الميدان 6 نوفمبر 2007

ايها الدارفوريون انتبهوا
مآلات سرت وسيناريوهات الحكومة المتوقعة

عندما نقول فشلت سرت فإننا لا نتنبأ بفشلها الذي يحدث بانفضاض المفاوضين من دون التوصل لاتفاق فهو لم يحدث حتى الآن، بل نقصد بالفشل عدم تحقيقها للأهداف التي ينتظرها أهل دارفور والمجتمع الدولي منها، وبالتالي فإننا لن ننتظر انفضاض سرت لنعلن عن فشلها. وحتى إذا تمخضت سرت عن أتفاق فإنه سوف يكون أتفاق جزئي لن يوقف الحرب ولن يجعل النازحين واللاجئين يعودون إلى قراهم الأصلية وبالتالي سوف تصبح سرت أبوجا أخري.

رغم تحذيرنا المتكرر بعدم تكرار تجربة أبوجا إلا أن سرت سارت في نفس طريقها، عندما لم تحرص على إشراك جميع أطراف النزاع في الحل، وبالتالي ستكون هناك حلول جزئية في حالة توصل المجتمعون في سرت لاتفاق. وحتى نكون أكثر دقة فإن تجربة أبوجا أكثر نجاحاً من سرت حيث استطاعت أن تجمع جميع الأطراف ولكن نتيجة لتدخلات خارجية كانت النتيجة أتفاق ثنائي.

ويمكننا أن نرجع فشل سرت لمجموعة من الأسباب ساهم فيها في المقام الأول لجنة الوسطاء المكونة من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي، وفي المقام الثاني الحكومة، وفي المقام الثالث الحركات.

• تعاملت لجنة الوسطاء مع سرت كتعامل من كلف ( بتوزيع كروت دعوة لزواج، فلقد قدمت الدعوة (لـ13) حركة وانتظرت من يلبي الدعوة ومن يرفض. وكان لابد للجنة الوسطاء أن تربط بين تحديد زمان ومكان وأجندة التفاوض المقترحة مع تقديم الدعوات ولكنها تعاملت معها بصورة معزولة عن بعض، فلقد تم تحديد زمان انعقاد المؤتمر أبان انعقاد مفاوضات أروشا الذي حضرته ثماني حركات وتم فيه تحديد انعقاد المباحثات بعد ثلاثة أشهر، وكانت الحركات مهمومة بتوحدها وكانت تأمل من الأمم المتحدة مساعدتها في ذلك ومن ثم تدخل المفاوضات موحدة، وتم تحديد مكان المفاوضات بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للسودان وبعد مقابلته للرئيس البشير أعلن عن أن مكان المفاوضات ليبيا، أما أجندة التفاوض وترتيبها فلم يتم إلا في سرت.

حتى تؤدي لجنة الوسطاء دورها بكفاءة لابد من أن تكون ملمة بعدد الحركات في الساحة الدارفورية وحجمها وفعاليتها عسكرياً وسياسياً والأحزاب السياسية وممثلي النازحين واللاجئين ومنظمات المجتمع المدني... الخ، حتى تحرص على حضورهم. دعنا نتصور إذا كانت لجنة الوسطاء أدت مهمتها بعد أن حددت الزمان والمكان وفق السيناريو التالي حددت بداية المفاوضات يوم 27/10 ومكان التفاوض سرت وحددت الأجندة ومن ثم اجتمعت بالحركات مجتمعة أو منفردة، كانت عرفت منهم الأتي يوم 27/10 غير مناسب لبداية المفاوضات، وليبيا مكان غير مجمع عليه وبالتالي كانت وصلت عن طريق المشورة للزمان والمكان المناسبين وبالتالي جنبت أهل دارفور والسودان من إحباط الفشل وسماع حديث الرئيس القذافي حول الجمل. ولكن تحديد زمان ومكان للتفاوض والإصرار عليهما دون معرفة هل هما مناسبان لأطراف النزاع نعتقد أنه الإصرار على السير في الطريق الخاطيء. فماذا يضير اللجنة إذا تم تغيير الزمان والمكان أكثر من مرة وفي النهاية وصلنا للمكان والزمان المناسبين.

