آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 03:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-13-2007, 11:13 AM

مهاجر
<aمهاجر
تاريخ التسجيل: 11-23-2002
مجموع المشاركات: 2997

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) (Re: مهاجر)

    شـئ مـن الحسـك والشـوك في الطريـق

    حمل المختزن الطامي من بعض ماحمل شوكة وحسكة محولة ً لإماتة التاريخ ذلك الذي لايموت ... فانبرت شعارات التقليل من شأن آباء الاستقلال وصُناعه كبادرة هي الأولى من نوعها في العالم فلم يحدث أن إستهان أمة بابطال استقلالها أو السخرية من راية اعلانه بأعتباره خرقة لاتعني شيئاً ...
    في حين أن علم بلاد ... ونشيدها الوطني ... وصناع الاستقلال فيها ...
    تشكل الجرعة الثلاثية التي تدعم القوام الوطني ... وتسرى فيها عروقه لرىّ عزته واعتداده ووحدته ... وترفع روحه المعنوي لينهض باعباء الوطنية .
    وثلاثتهم معنى الشرف والكرامة وسجل الخلود الذي لن يطاله النسيان أو النسخ ..
    وهو المجد الذي يقابل بالتقديس ويحاط بالرعاية والتكريم والاعتبار فوق العادة وقبل كل شئ ... ولن يلوح في وجهه شائ له ... الا كان عاقاً أبتراً .
    لا يزرع الا قاحلاً ولا ينتج الا نكداً يقضي به طول عمره ...


    الـجلجـلة المـزلـزلة التي أخـفيت

    كانت الخدمة المدنية تحاول حمل الاعباء الثقيلة التي أثقلت كاهلها بعد السودنة ... فالذين حملوا في المراكز الادارية الكبرى كان بعضهمم بعيداً عنها نوعاً أو كان بعضهم بعيداً عنها بعداً ظاهراً . وكان قلة منهم قريب منها في بعد . ولكنهم جميعاً حملوا مسئولية الادارة المقررة بعزم وطنى زاخر وبذلوا جهداً مضاعفاً يسهمون به في التضحية والفداء ولم يحدث أن إنهار أى ركنٍ يعيق استمرارية الاداء ولم يهتز أى من مرافق الدولة . ولم يخف وزن الدواوين الحكومية في تلك الفترة الحرجة التي أخليت فيها كل المواقع من الأجانب وحتى في سن الحكم العسكري .
    ولكن تطاير في افق حكومة الانتقال بعد اكتوبر شعارٌ جديد لفّ كالاعصار مابين المكاتب الادارات ماسحاً طول البلاد وعرضها ...
    " التطهير واجب وطني "
    واتخذ في تنفيذه نهجاً متسرعاً عجلاً .. يطيح بالقامات الادارية العالية التي تعرضت لتياره ... فتنزاح من مواقعها بغير الاسلوب الذي تعارفت عليه قوانين الخدمة ... كالتحقيق واللجان ومجالس التأديب .وهي النظم التي تعالج بها شئون الادارة في الخدمة المدنية وحدثت من جراء ذلك فجوة واسعة . قفز لملئها شباب تنقصهم الخبرة والتجربة ويعوزهم الخوف وعدم الاطمئنان وعدم الثقة في القوانين التي تحكم سير الادارة ..
    وحل محلها نوع من البطش العشوائي أضر بالادارة وأحدث فيها خللاً لازمها بقية عمرها حتى استجابت لنظرية القفز بالعمود فقضي على البقية الباقية منها .
    إن كان قد تبقى فيها شئ ... غير الذكريات !!
    ثم انبرى الصراع المؤجل بين المدنيين ... في احزابهم وجماعاتهم فعندما أجريت الانتخابات ... عادت الاحزاب إلى ساحة الديمقراطية كأن شيئاً لم يكن ... كأن لم تستتر بالجدار العسكري .
    وكأن لم ترحب به في افتتاحية استيلاءه على الحكم...
    وكأن لم تدعوه لذبح الديممقراطية الوليدة ...
    فدعا " حزب الشعب " إلى مقاطعة الانتخابات !!
    وهو تكتيك بارع . يخفى خلو وفاضه من أى معنى ً لوجوده في الساحة السياسية
    ويعفيه من الأجابة على سؤال عام يملا أذنيه في دوى ً مجلجل :
    لماذا أنشق عشية الاستقلال ؟!
    ولماذا إنتقلت مع خصمه التاريخي اللدود ؟!
    وضد من ؟! صورة الشريف الهندي
    ولم أخفقا حتى هرولا يلوذان بالعسكر ؟!
    وكيف يؤمن اليوم بديمقراطية
    كفر بها بالامس وحاول قتلها ؟!
    وماهو دوره في حركات الانقضاض التي اعتورت
    حياة الحكم العسكري ؟!
    وماالذي يقدمه الآن بين يدى نجواه
    من برامج واهداف واساليب ؟!
    أخفى " حزب الشعب " هذه الجلجلة المزلزلة في عباءة :
    - المقاطعة للانتخابات -
    وأخفى معها وزنه الحقيقي وحسناً فعل ...
