|
|
 مع د. فاروق محمد ابراهيم النور- من في يده القلم-القضية الدستورية ضد النائب العام والمجلس الوطني
|
مع د. فاروق محمد ابراهيم النور
من في يده القلم
القضية الدستورية ضد النائب العام والمجلس الوطني.
كانا شابـين في ريعان الصبا بهما ما بالشباب من فوران واندفاع . وكانا على علاقة حب وهيام امتدت لسنوات وتوجتها خطوبة كان المؤمل أن تنتهي بهما إلى زواج .
وكانت ليلة من ليالي لندن فيها شيئ من بهجة الربيع وروعة أماسيه ، وبهما شوق إلى بعضهما يتجدد مع كل جديد ، وانتبذا بسيارتهما مكانا قصيا . . في ركن من شارع ينتهي إلى ميدان قد قل ضجيج الحركة والمارة فيه . ثم تحولا ليجلسا على المقعد الخلفي للسيارة ، ويغيبا في تقبيل وعناق أنساهما ما حولهما . ولم يكن في التقبيل والعناق بين شباب الغرب على مرأى من الناس ما يعيب . ولكن رجل الشرطة كان له رأي آخر ، فلقد سعى إلى السيارة متلصصا وقرر أن الشابين كانا يأتيان عملا فاضحا في مكان عام . فلو سكت المجتمع عن التقبيل والمعانقة في مكان عام ، فإن القانون لا يسكت عن العمل الفاضح في مكان عام ، وهو هنا ليطبق القانــون ، لذلك ألقى القبض على الشابين ، وساقهما لمركز الشرطة ليبقيهما فيه حبيسين ريثما يطلق سراحهما بكفالة ، وليوجه إليهما الإتهام بإتيان فعل فاضح في مكان عام .
في المحكمة وضح أن الشابين مخطوبين وأن خطبتهما إمتدت لسنوات ليست بالقصيرة وأنه بالرغم عن امتداد علاقتهما لعدد من السنين لم يشبها ما يخدش عذرية الفتاة أو يضر بها . الفعل الفاضح كان في وهم الشرطي فقط . تبرئة الشابين من إتيان الفعل الفاضح في مكان عام كان معناه وقوع خطأ في اعتقالهما ، وسبقه خطأ آخر في إلقاء القبض عليهما .
وجاء دور الشابين ليقيما دعوى بالـتعويض عن : القبض الخطأ ، الحبس الخطأ ، الإتهمام الخطأ . المحكمة كانت مشكلة من قاض وعدد من المحلفين من جنس واحد أو من خليط من الجنسين . بين إلقائه القبض على الشابين وإقامتهما الدعوى ضده كان رجل الشرطة قد ارتكب خطأ إداريا استوجب معاقبته وتخفيض رتبته من جاويش إلى مجرد شرطي . تخفيض الرتبة كان سيكون واضحا لو أنه تزيا بزيه الرسمي ، وحتى لا تنكشف هذه وجهه محاميه لأن لا يتزيا بزيه الرسمي وهو يظـهر أمام المحكمة ، ثم دأب على مخاطبته بإسمه متجنبا مناداته بوظيفته . ولما كانت المحكمة تنادي عليه بوظيفته كما جرت العادة لم يتدخل المحامي ليبين للمحكمة أن وضع المدعى عليه قد تغير وما عاد كما كان يوم رفعت الدعوى . ويشاء حظ المحامي العاثر أن تكتشف المحكمة حقيقة تخفيض رتبة رجل الشرطة فما كان منها إلا أن قدمت المحامي لمجلس تأديب بتهمة تضليل المحكمة لأنه لم يصححها وهي تنادي الشرطي برتبة ما عادت له . ولأن حقيقة التغيير في وضع المدعى عليه لو كانت معلومة للمحلفين ربما أولوا شهادته أمام المحكمة وزنا ما كان يمكن أن يكون لها لو كانت حقيقة تغيير وضعه معلومة لديهم ـ الأمر الذي قد تتـأثر به العدالة مع العلم أن الحكم قد انتهى لصالح الشابين . مجلس التأديب أدان المحامي وقرر شطب قيد ه لسنوات ثلات ، كان بعدها محتاجا لأن يبدأ من الصفر بعد أن أفقده الحكم وجاهة مكانه وتميزه المهني .
استحضرت هذه القضية وأنا أقرأ الدفاع المستميت الذي قدمه النائب العام في القضية الدستورية التي أقامها د. فاروق محمد ابراهيم النور يطلب الحكم له بعدم دستورية مواد في قوانين حكومة السودان ، وتقديري أنه يريد أن يفتح لنفسه بابا آخر لينفذ منه إلى المطالبة بحقوق أضاعوها عليه مع الترصد وسبق الإصرار ، ثم تلفحوا بعباءة من نصوص قانون صاغوه هم ليمنعوا عن أنفسهم المساءلة .
المثل في السودان " يسووها الصغار ويقعوا فيها الكبار " ولكن مثل السودان ابتدعنـاه نحن ليوائم أهل إنجلترا ، أما عندنا فقد غير فيه الإنقاذ هو الآخر ، فانقلب ليصبح " يسووها الكبار ليقع فيها الصغار " . إن الأفعال التي تقام الدعوى بصددها ـ الماثلة والمؤملة ـ من عمل الكبار ، والمناطحة والإستماتة تركت للصغار ليحكموا السياج الذي أقامه الكبار حول أنفسهم طلبا للحماية وابتغاء للمنعة .
إلا أن تكون مواليا ( وبعد الولاء فإنك لا تحتاج إلى محفز ) فإن الوظيفة وما تبذله من مغريات في الترقي والعلاوة وربما مغريات أخرى لا تترك للموضوعية مجالا لتعمل فيه . ينضاف إلى ذلك أن وزارة العدل ،( والتشـريع من عملها ) ، تدافع عن نصوص هي من عملها . رب قائل أن موضوع التشريع أمر للسياسة وأن السياسة من شأن الوزير، والوزير في وزارة العدل يسمونه النائب العام . فماذا لو ترك للنائب العام أن يدافع بشخصه عما نسج لا أن يترك أمر الدفاع عن ذلك للصغار فيعرض الأخلاق وقدرات المهنة لما قد تتعرض له ويبقى هو بعيدا يسوّس العدالة فيوردها " في قاع سجين " ، في كلمات من بيت في شعر للبنا يقول فيه : يحتال بالدين للدنيا ........إلخ .
صالح فرح ـ أبوظبي .
السوداني 12/1/2008
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
tariq
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست