هنا فداسي-2

Quote: مساجد كثيرة كبيرة وأنيقة ومزودة بالنجف والإستبرق والتكييف والمرافق وهلمجرا ولكن لا يؤمها إلا قلة لاسيما في البردين وشدة الزمهرير وعامة المكاره ، ولا تجد فيها حلقات تلاوة للقرآن المجيد ودروس للعلماء ، ولا يتبتل فيها إلا قلة من الذاكرين ، ويكثر الصبية في صفوفها الأول وربما مما يلي الإمام وبالجملة فرسالتها منقوصة ومنارتها مطموسة وعمارتها بالمسلمين أكثر من كونهم مؤمنين 0 لقد امكن لنا بمشيئة الله تعالى السفر إلى كثير من بلدان الدنيا ودخلنا مساجدها – إنّ خير البقاع في الأرض المساجد - كما في الحديث الشريف ورأينا في مساجد الحضر عجبا ؛ غثاء كثاء السيل ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، أين أمة البنيان المرصوص واسنان المشط 0زينوها بكل شيء إلا إتلاف القلوب ووحدة الوجدان ، وبعضهم جعل الدعاء الجماعي بدعة لا اثر لها فزاد الطين بلة وفرّق القلوب التي عملت فيها الدنيا عملتها والأزمنة صولتها وسمى ذلك عقيدة التوحيد التي لا تعرف حكاية الأشعث الأغبر الذي يمد يديه إلى السماء 0 لقد اجريت إستفتاء بين المصلين في عاصمة عربية مهمة يجمعهم مسجد صغير نحوا من عشرة أعوام حسوما وهم من المواظبين المترددين وربما جمعهم صف واحد فلم يعرفن منهم أحد حين ألقاه في مكان ما خارج المسجد رغم شدة ظهوري وفي معيتي ولديّ محمد واحمد فأخذني العجب والحيرة وقلت لأحدهم أنا ذاهب لعمل خروج نهائي من فوري فاعنذر الرجل وتجمهر حوله بعض الناس وهو يشد على يدي كانه كان في غربة عن دينه وكأنه لم يدخل المسجد من قبل0حتى ذلك السوداني – حمامة المسجد – لم يعرفني وبالطبع ليس الخلل فيّ ، إنها قضية رسالة غائبة ودور منقوص ، من هنا بدأ تآكل الأمة وإنحسارها وإندراس هيبتها وضعضعت رسالتها ،ولو تعمق الناس في مضمون الرسلة المحمدية ومرمى هدي الإسلام لظفروا بالحكمة التي ينشدونها ، كون عزتهم في وحدة ضمائرهم ومشاعرهم لا تراص أقدامهم وتلاصق أكتافهم فهذه فقط وسيلة الهدف الكبير الأسمى0 وبقي من مساجد الدنيا قلبل قليل يرعى هذه المباديء ولو جزئيا ويؤدي هذه الرسالة الكريمة ولو بضعيا ، ويحتفظ بسماته الخاصة التي يعز وجودها ويصعب تكرارها ومن تلك مسجد بلدة فداسي الحليماب العتيق بالجزيرة الذي ربما يحسب المرء أنّه رابع مساجد الدنيا للأسباب التالية :- ربما يقول قائل إذا أردت أن تحسب درجة مسجد فانظر إلى صفه الأول من شدة إستهام الناس عليه وتسويته وخشوع وخضوع مصليه وغياب الصبية عنه ، مثلما يرى سكان الرياض بالسعودية في مسجد الملك خالد – مسجد الإمام عادل الكلباني- أو مسجد الإمام الحسين بمصر أو مسجد الصحابة بأبي ظبي وهكذا ، أما مسجد فداسي فمنذ أكثر من مائة عام يتزاحم الناس على صفه الأول ولا يظفر بالفرصة الميسورة إلا من يصل للمسجد مع او قبل الآذان 0 يتهيب الناس الصلاة مما يلي الإمام وتكاد تكون قصرا على العلماء الكبار والأشياخ الصوفية وحتي أساتذة الجامعات وهم كثر بالبلد يتهيبون هذا المكان تعظيما منهم لجانب الشريعة فاليلني أولو النهى منكم - الحديث ،وإنك لتعجب من جرأة كثير من الناس على هذا المكان الشريف في كثير من مساجد