• الحكومة في تعاملها تسعي لإقصاء الرأي الأخر، كان مفروض حضور 13من ممثلي منظمات المجتمع المدني مختارين بواسطة الأمم المتحدة من ولايات دارفور الثلاثة ولكن السلطات منعتهم من حضور سرت بعد أن أكملوا جميع إجراءاتهم بعلم السلطات ولكن أجبرت طائرة الأمم المتحدة التي تقلهم للعودة لنيالا بعد إقلاعها بربع ساعة وهي كانت تقل ممثلي جنوب دارفور وهي في طريقها للفاشر لاصطحاب ممثلي شمال دارفور ومن ممثلي غرب دارفور ولكنهم منعوا من السفر إلى سرت، واعتذرت لهم الأمم المتحدة عن ذلك. تصر الحكومة على أجراء المفاوضات بتاريخ 27/10 مع علمها بأن هناك حركات طلبت التأجيل ويحدوها الأمل بعدم حضورها حتى ينفذ المجتمع الدولي وعوده بفرض عقوبات على هذه الحركات وبالتالي يتحول الصراع بين المجتمع الدولي والحركات (الأختشوا ماتوا) أو تصل لاتفاق جزئي تحيد به بعض الحركات بإغرائها بالمناصب كما حدث في أبوجا من دون تحقيق مطالب أهل دارفور ونستدل بعدم التزامها بما تتفق به مع الآخرين بحديث عبدالجبار دوسه رئيس صندوق أعمار دارفور حول ما تم تنفيذه من اتفاق أبوجا حيث قال (إن الاتفاقية أشارت إلى تخصيص (700 مليون دولار ) مشيراً إلى أن الحكومة لم تلتزم إلا بنسبة (1٪ فقط من المبلغ الكلي، مشيراً إلى تباطؤ الحكومة في تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية).

فالحكومة غير جادة في الوصول إلى حلول ناجزه لأزمة دارفور فهي لم تنفذ حتى الآن أي من القرارات الدولية الكثيرة التي صدرت بخصوص أزمة دارفور، فلم يتم تجريد الجنجويد من أسلحتهم بل تم تحويلهم إلى حرس للحدود، ومازالت تضع العراقيل في طريق وصول القوات الدولية لحماية النازحين والمدنين وتواصل تطبيق أجندتها الخاصة بتصفية أزمة دارفور عن طريق إزالة معسكرات النازحين أكبر مظهر للأزمة. وبالتالي هي غير جادة ولا راغبة في دخول مفاوضات جادة تجعلها تقدم تنازلات كبيرة.

• الحركات التي تم أخطارها لحضور مؤتمر سرت يمكن تقسيمها على حسب رد فعلها إلى الأتي:

1- مجموعة من 7 حركات حضرت سرت.

2- مجموعة من 5 حركات ما زالت تواصل اجتماعاتها بجوبا من أجل التوحد.

بالنسبة للمجموعة الأولي فقد حضرت بالتالي هي جاهزة للمفاوضات، المجموعة الثانية لا نجد أي ضرر من انتظار ما تتمخض عنه محاولاتها الجادة للتوحد، الذي نريد أن نرمي إليه لابد للحركات أن تكون مستعدة للجلوس للمفاوضات مع الحكومة لأنها تمتلك مطالب عادلة لأبد أن يتم تحقيقها عاجلاً أم أجلاً.

• كما أسلفنا أنه بات في حكم المؤكد فشل مفاوضات سرت بانفضاض المتفاوضين أو بالوصول إلى أتفاق جزئي يحدث بموجبه تبادل في المراكز بين الحركات يصاحبه تصعيد عسكري بغرض إحداث مكاسب الصعود والنزول للحركات العسكرية في دارفور. وبالتالي يصبح الطريق ممهداً للحكومة لتنفيذ سياساتها الساعية لعدم تنفيذ المطالب العادلة لأهل دارفور. وسوف نستند على أقوال بعض رموز الحكومة ترسم السياسة اتجاه أزمة دارفور بعد انفضاض مؤتمر سرت.

نبدأ بحديث د. مصطفي إسماعيل الذي نقلته رأى الشعب العدد ٦٢٢ بتاريخ 29/10/2007 م تحت عنوان (قال من بينها اللجوء إلى مواطني دارفور د.مصطفي: لدينا خيارات أخري في حال فشل المفاوضات حول دارفور والتي بدأت أمس بمدينة سرت الليبية في ظل مقاطعة فصائل التمرد الرئيسية). وأوضح إسماعيل في تصريحات صحفية أمس (هذا أن من بين تلك الخيارات اللجوء إلى مواطني دارفور وفق أتفاق أبوجا للسلام في دارفور المبرم عام 2005 م وكذلك خيار الحوار الدارفوري – الدارفوري).

وهذا حديث صريح من د. مصطفي أنهم في حالة فشل سرت سوف يعتمدون على أبوجا كاتفاق أساسي ومعروف للجميع أن أبوجا اتفاق جزئي لم يحقق السلام في دارفور وبالتالي نفهم أن الكلام المسكوت عنه هو استخدام الحسم العسكري لإسكات أصوات الحركات الأخرى، ومن ثم يسعون لتنظيم حوار صوري على الطريقة المحفوظة للحكومة (إقصاء أحزاب المعارضة) كغطاء سياسي يستندون عليه.

