك تحركات مريبة فى داخل القوات المسلحة، فنقل الهندى ذلك الى السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء والدفاع آنذاك. غير أن المحجوب اعتبر ذلك ضربا من الإشاعات التى يروجها الاتحاديون، ولكنه أحال الأمر على مضض الى القيادة العامة بغرض التحرى، فجاءه الرد سريعا وعلى الطريقة التى يهوى:إن تلك مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة. قرأ الهندى التقرير ثم التفت الى من كان بجانبه على الطائرة المتجهة الى طرابلس قائلا:ان كانت هذه معلومات السيد المحجوب والخواض فأخشى أن نتحول فى نهاية سفرنا هذا الى لاجئين سياسيين. لماذا؟ سأله المرافق، فرد الهندى: لأن تقرير القيادة العامة الذى يعتمد عليه المحجوب قد كتبه مأمون ود عمك عوض أبوزيد، أحد ضباط الاستخبارات العسكرية الضالعين فى التخطيط للإنقلاب. و صدقت معلومات الشريف، وصدقت توقعاته، أما بقية القصة فقد صارت جزءا من التأريخ المعروف.
    تذكرت هذا وأنا أبدىء وأعيد فى نوعية وصدقية المصادر التى يستمد منها د.أمين معلوماته عن بعض الوقائع الأمنية، حتى علمت أنه حينما كان يعمل فى القصر مستشارا كانت من ضمن مهامه أن يلخص بعض التقارير؛ يقول:«وقد كنت أكلف عندما كنت أعمل بشأن الصحافة والإعلام والمعلومات بالقصر باختصار وتلخيص التقارير أو التحليلات أو التوقعات، ولم يكن ذلك عملا أشتهى أن أكلف به كرة أخرى». فتذكرت قصة السيد المحجوب الذى كان ينفى وجود انقلاب معتمدا على «المعلومات» التى يمده بها الإنقلابيون.
    يقول د. أمين «كأنه يختصر واحدا من تلك التقارير»:
    «أما الحديث عن عروض لتسليم الشيخ أسامة للأمريكيين فمحض هراء وادعاء لا يستند على دليل، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تطلب تسليمه، والسودان وجهاز الأمن على وجه الخصوص لم يعرض تسليمه، وما كان لمثل هذا الطلب أن يكون، واستحالة الطلب العرض معلومة لمن يحتفظ بمليجرام من الثقة فى إخوانه...».
    ونحن نحتفظ بقدر من الثقة فى اخواننا، ونميل لتصديق ما يقوله د.أمين، ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نغمض أعيننا ونصم آذاننا عما تقوله مصادر أخرى كانت هى أيضا مشاركة فى هذه الأحداث. أنظر مثلا المقال المشترك الذى كتبه السفير الأمريكى الأسبق، تموثى كارنى، ومنصور اعجاز، الأمريكى المسلم ذى الأصول الباكستانية، ونشراه فى صحيفة الواشنطن بوست جاء فيه «والترجمة من عندى»:
    «اننا نكتب عن تجربة، فأحدنا«تموثى كارنى-دبلوماسى متقاعد» كان سفيرا للولايات المتحدة بالخرطوم، والآخر« منصور اعجاز-مدير مالى» لعبنا دورا غير رسمى يتمثل فى حمل رسائل بين الخرطوم وواشنطن فى أعقاب اخلاء السفارة الأمريكية بالخرطوم«من معظم طاقمها»....
    « فى فبراير من عام 1996 حاولت الخرطوم أن تتعاون«مع الولايات المتحدة» فى مجال مكافحة الإرهاب، اذ قام العقيد «.....» وزير الدولة بوزارة الدفاع«والذى يعمل الآن سفيرا للسودان بالأمم المتحدة» بزيارة سرية للولايات المتحدة مقترحا مقايضة: تسليم بن لادن الى المملكة السعودية فى مقابل تخفيض المقاطعة السياسية والإقتصادية للسودان، ولكن الرياض رفضت ذلك العرض.."
    «لاحظ أن هذه الرواية تتعزز بافادة لاحقة للرئيس بيل كلينتون، حيث ذكر« فى معرض اعترافه عن اخفاقاته فى محاربة الإرهاب» بأنه لم يتمكن من اقناع السعوديين بان يستلموا بن لادن من السودان ويضعوه رهن الاعتقال،« صحيفة وشنطن بوست،11مايو 2002».
    ثم يذكر الكاتبان فى المقال ذاته أن أحدهما «السفير كارنى» قد التقى وزير الخارجية السودانى فى الخرطوم، وأن الأخير قد عرض عليه تسليم بن لادن اذا كانت أمريكا ترغب فى ذلك...وذكرا فى المقال أن «......»من ادارة الأمن الخارجى قد أطلع أحدهما«اعجاز» على معلومات هامة عن مجموعة بن لادن ليقوم بايصالها الى الإدارة الأمريكية.
    واذا كانت هذه الروايات كاذبة ومختلقة، فلماذا لم تقدم وزارة الخارجية السودانية احتجاجا رسميا عليها، أو تصويبا فوريا لما ورد فيها؟
    ويقول د.أمين: "وأنتهز هذه السانحة لأؤكد جازما للأخ التجانى أنه لا الدولة السودانية، ولا أجهزة الأمن السودانية، قد عرضت أو سلمت أيا كان للحكومة الأمريكية أو غيرها، وأتحدى أيا كان أن يسمى شخصا واحدا سلمه السودان للحكومة الأمريكية أو لأى حكومة أوربية أو عربية، والأمر معروض بين يدى الحركات الإسلامية جميعا، بما فى ذلك القاعدة وحركة الجهاد الحليفة لها أن تعلن اسم شخص واحد سلمه السودان أو أجهزة الأمن السودانى».
    كنت أتوقع من الأخ الصديق د. أمين أن يدعو، بدلا من أن يتحدى، لتكوين لجنة محايدة من أهل الأمانة والكفاءة توكل لها مهمة تقصى الحقائق فى تصرفات الأجهزة الأمنية فى الفترة السابقة، على أن تنشر تقريرها على الجمهور، فمن حق المحكومين أن يعرفوا الحقيقة كاملة عن تصرفات الحاكمين و«انجازاتهم»، وأن يقيموا التجربة، وبهذه الطريقة يكتسب حوارنا هذا قيمة وجدوى تضاف الى تيار الاصلاح. أما «التحدى الأقرع» فلا معنى له لأن د.أمين يعلم أن مثل هذه العمليات السرية الغامضة تعتبر «خطوطا حمراء» عند الأجهزة الأمنية، ولن يتسنى لشخص واحد ممن هم خارج السلطتين:سلطة التنظيم وسلطة الدولة، أن يطلع عليها، مما يفتح المجال واسعا للتخمينات والظنون.
    ولكن دعنا على أية حال ننظر فى معلومات الأستاذ يسين عمر الإمام، فهو أيضا قد كان من المطلعين على بواطن الأمور.يقول الأستاذ يسين:«صوت الشعب،بعنوان: أخطاء يجب أن تصحح، الحلقة الثالثة»
    «لقد قام معاونو المخابرات العالمية«فى جهاز الأمن السودانى» بتسليم من استجاروا بالبلاد والمستضعفين فى بلادهم الى حكوماتهم من غير اتفاقيات أمنية توجد بين السودان وتلك الدول؛ طرد التونسيون، وسلموا الليبيين وآخرين للولايات المتحدة ومصر وحتى إرتريا، والشواهد كثيرة ومعروفة ولا داعى لذكر «الجزار». ويذهب السيد يسين عمر بعيدا فى هذا الاتجاه ليؤكد الى «ان نافذين داخل نظام الإنقاذ «لعبوا بذيلهم» ووثقوا علاقة متينة بوكالة الاستخبارات الأمريكية عبر أجهزة مخابرات دولة مجاورة......»