الدنيا فتجد الرجل حوله أبناؤه الصبية خلف الإمام مباشرة لا يبالي و منهم من يتجرأ على الإستخلاف وإمامة الناس وهو يلحن الفاتحة ايماّ لحن ولا يبالي لم تر عيني منذ خمسين عاما صبيا وآحدا في الصف الأول فضلا عن الثاني والثالث وربما الرابع ، ويلتزم الصبية بتعاليم مذهب الإمام المالك الشائع في بلادنا بان تكون صفوفهم خلف صفوف الرجال وأمام صفوف النساء ورعى ذلك الإمام زين العابدين ثمّ خليفته إبنه الشيخ المبارك رحمهم الله تعالى واخيرا الإمام إبراهيم الشيخ الأمير امد الله في عمره وقواه كثرة المصلين والصفوف بالمسجد رجالا وصبية ونساء برغم وجود ثلاثة مساجد أخرى كبيرة بالبلد وحديثة مجهزة بالإضاءة والتكييف0 وجود ثلاث حلقات لتلاوة القرآن المجيد منذ أزمنة بعيدة واحدة بعد صلاة الفجر وثانية بعد صلاة العصر وثالثة بعد صلاة العشاء تدرس بها قواعد التجويد وأسهمت في نشر علوم التجويد وتمكين جمهرة كبيرة من القراءة الصحيحة وخرجت المئات ممن يحسنون تجويد القرآن العظيم ، ولا ينكر جهود الشيخ عوض عبد الرحيم الإمام والشيخ المرحوم المبارك زين العابدين والأستاذين الكريمين معتصم الأمين وعمر عثمان وغيرهم وتشهد جلسات ختم القراءة أعيادا يكتظ فيها القراء ويبذل فيها المأكول والمشروب وترتفع فيها الأكف خببا بالد عاء ووجود هذه الحلقات بشكل قوي ومستمر وفاعل ويجمع كل ألوان الطيف من شرائح المجتمع من عوام وعلماء وشبيبة كل هذه الأزمنة لا اجد له مثيل ولا نظير ربما في كل مساجد الدنيا فأي بركة أعظم من هذه 0 كثرة دروس العلماء في جميع الأوقات وتعاقب على منبر هذا المسجد أجلة علماء السودان وقال د0 الطاهر درديري أستاذ علم الحديث بجامعة قابوس أنّه لا يجد من الهيبة والحرج حين يتكلم واعظا في أي مكان ومقام ما يجده في هذا المسجد المنيف وهو المتحدث اللبق المفوه والعالم الفذ الذي جاب الكثير من بلدان الدنيا بعلمه ، ولا غروّ فإن أول دفعة من جامعة أمدرمان الإسلامية نيفا وعشرون خريجا كان بينهم أربعة عشر من أبناء هذه البلدة وهم الذين شكلوا النواة الكبيرة لزخيرتها العلمية وتقدمها وأوليتها 0 إحياء الوقت المبارك بين صلاة الفجر وإرتفاع الشمس قيد رمح من أول ضحوة النهار ، حيث يتبتل جمهرة من الذاكرين والتالين للقرآن المجيد لا تجد لهم نظير ربما في أي مسجد من مساجد الدنيا لا سيما في مثل أزمنتنا هذه التي كثرث فيها المشاغل وسرعة إنصراف الناس لمشاغل الدنيا0 ولا غرو فقد اسس هذا المسجد على تقوي الله من أول يوم ، ووضع حجر اساسه رجل لم تفته تكبيرة الإحرام غير مرة واحدة في حياته لم يتلبس بالحرام ، ذلك هو الجد الزين ود مدني رحمه الله تعالى، وأقوامه- أي هذا المسجد- هم ذرية الجليلين السيد محمد ابي حليمة واخوه أحمد البدوي الذان جاء بأسرهم من بلدة أبي حليمة بضاحية الخرطوم بحري إبان الفوضى الإجتماعية التي أحدثها جهادية الخليفة عبد الله التعايشي وهما اللذان أساسا هذه البلدة ونسبت لهم فداسي بعد مجيئهم – فسميت بالحليماب – لشرف السلالة ونبل المحتد ولا غروّ أنّ أبوهما الشيخ حمد بن حسن أبي حليمة من رجال طبقات ود ضيف الله وهما الذان أوقدا نار القرآن هاهنا ونشرا بردة الصلاح والإصلاح ،وكل عمامة عامية او علمية إستطالت بفداسي فببركتهما 0 ومن تحت سقف هذا المسجد الميمون تمدد التصوف وتعاظم الإنشاد الديني وأقيمت الموالد بإفتتاح كل بيت بالبلد من قبل فقراء المسجد ومنشديه منذ أن كانت البلدة تبنى من الطين اللبن إلى أن صارت إلى ما صارت إليه من مدنية وخدمات على مستوى جيد ، ومن جوفه خرج الدعاة السلفية والحركة الإسلامية تبشر بأطروحاتها و آمالها تنشد دينا قيما حيا يسعى بين الناس بالحسنى والمرحمة و عزة الإسلام وحضوره فاستوهت الكثيرين فجاءوا بأبواقم تترى – جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا 0 وهذا نذر يسير مما إستحضرته ذاكرتي الخربة عن فضائل هذا المسجد العتيق ومآثر من أحيوه بالقرآن والذكر والعلم والعمل الصالح ومن كان لهم دور رائد في نشر العلم بتميز كبير كاشيخ بشير مالك رحمه الله في الفترة ما بين 1975- 1987م والشيخ محمد رملي رحمه الله في الفترة من 1988-1995 تقريبا ثم الشيخ عوض عبد الرحيم الإمام 1996-وإلى يومنا هذا وكلهم من علماء الأزهر الشريف الأجلاء وكل منهم أمّة لوحده وجمهرة من أجلة العلماء والدعاة على رأسهم الشيخ الدكتور الطاهر محمد درديري والشيخ المغيرة محمد مصطفى رملي والشيخ الدكتور محمد سيد شريف والشيخ أبو الحسن الفضل رحمه الله والشيخ نصر الدين عبد الرحيم والشيخ الدكتور بابكر محمد درديري والشيخ الدكتور محمد أحمد إبراهيم رحمه الله والشيخ محمد الأمين الشيخ الصديق عبد الحي وآخرون كثر جزاهم الله خيرا 0 وفقراء هذا المسجد الذين يمثلون عظمته وبركته الذين يلازمونه في كل الصلوات وحيون فاضل الأوقات ويتلون فيه القرآن آناء الليل والنهار ويعقدون فيه حلقات الذكر الجماعي السمانس الجهري كراتب السعادة الطيبي بعد صلاة المغرب والصبح و قراءة التوسل السماني بعد صلاة العشاء ويوزعون فيما بينهم عدد اللطيف الكبير (16641) مرة لحفظ عامة البلد والناس من الآفات والطامات هؤلاء الفقراء هم تلامذة الشيخ أحمد عبد العزيز ود طه الذي تنسب له قرية ود عبد العزيز وكان قوس الأولياء لمدة خمسة وثلاثون سنة ومن بعده خليفته إبنه الشيخ الصادق إلى آخر خليفة وهو إبنه يوسف رحمه الله والان ينولى الخلافة بن الشيخ الصادق الشيخ محمد أحمد 0 وممن اخذ على الشيخ أحمد عبد العزيز الشيخ الأمير الدرديري أطال الله عمرة وأخوانه المتوفين محمد الدرديري والأمين وأحمد وفكي عبد الرحيم الإمام وإخوانه محمد الأمين ومصطفى وعباس وأولاد الحر الأمين والصافي وعلي وسليمان وغيرهم أما الشيخ المبارك زين العابدين وأبو الحسن الفضل ومحمد عبد الله الوالي وأحمد زين العاتبدين وغيرهم فقد أخذوا طريق القوم على الشيخ الصادق رحمة الله 0 هذا إلى جنب نشاط السادة التجانية وهم قلة فيعقدون بالمسجد الوظيفة صباح مساء وهيللة الجمعة عصر كل جمعة واكثرهم مواظبة العلامة عوض عبد الرحيم الإمام ومحمد القاسم محمد أمد الله في أعمارهم الرشيد حسن خضر

و قبل الختام أهدي أخي الرشيد حسن، بمناسبة المساجد صورة للحرم المكي عام 2020 م بإذن الله تعالى، ولي عودة للأخ الرشيد، بحول الله وقوته.

جزاك الله خيراً أخي الرشيد