مواضيع توثقية متميزة

أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 02:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-10-2012, 09:09 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5256

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! (Re: رهف)

    من هذه المشاهد "المقاطع" أدناه التي تبدو في شكلها الخارجي عادية وربما رومانسية... نذهب إلى عالمي الأزة والأزمة الشاملة!. (مواصلة للمقطع السابق "1").


    " مقطع "2
    أسباب ونتائج الإفلاس المادي كانت من ثراء الروح!

    سلفيا شابة مسرفة في الثراء الروحي والعطاء الرومانسي وما أنا سوى صحراء ظامئة تلتهم الغيوم الماطرة.

    كان من عادتها أن لا تتحدث معي وإلا تكون محدقة في عيني وأنا أفعل مثلها. تلك عادة القوم هنا. أي زول عندما يتحدث مع الآخر ينظر إليه بغض النظر عن نوع العلائق القائمة بين الناس. فمن الإحترام أن تنظر في عيني الطرف الآخر حينما تحدثه أو يحدثك ولا يهم طبيعة الحديث بينكما ... هو مذهب إجتماعي وسلوك ثقافي هولندي... أنت تفعل ذلك ولو كنت في قسم الشرطة. لكن ما تفعله سلفيا خارق للعادة!. كانت عينا سلفيا رائعتان وفق شريعة الرب بلا ميكياج أو مراويد. وكانت كل فيزيائها طبيعية وعطرة وبراقة بطريقة يخالجك الظن عندها بأنها مخلوق من الماس. وكانت عيناها في عيني عندما تتحدث وعيناها في عيني عندما تصمت. كان هناك هاجسآ واحدآ يقطع تراسل تحديقنا في عيوننا وكانت سلفيا تعاديه أشد العداء وهو النوم.

    وكنا نكون في البيت المطل على الراين كتلة من الإشعاع وعندما نترجل كسالى إلى شوارع المدينة المسالمة كان من عادة سلفيا أن تشبك يدها بيدي ويشتد وقع أناملها الرقيقة على يدي بين الفينة والأخرى وأنا أبادلها المشهد بالمشهد وأشد. وفي مرة من المرات ونحن في حالتنا تلك في صف السينما pathe, Velperplein أطلقت سلفيا صراح يدي وبدأت تحدثني كعادتها معلقة عينيها في عيني، وعندما أفقنا لبرهة من سكرتنا تلك وجدنا أنفسنا لوحدنا في البهو الخارجي لدار السينما وقد أنتهى العرض وأغلقت الدار أبوابها فقفلنا راجلين في شبكتنا المعهودة إلى نهر الراين نضحك منا ونتحدث عنا.

    مرت شهور ونحن نحدق ونتصادم في شقتنا المطلة على خيط الماء ونتسامر على شاطي نهر الراين ونتسكع في شوارع مدينتنا الأثيرة متشابكين بطريقة جعلت أحد أصحاب المحلات التجارية يلاطفنا بتشبيهنا بشعلة آيسكريم من فانيلا وشكولاتة. كنا في لحظة محددة نسجل غيابآ كليآ عن الوجود القائم من حولنا ونمثل شيئين يقومان في إستقلالية كاملة عن بقية الأشياء والأحداث والكائنات. كان مشهدآ من الخيال!. حتى إذا ما جاءنا خطاب من الشركة التي نستأجر منها بيتنا تكشف لنا أننا لم نسدد الفاتورة لمدة ثلاثة شهور سابقة وتلك كانت كارثة كبيرة كوننا لا نملك ربع ذاك المبلغ المتوجب تسديده في خلال عدة أيام وإلا علينا إخلاء الشقة. شقتنا الأثيرة المطلة على نهر الأحلام. مستحيل!.

    فقررت سلفيا لوحدها قبل أن تعطيني الوقت اللازم كي أفكر معها، فأتصلت بقريبتها المليونيرة التي تقيم ضاحية مدينة هانوفر الألمانية لأجل إستدانة المبلغ المطلوب. غير أن ما حدث فى نهاية المطاف كان أمرآ مختلفآ جدآ عن الفكرة الأولية التي خطرت لسلفيا.

    مقطع "3"

    الرحلة إلى هانوفر/جيرماني ... ونحن في القطار


    تحدثت سلفيا ذاك المساء عدة مرات مع المليونيرة "نيللي" قريبتها من جهة والدتها "هنكا"، وظلا سلفيا والمليونيرة يتحدثان على الهاتف حتى غلبني النوم دون أن أتعرف تلك الليلة على خلاصة المفاوضات.
    وفي صباح اليوم التالي بغير العادة صحوت باكرآ بينما كانت سلفيا تنوم كعادتها لصيقة بي في كينونتها الملائكية فنظرت إليها برهة وهي ما تزال نائمة فامتلأت بالروح القدس... فأبتسمت ثم نهضت... وما هي إلا لحظة وأنا في طريقي إلى الحمام حتى رأيت حقائب سفرنا معدة و شهدت بقايا فوضى في أركان البيت. لم أفكر كثيرا. أعددت لنفسي فنجانآ من القهوة وهيأت لسلفيا فنجانها متى ما تهيأ لها النهوض من النوم. وذهبت أنا فجلست في البلكونة قبالة النهر يعتصرني مزيج غريب من المشاعر: طمأنينة، فرحة و إنتصار وفيض آخر من المشاعر لم أستطع التعرف على كنهه في الحال وتدغدغني لذعة حزن رهيفة لم تكن قادرة على فرض نفسها كحدث جدير بالإكتراث.

    ولوهلة بينما أنا أحتسى ثمالة القهوة شعرت بسلفيا تتطوقني من الخلف وتقول لي "أنت جاهز للسفر"!. فاستطعت أن أتصور من تلقاء ذاتي أننا مسافرون إلى هانوفر.... وتركتها دون أجابة وتركتني دون أن تسألني من جديد ... لكن دون أن تفك وثاقي... فظلت لبعض الوقت متكأة على ظهري صدرها من خلفي وأنفاسها في أنفاسي ... والنهر يتلألأ من أمامنا.

    في القطار السريع المسمى "تاليس" المتجه إلى هانوفر حدثتني سلفيا عن معنى الرحلة وحول تفاصيل المهمة. لم يكن ليهمني. ما دام الإنسان في جوار سلفيا فلا معنى للقلق!.

    المليونيرة نيللي من أب ألماني وأم هولندية. الأب الألماني من أب أمريكي من مدينة تكساس وأم ألمانية من هانوفر. الأب مليونير من طراز متوسط الحال توفي قبل عدة سنوات ودفن في تكساس فورثته الإبنة نيللي. لم ترث نيللي أموال وممتلكات والدها فحسب بل ورثته بالكامل، كل شيء تقريبآ، بما في ذلك عاهاته النفسية والجسدية. فهي حولاء وتشبه مستر بن ولا يهما شيئآ في الوجود غير الحيوانات والحشرات وركوب الحصين والأفيال. وليس ذلك فحسب بل ورثت المزيد ... فهي إمرأة فظة، جشعة، أنانية، مغرورة ودميمة.

    وتصادف أن السيدة نيللي مسافرة إلى تكساس في مهمة عاجلة تلك الأيام وكانت تبحث عن شخص جدير براعية بيتها "قصرها" الواقع على سفح جبل في أحد ضواحي هانوفر. حيث تقيم وحدها لا أحد معها لكن هناك من هم معها وتحبهم جدآ: عدد من الأحصنة وحيوان واحد من فصيلة الهنقارو الأسترالي ورهط من الكلاب والقطط وتشكيلة منوعة من الكائنات البحرية والحشرات الجميلة الملونة. كان بيتها مثل سفينة نوح!.

    كان علي أنا وسلفيا رعاية سفينة نوح والإهتمام بها والحفاظ عليها ولمدة شهرين كاملين وحتى يعود نوح أعني تعود السيدة نيللي من جديد إلى دارها لقاء أن نحظى نحن بمبلغ 3000 آلاف دولار فقط لا غير . وهناك شروط قاسية في حالة أي إخلال بأي من الشروط التي وضعتها لنا السيدة نيللي من طرف واحد فوافقت سلفيا عليها دون أن تخبرني في الحال من واقع تقديرها لظروفنا المادية الحرجة.

    نحن الآن على مشارف هانوفر... أنا لم أسعد برؤية نيللي بعد... تلك صورة متخيلة عن نيللي وحول المهمة برمتها تكورت في رأسي بناءآ على الحديث المسهب من سلفيا عن السيدة نيللي وعن المهمة ونحن بعد في القطار وسلفيا ما تزال تحدثني وهي مستلقية على حجري. وما هي إلا لحظات ووجدنا نيللي في إنتظارنا بسيارتها الفضية "BMW" في محطة قطارات هانوفر.



    مقطع "4"

    سلفيا في مواجهة مع السيدة نللي


    في صباح اليوم التالي وعند حوالي التاسعة صباحآ وبعد أن تعاطينا وجبة إفطار في ود وحميمية بدأت تطلعنا السيدة نيللي على مهمتنا التي جئنا من أجلها "العمل". وأخرجت لنا من تحت الطاولة لستة من ست صفحات تخبرنا بكل شيء وتتضمن أرقام إسعاف وطبيب الحيوانات في هانوفر وهاتف المطافيء والبوليس وكل شيء تقريبآ كل شيء. ودربتنا لمدة ربع ساعة تقريبآ على كيفية التعامل مع جهاز الإنذار في البيت. وعرضت علينا كتلوجات تشمل شروحات مفصلة لكيفية إطعام كل حيوان على حدى والتعامل معه والإعتناء به. وكانت جادة جدآ معنا وحادة العبارة وحاسمتها. وحذرتنا بشكل صارم أكثر من مرة أننا مسؤولون مسئولية قانونية وأخلاقية عن أي إخفاق قد يحدث خلال أدائنا لعملنا.

    وكتبت لنا على ورقة خاصة رقم تلفونها في تكساس لإستخدامه عند الضرورات الملحة. وأخرجت تعهدآ معدآ سلفآ من أحد فايلاتها مضينا عليه أنا وسلفيا بعد أن قرأته علينا تضمن نقاطآ مجحفة ومكتوبة بلغة جافة تنم عن ترهيب وتخويف ووعيد. وحينما وضعت سلفيا مرة يدها على كتفي بشكل تلقائي أمرتها بأن تعتدل بلغة صارمة وحادة وكأننا في قاعدة عسكرية وقالت في ما معناه "أنتم لستم في شهر عسل هنا، بل من أجل المهمة التي أتفقنا عليها.... مفهوم؟". فأجبنا سويآ ب "نعم مدام" ونحن نشعر بالمضض. ووزعت علينا المهام. وكان مهمتي أنا في الأساس التعامل مع الخيول والإعتناء بحيوان الهانقارو وكان من نصيب سلفيا أن تهتم بالأسماك والحشرات الملونة. وشددت على أن المسئولية تضامنية في نهاية المطاف.

    عند حوالي الرابعة عصرآ كنا أنا وسلفيا نقف قبالة السيدة نودعها ونحن نستعجل في ضميرنا ذهابها "نودها تغور". وبينما هي على وشك أن تفتح باب السيارة في اللحظة الحاسمة لم تفعل. بل ألفتت إلى سلفيا وسألتها سؤالآ حرجآ ومباغتآ، بلا مقدمات، قائلة: كيف لي أن أثق في هذا الرجل؟. تعنيني!. وظلت لبرهة تحدق نحو سلفيا في إنتظار الإجابة، متجاهلة وجودي أنا المادي كلية. في تلك اللحظة رأيت شفتي سلفيا ترتعدان وكأنها تهم بقول شيء ما لكنها تفجرت باكية وغاضبة وضربت الحائط المجاور بزهرة برية كانت تود أن تهديها للسيدة في اللحظة الأخيرة من الوداع. وظلت تنتحب لحوالي خمس دقائق. وكانت تردد: "أنت إمرأة سيئة، أنا آسفة أنني في بيتك" وضربت سيارة السيدة بقبضة يدها ثلاثة مرات بينما كانت السيدة تبدو مرتعبة وفي حيرة من أمرها كانت تحاول تهدئة روع الفتاة بعبارة "انت فهمتيني خطأ" فردت سلفيا بالنفي!. وقالت عبارة حادة في مواجهة السيدة نيللي: أنت عنصرية!. فأرتعبت السيدة أكثر وألتفتت إلي وأنا أحتوي سلفيا بزراعي بينما هي تنتحب، قائلة: لا تفهمني أنت أيضآ خطأ مثلها. فقلت لها:
    أنت عندك سؤال يحتاج إلى إجابة والإجابة من عندي أنك تستطيعي أن تثقي بي وبكل جنسي!. فتمتمت نيللي وقالت تجاملني: أنت رجل عظيم.

    أحتويت سلفيا على صدري بشكل أكثر قوة ورفعت يدي اليمنى آمرآ السيدة بالمضي إلى شأنها. ووعدتها بأنني وسلفيا سنفعل كلما بوسعنا من أجل رفاهية تلك الكائنات الجميلة. لا لأي شيء ولكن لأنها جزءآ من الطبيعة التي نحب... فنظرت نيللي للحظة ناحيتي مظهرة إبتسامة رضى أحسستها متضمنة رسالة إعتذار ما!.


    وفي اللحظة الحاسمة وهي تهم بالرحيل قالت لي لا تنسى أن تسيس الحصان "بيرا" فقد أخبرتني سلفيا بمقدراتك الكبيرة!. وشرعت تمضي في سبيلها إلى تكساس، موطن أبيها وأهلها الأوائل.

    وبينما سيارة نيللي تختبيء عن أعيننا تحت سفح الجبل كانت سلفيا ما تزال غاضبة تردد كلمة "بيتش"... وكان في خاطري شيء آخر!... فسألت سلفيا عن فحوى قصة تسييس الحصان "بيرا" التي قالت بها نيللي فأنا لست بسائس خيول ولم أركب ظهر حصان ولو مرة واحدة في حياتي ولم أقل لها أي شيء من هذا القبيل. فإذا بسلفيا تقاطعني بصرامة: "أنت قلت لي أنك تستطيع أن تصطاد التماسيح بيديك عاريتين فلن يغلبك تسييس الخيول الجامحة"!.

    مقطع "5"
    تحريات في معنى "الحب" نظريآ وعمليآ Investigations into Silvia
    ونظرة في العنف الودي Investigations into her boyfriend


    Flashback
    أنا أنتصر مكان هزم هتلر


    ما حدث بيني وسلفيا في القطار أوان لحظة لقائنا الأول عبر المصادفة وحدها لا يمكن وصفه بشيء غير أنها معركة. معركة دامية. حرب شيطانية حدثت فجأة وبلا مقدمات أو توقعات. حرب سقط على أثرها قدر من الضحايا وسالت الدماء أنهارآ ودمرت الممتلكات وأهلك الزرع والضرع وأزهقت الأرواح في مبنى الكلية التي كانت تدرس بها سلفيا وسقط مارك فان بوميل صديقها المقرب مضرجآ بدموعه وأنا لم أكن بلا قتلى في صفوفي إذ أنني فقدت عددآ لا حصر له من الجنود وأربعة من ضباط الصف الأول من الكلية الحربية التي بدأت لتوي أدرس بها تكتيكات اللغة الهولندية وكان من أهم الضحايا شابة جميلة من كازخستان كانت تتشبس بالخطوط الأمامية وكنت أجهزها سرآ لمعركة فاصلة في يوم قريب لكنها ضاعت عند معركة نهر الراين في مجزرة لا رحمة فيها فتمزقت إربآ إربآ فقبرتها في ذاكرتي أضع على ضريحها زهرة الجندي المجهول.

    ونهر الراين مثله والنيل نهر جبار ليس بلا معارك أو أساطير. فقبل معركة سلفيا جرت على ضفافه معركة لا تقل شراسة أسماها الحلفاء معركة "الردين" تمكن من خلالها الأمريكان من هزيمة الجيش الألماني العنيد وهي معركة فاصلة أنتحر على أثرها الرجل الجبار المدعو هتلر. وحدثت معركة الردين The Battle of the Bulge على ضفاف نهر الراين من 16 ديسمبر1944إلى 16 يناير 1945 بينما جرت معركة سلفيا والتي أسماها الناس لاحقآ بمجزرة "ميجي" في يوم السبت الموافق 20 يونيو من عام 1998 أي بعد 53عامآ من تاريخ معركة الراين الأولى، وأستمرت زهاء العامين من الصدام وبقيت وإلى الأبد في ذاكرة التاريخ.

    عند يوم السبت الموافق 20 يونيو من عام 1998 وعند الساعة الثالثة والربع ظهرآ كان الطقس صحوآ جدآ تحنو شمسه على الأرض بأشعة دافئة في بلاد يكاد أهلها يصبحون مجوسآ من جراء حبهم للنار. عند تلك اللحظة تصادف أن كان هناك عند أحد المحطات النائية شابآ في بنطال جينز من الطراز المعتاد وقميص أزرق دافي اللون وكان يبدو مفعمآ بالحياة ويمتليء بالإشراق وتكلله مسحة من حزن طاغي. وكان هناك قليل من الناس حوله يدخنون التبغ ويلوكون قليل من الأرق في إنتظار القطار بينما كان هو ينسل في مواجهة الشمس كنصب لفرعون قديم من قبالة التاريخ . وبينما كانت الشمس هناك تعانق الآفاق البعيدة كان على الأرض سلام. وكان هناك موجة من البريق الإلهي أعتاد الناس على تسميته مجازآ ب"سلفيا". وكانت سلفيا كالروح القدس تظلل الأمكنة دون أن يعلم بها أحد!.

    في القطار المتجهة قبالة نهر الراين جلست أنا قبالة النافذة دون أن أشعر بمن هم حولي من الناس وبينما كنت أرقب الساحات الخضراء وحقول الزهر وطواحين الهواء وأبقار الفريزيان كانت الشمس تضاحكني عبر نافذة القطار في بهائها المهيب. وعلى حين غرة وبينما القطار يأز الأرجاء صعقت بحقيقة صغيرة لم تكن لتعني لي شيء لو لا أنها كانت معجزة من البريق!. نعم. نعم هو كذلك!. في الحقيقة هي مجرد معجزة يتحدى بها الرب خلائقه. إنها سلفيا. كانت بسيطة الهندام، يانعة وعطرة وتبدو وكأنها ولدت لتوها من رحم حقل للورود الوحشية. ولم يكن بخاطري شيء آنها غير شيء واحد كان يملأني بالكامل وذاك أن الله حق وأنه موجود، هو وحده لا بد أنه صنع هذا، لأن هذا مستحيل!.

    كانت تلك مصادفة صاخبة، مشحونة بالقلق والتوتر: أنا وسلفيا في مواجهة بعضنا البعض لأول مرة في التاريخ.

