هنا فداسي

أخي محمد بابكر حمادو

لك التحية والمودة،

طربت لرسالتك الشيقة لمنتدى هنا فداسي، وما حملت من ود قديم، وما خلت من بقايا أحاديث دارت بيني وبينك أثناء الصيفية الأخيرة بفداسي ، ولكنها دقت بالإشارة والإيحاءات بعيدة التصيد والهاتف ، تذكرت أن آل حاج مدني، عندما يكونون علي سجيتهم، فهم أصحاب بيان وفصل وتاريخ ملئ بالسير والحكايات، ولأني مجبرٌ على أن أتنكب المنهج الموضوع الذي جعل نهجي على شاكلة مسطورة، وأقرب للترجمة الركيكة والحرف غير " المطبوع" أو المفطور ، فتراني أراوح المكان كمن ُسمِّر على وتدٍ ظناً منه أنه متحرك ولكنه مقيد ، ليت أصحاب الدعوة الفجة قبلوا شهادة الأقربين بلا جرح أو حرج. ليتهم أرخوا لي حبل العنان قليلاً لأقول في حق والده مما حفلت به مخليتي وبصيرتي، فمنذ أن كان والده " الصديق" يشق طريقاً وعراً على أعتاب الستينات لينهل المعرفة من بحر أبيض في مدينة الكوة المتوسطة، معقل آل حاج موسي الركابية الأشراف، وبرفقة صديقه المرحوم الصادق الأمير. كان مزهواً بشابه – وحُقَّ له - وبعظمة اللغة الإنجليزية التي نال منها أوفر حظ وقد وعيها عقل كما تضمنت المحارة اللؤلؤ والدر، ثم انطلق محاسباً ذا طول وباع في دولة الإمارات ومن قبلها لبيبا ، ثم يدلف إلى إيطاليا ويسمعنا منها الأحدوثة والنغمة الشجية، وذكريات النعيم والمجد والرفه، وما إنجاب من التجربة إلا القدر الجزيل من الرصانة والثقة والتي تتعرى في عينيها الحقائق بجلاء لتريك كيف يملك الرجال العنان ويكتبون في الحياة بخطوطهم وتداعيات آمالهم ما شاءوا وما خانهم دهر تمرسوا على قياده فانقاد لهم ولا عجب. الضحكة المجللة – يا سيدي – تكفي دليلاً – وأنها لا تصدر عن ينبوع ضحل. لن يتركني أدعياء الموضوعية أن أنطلق مع أحاديث النفس ورغائبها، هم يقولون ذلك وقد علموا أن دولة الأمويين في المغرب الأندلسي عاشت خمسة قرون بفضل العصبية الأموية، بينما لم يتعد أمد دولتي بني أمية والعباسية في المشرق ما بلغته في بلاد المغرب. ما أعجب أمر رواد الموضوعية قبالة الانطباعيين !

نعم أنا لست من دعاة العصبية والنعرات القبلية، لكن الذي صنعوا صنم الموضوعية أو البريجماتية سيأتي عليه دهرٌ يؤمنون بنقيض ما ابتدعوا، فلا أملك شاهداً ولكني أستقري بعض الأمر والتاريخ حافل بالشواهد والمفارقات، وعلماء الاجتماع يقولون لك : " ما كان محموداً في زمان أو مكان ما، ربما يكون مذموما في زمان ومكان آخر" وكأن دعاوى هؤلاء لا تقوم إلا على أساس المنع والحرمان، والذي يمنعك أن تفرط أو تصل الحديث عن آل القاضي ود حاج مدني ما ترك لك حظاً من إمتاع تتباهي به وتتصدر المجالس. سأدعو الأخ محمد بابكر يقول لنا عن جده القاضي ود حاج مدني ، وعن قصة ابنة جده الحافظ حاج مدني ، التي نزلت الجزيرة مقراد شمالي الخرطوم، وعن الرجل الصالح الذي تزوج منها: الشيخ الأمين ود أم حقين وما يتبع ذلك من إرث وتيلاد سارت به الركبان ولم يزل والناس لا تعلمه. ونقول ذا ونشير لعظمة الرحم الفداسي الذي أنجب حاج مدني وغيره من الأفذاذ. ثم ندعوه ليحدثنا عن رحلات حمادو في الصعيد وذكرياته مع التمتام في سنار، وعن قصته في المسجد مع محمد عبد الرحيم لما تبسم مولانا شيخ البشير إذ احتكما إليه، ليردفها حمادو بتعليقه الطريف: " أنتو ي آ ناس حوش البشير بتحامو لي بعض" بله حمى طيب ونفوس مضت لربها هانئة مرضية. دونك القلم يا محمد فإن استطعت فذلك الأمل والرجاء، وإن فات أو غاب عنك شيء فيا طيب ما يرد من الوالد.

وما أعجب شأن هذا التكامل إن لم يكن بالود عامر، وكأنما المولى جعل لهم خصيصة الإلف والمودة سمتاً وبضاعة للعالمين.

ومن قصد البحر استقل السواقيا)

لك خالص مودتي
أخوكم
محمد حسن خضر
الرياض
20/2/2007م