قال وزير الداخلية بروفسير الزبير بشير طه في مخاطبته افتتاح الملتقي الأهلي والشعبي لأهل دارفور بالفاشر يوم 25/10/2007م ((أن الدول الغربية تستغل قضية دارفور لخوض العمليات الانتخابية لديها، مشيراً إلى أن السودان يمثل بيئة أمنية للقارة الإفريقية، وأنه بعد انقضاء الحروب الأهلية أتجه نحو التنمية والأعمار وإرساء قيم الاستقرار في كل أرجائه. وقال الزبير في نهاية المطاف ستصطف القوي السياسية لحلفين أحداهما ضد التدخل الأجنبي وأخر مع التدخل الأجنبي ومبروك عليهم)).

مع العلم أن الحكومة وأفقت على انتشار القوات الدولية، وصرحت مؤخراً أنه يمكن للقوات الجاهزة الانتشار في دارفور فوراً. فهل للحكومة موقفان حول انتشار القوات الدولية أحداهما معلن وأخر غير معلن؟، أم هناك سيناريوهات معدة سلفاً لإعاقة القوات الهجين من أداء مهامها.

ومن ناحية أخري أعلنت الأمم المتحدة أن الترحيل ألقسري للنازحين من معسكر عطاش مخالف لمذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الغير حكومية. وعبر جون وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة هولمز عن قلقه بشأن تقرير حول إعادة توطين قسري جري يوم 28/10/2007م بمعسكر عطاش بنيالا في ولاية جنوب دارفور. وقال وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية في بيان صحفي (( أن القلق حول الطريقة التي تمت بها إعادة التوطين وحول إمكانية أن يسهم مثل هذا العمل في المزيد من أعمال العنف في معسكر عطاش الذي يعيش به أكثر من 60 ألف نازحاً. وقال هولمز ((إن الأمم المتحدة تلاحظ القلق الحكومي بشأن الوضع الأمني في المعسكرات إلا أنه الواجب أن تكون كل عملية إعادة توطين طوعية بالكامل وبموافقة النازحين)). وأضاف قائلاً ((لقد عقدنا العديد من الاجتماعات مع حكومة السودان وشددنا على أن تكون طوعية وتلتزم بالمبادئ الموجهة حول النزوح الداخلي )). وأردف قائلاً ((بما أن قوات الأمن هددت النازحين بالعصي والسياط المصنوعة من الأنابيب البلاستيكية في معسكر عطاش فإن الطبيعة الغير طوعية لإعادة التوطين التي تمت واضحة تماماً كما أنها تخالف الاتفاق الذي أبرم مع الحكومة)). كما قالت منظمة العفو الدولية إن القوات الحكومية اعتقلت (36) نازحاً من معسكر عطاش بمدينة نيالا مساء 29/10 وأشار لمعاملتهم بطريقة سيئة. واتهمت المنظمة في بيانها الذي نشره موقع سودان تريبون إن القوات الحكومية قامت بمحاولة ترحيل النازحين قسراً في 29/10 جانب النازحين الذين فروا من كلمة مساء إلى أم كسارة التي تبعد 23 كيلو متر من نيالا تسعي الحكومة عبر سلسلة من الاختراقات لمعسكرات النازحين (وقد بدأت قبل فترة) لفض هذه المعسكرات وبالتالي التخلص منها كأكبر مظهر للازمة.

واستناداً مما أوردناه يمكننا صياغة سياسة الحكومة عقب انفضاض سرت أو الوصول إلى أتفاق جزئي
إلى:-

1. تصعيد عسكري لحسم الحركات الرافضة لسرت.

2. عقد مؤتمر صوري للحوار الدارفوري-دارفوري كغطاء تمرر به سياساتها.

3. تصعيب مهمة القوات الدولية بإثارة الصراعات القبلية (الهبانية ضد السلامات) و(الزغاوة كملتي
ضد الزغاوة)، الدبابيين...الخ مع إثارة صراعات داخل الحركات المسلحة أي إثارة غبار كثيف يمنع
الرؤية عن القوات الدولية.

4. العمل على تصفية المعسكرات عن طريق استخدام سياسة العصا والجزر مع النازحين، مع مواصلة
سياسة اقتحام المعسكرات وبالتالي سوف تتوالى أخبار الاقتحامات في الفترة القادمة.

5. إذا أضفنا أن هناك أجانب تم توطينهم على أرض النازحين فإنه بعد عدد من السنوات يصبح المجتمع
الدارفوري أمام الأمر الواقع حيال ذلك الأمر.

= = = =
السودان لكل السودانيين
المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان