علـــي عثمــان ومحنـــــة نظــــام الانقــــاذ...مقال لــ عبد الوهاب الافندي

Quote: علي عثمان ومحنة نظام الإنقاذ في السودان د. عبدالوهاب الأفندي 26/10/2007 (1) قلت لبعض الإخوة ونحن نقلب الرأي في الأزمة التي تفجرت أخيراً بين شريكي الحكم في السودان: أتوقع أن يعود نائب الرئيس علي عثمان إلي واجهة الأحداث مجدداً ليلعب دوراً في التهدئة. استبعد صاحبي هذا الاحتمال قائلاً: إن الجماعة لن يسلموا رقابهم لعلي عثمان مجدداً، ولن يسمحوا له بلعب دور إلا في الحدود التي يرسمونها له، فقد لدغوا من جحر نيفاشا بما يكفي. (2) لنترك الآن جانباً هوية الجماعة التي تملك حق السماح من عدمه. فقد مر زمان كان فيه علي عثمان هو وحده هذه الجماعة، وهو مقام خلف فيه شيخه حسن الترابي. ولكن حجتي فيما رأيت كانت أن الجماعة هم اليوم في حاجة إلي علي عثمان أكثر من أي وقت مضي حتي ينقذهم بحكم ثقة الطرف الآخر به. ومهما يكن فقد كنت دائماً أري من غير الحكمة شطب علي عثمان من المعادلة، مهما ظهر أنه خارجها. فقد كان هذا أكبر أخطاء الترابي. (3) المدهش هو أن كلينا كان علي حق. فتماماً كما توقعت (وبأسرع كثيراً مما توقعت) عاد علي عثمان بقوة إلي واجهة الأحداث، وصدر نشرات الأخبار. ولكن أيضاً كما توقع صاحبي، وبخلاف ما توقعت أنا، فإنه ظهر ليخدم أجندة الجماعة ، ويدافع عن خطهم التصادمي. وهو بهذا قد عبر بأبلغ ما يمكن عن طبيعة وجوهر نظام الإنقاذ، وتركيبته التي تقصي كل مظهر اعتدالي مهما كان متواضعاً وتجنح إلي التطرف. (4) يجب هنا أن نقصي من أذهاننا كل وهم بأن علي عثمان يمثل خط اعتدال داخل الإنقاذ، أو أنه كان يهدف من عقد صفقة نيفاشا نشر الديمقراطية وتسليم السلطة طائعاً مختاراً لممثلي الشعب. فلم يكن الرجل يخالف الرأي الداعي إلي أكل كعكة الإنقاذ والاحتفاظ بها، عبر تقديم تنازلات تعزز قبضة الإنقاذيين علي السلطة. الإشكال أن رفاقه قد اكتشفوا حين جاء وقت دفع الفواتير أن الأمر ليس كما تصوروا، ومن ثم انقلبوا علي مهندس نيفاشا واتهموه بأنه سبب ورطتهم. وبعد أن جرب الإقصاء والتهميش طويلاً داخل دائرة السلطة المغلقة، اختار علي عثمان أن يعود إلي مركز القرار عن طريق المزايدة علي المتشددين بدلاً من العودة إلي خطاب الاعتدال الذي كلفه معظم نفوذه. (5) لا يحتاج المرء إلي عبقرية ليعرف أن من طبيعة أنظمة الحكم الإنغلاقية أنها تزداد انغلاقاً وتكوراً علي نفسها بمرور الوقت، وذلك تحديداً لأنها تجنح في حلقتها الداخلية إلي المزايدة في التشدد. وهكذا رأينا أنظمة الحكم العربي تتقلص دائرة السلطة فيها حتي تنغلق علي الحاكم الأوحد وأسرته، بينما يقصي كل من له وزن حتي لا يبقي إلا أصحاب الولاء المطلق واللسان المعقود إلا من قول: نعم سيدي. ولهذا لا يكاد يوجد في التاريخ نظام انغلاقي أصلح نفسه، بل لا يكون صلاحه إلا بانهياره المحتوم. (6) المفارقة أن علي عثمان تحدث طويلاً عن رفض الحزب الذي يمثله، ونسي أنه لم يقم مقامه ذاك إلا لأنه كان قبل غيره ضحية ابتزاز من قوم لا يفهمون لغة أخري، وإلا لما أعرضوا عن فقراء الشمالية المسالمين، وهرولوا حفاة لمفاوضة كل جبار عنيد حمل السلاح. ويكفي أن برلمان البلاد تحول إلي فسيفساء من حركات التمرد السابقة التي لم تعد تحصي عدداً. (7) في نهاية المطاف فإن الأمر لا يتعلق بمصير هذا الفرد أو ذاك في صراع القوي داخل أحد المعسكرات أو فيما بينها، ولكن بأسلوب تعامل. وخير لأي نظام ألا يضطر رموزه للمزايدة في التطرف، وأن يكسب ثقة الآخرين عبر ثقته بنفسه، وعبر المحافظة علي كرامة قادته، وذلك أضعف الإيمان