    وجاء حزب الأمة يحمل في بعض روافده نوازع للتجديد ودفعه شبابه تتواءم كثيراً مع منطوق الشعار الغريب القاضي بحجب " الزعامة عن القدامى " ولكن بمحاذير وتعلات تحاذر من سرعة الانفجار في كتلته ذات العقيدة الصلبة ... وهي مرتكزة السياسي الوحيد ولو تعرضت للاهتزاز لفسدت صوامع وبيع وصلوات .
    وجاء الخريجون .... بمقتضى التعديل الدستوري الذي أتاح لهم اقتراعاً خاصاً بالصفوة أو النخبة أو التقدميين . مميز لهم عن الكيانات الرجعية كما أسموها أخيراً وكما يطلقون على أنفسهم القوى الحديثة حالياً .
    وجاءت " جبهة الميثاق الاسلامي " وهي تنظر شذراً وتوجساً إلى ماتخفيه نخبة الخرجين تحت دثارها الجديد وما افصحت عنه وهي تشكيل جبهة الهيئات وحكومتي سر الختم الخليفة الانتقاليتين ؟!
    وعلى رأسها زعامة جديدة فيتكامل علىسطح الساحة السياسية عراك حزبي متحفز بين " الميثاقيين " و "الماركسيين " . علىهوامش الحرب الباردة بين القطبين العالميين !! وتجرى الانتخابات وفي نفوس المقترعين كلومُُ من اغتيال العسكر .. لطريق الديمقراطية السوي وقلق يشوب الثبات الذي ألفوه في اقتراعهم قبل العسكر وخيط من الشك يتخلل يقينهم بأنهم مصدر السلطات . وفقدٌ لضمانات الحصانة من ثوب الواثبين .
    لم تكن الاجوء كلها كما كانت قبلا .
    وبدا كما لو كانت الآف القوى الشريرة تتربص بالنسيج الديمقراطي وتتجاذبه من حيث يدرون ولايدرون .. من داخل بلادهم ومن خارجها .
    وأن أياد خفية تهز مهد الاستقلال الوليد بعد أن سلم من إختناق الديكتاتورية ...
    وأن الممارسة الديمقراطية تعتريها الوان من الغلظة وتفد عليها ألوان من الشراسة لم تكن مألوفة بين المتنافسين ...
    وأن سلوك المباراة تخلو تماماً من ذلك الطابع الودي الذي يؤدي إلى قبول النتائج دون أن يهلهل الكيان الاجتماعي بل كان الاستقطاب منفعلاً تخلط ألوانه على عجل فتبدو الصور قاتمة لامعالم لها ...
    وأن حدة الهجوم تزحم الآفاق في صراخٍ مشروخ يطلقه من يعجز عن الدفاع ...
    وأن الايدي الملطخة بالنزيف الديمقراطي تدعي بأنه خضاب الفرح الاكتوبري في عرس الديمقراطية ... والناس بين مصدق ومكذب ومتحير !!!
    بين اختلاط المعالم والاصوات والمقولات والاصطلاحات والمعادلات والتبريرات والتعلات
    واثبت الحطام المتفجرمن سد نوفمبر المنهار ..
    أنه يحتاج إلى مصفاة هائلة لعزل الشوائب التي إستجدت وهوالك القضايا القديمة التي لم تلفظ أنفاسها بعد ... وجاءت تترنح في زىّ مدني بعد إنسلالها من ستار الجاكي الذي إستترت به بأعتبارها من كرام المواطنين!!
    وآخرون أضمروا ثقتهم في الذراع العسكري كعامل حسم يفرض لهم وجوداً منفرداً ووحيداً بلا منازع باعتبارهم ثوار اكتوبر بلا منازع أيضاً .. وسيلدون بها يوماً ما ...
    وثبتت القناعات الوطنية في ثوابتها . تراقب هذا الافق وهو يتلون بالوان السحب ... مشكلاً تصاوير متعاقبة ... لا تتماسك أمام قصف الرياح وهبوب الزوابع فتذروها شمالاً وجنوباً وهي تغدو وتروح من وراء النجوم ...


