لماذا شحيحة المكتبة السودانية حول تاريخ ممالك السودان المسيحية!؟

Quote: علامات التطور السياسي فى العهد المروي بــدى الـنـظـام الـسـيـاسـي فى العـهــديـن الـنـبـتـي والـمـروي مـتـطـابـقـا شــكـلا ومـضـمـونـا ولـكـن تـلاحــظ حـــدوث إصـــلاحـات مـيــزت الـمـرويــيـن فـى عـهـودهـم الأخــيــرة ، ولـعــل الـتـقـاء الحـضـارتـيـن الـفرعـونـيـة والهـيـليـنـيـة وتـفـاعـلهـما فــوق الأرض المصـريـة زمـن الـبـطالـمـة والـرومـان ، الـقـت بـظـلالها عـلى سـائـر اقــليــم وادى الـنـيـل ، فـظهـرت مـروي بـمـيـزات سـيـاسـيـه وثـقـافـيـة عـكـسـت تـفـاعـلهـا مـع أحــداث عــصـرهـا يـمكـن إيـجـازهـا فـى الآتـي :- مـظـاهـــر حــريـة الإعــتـــقــاد بــدأت الـعـقـيــدة فى الـعهـد الـنـبـتـي وأنـتـهـت بـالإلــه ( آمــون راء ) ، بـحـســبـانـه الـشـكـل الـمـركـزي لـلعـقـيــدة الـغـالـبـة بـيـن شـعـوب وادي الـنـيــل ، ولـكـن أظـهـرت آثــار الـعـصـر الـمـروي قــدرا مـن الإخـتـلاف والـمـرونـة عـلى الـرغـم مـن تـوافـقـها مـن حـيـث الـمضـمـون مـع عـقـيــدة الأســلاف ، بــدى ذلـك جـلـيـا فى مـظهـر حـريــة الإعـتـقـاد ، حـيـث كـان الإلــه ( ابـادمــاك - أســد الـجـنـوب ) يــشـكـل الـمعـبــود الـمـركـزي والـرســمي لـحـكـام وســكـان جــزيـرة مـروي (40) ، ولـكـن لـم يـكـن وحــده إلــه الــشعـوب الـخـاضـة لـنـفـوذ الـمرويـيـن حـيــث قـاسـمـتـه آلــه أخـري لـهـا كـهـنـتـها وعـبــادهـا مـثــل إلــه ( الـشـمــس ) الـذى اقــيـم معـبــده بـجبـل قيـلى فى الأرض الـسـهـليـة ، والإلــه ( اوزريــس وإيـزيـس ) وكـان مركزهـما جــزيـرة الـفـيـلـة جـنـوبـي اســوان ، وآلـهـة أخـري عــديــده حـمـلــت مـسـمـيـات مـحـلـيـة ( الصـقـر ) ولـعـلـه مـن آلـهـة سـكـان السـهـول ، و( الـتـمـسـاح ) ولـعـلـه مـن آلـهـة سـكـان الـضـفـاف ... الـخ . غـايـة مـا يـمكـن إسـتـخـلاصــه مـن ذلـك ـ فـسـحـة حــريـة الإعــتـقـاد الـتي أتـاحـهـا نـظــام الـحـكـم لـمـواطـنــيـه ، إذ لـم يـعــد إمـتـثــالـهم لإلــه واحــد وإرتـبــاطهـم الأثـيـر بـطـقــوس عـبـادتـه عـمـلا مـلـزمـا يـجـبـرون عـلـيـه . تـلاحــظ أيـضــا أن شــؤون الـعــقـيــده أضـحـت شــأنـا عـامـا ولـم تـعــد قـاصــرة عـلـي فـئـة بـعـيـنـها ، حـيـث أبــدت قـطـاعـات شـعـبـيـه واسـعـة مـشـاركـتها، الأمـرالـذي أجـبـر الـكهـنـة الى الـنـزول الـيـهـم لـتـلـبـيـة مـتـطـلبـاتـهم الـروحـيـة (41) . إن ظهـورآلـه مـثــل إلــه الـشـمس واوزريــس دلـلا عـلى تـأثـرالـشـعـب الـكـوشى بـالـثـقـافـات المحـيـطـة ، فـالإلــه اوزريـس كـان مـن آلــة الـبـطـالـمة ، وإلـه الـشـمـس كـان مـعـبـودا فى أجـزاء مـن الأمـبـراطـوريـة الـرومـانــيـة . فـضلا عـن ذلـك ـ دلــت الـثـورة الـتى قـادهـا الـملـك الـمـروي ( اركـماني ) فى وجـه الكهـنـة وتـمكن بـها من أبـطـال صلاحـيـاتهم في عـزل الـملـك وقـتـلـه ، دلّ على الـقــدرالــذي حـصـل عـليـه الـملـك من حـريـة جـعـلـتـه قـادراعـلى الـفـكـاك من قـبـضـة الـكـهـنــة وتـبـديــل بـنـود أسـاسـبـة فى تـقـالـيـد الـحكـم وطـقـوسـه ، وكـان ذلـك مـن مـردودات حـربـة الأعـتـقـاد (42) . تـراخـى الـقـبـضـة الإحـتـكـاريـة كـان لـلجـيشـان الـشـعــبى الـذي غـمر الإمـبـراطـوريــة الـرومـانـيـة ضــد نـظـامها الإقـطـاعي وهـزّ أركـان حـكمها وقـصـف رؤس الإقـطـاع ، مـردودا عـالـميـا ، حــيـث إقــتـفــت آثــارة الـشـعـوب المـتـاخـمة فى آسـيـا وإفـريـقـيـا ، وكـانـت مـروي بحـكـم إتـصـالها بـالـعـالم ضـمن الـمـتـأثـريـن بـنـتـائـج تـلـك الـثـورة . قـبـل ذلـك كـانـت مـروي مـثـل ســابـقـتها نـبـتـه إقـتـصـادهـا قـائـم عـلى منـهـج الإحـتـكـار، ثم تـراخــت قـبـضـتـها الإحـتـكـاريـة بـعـد الـثـورة الـتي واجـهـت أقــوي إمـبـراطـوريـات الـعـالـم آنـذاك ضــد سـيـاسـة الإقـطـاع ، وبــدأت فـئـات تـجـاريـة شــعـبـيـه تـسـتـقـطع مـن ســلـطـة الإحـتكـار جـزء مـن عـائــدات الـتـعـديـن ومـداخـيـل الـتـجـارة الخـارجـيـة ، بـإزدهـار ثـروتها إجـتـذب الـنـشــاط التـجـاري أعــدادا إضـافـيـة مـن المـشـاركـيـن ، بـهـم إتـسـعـت المـنـافـسـة فظهـرت اســواق شـعـبـيـة على أطـراف الـمدن والـقـري الحـضـريـة ، وفرت لأفـراد المجـتمع فـرص الإســتـفـادة مـن ثـروات الـبـلاد وعـائـدات التـجـارة الخـارجـيـة . كـان مـن أبــرز إيـجـابـيــات نـشــاط الأســواق الـشـعــبـيــة ، ظهــور طـبـقـة وسـطى فـاعـلـة ومـشـاركـة بـقــوة فى الأداء الإقـتـصـادي لـلـبـلاد ، حـتى قـيــل أن مـروي ضـمـت مـن أربـاب الـصـنـائـع والمهـن الحـرة مـا قــدر تـعــدادهـم بـأربـعـمائـة الـف (43) ، بـلـغـت بـهم تـطـورا إقـتـصـاديـا وصـنـاعـيـا لم تـبـلـغـه شـعـوب عـديــدة فى الـعـالـم الـقــديـم ، ولإن كـانـت مـصـر ونـبـتــة فى ظـل الـنـظـم الـفـرعـونـيـة مـثـلـتـا حـضـارة الـعـالـم الـقــديـم عـلى نـطــاق ضــيـق فــإن مـصــر تـحـت يــد الـبــطـالـمة الأغــريــق ، ومـروي تـحـت يـــد حـكامـهـا الـوطــنـيـيـن شـكـلـتـا الـمثـال الـمحـلي لـحـضـارة الـعـالـم الـكـلاسـيـكي (44) . نـظــام الـحـكـم الـلامـركـزي تـفـيــد المـصـادرأن حـكـام كــوش بـعـد إنـتـقـال مـركـز الـحكـم الى مـروي ادخـلـوا تـعــديــلات جـوهـريـة فى نـظــام الـحـكـم الــذي ورثــوه عـن أســلافـهم ، حــيـث تـخـلـوا عـن الـنــظـام المـركـزي الـقـابـض ، واسـتـعـاضـوا عـنـه بـنـظـام لامـركـزي ، بـمـقـتـضـاه قـسـمت الـبـلاد الى قـسـمـيـن كـبـيـريـن ، أحـدهـما وهـوالـرئـيـسي يـقـع أقــصي الـجـزء الـجـنـوبـي مـن وادي الـنـيــل الأعـلى ، ويـضــم جــزيـرة مـروي مـركـز الـحـكـم ومـقــر الـمـلـك (45) ، والـقـســم الـثـاني يـمتـد الى الـشـمالي مـنـه حـتى الـحـدود المصـريـة عـنـد بـلـدة ( المحرقـة ) ويـحكـمه نـائــب عـن الـمـلـك . إحـتـوي كـل قـسـم عـلى عــدد مـن المـقـاطـعـات قــدرت بحـوالي خـمسة واربـعـون مـقـاطـعـة لـكـل مـنها حـاكـم محـلي يـتـمتـع بـقـدر واسـع مـن الإســتـقـلال فى إدارة شــؤون الـمقـاطـعـة كـانـت سـلطـات نـائـب الـمـلـك بــدورها مـطـلقـة فى حــدود قـسـمه ، ولـه صـلاحـيـة تـنـسيـق الـعـلاقـات الـخارجـيـة بـحـكم قـربـه من الحـدود المصريـة ، الـمنـفـذ الـذى يـطـلون من خـلالـه عـلي الـعـالـم ، والإشــراف عـلى خـطــوط الـتـجـارة ومـعـابــرهـا كـأحــد الـشــرايـيـن الـهامـة لإقـتـصـاد الـمملـكـة ، ولأهـمـيـة الـموقـع الـجغـرافي لـهـذا الـقـسـم كـانـت ولايـة الـحكـم فـيـة للاسـرة الـحاكـمـة ، تـمـضى وراثـيـة وفـقـا لـلـتـقـالـيـد كـما الـحال فى الـعـاصـمة الأم (46). لا يـعـرف بـوجـه الــدقـة مـا إذا كـانـت الـحـدود الـجغـرافـيـة بـيـن الـمقـاطـعـات رســمـت عـلى أســاس عــرقى ام ديــني ، ولـكـن يـبــدوا واضــحـا أثــر الـعــامـل الـديـنـي فى الحــدود الـتى رسـمـت بـيـن الـقـسـميـن الـكبـيـريـن ، فـسـكان الـقـسم الاول ( جـزيـرة مـروي ) معـبـودهـم ( ابـادمـاك ) ، وسـكـان الـقـسـم الـثـانـى الـشـمـالي عـبــدوا ( اوزريــس ) . لـقــد أظـهـرالـنـظـام الـسـيـاسي أيـضـا مـرونـة فيـما يـتـعـلـق بـحـق المـرأة فى لـقـب العــرش حـيـث ظهـرت شــراكـة تـضـامـنـيـة فـعـلـيـة بـيـن الـرجــل والمـراة الي الحــد الـذي أصـبـحـت تـحـمـل الـمـرأة لـقــب الـتـاج مع شـريـكها الـرجــل ( مـلـك و مـلـكـة ) ســواء كـانـا زوجــيـن ام أم وإبــن . بـصـفـة عـامة ـ يـحـســب لـلمـرويــن تـسـجـيـلهم اول بــادرة ســيـاسـيـة تـاريـخـيـة قـضــت بـتـقـسـيـم الـبـلاد وتـوزيع الـسـلطـات وفــق مـنهـج لامـركـزي ، صـار مـن بـعــدهم دسـتـورا تـبـعـتـه لأنـظـمـة الـسـيـاسـيـة الـلاحـقـة بـســودان وادي الـنـيــل حـتى العـصـرالحـديـث . فهـل يـمكن الـقـول أن مـملـكـة مـروي اول مـن خـطّـت ونـفــذت منـهجـا فـدرالـيـا فى الـعـالـم الـقـديـم ؟؟. يـحـسـب لهم أيـضـا تـبـنـيـهم لـثـقـافـة ذاتـيـة إسـتـعـاضــوا بـها عـن الـثـقـافـةالـمصـريـة التى طـغــت في عهـود اسـلافهم ، وإن جــاز الـقـول يـمكـن إعـتـبـارهـا الجـذر الـتـاريخي لـمفهـوم ( الـسـودانـويـة ) .