|
Re: كلما اقتربت الشيوعية من الواقع.. ابتعدت عن الماركســية! (Re: HAYDER GASIM)
|
قراءة نقدية ... فى تيمن د. صدقي بالماركسية ( 2 من 8 )
الأخ صدقي
تحياتي
أنتقل من بعد لمسألة مصادر الماركسية ومكوناتها الثلاثة , ليس لدي ما أضيفه لما قلته فى هذا الخصوص سلفا , فهي معلومة أولية لا ينبغي أن تكون مصدر خلاف كبير , فالماركسية كانت وليدة المناخات الفكرية والفلسفية والسياسية التي عاصرتها أو إستحسنتها وإنتقتها من سياق التاريخ , لهذا تظل الفلسفة الألمانية والإقتصاد الإنجليزي والإشتراكية الفرنسية هي أعمدة الماركسية ومصادرها المكونة , ولأن هذا من مسلمات الماركسية , فقد كان من الطبيعي أن أتبناه وأدفع به على مائدة هذا الحوار العام , وقد حاولت من خلال ما عرضت أن أصحح مناولة الأخ عدلان بطريقة غير مباشرة , لإحساسي بأنه لم يوفق فى التعريف بمصادر الماركسية كما هي محفوظة فى مدونة التاريخ , إذ غيب الإشتراكية الفرنسية و ( دبل ) الفلسفة الألمانية , بإفراده لمادية فورباخ كمصدر قائم بذاته , مع أنها جزء من الفلسفة الألمانية .
أشار الأخ صدقي للينين وفهمه لمصادر الماركسية الثلاث , وحيث تكاد أن تتطابق وجهة نظري مع المفهوم اللينيني فى هذا الخصوص , إلا أن صدقي دفع بتفسير آخر ونسبه إلى أنجلز , بل أراه وقد إنحاز له أكثر مما أتى لينين , ومع أن تقديرات أنجلز نفسه لم تفسد جوهر المناولة اللينينة , بل ربما إهتمت بمصدر أكثر من الآخريات , وقد أغفلت المصدر الإقتصادي للماركسية على أهميته , لهذا أخشى أن يكون فى تدافع الاخ صدقي نحو أنجلز , وإن جاء خصما على لينين ( رب الكفر ) , محاولة لحرماني من فضيلة الأتيان بمعلومة صحيحة , فالأمانة الفكرية تكون عرضة لمثل هذه السوءآت عندما تخيم عليها السياسة , خاصة عندما تكون السياسة شمولية .
تشي مداخلة الأخ صدقي بأنه جاء إلى هنا , أي إلى هذا الحوار ليثبت عكس ما يحمله عنوان هذا البوست , أي ليثبت مواءمة الماركسية للواقع وتصالحها معه , بل تؤكد آراءه على ذلك فى مساراتها العامة وفى كثير من التفاصيل كذلك , وقليل منها ( من باب مسحة الشنب ) فى الإتجاه المعاكس , فصدقي هنا مدافعا عن الماركسية وليس ناقدا لها , إذ أكد على صحة الموقف الفلسفي الماركسي , كما أكد تفوق الماركسية على التجريبية , وضرورة النظرية الثورية للحركة الثورية , وتفوق الإقتصاد السياسي على الإقتصاد البرجوازي , وهذه فى مجملها محاور الماركسية الكلاسيكية .
لعلى وقبل أن أبدأ فى المرور على بعض الأفكار التي رشحها الأخ صدقي لتأزير وجهة نظره تلك , فلى ملاحظتين :
فأولا... أرى أن الذي يدافع عن الماركسية فى هذا الأوان وبعد كل الذي حدث , لهو ( جرئ ) دون شك , و لعله بهذا يبعث برسالة مؤداها , إن إحتملت على عصبي وقفاي كل مرارات وأثقال الإنهيار , وما أزال حي يرزق , فلماذا أترك الماركسية من بعد , بل وكيف ولماذا , هذه الرسالة تعبر عن أصالة هذا الموقف ومن يقف خلفه بلا شك , لكنها كذلك موصولة لدعاة و مترقبي التغيير داخل الحزب الشيوعي السوداني ... أو هكذا أفهمها , وأظن أن فحواها معلوم .
و ثانيا ... يعتمد الأخ صدقي فى دفاعه عن الماركسية فى كثير من الأحيان , على ترفيع المقادير النظرية داخل موضوعته , ليبدو الأمر وكأنه فلسفي عالي , أو نظري لا تأنسه إلا الصفوة , ومع أن هذه طريقة سائدة فى مجادلات الشيوعيين على نحو عام , وإن تعبر عن الوهم أكثر من التميز و ( الفهم ) , إلا أنها تقصي العامة بل والمثقفين غير الماركسيين , فتضيق بذلك حلقة التبادل والحوار , كما أن الإنتقاء من بطون الكتب ومن آراء ومقالات رواد الشيوعية ومحاوريهم , يضيق منافذ الحوار أكثر وأكثر , لتقتصر على حلقة العارفين أو المهتمين بالفكر الماركسي , وحتى فى إطار هذه الحلقة الضيقة أصلا , فلا يعتد برأي من خرج عن الماركسية , فتتقلص الحلقة من ثم إلى نواة ماركسية خالصة ... أي إلى لا حوار .... فهناك كل شئ محسوم .
إتصالا بذات الملاحظة الثانية أعلاه , فالشاهد أن الماركسية تدعي لنفسها إستخلاص فتعميم التجارب , وهذا ضمن ما يعني إستبصار مسار عام على خلفية إحداثيات متفرقة , كما يعني ( فنيا ) ترفيع الوعي الماركسي ( طالما أن الماركسية نفسها تجربة ) إلى مصاف العام وعلى سبيل النقل الموضوعي , لتتسع نواحي العلم بها والتهيؤ لتوقيعها على الأرض , الأمر الذي يقلل من قيمة عناصر وتآلفات ما قبل هذا الإنتقال النوعي , وهنا تعيد الماركسية إنتاج نفسها فى شكل أهداف عامة ووسائل معلومة كيما يفهمها الناس , كالشيوعية والإشتراكية والعدالة الإجتماعية المترتبة عليهما , يقابل ذلك ما إختارته من وسائل كالصراع الطبقي والتمنهج المادي . هذا يسهل التعامل مع الماركسية طالما عادت مشروع كل الناس , وطالما تخطت حالة كونها مدخلات صادرة عن أفراد , إذ تعلو من بعد قيمة الماركسية على ماركس , واللينينية على لينين , والصراع الطبقي على ما قاله عنه أنجلز .
ومع أن الإقتباس وسيلة من وسائل الحوار والإقناع , لكن لاحظت أنه يرتبط دوما بثلاث محاور أساسية , التفسير الدينى , النقل لأغراض علمية و الفكر الشمولى , وإن كانت تهمنا الأخيرة حيث الفكر الشيوعي موضع بحثنا الراهن , فالواضح أن النقل عن أفراد وإن علا شأنهم وتميز إسهامهم فى صناعة الفكر الماركسي , لا يعني الإتيان بالدليل الصحيح , فهو وفى أفضل الأحوال رأي شخص ماركسي وليس بالضرورة رأي الماركسية , وهذا ما لا يعتد به موضوعيا , مع ملاحظة أن الماركسية فى مسيرها نحو أن تكون , تجاوزت مبادرات الأفراد إلى أروقة التداول الجمعي , إلى محطات التجميع الفكري ( فلسفة , مجتمع , إقتصاد ) إلى مصادر معرفة ذابت فى معينها عناصر التكوين الأولى وإستقدمت منتوجا جديدا , إلى نظرية ذات ملامح وأهداف وأدوات , وهذا ما أكسبها بعدها العالمي وتوصيفها ذو الطابع العلمي , لهذا كانت تدرس فى الجامعات كنظرية ماركسية , وليس ككراسات تنسب لأفراد وإن قاموا بجهد لا ينكر , فمثل هذا الجهد هو تجميع وتوسيع لحصائل ماركسية فى الأساس , ولهذا أيضا ربما قرأت فى مهدي الماركسي ربما عشرات الكتب الصادرة عن دار التقدم بموسكو , أو دور نشر وترجمة أخر , لا أحتفي هنا بإسم الكاتب , لكني أتذكر أنني إطلعت على هذا الكتاب ( الماركسي ) أو ذاك , وبالطبع فقد كانت هذه مرحلة أكثر ( تقدما ) من مرحلة المساهمات المنسوبة لأفراد , كمختارات لينين , رأس المال لكارل ماركس , أصل العائلة لأنجلز ... وهكذا .
فالأخ صدقي يحاجج بأسانيد من مرحلة ما قبل عالمية الماركسية أو تعولمها الغابر , وغير أنها حجج زائغة عن تطور الماركسية نفسها , ففيها تبخيس للماركسية أكثر من إفحام خصمها , فإن لم يقل هذا الفرد ما قال , هل تنتفي الحجة ؟ لهذا أعتقد أن هذا ( الإستايل ) للإثبات أو النفي , لا يقيم الدليل المقنع بقدرما يمثل هروبا من الحاضر إلى الماضي , ومن العام إلى الشخصي , ومن الفقه إلى النص . .. وغدا بإذنه أواصل .
|
|
|
|
|
|