    ومع تزامن دفقة عنيفة من أشعة الشمس والقطار بدأ يترنح على مشارف نهر الراين نهضت سلفيا بغتة، قامت بكل قوامها المهيب تتناول أصدارة "مجلة NS - Nederlandse Spoorwegen " كانت ملقاة على المقعد الخاوي المجاور لنا ثم عادت إلى حيث موقعها الطبيعي من أمامي. عند لحظة قيامها تملكني الخوف وسرت في حنايا جسدي كله قشعريرة صادمة فناجيت في خاطري عددآ من شعراء الحقيبة العظام علهم يطمئنونني ويلطفون بي ويمدونني بالصبر والسلوى في مأساتي المجلجلة وكنت أراقبها خفية دون أن أدعها تكشف نظراتي الوحشية وكانت هي على كل حال لا تهتم وبدأت وكأنها مجرد زهرة ياسمين تلهو مع فراشات في حقل بعيد.
    وعندما بدأت تقلب صفحات المجلة حدث أمر ما!. أمر عجيب. غضب. تملكتني روح شيطانية مرعبة فهممت بالهجوم على المجلة لأمزقها إربآ إربآ لكني لم أفعل. غير أنه توجب علي فعل شيء فالحرب أولها كلام. وكنت خائف بل مرتعب. هناك زلزال يحدث في مواجهتي بل يحدث في دخيلتي. لا بل أنا الزلزال. وهناك صمت في الخارج يكذبه صخب الداخل!.

    الحرب أولها كلام. (لا بد من صناعة الكلام) لا بد من الحرب!.

    لا بد من أن أحدثها. أريد ان أسمع صوت الملاك. لا بل الجن. وفي تلك اللحظة أخرجت سلفيا بغته مسدسآ من حقيبتها اليدوية مررته على شفتيها فترك من خلفه حبوبآ صغيرة فضية خلتها رصاص فأندفق مزيد من البريق في كل الأرجاء ثم صوبت المسدس لوهلة ناحية صدري ثم أعادته إلى مكانه من العتاد. وعندها أخرجت أنا من جيبي منديل ورقي فمسحت وجهي وبدأت وكأنني هزمت في الجولة الأولى من الحرب الباردة. لكنه كان وهم. وسرعان ما أستعدت قوتي وقررت خوض المعركة بلا هوادة. حرب سأستخدم فيها كل إمكاناتي وتكتيكات قاتلة خبرت مفعولها في معارك قديمة تاريخية كسبتها طرآ قبالة نهر عظيم يدعونه "النيل" ولكن هذه المرة لم يكن يخالجني شك في أنني سأعمل في جيش عدوي أسلحة محرمة لا تبقي ولا تذر. تلك هي حرب الأنهار. إنها الحرب الحرام!. كان لا بد أن أفعل الحرام. الأسلحة كلها. كانت جريمة!. ذاك هو قدري وأنا سليل الكوارث العظيمة منذ الأزل.
    رسمت إستراتيجيتي بصرامة وحكمة في مواجهة عدو جبار ووحش فتاك لا يعرف الرحمة. أي خطأ أخسر المعركة. لا بد من تنفيذ التكتيك بدقة متناهية.

    Surprise attack

    الهدف يبعد مني 120 سنتمتر في مقاييس القطار وآلاف السنين الضوئية في مقاييس الحقيقة، لا شيء يجمعنا أبدآ غير الخيال والصدفة.

    كان هدف معركتي المصيرية تلك هو حيازة الملاك يومآ ما، كان هدفآ طموحآ حتى في الخيال أو هكذا تهيأ لي. لكني سأحاول. أنا من دنيا العناد مصنوع من عجينة لا تعرف غير النصر أو الشهادة.
    تشدقت بنصف إبتسامة ماكرة (الحرب خدعة) وبدأت العد التنازلي:
    3، 2، 1، 0، هجوم. الخطة الأولية مدتها الزمنية دقيقة واحدة ونصف، في خلال هذه المدة يتحدد نجاح العملية من فشلها، وقت قصير لكنه مصيري. توجب علي في كل الأحوال أن أحتفظ بنصف إبتسامة ماكرة في الوقت الذي أفجر فيه فرقعة كلامية وأقول نكتة خفيفة وأسأل ثلاثة أسئلة فانطازية وأجاوبها بنفسي (لازم أكون خفيف الظل) وإلا الهدف حا يطش
    For ever
    وجهت لسلفيا سؤالآ مباغتآ. قلت لها: هل حدث أن ألتقيتي ساحرآ من بلاد النيل؟. فدهشت سلفيا مني ومن السؤال وبدأت مبهوتة ولا تستطيع الكلام ثم أنفجرت ضاحكة ضحكتها الشهية تلك. لكني لم أتركها تخرج من صدمتها فعملت على إفقادها مزيدآ من التوازن فأجبتها على السؤال بنفسي قائلآ : أعرف أنك لم تلتقي ابدآ بساحر من النيل غير اليوم. ولم أترك لها مساحة للتفكير فواصلت: هو أنا. أنا الساحر الذي تلتقين. أنا النيل. ثم فعلت المزيد عندما أطمأننت إلى أنها تفقد قدر أكبر من توازنها وربما رزانتها فأخذت يدها وبدأت أقرأ لها الكف. كل ذلك حدث في تسعين ثانية لا أكثر. لقد كسبت الجولة الأولي. ها أنا الآن أملك يد سلفيا وألعب بها كما أشاء وجيشي يتقدم حثيثآ نواحي القلب. تمت العملية تكتيكيا بنجاح باهر.
    تماما دا الحصل. أنا الآن أقرأ لسلفيا كفها وبدأت كمنجم أصيل يقرأ التعاويذ ويتمتم بالسرياني ويتحدث لغات عديدة من التاريخ بآكسن الجن. وكانت سلفيا في غاية الدهشة من جرأة أفعالي وفي غاية الثقة من صدق تنبؤآتي وبدأت مستسلمة تمامآ للقدر وكانت في وهاد السحر تفقد جميع خواصها في التمنع أو الإعتراض وقد نسيت يدها في يدي مدة الخمسة دقائق المقبلة. كانت يدها رقيقة دافئة وشعرت بأنها كانت مصابة برعشة صغيرة تطمأنني أن سلفيا قابلة للإستسلام أمام وحش لا يعرف الرحمة.

    وعندما بدأ القطار يعبر النهر أصاب سلفيا بعض الونى فلم تتمالك ذاتها فقامت بفتح "الزرارة" العلياء من قميصي وبدأت خجلة حين ما قالت لي : "كدا أحسن". وكان الساحر واثق من صيده عندما وصل القطار وجهته الآخيرة "مدينة آرنهم" فأكمل عبوره للنهر الإسطورة. فتهيأ لي أني قائد جيش الحلفاء في معركة الأردين.

    وودعتني سلفيا تاركة نمرة هاتفها في جيبي وكنت أعلم بوحي غريزتي ذات الدربة العالية أنها لا بد آيلة للسقوط. وعندما ترجلت مسافة قدرها خمسين مترآ أدارت قدها الرهيف وألتفتت إلى من جديد ملوحة بيدها ترمقني نظرة حنان، عندها بدأت لي سلفيا ليست بشيء سوى قائد جيش هتلر يرفع راية الإستسلام وتهيأ لي لوهلة أنني "أنا" فارس من القرون الخوالي على ظهر حصانه يخطب في القوم، أهل "مدينة آرنهم" التي أحتلتها جيوشي للتو، قائلآ لهم: ها أنا أجيئكم وأحط رحالي عندكم. أجيئكم لكني لست من العدم. أنا من دنيا الشموس الباهرة. أنا من النيل العظيم، أشعرني هو أنا، وأنا هو، يحملني رسالة سلام إلى صنوه "الراين". وأنا لست بلا عزيمة بل تخضبني العزائم. و أنا لست بلا معنى بل تكللني المعاني. ولم آتي لأنتقص بل لأضيف. ولا آخذ إلا حين أعطي ... وأعطي بلا رجاء في ثواب. ثم رأيتني أجرد سيفي عن غمده وألوح به في الفضاء ليعلم القوم أنني لست رجلآ بلا سيف. وإنما فارس عظيم من نسل فرسان عظام. لكني لم آت إلى هنا لأقتل بل جئت لأحيي... فأنا لست مصطفى سعيد وسلفيا ليست جين مورس.

    وعندما غابت سلفيا خلف الجدران عملت على إغلاق "الزرارة" التي فتحتها سلفيا من قميصي وأنا أوعدها في دخيلتي وأعاهدها عهدآ غليظآ أن هذه لن يمسها غيرك فهي أمانة وأنا لا أخون أحبابي ولا العهود. والله المستعان. ثم طفقت أنشد غاياتي. وما هو إلا بعض حين و صدقت الرؤية!.


    مقطع "6"
    موت ننو ودموع سلفيا

    لسلفيا مقدرات ومواهب عديدة حدثتكم عن بعضها عند الأحداث الماضية غير أنني لم أحدثكم عن أهم مقدرات سلفيا على الإطلاق وهي مقدرتها على "الدموع"!. سلفيا تبكي حين تحزن أو تغضب أو تتألم. ذاك أمر طبيعي ربما يفعله كل منا. لكن سلفيا تسرف. كما أنها لا تبكي فقط عند تلك اللحظات وحدها بل عادة ما تبكي حينما ينتابها شعور غامر بالسعادة وقد فعلتها عديد المرات وهي تعانقي علي شواطيء نهر الراين وفي قمة جبل الآلهة وفي الشارع العام وفي المطبخ وفي الصالون وفي صدري.