    وقد يقول قائل ان ما يرد على لسان السيد يسين عمر الإمام و د.الترابى وأمثالهما فى قيادة المؤتمر الشعبى ينبغى أن يتحفظ عليه، فهم يكتبون من موقع الخصومة السياسية الحادة، بل انهم يخوضون معركة مع الطرف الآخر لم تنته بعد.وهذا صحيح، ونحن لا نجاريهم مجاراة تامة فيما يذهبون اليه، ولكن حتى حينما نكتفى بما هو مؤكد من أن الأجهزة الأمنية قد قدمت كل المعلومات المتاحة لديها الى أجهزة المخابرات الأمريكية، فسنجد أن الفرق ليس كبيرا بين أن تقدم معلومات لأجهزة المخابرات الأمريكية والتحقيقات الفيدرالية عن بعض الأشخاص تتضمن أسماء وصورا وخلفيات تعليمية ومهنية، وأن تلقى القبض عليهم بالفعل وتسلمهم لها. والأدهى والأمر من كل هذا أن اسم السودان لم يرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب حتى يومنا هذا، وذلك برغم التفاهمات والتسهيلات والكشوفات التى تبرعت بها أجهزتنا الأمنية. فأين هى المصلحة الكلية«وطنية كانت أو إسلامية» التى تحققت، وما هو الضرر الذى أزيح، اذا كان لنا أن نتكلم بلغة الفقهاء ؟ ألم تضاف الى تهمة الدول الراعية للإرهاب تهم جديدة؟ ألم تضاف الى قائمة المطلوبين للعدالة قائمة جديدة تتضمن بعضا من العناصر التى كانت تقود خط «التفاهمات» مع المخابرات الأمريكية، ألم يصرح بعض من كانوا على رأس جهاز الأمن بأن تحسين العلاقات مع أمريكا ضرب من ضروب الوهم؟
    غير أننا لا نستطيع أن نتجاوز مسألة «الوقائع» هذه دون تطرق لحادث الرئيس المصرى، اذ قد رأينا فى المقالة السابقة كيف أن رئاسة الجمهورية لم تكن تعلم بوجود السيد كارلوس فى الخرطوم، وكيف أن د.الترابى، الأمين العام للتنظيم، لم يكن على علم بذلك، بينما كان جهاز الأمن وحده هو الذى كان على علم بوجود كارلوس منذ «أن وطأت قدماه أرض المطار». السؤال التلقائى هنا:هل كان حادث اغتيال الرئيس المصرى« والذى لا يعدو فى رواية د. أمين أن يكون اتهاما بالتستر» هل كان هو كذلك ملفا «محجوبا» عن رئاسة التنظيم ورئاسة الدولة؟
    ولنعد مرة أخرى لرواية د.الترابى مع قناة العربية:
    أحمد: معناه أن الرئيس نفسه كان على دراية؟
    د.الترابى: لا، كلا، الرئيس نفسه عينا لم يكن..
    أحمد: طب كيف علمت أنت؟
    د.الترابى: علمت بعد ذلك، بعد أن وقعت الواقعة.
    فالدكتور الترابى ينفى مرة أخرى أن يكون هو أو الرئيس البشير على علم بذلك الحادث الغريب. أما السيد يسين عمر فيقول:
    «والحقيقة ان الأمر «محاولة اغتيال الرئيس المصرى» لم يعرض لا فى اجتماعات القياديين، ولم يسمع به أحد حتى فى كواليس الحركة الاسلامية، وتداولته الدوائر المنفذة والمخططة بمعزل عن القيادا».
    «2»
    هذا ما كان من شأن «الوقائع»، الا أن بعضا من خلافنا مع د. أمين ليس فقط حول «الوقائع» التاريخية التى تنفى ما تصوره «اتهامات» موجهة ضد جهاز الأمن القومى، انما هو خلاف يمتد الى «الإطار الفكرى» الذى تولدت فيه تلك الوقائع، أو قل ليس هو خلاف حول التاريخ، وانما هو خلاف حول «الرؤية» والثقافة السياسية التى يستند عليها الأمنيون فى تحركاتهم السياسية والدبلوماسية، والتى يتصورون الأمن بموجبها عاملا مستقلا يؤثر ولا يتأثر. وهناك فرق كبير بين من يرى أن «الأولوية القصوى» فى العلاقات السياسية «الداخلية والخارجية» ينبغى أن تكون للأمن، وبين من يرى أن الإعتبار الأمنى عنصر واحد ضمن «نسيج استراتيجى متكامل»، تتعاظم أهميته أو تتضاءل فى تناغم مع المتغيرات الأخرى التى تتكون منها الإستراتيجية السياسية. فى الرؤية الأولى «والتى يطيل الدكتور أمين فى شرحها» تكاد العملية السياسية كلها أن تندرج فى العامل الأمنى، حيث يكون الاعتبار الأمنى هو «المتغير المستقل» الذى تتحدد فى ضوئه كل المتغيرات الأخرى وتكون تابعة له، مما يعطى الأجهزة الأمنية القدح المعلى ليس فقط فى جمع المعلومات وتحليلها، وانما فى اقتراح السياسات، ووضع المبادرات، واجراء المفاوضات، وتنفيذ العمليات.وسوف لن يكون لوزارات الخارجية والدفاع والداخلية«أو حتى وزارة المالية» دور يذكر فى السياسات العامة للدولة. أما فى الرؤية الثانية التى نحاول التعبير عنها فان الاعتبار الأمنى ليس عاملا ثابتا مستقلا، وانما هو واحد من «المتغيرات» داخل الإستراتيجية السياسية، مما يستلزم وجود عدد من الإدارات والمسارات، كالمسار السياسى والاقتصادى والثقافى، وعدد من الادارات والقيادات التى تجعل تلك المسارات تتحرك جنبا الى جنب مع المسار الأمنى فى تحقيق الإستراتيجية الموحدة. وفى هذه الرؤية لا يمكن أن يعزل عنصر واحد من عناصر الإستراتيجية «كالأمن مثلا» ويعطى «أولوية قصوى» لعشرات السنين، تغدق عليه الموارد البشرية والمادية بالصورة التى نراها، لا يحدث هذا الا فى بعض حالات التنظيمات السرية المغلقة.
