هنا فداسي

فتحت يدي للشمس فاتهمت بسرقة الضياء: ( ما أعجب معاناة الفتى يومها!)
أبو الهياثم في دائرة الأفلاك
وغياب أبي المكاسب أليم

ُترى كم مرة أدار صاحبنا الأفلاك أو دارت به أو حوله الأفلاك. لكنه اليوم جاء ُيحدِّث عن مشاعره الذاتية الدفينة بإيجاز وإيحاء، وأحسست به يداعب خيوط النور في "المخمل الليلكي" الصامت بالفتور، فكان لابدّ من أن يبوح بكلمته :
" هذه الحروف أكتبها في الظلام بعد أن قطع التيار الكهربائي وبقي عندي تيار العشق الممتد لكم جميعاً.. .. وحتى لا يغيب البوست " وصباحكم زين.

إنه السراج الحزين الذي ظل يطارده في المدى البعيد، الضوء حدث يتلبس الأشياء ويلامسها ليستقر له فيها بقاءٌ وتعريفٌ، وأبو الهياثم أغنت به المؤن والتجارب ومن بعد الحس عن التلبس وطلب التعريف. وأيان يذهب الضوء فأبو الهياثم في غنى ولن يحور.
حتما هذا الطراد، والُمندّى رحلةٌ وركوبُ ؟!

إن شفه الهوى والوجد والظمأ فقد مات من جوى صاحب " تذكار عزيز" وهو ليس عن المرابع ببعيد:
جرحي الدفين العذبك يا قلبي طول عمرك أنين
داريتو في الأعماق سنين
غنيتو للعشاق حنين
شكوى وشجون
غنيتو أصدق أغنيات
وأصبح مجرد ذكريات
وين "الصلات" وين الشموع الفي دروبنا منورات؟ ( ستأتي الصلات عما قريب إن شاء الله)
..
وبقت تذكار تشيلو وجرح أليم .. أليم.

تخيلت صديقي هيثم يمر على المنتدى، برفقة أبي العباس الأعمى وقد قطعا رحلة بخيف مكة في غير موسم الحج، ولسانهما يردد:
ليت شعري أفاح رائحة المسك وما إن إخال ( أظن) بالخيف من إنس
والذي فاح بطبيعة الحال "ذكرى" أناس "كانوا" بالخيف من سادة بهاليل من عبد شمس وفرسان على المنابر وغيرهم خرس.

نعم غاب البهاليل أو سادة المنابر، وأن غياب أبي المكاسب ليزكي نار أبي الهياثم، ويسوق الدمع الهتون في مسابل الخيف وساح القرية.
كان أبو العباس الأعمى في مطلعه: ليت شعري أفاح ......، يرثي حال زوال دولة بني أمية، فما أشبه حاله من أبي عباد البحتري وهو يبكي زوال الدولة العباسية وزال حال الجاه والعز في سينيته الشهيرة:

صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنّس نفسي، وَتَرَفّعتُ عن جَدا كلّ جِبْسِ
وَتَماسَكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْــرُ التماساً منهُ لتَعسِي، وَنُكسي
إلى أن قال:
وَلَقَدْ رَابَني نُبُوُّ ابنِ عَمّي، بَعد لينٍ من جانبَيهِ، وأُنْسِ
وإذا ما جُفيتُ كنتُ جديَرّاً أنْ أُرَى غيرَ مُصْبحٍ حَيثُ أُمسِي
وقبل أن يرحل مع أبي عباد، وكلاهما شأنه الترحال، ويقول قائلهما:
حَضَرَتْ رَحليَ الهُمُومُ فَوَجّهْـتُ إلى أبيَضِ المَدائنِ عُنْسِي
أتَسَلّى عَنِ الحُظُوظِ، وَآسَى لَمَحَلٍّ من آلِ ساسانَ، دَرْسِ

نقول له إليك عنا من صحبة الشاعر مصطفى عبد الرحيم صاحب التذكار الجهنمي ، أو أبي العباس الأعمى، أو أبي عباد البحتري، وسر معنا برفقة علقمة بن عبدة لملك الغساسنة: الحارث بن أبي شمر الغساني نطلب أن نفك لنا أسر أخينا " شأس " أو "نموت فنعذرا"، وفي الفؤاد صيحة:
وفي كلِّ حيِّ قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب ( دلو)،

ألا ما أسرع مكرمة الندى والمقال : نعم، وأذنبة ثم نسرح تسريحاً جميلاً.
إلا يكفيك يا أبا الهياثم الدلو والشربة والشربتين. لكن أخاك لن يكفيه غياب أبي المكاسب ولو عدت بشأس بعد رحلة رأيت فيها الأعظمة المحروقة والموات في الفوات والمتاهات، ولو ضج الحجيج في غير موسمه لن يعدل ذلك طيب أبي المكاسب، فكيف يكون الحج حجاً بلا خيفٍ أو المنبر منبراً بلا مكسب وحبِّه المبارك من آل بدري: نعم الرجل الهيثم!
ولو أني حاولت التفاصح مع ما جادت به الكلمة المقتضبة للهيثم " هذه الحروف أكتبها في الظلام بعد أن قطع التيار الكهربائي وبقي عندي تيار العشق الممتد لكم جميعاً.. .. وحتى لا يغيب البوست " وصباحكم زين. فإني لأعلن فشلي التام أن أي تفاصح قبالة كلمته الموجهة لأخيه المهدي ود الصادق إذْ ولم يسعدهما الحظ أن يلفيا الطاحونة طاحونة الفكي يوم ذاك شغالة، ورجع أحدهما عقبيه وقد استحالت الرحلة غير المظفرة محض خيال :

"أتخيل منظرك وأنت تدور برحى الأفكار ، ثم ماذا بعد هذا ؟ ، واراك وأنت تتأرجح من على دابتك ، إما فرحاً بالهجرة إلى طاحونة فداسي ، وإما ترحا على " لخبطة البرنامج ، وضياع التمرين العصري " وأرى ما أرى من مخيلة تتجول في حقول القطن وتسرح وتمرح ، وتلتقط الأفكار كلوزة بيضاء ، وتدخلها إلى مترار الزمن ، وتحيك بها قطعة دمورية وخيط دمور ، تصبغه بأحلام وردية ، وتغازله .... بإبرة " الكورشى " وتحيكه منديلاً منقوش جانبه ... أو تذكره ؟ ...

لا. لن أتفاصح ولو كنت مكانكما لذهب بعيشي لحلة البليلة أم أضنين التي صنعها السمكري بزقاق ود التاي.

وأترك المجال والمقال لأهل الشأن.


ودمتم،،

محمد حسن خضر
الرياض
21/2/2007م