    وحدث مرة أمر أدهشني أيما دهشة إذ سقطت سلفيا من دارجتها النارية عند أحد شارات المرور وخدشت خدشآ صغيرآ في ساقها الأيسر وعندما ألتقيتها بعدها مباشرة عانقتني بحرارة وهي تجهش بكاءآ وتقول لي "سوري حبيبي" وترردها عديد المرات وأنا في دهشتي لا أقوى على الفهم "مماذا تعتذر لي" إذ لا مناسبة. وعندما ذهبنا إلى بيتنا وعند المساء سألتها عن سر إعتذارها لي!. فذكرتني أنني كتبتها قبل عدة أسابيع قصيدة رومانسية أشدت فيها ضمن ما فعلت برقتها وعذوبتها وجمالها الروحي لكن أيضآ بتقاسيم جسدها وللحق فهو نسق من الماس والبلور وذكرت في القصيدة التي تقمصتني عندها روح شعراء الحقيبة أنني لا أفرق بين شفتيها وساقيها كله من نور وكله عذب وكله نار. فأخبرتني أن الحكمة من إعتذارها لي أنها تعتبر جسدها ملكي لا ملكها ولا أحدآ من كان غيري ، هو لي أنا وحدي. وأنها رأت أنها لم تحسب حسابها وكادت أن تتسبب في تخريب أحد أهم ممتلكاتي منها وهو ساقها، لكن الأقدار لطفت. فضحكت عندها لوهلة ثم بكيت مثلها دموعآ حرة وأنا أتلمس دموعها الغزيرة وأطمأن على "ساقي" من جديد. يا لها من طفلة عذبة!.

    قبل عودة السيدة نيللي بإسبوع واحد وبينما أنا في مزرعة نيللي في أحد العصريات أضع اللمسات الأخيرة على تطويع الحصان بيرا إذا بسلفيا تأتيني منتحبة والدموع تبلل فستاها الشفيف ناحية الصدر تقول لي "لقد مات" وتكررها عديد المرات وأنا في دهشتي أحاول تهدئة روعها علها تخبرني "من مات؟". قالت: ننو!. السمكة الجميلة الملونة. أجمل أسماك السيدة نيللي على الأطلاق. وكانت تلك السمكة محل حب سلفيا الخاص. وذكرت لي بدرامية أنها تعتقد أن ننو أنتحر كونها حولته من حوض إلى آخر، حوض صغير كان فيه لوحده لأول مرة في حياته، وظنت أن ننو شعر بالوحدة وربما أصيب ب deep depression فقرر الإنتحار. عندها ترجلت من حصاني كي أعزي حبيبتي في مصابها الجلل. وعندما دخلت الحجرة وجدت سلفيا تضع الجثمان على الطاولة وتحدق فيه وتبكي. فهدأت من روعها بطريقة فكاهية وشرعت أصلي بصوت جهور على ننو، وضعت يدي مضمومتين فوق أرنبة أنفي ورددت في خشوع: (ننو الجميلة حبيبة سلفيا حبيبتي، ها أنت قد رحلتي عنا بعيدآ حيث تلقين جدودك وجداتك الأسماك الأوائل فتبدئين رحلة جديدة في بحر الخلود. وأعدك يا ننو أنني وحبيبتنا سلفيا سنذهب غدآ على ظهر الخيول فنجلب من دكان أسماك الزينة في هانوفر سمكة جديدة في زهوك وجمالك وسنحبها مثلك تمامآ لكننا لن ننساك أبدآ، آمين). ثم كفنت ننو في قطعة من بلاستك وحفرت لها قبرآ صغيرآ بقلمي على حافة المزرعة وقفلنا أنا وسلفيا راجعين إلى ديارنا. فضحكت بعدها سلفيا بشهية عندما أنتبهت إلى حقيقة كوننا "ناس مجانين"!.

    وعند الصباح الباكر أسرجنا أنا وسلفيا حصانين من أحصنة نيللي وطفقنا نخب قبالة هانوفر وبدأت أنا كفارس من القرون الوسطى بصحبة عشيقته الأميرة الأثيرة ونظر إلينا الناس في شوارع المدينة بعين ملأها الدهشة والإعجاب والحسد. وعدنا في نهاية المطاف ب "ننو 2" هكذا أسمته سلفيا وهي تحمله على ظهر الحصان وأنا أنشدها قصيدة وسلفيا تحبني وأحبها ويحب حصانها حصاني. وعندما ترجلنا عن قافلتنا بكت سلفيا من جديد!. قالت أنها سعيدة لا تستطيع إلا أن تبكي.



    مقطع "7"

    سلفيا تأمرني بقتلها !"Kill me"*
    .
    مضت نيللي لشأنها فأصبحنا أنا وسلفيا وجهآ لوجه في قصرنا الممدود. مشت سلفيا إلى الداخل بينما جلست أنا على أريكة في بهو الدار الفسيح قبالة إنشوطة صغيرة تلعب بها النسمات الشمالية العابرة أراقب صمت الجبل المهيب وأطرد عن خاطري أطياف السيدة نيللي المزعجة.

    وما هي إلا لحظات وعادت سلفيا في إزار رهيف تلاعبني كعادتها ثم مضت فجلست على الإنشوطة تتهادى من فوقها وتقول لي: look at me راقبني "عاين لي" وتكررها مرات عديدة وأنا لا شأن لي غيرها. مذ ألتقيتها قبل عدة شهور أعاينها وتعاينني، أراقبها وتراقبني، لوكنق آت ها آن لوكنق أت مي، دون أن ألتفت ولو لمرة واحدة إلى وجهة أخرى مهما دعت الضرورات حتى لأخالني نسيت ألوان الشوارع وغابت عني وجوه الناس فما عدت أذكر وجه أبي.
    تأملتها مليآ وهي ما تزال تتهادى فوق الإنشوطة. رأيتها كطفل غرير. نعم هي طفلة عذبة. تأملتها أكثر فأكثر فوجدتني مثل كل مرة أكتشف ان سلفيا جميلة بطريقة لا يسعها الخيال. وذكية تحتال على عقل فيلسوف ولطيفة الروح.

    كانت الشمس ترنو إلى المغيب عندما ترجلت سلفيا بغتة من الإنشوطة مع تزامن دفقة من هواء الجبل الواني فأزاح عنها نصف إزارها الرهيف لكنها لا تكترث.

    جاءت وقفت أمامي في إبتسامتها الشهية تأمرني بطريقة بدأت جدية، تقول لي: اقتلني!. Kill me!. . حبيبتي المجنونة، حسبتها تمزح. لكنها رقدت على الأرض قبالة الأريكة التي أجلس عليها. وكررتها منثى وثلاث ورباع وعديد المرات: : اقتلني، اقتلني، اقتلني. تأملتها من جديد وهي ترقد من تحتي تأمرني بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأي نفس هي؟. هي نفس سلفيا ذاتها!. شهدت وجهها الملائكي يزداد بريقآ يزهق البصر. .. وكان شعرها ذهبيآ تختبيء عنده شقرة كاسفة، وجيدها، وصدرها، وخصرها، وعجزها، وساقها وأصابع قدميها كله نسق من آيات معجزات كتبن على لوح من الماس.

    سلفيا روح قدس وعقل نبي وجسد حرام.

    تقول: اقتلني!.

    لو أن أحدهم من أي ثقافة في الكون سمعها تقول أقتلني بينما تفتر شفتاها عن إبتسامة شهية وترقد من أمامي نصف عارية لما خالجه شك في أن الفتاة تود العناق. لكن لا!. لا. أنا وسلفيا لا نفعل الأشياء تلك الطريقة الحكيمة. ففي لحظة أوجاعنا الحقة لا نعرف الحكمة. لا نتحدث لا نتفاوض... لا كلام. هناك فعل، آكشن، ولا نقول ما نفعل حين نفعل .وإن كنا قعودأ لا نقوم وإن كنا قيامآ لا نقعد. لا وقت!. نتحول إلى حيوانات وحشية كاسرة غير ناطقة. في مثل ذاك الأوان يحدث شي واحد لا غيره: هجوم وحشي كاسح. لا شيء غير ذلك. لا حوار. هناك حرب. وكثير ما مزقت أنا ثيابها الداخلية ومزقت سلفيا قميصي. لا وقت. لا صبر لحيوانين جائعين على الدوام. مرة قالت لي سلفيا أن تكلفة الثياب التي نمزقها في الشهر الواحد تكون كافية لتسديد فاتورة الكهرباء لمدة عام بأكمله.
    نحن لا نتفاوض ولا نجامل بعضنا البعض ولا أحدآ من كان أوان أوجاعنا. إنما نكون حيوانين أنانيين كل يود الفوز بالفريسة كاملة. لا نعرف بعضنا البعض لا آخر لا ديمقراطية لا حضارة. هناك عماء. سلفيا تكون ظبية يانعة تلاعب ضبع كاسر جائع منذ الأزل في جزيرة نائية لم يغشاها خيال بشر. حيث هناك لا فكرة لا ذاكرة لا تذكر... لا كلام... لا إحترام...غريزة فجة وحيوانية بشعة... وفي لحظة فاصلة تغرز سلفيا أظافرها في جلدي فتدميني بلا هوادة و بلا رحمة. ثم بعد أن تعود من الغياب تقول لي "سوري"... ثم تفعلها من جديد و "سوري" وهكذا دواليك.

    تقول: : اقتلني!.

    اقتلني. كانت تعنيها. يا للهول!. يا للجنون!. كانت تعنيها حرفيآ.

    قالت أن الشيء الوحيد في الدنيا الذي يخيفها هو الموت. وهي على يقين أن كل الناس تموت في نهاية المطاف. وهي أيضآ تموت ولو أنها لا تموت. فهل يموت الشهداء!. وعندها تصور آنها أن الموت آن يأتي يكون شيئآ بشعآ ومؤلمآ ومؤذيآ منتهى الأذى وهي تهابه ويرعبها أشد الرعب. وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن كل شيء أفعله أنا بها ممتع ولذيذ، كل شيء، بلا إستثناء، كل شيء. ولهذا تريدني أن أقتلها كونها على ثقة أنها ستمتع غاية المتعة أوان أبدأ في ذبحها وتقطيعها إلى أجزاء صغيرة وفي بطء شديد لمزيد من المتعة.

