حكاية مها قصة قصيرة مالك معاذ سليمان اريزونا-اميركا
لم تكن العروس مها , قد اكملت احلام يقظتها , عندما هبطت طائرتها بسلام , في مطار " جي اف كينيدي " بنيويورك رغم الضباب الكثيف , والجليد , المنتشر , في كل مكان . هدير تصفيق ركاب الطائرة , تقديرا لذلك , الكابتن القدير , قطع حبل افكارها , وشتت كل ما رسمته , في مخيلتها , من صور خيالية , لبلاد العم سام , التي طالما حلمت برؤيتها . فهاهي الان , بلحمها , ودمها في حضن كبرى مدن الدنيا . شريط ذاكرتها , يرجع بها الى سنين خلت, عندما , كان , كل طموحها في الحياة , متمثلا في زيارة الخرطوم, حيث الحدائق الغناء , والطرق المسفلتة , والعمارات السوامق , التي تنافس في علوها , صهريج قريتها , القابعة في احضان النيل . نعم زيارة الخرطوم , حيث السيارات المختلفة الالوان والاحجام . خرطوم الايسكريم ومنتزه المقرن , وقاعة الصداقة . أما العريس وليد , فلم تسعه الفرحة , فرحة اقترانه , ببنت عمه , بعد سني غربة عجاف , قضاها ما بين , الخليج , وامريكا . دعوات الاهل , وتهانيهم , ما زالت , رطبة , تداعب اﺫنيه ( ان شاء الله بيت مال وعيال , ان شاء الله تغلبها بالدولار , وتغلبك بالعيال ) . اريج العطر و البخور , يكسو جو العرس بحلة الفرح والحبور . وجه مها الملائكي , وعيناها الواسعتان , المرتويتان , من فيض الجمال , والابداع الالهي , دعوات الوالدة , المصحوبة , بدموع الفرح , ضحكات الاصدقاء , وتمايلهم , طربا مع الشدو الجميل . اصوات الصبايا , الشجية يرددن وليدنا ساير , يا ود القبايل ) . سيناريو العرس الجميل . فرحة مها بهذا العالم الجديد , ودهشتها الطفولية , وهي تشاهد كل مباهج الحياة , امام ناظريها . كل هذه الاحداث كانت تصب في بورصة سعادة وليد , وتزيد من بهجته , وتشبثه بهذه الحياة الجميلة . فكانت مها تمثل كل شئ لديه , يخاف عليها حتى من نسمة هواء باردة. يحتويها بحنان دفاق , بكل مشاعره , وأحاسيسه , يحملها بين اضلعه وجوانحه ووجدانه . يعاملها كجوهرة ثمينة , يخشى عليها , من قدر الزمان وأهله . ولكم أقسم امامها في ظل النشوة , بأنه اسعد مخلوق على وجه هذه البسيطة , وأن كل سعادة عداه , انما هي محض زيف , وكذب و هراء, ولكم أقر لها بانه لا يساوي بدونها شيئا , وانه في غيابها نكرة , وأن حياته بدونها , جحيم لا يطاق , و أنها المبتدأ , وهو الخبر , وأنها الجار وهو المجرور , وأنها كذا وكذا وكذا , فأغدق عليها حبا بلا حدود , وأخلص لها اخلاصا ما بعده اخلاص . فحلقا بسعادتهما عاليا , فوق كل البشر , ونحتا اسميهما على خد القمر , وسافرا مع الأنجم الى عوالم العشق , والسعادة والفرح . وفي خضم ﺫلك الحب الدفاق , ازدادت تطلعات مها وطموحاتها , نحو حياة أفضل , فرأت أن تكمل تعليمها , فلم يمانع وليد , بل شد من أزرها , وازداد فخرا بها واعتزازا . وخلال مشوارها الدراسي , توسعت تجاربها , من خلال احتكاكها بالمجتمع الجديد , وما بنته من علاقات وصداقات عدة . فبدأت نظرتها للحياة , تتغير رويدا رويدا , وأضحت تنظر الى مجتمعها , نظرة ازدراء وشك , وريبة . تمخض عن ﺫلك نزعها لثوب الحشمة والوقار , فرمته اسفل سافلين . وأرسلت شعرها , وتركته يسرح ويمرح , كما يشاء . واختارت المحزق من الجينز , واخر صيحات الموضة , من الشورتات والبلوزات . فبرزت مفاتنها بروزا جذب اليها طلاب الخلاعة و انصار الفتنة , فتكالبوا عليها بالمناكب , يخطبون ودها , وصداقتها , وطفى على سطح قاموسها اللغوي , مصطلحات جديدة , مثل الحرية , وصداقة المتزوجة برجل اخر . كان نقاشها لهذه الامور , مع وليد يحتد , ويمتد , الى ساعات طوال , فلا يصلان في النهاية الا الى طريق مسدود , لكنها رغم ﺫلك كله , تبدو واثقة من نفسها , بل معتقدة تمام الاعتقاد , بأنها على حق وأن وليد ما زال يرتع في مستنقع الجهل والتخلف , وأنه سوف يؤمن , بأفكارها العصرية يوما ما , سيما وأنه غارق في حبها حتى أذنيه , فكانت تستمرئ نقطة ضعفه تلك , فتتمادى غيا ,و عنتا , وعنادا . كان وليد يتابع غير مصدق , صعودها المتسارع نحو الهاوية ,يوما تلو الاخر, فيطرق كل ابواب المستحيل ليغير شيئا, فيستحلفها باسم الحب تارة , وبصلة القربى والدم تارة اخرى , فتذهب كل محاولاته ادراج الرياح . كان يرى صرح حبه الذي بناه بعرق السنين ينهار لبنة لبنة , فلا يقوى على اقامته او ترميمه , بل يرى عش سعادته تذروه الرياح وحصاد اماله , يتبعثر هنا و هناك , فيقف حائرا , مشدوها , فيغالط نفسه احيانا والقدر , ويتساءل بحسرة , والم , ويلح في السؤال , وليس من مجيب . فأظلمت الدنيا امام عينيه , وضاقت عليه بما رحبت , وانطمست معالم بهجتها , فلا شمس الصباح , اضحت تؤجج حبه , ولا مغيبها امسى يخلب لبه , ولا القمر في كبد السماء يكفكف دمعه . وفي صبيحة احد الايام , وجد وليد الاجابة الشافية , التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر اماله العراض , حينما صارحته مها , بأنها قد ملت الحياة معه , وتريد أن تتنفس الصعداء , وتعيش حياتها حرة طليقة , فتم الطلاق الأبدي . وقبيل غروب شمس ﺫلك اليوم , كانت قد حملت امتعتها , لتبتلعها نيويورك , بملاهيها ولياليها الصاخبة , الحمراء .
[email protected]
www.alzol.com
|
|