    والذين يقفون هذا الموقف يذكروننا ببعض المتطرفين من أصحاب المدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية، والذين يرون أن القوة «العسكرية» هى أهم عنصر من عناصر القوة القومية، وان العناصر الأخرى«مثل الاقتصاد، والدبلوماسية، والمشروعية الأخلاقية» لا تكون لها أهمية الا بقدر تحولها الى قوة عسكرية. ولكأن د.أمين يسحب هذا من المجال العسكرى الى المجال الأمنى، فلا يرى أهمية لعناصر القوة الأخرى الا بقدر جدواها الأمنية المباشرة، ولكنا نعتقد على خلاف الواقعيين أن الدبلوماسية الماهرة قد تجنب البلاد مواجهات عسكرية لا قبل لها بها، وأن النموذج الأخلاقى الناصع قد يجذب جمهورا فى الخارج والداخل تفوق قوته قوة الجيوش والمخابرات.
    ثم نختتم هذه المحاورة بالتأكيد على أننا حينما أشرنا الى ظاهرة التحالف بين الأمن والقبيلة والسوق لم نكن غافلين عن أهمية صيغ «التحالف»، اذ أن التحالف قد يكون وسيلة سياسية مناسبة وفرت وتوفر الاستقرار لكثير من النظم فى كثير من المجتمعات، ولكن عناصر التحالف فى النظام الاسلامى لا بد أن يكون من بينها عنصر «الفكرة» التى توفر المشروعية، كأن تتحالف مجموعة اسلامية حاكمة مع مجموعات أخرى بأن تجعل مصالحها تتداخل مع مصالح الفئات الإجتماعية الأخرى، وأن يعبر عن هذا التحالف من خلال فكرة أو مبدأ يجد قبولا واسعا فى أوساط الجمهور العريض، أما فى غياب الفكرة فان التحالف لن يعدو أن يكون تحالفا مصلحيا محضا يوفر استمرارا محدودا للمجموعة الحاكمة ولكنه لا يوفر «مشروعية»، فاعتراضنا لم يكن على صيغة التحالف من حيث هو ولكن على «تغييب الفكرة» واحلال التدابير الأمنية مكانها.
    هذا، ولعل القراء يقدرون أن على الكاتب أحيانا أن يتوقف قبل أن يوقف، وللحديث بقية ولكن بعد حين ان شاء الله.ونشكر الأخ د. أمين فقد أفاد وأجاد.


    اخواننا المهلوسون
    الصحافة 8/4/2007

    أحــــاديث فى الخصــــوص
    لقد أخذت على نفسى أن أكتب فى السياسة، حينما أكتب، بأقصى درجة ممكنة من «الموضوعية». والموضوعية عندى لا تعنى الحياد المطلق، أو التجرد الكامل من الذات، فليس ذلك فى مقدور البشر، وانما تعنى أن يجتهد الكاتب فى البحث عن الحقيقة، وألا ينكر الحقائق التى يثبتها الحس السليم ويشهد بها العقل الراشد، وألا يضيق بالرأي المخالف، وألا يحقر صاحبه، وألا يختلق له «صورة» من عنده ثم يلبسها له قسرا،وأن يبتعد عن المطاعنة والملاعنة وفاحش القول وبذيئه. هذا من حيث المنهج، أما من حيث الهدف فنحن نعمل من أجل تحريك حوار عام وعميق عن أمور مشكلات تتعلق بالتنظيم السياسى والدولة والمجتمع، باعتبار أننا نمر بمرحلة عصيبة فى تاريخ الحركة الإسلامية وفى تاريخ السودان، وباعتبار أنه اذا تم تبادل للأفكار، وتمحيص دقيق للآراء، ومراجعة أمينة للأخطاء، أمكننا أن نستبين الوجهة الصائبة فنسعى نحوها دون صراخ أو تشنج، أو خبط بالأيدى أو دبدبة بالأقدام.
    وكنا وما نزال نتوقع شغبا من هنا وهناك، ولكننا نحرص على تجنبه، اذ أن أكبر ما يعوق حركة المراجعة والإصلاح، ويقطع عليها الطريق، هو «الأعشاب الضارة» التى تحول الحوار الفكرى الجاد الى شغب وهياج. ثم قرأت شيئا مما كتبه الأخ الصديق الأستاذ عبد الرحمن الزومة فى عموده اليومى بصحيفة «السودانى»، فوجدته يضيق بالموضوعية التى نلتزمها ويعتبرها سبة، ويسخر من اللقب العلمى «الأنيق» الذى نحمله، ويعتقد أن المقالات التى قمنا بنشرها لا تحتوى على فكر وانما هى ضرب من الدعاية السوداء والعمالة الرخيصة.
    ثم وجدته قد صمم لشخصى الضعيف «سيرة» ذاتية كاملة، «اكتشفت» فيها أننى أعيش فى أمريكا، ليس كما يعيش عامة الناس وانما أعيش فى «مأزق»، وانهم هناك «أقصد الأمريكيين الملعونين» يطلبون منى ومن أمثالى أن نتخلى عن مسلماتنا، وأن ندفع «ثمنا مذلا ومهينا»، «يتمثل فى بعض الأمور الإجتماعية الخاصة بتربية الأولاد و«البنات»»؛ وأنهم، قاتلهم الله، يطلبون منا «فاتورة» أخرى ستتعلق باعلان البراءة من المشروع الاسلامى». ثم يؤكد الأستاذ الزومة، وقد بلغت هلوسة «الفاتورة» مداها أن: «الذين يعيشون فى أمريكا ومن بينهم بالطبع التجانى عليهم دفع هذه «الفاتورة» شاءوا أم أبوا»، ولكنه يعود ويضع لنا خيارا فيقول: «طبعا هناك حل آخر وهو العودة الى ديار الإسلام «أى الخرطوم/مدينة الرياض، حيث يقيم الزهاد من أهل الصفة»، ثم يستدرك: «ولكنه حل صعب لمن «افتتن» بالحياة فى أمريكا»؛ ويختتم مقالته بلغة الخبير النفسانى: «هؤلاء الأخوة لا يقبلون هذا التحليل« مثلنا طبعا مثل كل المرضى النفسانيين»، ولكن الواحد منهم عندما يضع رأسه على مخدته ليلا، فان أكثر ما يبعد عنه النوم هو هذا «الثمن» المهين الذى عليه أن يدفعه مقابل تلك الحياة الفانية فى أمريكا»؛ وهكذا، فنحن عند الأستاذ الزومة لسنا مجرد عملاء وانما نحن مرضى نفسيا، وهو يراقبنا فى غبطة وسعادة ونحن نأخذ الثمن المهين، ثم يراقبنا ونحن نضع رؤوسنا على مخداتنا بالليل وقد أرهقنا السهاد.
    قرأت هذا فقلت لنفسى: أليست هذه هلوسة؟ فالمهلوس لغة هو الذى يصنع صورة مقلوبة للواقع، ثم يدخل معها فى مناطحة، مستخدما كل ما يقع على يده من أسلحة الدمار الشامل، فاذا استيقظ على لكزة من صديق،أدرك أنه كان فى معركة وهمية مع «صور» لا علاقة لها بالواقع. ان صديقنا الزومة رجل «ملتزم»، قضى نحو عقدين من الزمان مغتربا فى السعودية، يحج ويعتمر ويحسن أحواله المعيشية على مقربة من البيت الحرام، فى وقت كان معظم أعضاء الحركة الإسلامية فى السودان يمرون بأحلك الظروف، ما بين معتقل ومشرد ومطارد، حتى اذا عبرت الحركة الاسلامية من حالة الإستضعاف الى حالة «الإنقاذ» عاد الأخ الزومة من السعودية لينفض الغبار عن «أسلحته» القديمة ليدافع عن المشروع الإسلامى ضد أمثالنا من «المارينز السودانيين» الذين يذمون الحركة الاسلامية ويشوشون عليها. غير أن النقطة الأساسية التى بنى عليها كل هذه المعركة الهائلة، والاتهامات المهولة هى أننى أعيش فى أمريكا، وأن القراء يشترون مقالاتى لا لشىء الا لأنى أكتب من أمريكا. وهى نقطة غير صحيحة البتة، ولا أظنه يقصد الكذب، ولكن لعله لم يسمع بأنى قد غادرت الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة، طائعا مختارا، وأنى أقيم الآن فى أحدى الدول الإسلامية«كما كان هو يفعل»، وأكتب منها هذه المقالات، وليس على أن أتخلى عن معتقداتى أو أساوم فى تربية أولادى و«بناتى» كما تصور ونشر على الناس.
    ولكن هب أنى مقيم فى أمريكا، فمن أين أتى بهذه الصورة «الكاذبة» عن المسلمين هناك؟ صورة المسلمين الذين تحولوا الى خونة وعملاء ومنافقين؟ واذا كانت هذه الصورة صحيحة فلماذا يحدثنا فى أحد أعمدته «28/2/7» وفى فرحة غامرة عن مخاطبة الرئيس البشير عبر الاقمار الصناعية جمهور المصلين فى مسجد ديترويت بولاية متشيجان الأمريكية عقب صلاة الجمعة، ويعتبر ذلك «أمرا مهما وتطورا غير مسبوق فى المسيرة السياسية والإقتصادية والفكرية فى السودان» ثم يبشرنا بميلاد محور جديد هو محور الخرطوم ديترويت «هلوسة..هلوسة»، ولكن السؤال هنا: لماذا تقيم حكومة الإنقاذ محورا مع المسلمين العملاء الذين أعلنوا البراءة من الإسلام وقبضوا «الثمن» من الحكومة الأمريكية؟
    ثم قلت لنفسى مرة أخرى لعل هذه حالة واحدة من حالات الهلوسة النادرة، والنادر لا حكم، فلماذا لا نتمهل لنقرأ جزءا آخر من أعمدته الخمسين التى تثبتها الصحيفة على الإرشيف.وقمت بالفعل بقراءة سريعة فى مقالاته السابقة، فتوقفت عند مقال له يعرض فيه رسالة من أحد القراء الذين وصفوه بأنه «من المنافحين عن الإنقاذ بينما كثير من الإعلاميين الذين دربتهم الحركة الإسلامية انحنوا للهجمة الشرسة التى تقودها اقلام «المارينز السودانيين»؛ ويعلق الزومة على ذلك قائلا:ولم يوضح من يقصد بهؤلاء المارينز غير أننى عرفتهم، مؤكدا أنه قد بدأ الدفاع عن هذا المشروع الاسلامى فى وقت كان بعض هؤلاء المارينز أطفالا لا يحسنون الحديث، ويلبسون «العراريق» المثقوبة فى بعض الأصقاع السودانية النائية،«ولك أن تلاحظ عبارة «أصحاب العراريق المثقوبة» ثم عبارة الأصقاع النائية، وما فيهما من ايحاء طبقى بغيض بأن السيد الكاتب ينحدر من طبقة اجتماعية لا يلبس أطفالها «العراريق المثقوبة»، أما من يخالفونه الرأي فقد كانوا فى طفولتهم من المشردين، أنصاف العراة، من أبناء الأصقاع«وليس الأقاليم أو الولايات» النائية.
    وقد لا يدرك القارىء أن عبارة «الإعلاميين الذين دربتهم الحركة الإسلامية ثم انحنوا للهجمة الشرسة وصاروا مارينز سودانيين» هى تعريض ببعض الأفراد الذين بعثتهم الحركة الإسلامية فى أواسط الثمانينات من القرن الماضى ليكملوا دراساتهم العليا فى الولايات المتحدة، ولكنى لم أكن منهم كما يتوهم الكاتب، اذ أننى تلقيت دراساتى كلها، ما دون الجامعة وما فوقها، على حساب الشعب السودانى الأبى، الذى لا يتبع صدقاته منا ولا أذى، وبالتالى فليس هناك «فاتورة» يجب على سدادها،كما يتوهم الكاتب الصديق.أما أولئك الأشخاص الذين يعرض بهم ويسخر منهم فلا نعرف عنهم الا خيرا، وأغلبهم يوجد الآن على مقربة منه فى حكومة الإنقاذ، يدافعون عنها بأحسن مما يفعل.
    على أننا لم نفرغ بعد من الحديث عن الاشارة الى أصحاب «العراريق المثقوبة» و «الأقاليم النائية»، اذ أنها ليست مجرد اشارة عابرة بقدر ما هى مفهوم يتكرر فى كتابات الأستاذ الزومة، فهو مثلا حينما يريد أن ينال من مثلنا من «الإسلاميين الذين يعيشون تحت وهم الموضوعية واختاروا الإقامة فى بلاد الغرب» لا ينتقد أفكارنا، أو مناهجنا فى البحث والتحليل، أو أدلتنا، وانما يمتن علينا بالمشروع الإسلامى «الذى رفع من قدرنا وأعطانا ما لم نكن نحلم به وبعث بنا الى بلاد الأفرنج...الخ.»؛ أى أنه يعود مرة أخرى ليخلع علينا الصورة ذاتها: صورة اللقطاء والمشردين«أصحاب العراريق المثقوبة من أبناء الأصقاع النائية»، ثم ليذكرنا بأن «المشروع الإسلامى» هو الذى رفع من قدرنا،«والمقصود بالمشروع الاسلامى فى هذا السياق ليس الاسلام ذاته، اذ أننا كنا مسلمين والحمد لله قبل الدخول فى الحركة الاسلامية، ولكن المقصود هو النخبة المباركة التى يتقدمها الأستاذ الكاتب أو يتوسطها «من أصحاب العراريق غير المثقوبة ومن أبناء «الأقاليم» غير النائية».
    على أن الذى يحيرنى هو هذا «النمط» من الخطاب «الصراعى- الخارجى»، والذى يتصور أصحابه أن كل مشاكل الحركة الاسلامية تأتى من «الخارج»، والخارج عندهم يبدأ بالشيوعيين، الأموات منهم والأحياء، ثم القوميين «على غير تمييز بينهم»، ثم اسرائيل وأمريكا، ثم مجلس الأمن وإبليس.وأن أى ناقد أو دارس للحركة الأسلامية «أو حتى لحكومة الإنقاذ» لابد أن يكون واحدا من هؤلاء«الأنجاس المناكيد»، أو أن لم يكن منهم فهو على صلة بهم، وأن تلك الصلة لا يمكن أن تكون صلة فكر أو منهج وانما هى دائما صلة «عمالة» مدفوعة الثمن، أيا كان ذلك الثمن، ولذلك فان ما يكتبه هؤلاء ليس فكرا يستحق القراءة والنقد وانما هو مجرد تشويه للحركة الاسلامية يقوم به «عدو لدود» تجب محاربته، و«فقع» مرارته، و«هرد» أحشاءه، و«فرم» كبده كما ورد فى الميثاق الصحافى الجديد الذى أعلنه السيد الزومة«19/2/07».هذا الأسلوب الهوسى/التشنجى كنا نحسبه قد أنقرض، خاصة بعد أن انتهت الحرب الباردة، وسقط الاتحاد السوفيتى، وتبعثرت منظومة الدول الشيوعية، وما سبق ذلك ولحقه من تصدع للحركات الناصرية والبعثية، وكنا نمنى أنفسنا بأن الحركة الإسلامية قد تجاوزت مراحل الطفولة السياسية، فاذا بالأسلوب القديم يطفح مرة أخرى، فلا ندرى هل هذا جزء من استراتيجية اعلامية جديدة، تقوم على «هرد» الأحشاء و«فرم» الأكباد كما يبشرنا الأستاذ الزومة، أم هى مجرد «اجتهادات» منه.أما ما نعلمه يقينا فهو ان مشاكل الحركة الإسلامية توجد فى «داخلها»، وأن بداية الإصلاح تكون بمواجهة الذات والإنتصار عليها قبل مواجهة الخارج. «أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم، ان الله على كل شىء قدير» «آل عمران:165».صدق الله العظيم.
                  

العنوان الكاتب Date
فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-06-07, 06:23 AM
  Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-06-07, 06:27 AM
    Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-07-07, 08:48 AM
  Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان البحيراوي05-06-07, 07:30 AM
    Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-08-07, 05:47 AM
      Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-14-07, 11:16 AM
        Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك05-27-07, 05:23 AM
          Re: فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين الاخوان الكيك06-10-07, 10:13 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de