    وما هي إلا هنيه وأنا في دهشتي تلك حتى فسرت لي سلفيا تلك الرؤية البائسة ثم أعتذرت عنها ونهضت تعانقي وهي تقول لي: "أود أن أقول لك شيئآ أقوله لك كل لحظة لكنني لم أقله أبدآ: أحبك". وعندها شرعنا في الغياب ثم أدمتني بأظافرها وقالت لي "سوري".

    مقطع "8"

    " Mijn Man Kan Alles راجلي بقدر إعمل كل حاجة حتى المستحيل!. (سلفيا تثرثر مع أمها من تلفون القصر).


    مرت ثلاثة أسابيع ونحن نعيش ونخدم بنجاح في بيت السيدة نيللي. ننام ونصحو. نغيب ونحضر. وسلفيا تطعم الأسماك وتغسل الأحواض بمادة زرقاء من فصيلة الكلور. وأنا أعتني بالخيول وأدللها من حين إلى آخر وأتأمل الوحش الأسترالي الوديع. بينما أطوع المهر الجامح "بيرا" وأروض المهرة الجامحة "سلفيا" بنجاح لا يخطأه البصر.

    وعند الإسبوع الثاني تعرفنا على نادي الحي عبر جارتنا اللطيفة "كاثرينا" وصديقها المهندس "ليونارد". لعبنا الورق والدومينو والبلياردو وكرة المضرب والشطرنج (لعبتي الأثيرة) . والمرة الوحيدة التي ألعب كرة قدم كانت عند مباراة ودية لكنها ساخنة بين فريق حي قصرنا وفريق من حي مجاور بين أهله وأهل قصرنا ثارات كروية قديمة. فتهيأ لي عبر مصادفة نادرة ان أحرز هدفين وأنتهى الماتش 2 ل 1 لمصلحة فريقنا. كنت لوهلة أشعر بالفخر والسعادة كوني نجحت في مجال بعيد من هواياتي الأساسية. صفق لي الناس وعانقتني سلفيا طويلآ وهي لا تحتاج الأعذار لعناقي. وذهبنا ذاك المساء نحتفل في أحد ملاهي هانوفر . فرقصنا وسعدنا ونحن نتبادل الأنخاب. وسلفيا تسقيني التكيلة بالملح والسترون. وحكت لي سلفيا أن الفتيات في الملهى قلن لها أن صديقها وسيم بطريقة غير محتملة ويبدو أنه راقص محترف يتمايل بسلاسة ويتقافز كالنمر. ورددت سلفيا ببرائتها المعهودة: "أنا أكرههن، كن يراقبنك أين ما ذهبت".

    سلفيا فتاة رومانسية بطريقة غير ممكنة. لم اقرأ في الكتب ولم أشاهد في الأفلام السينمائية ولا سمعت عبر وسيلة من الوسائل أن كائنآ مثلها يكون حقيقة!. خلال كل الحياة التي عشتها معها لم تكذب ولا مرة واحدة ولم تكذبني ولا مرة.

    أذكر مرة أنني وجدت كنزآ قيمآ في احد أدراك نيللي. كانت هدية من السماء: كتاب قديم عن ترويض الخيول الجامحة تحت عنوان "How To Tame and Train Wild and Vicious Horses" لا اذكر إسم مؤلفه لكن كان به معلومات قيمة ويتحدث عن طرق سهلة لترويض الخيول الجامحة. ولا ننسى أن نيللي بإعاز من سلفيا قد ورطتني في مهمة شبه مستحيلة وهي تطويع الحصان الجامح بيرا والذي أعرف أنه ربما يتسبب في قتلي إذا ما ورطت نفسي في أي غلطة فادحة معه. لكنني عازم على تطويعه. فأنا لا أحب أن أخزل أحدآ. فعكفت ثلاثة أيام أطالع الكتاب الذي من خلاله أستطعت أن أنجز المهمة بطريقة باهرة أسعدت نللي في نهاية المطاف فأجزلت لنا العطاء. ولذات السبب دعتني السيدة نيللي للمجيء إلى تكساس الأمريكية في وقت لاحق، لكنني لم أفعل!.

    غير أن قراءتي للكتاب لم تكن بلا ثمن!. فقد غضبت مني سلفيا عدة مرات بإعتباري لم أعد أهتم بها ووجدتها مرتين تبكي فوق الأرجوحة كونها تشعر بالأسى لغيابي عنها عدة ساعات في اليوم لمدة ثلاثة أيام وانا أقرأ الكتاب ولو أنها كل الوقت كانت تربض بجانبي وكثيرآ ما كانت تقاطعني بلا أسباب موضوعية وتحك قدمها بين الفينة والأخرى على قدمي.

    وعندما بلغت سلفيا من التذمر أقصاه أخذت مني الكتاب عنوة ورمته بعيدآ وهي تقول لي: " أنت لا تحتاجه فأنت صائد تماسيح فما أسهل صيد الخيول على وحش مثلك"!. وكنت قد رويت لسلفيا في زمان سابق حكاية خرافية من أيام الصبا حول صيد التماسيح تنطوي على كثير من الخيال. ولكي أستطيع إكمال الكتاب أخترعت لها خدعة صغيرة فحواها أنني أقرأ الكتاب من أجل الحصول على معلومات صغيرة تتعلق بسلامة الحصان فأنا أخشي مني أن أكسر رقبته فصدقتني!. وسمحت لي بإتمام الكتاب. ووعدتها في المقابل أن أنفذ وعدي لها بأن أعلمها أنواع السباحة التي أجيد وهي عديدة. فسعدت أيما سعادة وهي تعلم أن أمي ولدتني فوق ظهر موجة نيلية صيفية في قلب جزيرة أم أرضة قبالة جزيرة رفيدة من جبل أولياء حيث تتعايش الناس والتماسيح ويبادلون بعضهم البعض التحايا والأشواق. فعلمتها فنونآ من سباحة الصدر والظهر والفراشة والحرة. وعانقتني مرة في المسبح حتي كادت أن تغيب أنفاسني.

    عند سلفيا مقدرة فذة على التلاصق والكلام. فإما يدها في يدي أو عينها في عيني وإلا هناك مشكلة. إن لم نكن على تلك الحالة فهي عادة ما تحسبني غاضب منها أو ما عدت أحبها مثل السابق. وعند لحظة الطعام وأثناء الأكل تلاعبني بأقدامها على أقدامي من تحت الطاولة. وإذا ما حدث أن نهضت أنا عند منتصف الليل من أجل الذهاب إلى دورة المياه فأنني عادة ما أحتاج لعدد مقدر من الدقائق كي أفرز نفسي منها وأستطيع أن أتعرف على يديي وقدميي من يديها وقدميها.

    وسلفيا تخاف الصمت. هناك مشكلة في الصمت. هي لا تعرف أبدآ أن تحدث نفسها في الداخل. هي شفافة لدرجة أن هواجسها الحقيقة وحقدها كبشر وغضبها وطمعها وجشعها ومؤامراتها وكل ما يحرص البشر العاديون على إخفاءه هي تعلنه. لا شيء مدسوس في دواخلها. صافية. لا يوجد أبدآ مكان في سريرتها معد لإستيعاب مثل تلك الأشياء الفائضة. ليست طبيعية!. لذا إما أن تتحدث هي وكثيرآ ما تفعل أو أتحدث أنا وكثيرآ ما أروي لها من حكاياتي القديمة. سلفيا فتاة عجيبة لم تخطر على خلد الوجود!. كانت صدفة من صدف الطبيعة العمياء. رومانسية، صادقة ، شفافة وجميلة.

    لكنها بعد تستطيع أن تتآمر وتخطط!. في يوم السبت الماضي حدثتني عن رغبتها في الصعود إلى قمة الجبل. ليست ببعيدة. وعندما وصلنا إلى هناك وجدتها تحمل ملاية صغيرة ملونة فأستفسرت عنها. فقالت لي خشيت أن تأتيك الحالة فتحملني على الحجارة العارية ، أنا لا أضمن شرك!. فضحكت أنا عندها وضحكت سلفيا و سمعنا الجبل يضحك معنا متخليآ لبرهة عن صمته الرهيب. ضحك ثلاثتنا في نسق الوجود كل بطريقته. وما هي إلا لحظات وتحولنا بالفعل إلى وحشين في مكانهما المناسب من الطبيعة الوحشية. ثلاث ساعات وأنا تتقمصني روح ذئب جائع وسلفيا ظبية يانعة. ثم بكت سلفيا!. بكت بعدها وهي تعانقني وتنظر في البعيد. بكت على حين غرة. بكت على قمة الجبل وقالت أنها سعيدة وهي ما تزال تبكي .وتتساقط الدموع فوق صدرها الوضيء. سعيدة. هي لا تستطيع إلا أن تبكي. تبكي وتسألني متعجبة: من أين جئت أنت!. خلتها تحدث الجبل!. ورأيت حبيبات دموعها اللامعة تختلط بأنوار الليل الوانية التي تنصب علينا من البعيد. فنظرت إلى السماء الصافية. كان ثمة نجوم بعيدة. والفضاء مفتوح على سماوات سبعة. فجاءتني خشية رهيبة من منظر الكون المهيب. فصليت على شريعتي وناجيت في سري عددآ من الآلهة. وفي دخيلتي هاجس مجنون إذ أنني تصورت لوهلة أن رهطآ من الملائكة أو الجن ربما هبط علي من السماء يريدون بي شرآ كوني أضع في أسري كائن من جنسهم!. لكنهم تقاعسوا!. فظل الملاك ملك يدي.

    في يوم الأحد التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سلفيا) وعند المساء أتصلت سلفيا على والدتها من تلفون القصر. تحدثا طويلآ. كانت سلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائن معجزة. قالت لها "Mijn Man Kan Alles" رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل!. إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعآ. ويرقص ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!. I love him.


    مقطع "9"

    سلفيا تحب أن أحدثها عني "تود أن تعرف كل شيء"!

    (هزيمة روسيا)!

    تم إطلاق صراحي عند نهاية اليوم التالي بعد ان أصبحت حدث وحديث مطار أمستردام الدولي المسمى "إشخيبول". وأعطوني عنوان إقامة مؤقت خاص بمثل حالاتي ويسمى "أو سي دنهاخ" وكان في مدينة لاهاي في شارع "جون إسترات" رقم 35. مبنى ضخم به حوالي 400 شخص من كل أنحاء الدنيا "روسيا، الصين، اليمن، إكوادور، البوسنة والهرسك والخ" وعدد كبير من العراقيين و35 سوداني وسودانية. كان علي أن أقيم في ذاك المكان لفترة محددة وحتى تسوية أموري ومن بعدها ربما أدمج بشكل تلقائي في السستم. وتلك مرحلة هي من أخطر المراحل كونها تحتمل عدم قبول طلبك للإقامة في هولندا وطردك بشكل نهائي وترحيلك قسرآ إلى بلدك الأصلي في حالة أنك لم تستوفي الشروط المطلوبة وهي شروط لا تخلو من القسوة.

    لم يرسلوني إلى ذاك المكان وحدي بل أرسلوا أمامي عبر الفاكس تقرير يتحدث عني ويحكي ما فعلته بالطائرة ويأمر أجهزة الأمن والحماية في ال "أو سي" بمراقبتي والتعامل معي بالحذر اللازم كوني أستطيع أن أفاجيء الناس بأشياء غير متوقعة ربما شكلت خطرآ لسكان وعمال وموظفي ال "أو سي". ذاك طبعآ مجرد إنطباع إنبنى على خلفية ما حدث بالطائرة.

    في اليوم السابع حدثت مفاجئة صغيرة. ذهبت للمدير "كانت إمرأة من حزب العمال". قلت لها أريد أن أقيم يوم ثقافي سوداني في ال "أو سي". دهشت لبعض الوقت وتملكتها الحيرة كون كان هذا أول طلب من نوعه في مثل ذلك المكان ومن كائن قادم لتوه من عالم ثالث هو عالم الحرب والدمار والموت واللاثقافة ويأتي عندها ويحدثها عن يوم ثقافي!. ليس ذلك فحسب بل الرجل نفسه "فيه كلام": مختطف طائرة!.
    خطرت لي الفكرة قبل يوم واحد من ذهابي للمديرة إذ حينما كنت أتلقى وجبة غداء دسمة في المطعم العام جلست بجانبي شابة في مقتبل العمر من روسيا البيضاء. وقليلآ وسألتني من أين أنت؟. قلت: من السودان. قالت بكل هدوء: أنها لم تسمع قط بمثل تلك البلاد. غضبت في دخيلتي غضبآ شديدآ لكنني لزت بالصمت ثم سألتها بدوري: من أين أنت؟. قالت: من روسيا. فرددت عليها من باب الثأر: لم أسمع أبدآ بمثل تلك البلاد!.

    في نهاية المطاف وافقت المديرة وأظنه من باب "أبعد من الشر وغنيلو"!. ووفرت لي كل التسهيلات الضرورية لإنجاز اليوم الثقافي السوداني بشرط أن يكون مفتوحآ للجميع ودون شروط وأن يكون الدخول للقاعة مجانآ. وقد حدث. ووجدت شبابآ نيرآ وساخن الرؤى فأنجزوا العمل كله وتركوني أتفرج وهم: جمال يوسف، ناصر يوسف، الجيلي احمد ، هيفاء الشاذلي وأنضم إلينا لاحقآ عمر الأسد.

    وذهبت أنا قبلها إلى مدينة هارلم وألتقيت بشابة سودانية جميلة ذات مواهب متعددة تسمى "إيمان هارلم" في المستقبل سترحل إلى لندن فيصبح إسمها "إيمان لندن" فغنت ورقصت رقصة العروس وعملت الحنة السودانية فتحننت الخواجيات وأنا حننت أصبعى. وعملنا عروض مسرحية وفلكورية والعاب شعبية وجئنا بمعرض يتحدث عن تاريخ السودان القديم أيام تهراقا وصحبه وما قبلهم. وجاء الناس من كل فج عميق. وهو ذاته اليوم الذي ألتقيت فيه من جديد بأصدقاء الجامعة "عثمان حامد وخالد الطاهر" ومكي الدخري وكان هناك نجوم الزمان يعطرون المكان وهم: عبد المنعم الحويرص وهمزة يوسف وصالح الحلفاوي وناجي بولس ود. أحمد عكاشة وعبد المحسن حمدان.

    كان حدثآ جميلآ. كانت لفتة بارعة. ووقفت الجموع الحاشدة دهشة. و صفق لنا الناس طويلآ. وكرمتني أنا المديرة بوشاح أحمر وشكرتني على المبادرة الجميلة كما كرمت زملائي وقالت أنتم فعلآ من شعب عظيم!.

    فتعلمت الروسية ذاك اليوم أن الله واحد وأن السودان حين كان وكتب أهله الشعر وصادقوا النجوم وصنعوا آلهتم وعبدوها روسيا لم تكن سوى قطعة ثلج كبيرة خاوية يلعب فوقها دب قطبي ثمين.

    وأنا من بعدها أصبحت "ود حلو" فتركوني بدون مراقبة. بل محبوب!. وأصبحت بعد عدة أيام مترجم معتمد "عربي- إنجليزي" لدي إدارة ال "أو سي" . وقالت مرة أحد الموظفات في حضوري "لقد أثبت أنه رجل موجب". فأنبتها على سوء ظنها السابق عني ثم سامحتها. تلك المرأة في المستقبل القريب أصبحت صديقتي اللصيقة وأعطتني بشكل سري نسخة من التقرير الذي كتب عني على خلفية حادثة الطائرة وكان So funny


    مقطع "10" مواصة لمقطع 9 "

    سلفيا تحب أن أحدثها عني "تود أن تعرف كل شيء

    سلفيا تصغي إلي بكل جوانحها. وكثيرآ ما تغطي وجهها بكلتا يديها عند المنعطفات الحرجة أو اللطيفة والمجنونة كي لا تقطع تراسل حديثي عبر إنفعالاتي مع دهشتها التي كثيرآ ما تسيطر بالكامل على وجه الملاك. أحدثها عن أشيائي كلها "طفولتي وصباي وشقائي وشقاوتي ولعنتي وفرحتي وخيري وشري، كل شيء". وعن تاريخ أجدادي وجداتي وعن وطني وعن حزني ... وعن كل شيء. وهي تنصت في خشوع وتنصت وتنصت وتخشع وتخشع وتطلب مني المزيد في خشوعها المهيب. فأحدثها عن الجزر الساحرة "أم أرضة ورفيدة" وعن النيل حين يسدر وعن الموج حين يهدر وعن التماسيح حين تغدر وعن أمي حين أشقيها فتصبر وعن أبي حين يندر. وأحدثها عن الملاك الذي شرب المقلب وعن الآخر الذي صدق وعن أسفاري وعن أقداري وعن كل مغامراتي وعن كل شيء. و أحدثها عن رحلتي بالطائرة وأنا في طريقي إليها "إلى هولندا" وعندما أردد طريقي إليك "يا سلفيا" ترتج شفتاها وينداح موج رقيق فوق وجه الملاك فتضحك سلفيا فيتبثعر شعرها الذهبي فوق كل الفجاج وفوق صدرها العجيب فأهرع أنا إلى إسعافها وأفعل المزيد فينقطع لبرهة تراسل الكلام ثم نعود أدراجنا إلى نقطة البداية.

    قالت لي مرة تسألني في دلال وأنا عند ختام الحكاية : " أنت قلت أن المضيفة في الطائرة تشبهني تمامآ. لكنك كثيرآ ما رددت لي أنك لم تر مثلي أبدآ في حياتك"، كيف يستقيم هذا! (؟). المضيفة؟. وأصبحت ألملم وجه المضيفة في خاطري وأنظر إلى سلفيا وهي تمتشق إبسامتها الشهية. ( أستعيد المشاهد في دخيلتي).

    عندما هممت بالرحيل إلى بلاد سلفيا كنت مضطرآ. لا خيار لي. إنه قدري!.

    ذهبت مرة للزميلة والصديقة ندى مصطفى وفي جيبي بيان من عدة صفحات أودها تطبعه لي وهي كانت تعمل في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالقاهرة. وكنت قد ألتقيت بندى من قبل فعزمتني في مطعم ماكدونالد خلف الجامعة الأمريكية. وحدثتني عن حزبها الجديد وحدثتها عن "التاية" وعن أحداث أخر. وندى كانت زميلتي بالجامعة ولكنها سبقتني في الخروج من السودان. كانت ندى لطيفة وكريمة وشهمة ومهذبة. وأنا غاضب من كل شيء ومن المعارضة التي لم يرقني أداءها. كنت جادآ جدآ إلى درجة التهور وربما أحمق!. وهارب من السودان من السجون حرفيآ "السياسية" والقاهرة خطرة وعلمت أن أحدهم ويسمى م. أسباط قد رحلوه قسرآ إلى السودان دون جريرة أرتكبها. وعلمت المزيد!. فقررت الهروب من القاهرة إلى عالم آخر . وكانت من المصادفة الحسنة أن يكون ذلك العالم الآخر هو بلاد سلفيا. أنا عصفور لا يرضيه شيء غير الفضاء بأثره ملك جناحيه. أخرجت لندى الأوراق من جيبي، مسودة بيان باللغة الإنجليزية وطلبت منها أن تطبعها لي بطريقة إحترافية. فأستغربت في البداية بعد أن أطلعت سريعآ على النسخة الخطية. لكني قلت لها هذا ما أوده منك، لطفآ، هو شأني أنا وحدي!. هل ممكن؟. تملكتها مزيدآ من الدهشة حينما علمت بخطتي. لكنها فعلتها من أجلي بطريقة ممتازة.

    الأوراق المعنية عبارة بيان شخصي أخبر من خلاله الشعب الهولندي بقدومي "شخصيآ" إلى هولندا قبل أن تطأ قدماي أرضه. تلك كانت فكرتي المجنونة. وقد نفذتها بدقة متناهية!. وقلت ضمن ما قلت في البيان من أنا ولماذا أنا قادم إلى أرضكم " أيها الشعب الهولندي الحر وأنني أنا من شعب عظيم له تاريخه العظيم وإسهاماته العظيمة في مسيرة البشرية عبر القرون وإلخ. غير أن حاضرنا بائس وأنا غاضب من الحاضر ولم أستطع التعايش معه ولهذا قررت أن أحدثكم عن رغبتي في تفضلكم بإستقبالي في بلادكم الحرة الكريمة إلى أن تتحسن الأمور في بلادي فأرجع مرة ثانية. ولكم مني خالص معاني الإحترام و التقدير". وقلت المزيد.

    وعندما هممت بركوب الطائرة المتوجهة إلى مطار أمستردام نسخت بياني خمسين مرة ووضعته في حقيبة يدي.

    وفي منتصف الطريق والطائرة تغوص في مطبات هوائية حرجة ناديت أحد المضيفات وطلبت منها أن تذهب إلى كابتن الطائرة لتخبره بأنني أود أن أجيء إلي كبينة القيادة كي أحدث الكابتن بأمر هام. فقفزت عينا المضيفة من وجهها وردت علي: " هذا غير مسموح به، لا يمكن". قلت لها أنا أعرف أنه ممكن. وفي الحقيقة أنا لا أعرف!. غير أنني أعلم أن المستحيل يستطيع أن يتحقق ويصبح ممكنآ. تم إبلاغ الكابتن. بعد أن تترت الأحداث!. الكابتن قال في دهشة أن هذا أغرب طلب من نوعه في تاريخ الزمان مذ خلق الله الطيران. جاءتني المضيفات الأربعة في لباسهن الأزرق الجميل حسناوات فارهات الجمال. رأيت بينهن سلفيا لكنني لم أسعى إلى عناقها فلي شأن آخر!. إستفسرن عني وعن قصتي وماذا أريد بالضبط. شددت لكثير من الوقت بأنني لا أكلم غير الكابتن. وبعد لأي شديد وهرج ومرج. حدثتهن بمقصدي: أريد أن أتحدث من مايكرفون كبينة القيادة. عندي بيان هام إلى الشعب الهولندي الكريم. فضحكن في البداية ظنآ منهن أنني أمزح ثم ظنني مجنون!. وحاولن جهدهن أن يثنينني عن مقصدي ولكن دون جدوى!.

    وفي اللحظة الحاسمة نهضت في طريقي إلى كابينة القيادة (كان قبل أحداث سبتمبر) والمضيفات الأربعة يقفن أمامي وأنا أدفعهن دفعآ بكل قوتي عن وجهي وأتقدم ولو في بطء شديد ناحية كابينة القيادة. وعندما أقتربت من مكان مقصدي وبالقرب من التوليت شرعت أحد المضيفات من مايكرفون صغير مثبت على سفح الطائرة قبالة التوليت تشرح للركاب في الطائرة أن هناك سوء تفاهم بسيط مع أحد الركاب " هو أنا" وتطلب من الجميع إلتزام الهدوء وأن يجلسوا في مقاعدهم مطمئنين وهي تتمنى أن الأزمة تمر بخير!.

    وعندها حدثت حالة رعب داوية لدى ركاب الطائرة ومعظمهم ظن أنني أختطف الطائرة وصدرت وسوسات كثيرة متشابكة وشرع البعض يقرأون آيات من أديان الأرض جميعآ يتمنون الخلاص وبعضهم ينشدون حسن الخاتمة.

    في تلك اللحظة أبلغ الكابتن مطار أمسرتدام. قال لهم أن هناك أمرآ لا يفهمه يحدث في الطائرة وأنه سيظل يوافيهم بآخر التطورات. وفي تلك الأثناء أنا أستلمت عنوة مكبر الصوت الواقع قبالة التوليت وبدأت أقرأ بياني الهام. في البداية حاولت المضيفات منعي لكن مساعد الكابتن أمرهن بتركي أفعل. فشكرته و فعلت. قرأت بياني بهدوء وبصوت جهور. وشرحت فقراته واحدة تلو و الأخرى. وأعتذرت للركاب ولقائد الطائرة ولمساعده وللمضيفات وطمأنتمهم بأنني رجل مسالم يحب الخير للجميع ويكره الظلم والطغيان وأنني ما أنا غير محب للجميع وإني ما أريد إلا ما فعلت. ولا أريد إلا الخير كل الخير بلبشرية جمعا!. وشرحت بإسهاب بأنني أنا لا أمثل أي جهة من كانت وأن تصرفي هذا وكل تصرفاتي أنا وحدي المسئول عنها قانونيآ وأخلاقيآ. وأن ليس بالضرورة أن كل شعبي أو جنسي أو لوني يتصرف وفق طريقتي هذي. تلك طريقتي أنا وحدي حتى أن الناس في بلادي يختلفون معي في كل شي تقريبآ ولكن بيننا المحبة والإحترام . غير أن نظامنا السياسي الجديد لا يحترم الإختلاف بين الناس وهذا سر وجودي بينكم وفعلتي التي فعلت. والله المستعان. وشكرآ لكم".

    ثم ترجلت من بعدها إلى بطن الطائرة وشرعت أنشر بياني بين الركاب بوصفهم رسل الشعب الهولندي!. فأزداد الهرج والمرج دفقة جديدة.

    في تلك الأثناء كانت هناك أشياء مدهشة تجري في الأرض من تحتنا:

    تم تجهيز ثلاثة مطارات سابقة لمطار أمستردام للهبوط الإضطراري إن لزم الأمر. تم إبلاغ القيادة العامة للجيش الهولندي والبوليس والمخابرات. تم تجهيز المدرجات الخاصة بالطواريء في مطار أمستردام. وعندما هممت أنا بالنزول من الطائرة كان هناك ست عربات مطافي متأهبة وعشرة سيارات نجدة وصف طويل من قوة رسمية مسلحة بالرشاشات والمسدسات وثلاث طائرات هيلكوبتر تحلق في السماء!. الخلاصة: تم رسميآ إبلاغ الشعب الهولندي!.......... لقد نجحت وفق خطتي... لكن لا بد من ثمن!.

    إذ تم إعتقالي بطريقة عنيفة وتفتيشي بدقة بمساعدة كلاب بوليسية كما يتطلب الحدث وأودعوني المعتقل بمنتهى القسوة. وعرفت في المستقبل أن هذه العملية كلفت الحكومة الهولندية 170 ألف دولار "فقط"!.


    مقطع "11"

    Migilogy مجيولوجي

    إبتسامة سلفية تؤشر إلى شئين جوهريين عندي الأول حدثتكم عنه وهو الهناء والسعادة والثاني أيضآ حدثتكم عنه وهو الإنتقاء الطبيعى في مواجهة نساء الكوكب أجمعين بحسب نظرية دارون وحسن الطالع والأقدار فالطبيعة حنت عليها بحسب نظريتي أنا الخاصة وربما هي ليست من هنا!.

    سلفيا هانئة وقانعة ودائمآ ما تذكرني بمقولة سخيفة أطلقها فرانسس فوكوياما يقول فيما معناه أن الإنسان الأخير إنسان نهاية التاريخ يتحول إلى قطة* وديعة تنام في الظل "إنسان قانع وسعيد بما لديه لا يحلم بالمزيد ولا يتمرد ولا يثور بل ولا يفكر إنما يمارس الحياة في زهوها المهيب ويكون دائمآ مبتسمآ وسعيدآ".

    سلفيا تشعر بأنها تملك كل شيء، كل شيء. وتلك حقيقة!. حدثتني مرة ونحن نتسامر على بنش خشبى أقامته على شاطي نهر الراين سلطات مدينة آرنهم كي يسعد فوقه العشاق من أمثالنا. قالت سلفيا أنها تملك كل شيء بينما هي تحدق في خيط الماء. قلت لها أنا أعلم. نعم أعلم!. وكان في ضميري أنها فعلآ تملك أشياء جميلة وهبها لها الله تفردآ دون خلقه أجمعين. فهي جميلة بطريقة باهرة وناجحة وذكية وتملك من المال ما يكفيها وتتحدر من أسرة مستقرة ومحبة لها. غير أن ذاك ليس الأمر. سلفيا تقول أن كل شيء هو حبيبها، هو: أنا. فدوني هي لا شيء ولا تملك شيء!. وكانت تعني ما تقول. سلفيا دائمآ تعني ما تقول وتقول ما تعني وتفعل ما تقول.

