|
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية (Re: Abdel Aati)
|
يعتقد البعض من جهة اخرى ان طرح شعار السودان الجديد هو اضافة جديدة للمشاكل السودانية ؛ باعتبار انه سيدخل تجريبية جديدة تنفذ على الشعب السودانى ؛ كما يعتقد البعض انه يضعف من وحدة قوى المعارضة ضد النظام الراهن ..بينما يقدم البعض صورة زاهية لسودان العام 1956 ؛ واصفا لها بان السودان كانت به خدمة ادارية ممتازة ؛ وتعليم وخدمات اساسية على مستوى جيد ؛ ويطالب ليس ببناء سودان جديد وانما باعادة سودان العام 1956 ..البعض الاخر يعتقد ان السودان الجديد يمكن ان يشبه بنظام الجبهة القومية الاسلامية الحالى ؛ والتى تدعى ايضا انها تقوم بثورة حضارية شاملة ؛وانها تبنى سودانا جديدا [iv].
للرد على هذه المخاوف والتساؤلات والاعتراضات ؛ نقول ان سودان العام 1956 لم يكن الا بذرة للسودان القديم الذى بدا من وقتها ويسيطر حتى الان ؛ ففى مقابل الخدمات الجيدة نسبيا المقدمة للشرائح المتميزة فى المدن الكبيرة ؛ نجد ان اطراف السودان والاقاليم قد كانت محرومة من ابسط احتياجاتها من خدمات الصحة والتعليم والادارة ؛ وفى مقابل الرفاهية النسبية وتوفر السلع للافندية ؛ نجد ان الغالبية العظمى من الرعاة والمزارعين كانت تعيش على الكفاف ؛ ان هذه المعادلة بين الاقلية المتميزة والاغلبية المحرومة من ابسط احتياجاتها ؛ قد استمرت حتى اليوم ؛ وان كانت قد ازدادت حدة وتقلصت هذه الاقلية الى مجموعات ضيقة من الطفيليين فى حين ذادت الاغلبية بسقوط جماهير عريضة من الافندية والعمال وسكان المدن وممثلى الطبقة الوسطى الى صفوف المحرومين .
ان التوجه الاقتصادى الاساسى للسودان القديم قد كان قائما على الاستهلاك ؛ لا على الانتاج ؛ على تبذير الفائض الاقتصادى ؛ لا على توفيره ..كما ان النشاط الاقتصادى الاول قد كان هو التجارة ؛ فى اكثر صورها استغلالا و محسوبية ؛ ولذا فقد كانت وزارة التجارة اهم وزارات السودان القديم ؛ لما تمنحه من رخص تجارية وتسهيلات للمحسوبين ..وقد كانت هذه الاتجاهات الاقتصادية اختيارا واعيا للنخب السياسية الحاكمة ؛ والتى خرجت من حلف يشمل قادة الاحزاب الطائفية والقادة العشائريين ؛ بتاريخهم الطويل فى الاستغلال المادى والروحى للبسطاء ؛ وكذلك المثقفين المحافظين ذو الذهن الضيق من تلك الاحزاب ؛ اضافة الى مجموعات الضباط ضعيفى التعليم ؛ مفتوحى الشهية ؛ غير المعتادين على العمل والانتاج ؛ والذين تم تشجيعهم المرة تلو الاخرى من قبل القادة الطائفيين وانتهازيى المثقفين للقفز على السلطة واستغلال مواردها لانفسهم فى المقام الاول ؛ ولصالح حلفاؤهم من النخبة المذكورة .
ان السودان القديم ؛ تحت الحكم المدنى او العسكرى لهذه النخبة ؛ قد كان تحت الهيمنة الفكرية للايديولوجية المتعربة -الاسلامية المحافظة لهذه الفئات .هذه الايدولوجية بنيت على احتقار الثقافات والديانات والتكوينات السودانية الاخرى ؛ وكانت ذات طابع عنصرى صريح ؛ وقد استغلت الاسلام والنفوذ الطائفى لتمكين حكمها على مجمل الشعب ..وقد اهملت هذه النخبة واجب التعليم وتحرير البلاد من الامية ؛ وعملت كل وسعها لكيلا تنهض مؤسسات المجتمع المدنى ؛ وان يظل السودان محكوما ببنيته التقليدية ..كما انها كانت علمانية فقط فى الظاهر ؛ولكنها كانت فى الحقيقة والممارسة محافظة وابوية -بطريركية -.وحين كانت هذه النخبة تسمى نفسها باسياد البلد -كما قال ممثلوهم ابان ثورة 1924 ؛ فقد كانوا ينظروا لغيرهم من ابناء الشعب - وخصوصا فى الجنوب والمناطق المهمشة - كعبيد واولاد شوارع ؛ والذين ينبغى ان يخدموهم دون شروط ؛ وان يتقبلوا برضى حكمو ايدلوجية وامتيازات هذه الاقلية الانانية معدومة الافق والمواهب .
فى هذا الاطار ؛ لا يشكل نظام الجبهة الاسلامية الدموى قطعا فى هذه المسار ؛ بل هو الثمرة المرة والطبيعية والشكل المتطرف لتجلى ازمة السودان القديم .ان حكم الجبهة قائم على أيديولوجية التعصب الدينى المتطرف ؛ وعلى اضطهاد الثقافات والديانات والرؤى الاخرى وتحطيمها ؛ وعلى العنصرية السافرة والتطهير العرقى والمذابح الجماعية ..كما ان اقتصاد المافيا المعتمد من النظام قائم على تحطيم مطلق للانتاج ومحسوبية مطلقة فى التجارة والنشاط الخدمى ..ان الجبهة الاسلامية انما تعيد انتاج السودان القديم فى شكل فاشى ؛ وبهذا الشكل فان سودان الجبهة الاسلامية لا يختلف نوعيا عن السودان القديم للاعوام 1954-19989 ؛ولكنه قد يتفوق عليه باستخدام الاساليب العنيفة للحكم والطابع الطاغوتى للنظام .واذا كان السودان القديم فى الخمسينات والستينات قد استطاع ان يحكم تحت ظل اشكال ديمقراطية مشوهة ؛ مستغلا جهل وسلبية الجماهير ؛ فانه فى التسعينات لا يمكن ان يستمر الا بقوة السلاح ؛ بعد انتفاض الجنوب والمناطق المهمشة وجماهير غفيرة من الوسط على واقعه المر وقسمته الضيزى .ان عنف الجبهة الاسلامية انما هو اخر متراس يستند عليه السودان القديم قبل انهياره التام والاخير .
نواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 09-04-03, 09:48 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 09-05-03, 05:51 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 09-05-03, 05:52 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 09-05-03, 05:53 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | MOHDY | 09-05-03, 07:39 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 09-09-03, 11:54 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Roada | 09-06-03, 08:55 AM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Bashasha | 10-17-03, 06:56 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | أحمد أمين | 10-17-03, 10:36 PM |
Re: مساهمة في التفكيك والتركيب ..مفهوم السودان الجديد : قراءة نقدية | Abdel Aati | 10-18-03, 04:43 PM |
|
|
|