    وأشياءها بسيطة وجميلة. بسيطة لكنها في بعض المرات مرهقة في بساطتها. لكنني أنا رجل المستحيل. لقد كانت سلفيا في أعماقها محقة عندما قالت لأمها مرة أن رجلها "أنا" يستطيع كل شيء حتى المستحيل. عندما نعود إلى منزلنا كلما مساء من أعمالنا المنوعة عادة ما تجلس سلفيا أمامي فور وصولها البيت وتشرع تحكي لي بالتفصيل الدقيق مذ لحظة خروجها من الدار وإغلاق الباب من خلفها وماذا رأت في شارع بيتنا وكيف رأت جارتنا تنشر الغسيل وفي البص وفي شوارع المدينة وقاعة المحاضرات وفي الشغل وماذا قالت لها زميلتها وكيف علقت على فستانها وحزامها وحين ابتاعت الخيار وسعر الباذنجان وصرير ماكنات العربات وهلمجرا كتير. تحكي لي كل شئ كل شئ وأنا أصغي كطفل غرير إلى أمه التي تحجيه وهي ترضعه. غالبآ ما أستمرت الحكاية الروتينية لمدة ساعتين لا أقل بل أكثر كل يوم every day كدا.


    لكن ليس ذاك فحسب الأمر عادة لا ينتهي هنا. هي إمرأة عادلة. عندما تشعر بأنها قالت كلما لديها وأنا يغالبني الروتين تلتفت إلى وتقول لي: أها حبيبي كلمني جاء دورك". ولا بد أن أكلمها. مافي طريقة!. تلك لحظة حياة أو موت بالنسبة لسلفيا. في بداية حياتي معها كنت كثيرآ ما أحاول التهرب عبر قول الحق الذي أعرف وهو أن لا شيء حدث لي أو رأيته في الشارع ولا في أي مكان يستحق الذكر. لكن تلك كانت حجة فاشلة لدى سلفيا. فهي تعلم لا بد أن هناك أشياء لتذكر وتروى. كما أنها تعلم خط سيري وتبدأ تسألني بالتفصيل وأنا أجيب مثل تلميذ صغير. تسألني عن الشارع، البص، السوق ، العمل، الزملاء والزميلات، الطعام، القهوة، الشاي. ثم تبحث في "الكيس" الذي جئت به معي وتكب الأشياء على الطاولة وتسألني عن كل شيء على حدا بالتفصيل عن سعره ونوعه وحجمه وتخبرني أن هناك أماكن أفضل من التي أتسوق منها وتعقد مقارنات مستفيضة بين ما تعلم ولا أعلم من البقالات والأسواق والأشياء. وغالبآ ما " أطلع كيشة" عندها في عدم تحري الدقة "مثلآ" في إختيار مكونات السلطة وبالذات فشلي المقيم في معرفة "الخيار" السليم.

    في البداية لم أفهم ذاك كله لكن بعد فترة وجيزة تعرفت على أشياء مهمة ساعدتني على الصبر على تلك المكاره المضنية وهي أن لا مشاكل كبيرة في هولندا لا توجد حرب في الجنوب ولا الغرب ولا توجد ثورة ولا كوارث كبيرة في تلك الأثناء يكون البشر عاديون مثل سلفيا تمامآ وتكون تفاصيل الحياة العادية هي قضية الناس التي يتنزهون ويمتعون ارواحهم بها إذ تلك هي الحياة!. ماذا يفعلون أيخترعون حياة أخرى جديدة من العدم!. وأنا من عالم الثورات العظيمة والأحلام الكبيرة والأحداث الجسيمة فالحياة العادية مهما كانت جميلة تبقى غريبة على مخيلتي لا بل مملة . تلك ليست حياتي. أنا لست عاديآ!. أنا لا أنتمي إلى الهنا أنا من الهناك من البعيد حيث أعيش هناك في خيالي وأفكاري وخططي ومشاريعي وأعيش الأزمة الشاملة ولي رهط من شاكلتي يشاركني!. رهط مأزوز، أنا من زمان الأزة. أنا مأزوز. لذلك كثيرآ ما بدأت أنا إنسانآ غير عادي عند سلفيا بل رجل خارق ويستطيع أن يفعل كل شيء كل شي ويأتي بالعجائب المفارقة للحياة "الحياة العادية"... الحياة الحقيقية... "حياة سلفيا وأهل سلفيا".

    عند تلك اللحظة وحدها تكشف لي سر حكاية سلفيا حين كلمت أمها مرة من تلفون قصر السيدة نيللي:

    ((في يوم الأحد التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سلفيا) وعند المساء أتصلت سلفيا بوالدتها من تلفون القصر. تحدثا طويلآ. كانت سلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائن معجزة. قالت لها "Mijn Man Kan Alles" رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل!. إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعآ. ويرقص ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول الجامحة ويصطاد التماسيح المفترسة . أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!. I love him)).
    "
    حاشية:
    فوكوياما لم يقل "قطة" وإنما قال "ك ل ب" لكنني رأيت أن القطة تناسب سلفيا أفضل في مخيلتي وتنطوي على ذات المعنى الفوكويامي.


    محمد جمال الدين ...مقاطع منتقاة لأسبابها من قصة "انا وسلفيا الهولندية ... (راج الرابط بداية هذا الخيط).

    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 04-04-2012, 11:09 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-10-12, 03:43 PM
  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-10-12, 03:58 PM
    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-10-12, 04:11 PM
      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! رهف03-10-12, 06:45 PM
        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-10-12, 09:09 PM
          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-10-12, 09:24 PM
            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-11-12, 03:50 PM
              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-11-12, 04:05 PM
                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! هيثم طه03-11-12, 08:54 PM
                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 01:33 AM
                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد عبد الماجد الصايم03-13-12, 09:21 AM
                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-13-12, 06:04 PM
                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! ismeil abbas03-13-12, 11:25 AM
                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 01:18 PM
                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 04:41 PM
                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 05:26 PM
                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 06:59 PM
                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 09:26 PM
                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! هيثم طه03-13-12, 09:59 PM
                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! دينا خالد03-13-12, 09:58 PM
                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-13-12, 11:59 PM
                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 00:11 AM
                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-14-12, 09:45 AM
                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 01:49 PM
                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 02:21 PM
                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 02:46 PM
                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 06:19 PM
                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 06:46 PM
                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! دينا خالد03-14-12, 07:42 PM
                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-14-12, 08:36 PM
                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! عمر نملة03-14-12, 10:16 PM
                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! دينا خالد03-14-12, 10:55 PM
                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-15-12, 00:47 AM
                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-15-12, 01:29 AM
                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-15-12, 10:24 AM
                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-16-12, 00:56 AM
                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! هيثم طه03-16-12, 02:45 PM
                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-16-12, 04:09 PM
                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-17-12, 00:29 AM
                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-17-12, 00:55 AM
                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-17-12, 12:00 PM
                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-17-12, 02:37 PM
                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-17-12, 04:02 PM
                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-17-12, 03:47 PM
                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-17-12, 05:29 PM
                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-17-12, 06:07 PM
                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-17-12, 08:21 PM
                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-18-12, 05:19 PM
                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-18-12, 05:53 PM
                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-18-12, 06:34 PM
                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-18-12, 10:45 PM
                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-19-12, 07:20 PM
                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-20-12, 03:52 AM
                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-21-12, 00:24 AM
                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! Bakry Eljack03-21-12, 02:31 AM
                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-21-12, 04:32 PM
                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-21-12, 07:08 PM
                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-21-12, 08:05 PM
                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-21-12, 11:58 PM
                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-22-12, 01:34 AM
                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-22-12, 05:26 PM
                                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-22-12, 09:05 PM
                                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-24-12, 01:44 AM
                                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-25-12, 11:28 PM
                                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-28-12, 00:03 AM
                                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-28-12, 09:11 AM
                                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-28-12, 07:02 PM
                                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-29-12, 00:14 AM
                                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! rummana03-29-12, 12:23 PM
                                                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-29-12, 07:15 PM
                                                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-30-12, 02:14 AM
                                                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! الجيلى أحمد03-30-12, 05:58 PM
                                                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-30-12, 07:56 PM
                                                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-31-12, 02:28 AM
                                                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي03-31-12, 10:55 AM
                                                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين03-31-12, 04:05 PM
                                                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-01-12, 08:00 AM
                                                                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-01-12, 06:50 PM
                                                                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! rummana04-01-12, 10:15 PM
                                                                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-01-12, 11:14 PM
                                                                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-02-12, 08:57 AM
                                                                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-02-12, 10:59 AM
                                                                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-02-12, 03:29 PM
                                                                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-02-12, 03:45 PM
                                                                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-02-12, 04:11 PM
                                                                                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! rummana04-02-12, 05:01 PM
                                                                                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-02-12, 08:06 PM
                                                                                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-03-12, 08:31 AM
                                                                                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-03-12, 06:35 PM
                                                                                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! rummana04-03-12, 09:35 PM
                                                                                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! rummana04-03-12, 11:01 PM
                                                                                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! إدريس محمد إبراهيم04-04-12, 09:29 AM
                                                                                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-04-12, 10:30 AM
                                                                                                                                                                  Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-04-12, 12:29 PM
                                                                                                                                                                    Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-04-12, 04:29 PM
                                                                                                                                                                      Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-04-12, 05:02 PM
                                                                                                                                                                        Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! بركات بشير نجار بشير04-04-12, 06:01 PM
                                                                                                                                                                          Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-04-12, 07:03 PM
                                                                                                                                                                            Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-04-12, 10:53 PM
                                                                                                                                                                              Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! محمد جمال الدين04-05-12, 01:44 PM
                                                                                                                                                                                Re: أزة الزول السوداني و"أنا وسلفيا الهولندية"!!! قيقراوي04-05-12, 02:42 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de