    وسـارت الديمقراطيـة اليافعـة عـبر التيـارات

    كان للفاصل العسكري أثره ومعناه ...
    وللمخزون خلفه تفاعله ومبناه ...
    وللطوفان الاكتوبري أساليبه ودعواه ...
    وللصعيد الديمقراطي المغترب ذكرياته وجدواه ...
    شب في العهد العسكري جيل وشاخ بعض جيل وغاب ذكرٌ وولد فكر ...
    وتغير المناخ السلس للتطور . وسيطرت روح المغامرة…. على الجيوش في الشرق الاوسط وافريقيا وامريكا اللاتنية ... وتبارى فرسانها في السباق مع الفجر لاقتناص آليات الحكم اليتمتين " دبابة .. ومذياع " ونشر سحابات الرعب والزئير ...
    هذا نفث الحرب الباردة تتلظى بنيرانه شعوب أخرى تتقاذفها جيوشها مثل الصوالج والأكر
    كانت كل الاجواء خانقة للاسترواح الديمقراطي طاردة للحرية ...
    تعيش ما قدر لها غريبةٌ في بلادها ..الا ما يتحلق حولها من الوصوليين والانتهازيين وتذهب ريحها في غربة الا ماتخلفه من دمار الانفس والثمرات ...
    فاجأ الشعب السوداني العالم كله برفضها وأزاحها ... وانشغل بما انهال من وراء كونها من تناقضات لم يسلم من ثلمها البناء المدني تماماً ...
    وصرف من عمره ثلاث سنوات وهو يمسك بمصفاته الهائلة تصطخب في جوفها تيارات القديم والجديد وتدور في دوامتها كتل اقليمية تفصح عن بوادر تشقق في البنية القومية ...
    ونشوء كفران جهوى أو عرقي بالثقة في المركز يوحى بعدم إطمئنان بشمول الحكم الديمقراطي للرقعة الوطنية كلها وينسون أنهم المنتدبون من قبل هذه الاصقاع ...
    ليمثلوا حضورها في التشريع والتنفيذ ....
    ويجئ أحد الحزبين الكبيرين وقد فارق بعضاً منه فراقاً لالقاء بعده ويجئ الآخر وهو يحمل بذور اشتقاق ونزاع سيكون له أثره البعيد الغور في مستقبل السياسة السودانية .
    هذا هو المحيط الذي يتعين على الديمقراطية أن تمضي عبر مضايقه وتيارته وهي الحادية عشرة من عمرها ... قضت منها ستاً رهينة المحبسين بسجن العسكر وعمر الطفولة تنقل خطوها اليافع خلال هذه المعوقات يثينها يأس ويدفعها يقين .
    وهي موزعة الفؤاد مشتتة الفكر ... لاتدري هل يريد أهلها قتلها بهذا المسير ؟! أم أن الجند سيودعونها السجن والاغلال ؟!
    ملء جيدها ويديها قبل أن تشب عن طوقها ويقوي عودها وتاتي بالبنين ؟!
    مال قومها مولعون بتعذيبها ؟!
    يسجنونها عسكرياً ويعذبونها مدنياً بعد عامٍ واحد ....
    من تشكيل حكومة الائتلاف بين " الوطني الاتحادي " و" حزب الأمة " سقطت بضربة قاضية من صوت ثقة تقدم به أحد أعضاء حزب الأمة بحجة أن رئيس الوزراء من حزب الأمة فشل في ترجمة مبادئ اكتوبر عملياً !!
    وهنا سفر الشقاق في حزب الامة ... وشوهد يحلق بجناحين
    - جناح الأمام – وجناح الصادق -
    وأظهرت نتيجة التصويت عدة تصدعات لحقت بالكيان التشريعي يمكن ملاحظتها في عدد الاصوات التي حصل عليها الرئيس الجديد السيد الصادق المهدي من حزب الأمة =138 . والاصوات التي نالها منافسه السيد محمد احمد محجوب = 29 .
    والتي نالها المرشح الثالث الدكتور حسن الترابي = 7 أصوات . بالنسبة لعددية المجلس 223 منها 165للحزبين المؤتلفين و58 لثمانية كيانات سياسية أخرى .
    بمعنى أن التصويت دار في حصيلة الحزبين المؤتلفين فقط بمعزل عن بقية الحضور ..!
    وتكتسب القناعات الوطنية حيرة أضافية من واقع الممارسة تفضي بها إلى رؤيا أكثر إتساعاً وتقودها إلى التأمل المنطقي :
    لِمَ لَم تستقر جبهة الهيئات في الحكم وهي التي انتزعت لنفسها مقعد الطليعة في اكتوبر ! ولِمَ اختفى تكوينها بعد الانتخابات ؟!
    ولماذا تستهل الاحزاب وجودها المنتخب في أمر الحكم وتنقسم على نفسها ؟!
    ولماذا تنتقل سجلات الصراع الشخصي والطموحات المكانية إلى معبد أقداس التشريع !
    وما علاقة كل ذلك بالنمو الديمقراطي ؟!
    وما خلفية الصراع بين هؤلاء ؟! ماهي منابت الخلف والاختلاف أساساً ؟!
    ومن هم خلفاء ماضيه البعيد ؟! ومن هم شخوص استحضاره الجديد ؟!
    وسرت جرعة من الرشد مدتها يد الله الباره سرت في الكيان الديمقراطي الضامر فاكتسى شبعاً وريا واهتدى إلى مكونات حياته ...
    التأمل .... الحوار .... التجربة .... التطبيق .
    يسائل نفسه سراً ويحاور الناس جهراً ويغوص في أعماقهم فهماً ووعياً وادراكاً وعلما ...
    إنهم منبع الحكمة وقواعد البناء ... وهم التاريخ حياً ماثلاً يجوس خلال الديار ...
    تنافقه النفوس حيناً فيتواثب الجند من خلف القلاع ويرهقونه عنتاً وغياً ويشبعونه جرحاً وكيا ... وعندما تصدق معه النفوس طارحة نفاق الضعف جانباً تنهار السدود وتتحطم القيود ... ويرى الانسان في أحسن تقويم يبصر واقعه بباصرته وبصره ...
    ويستمد قواه من قناعات الكل ... فيمضي ربحه رخاء وصعبه سهل ... ويرى يد الله في الجمع والجماعة ... مثلما خرجت كلها في اكتوبر وكأنها تلبى نداءاً خفيا ...
    ولم تعمر الوزارة الائتلافية الثانية إلا عشرة أشهر ....
    حيث إهتزت الأرض من تحتها وأذنت لربها وحقت ... وسقطت ولم ينعم وليدها بالرضاع منذ صرخة ميلاده وبين اسقاطها لسابقتها وميلادها وسقوطها عبرة لأولى الألباب :-
    هل ساحة التشريع ملك خاص للمتصارعين وحدهم ؟!
    وهل أوفد الناخبون ممثليهم ليتمتعوا برؤيا الصراع بين ملاك الحلبة الذين يحتكرون البقاء فيها حتى بعد السقوط ليعاودوا المباراة من جديد ؟!
    ويموت الزمن بين انتصار هذا وهزيمة ذاك ؟!
    ماشان الذين بالخارج بهذا الخناق ؟!وماهو الموضوع ؟!
    إقترعوا ... وأوفدوا .... وانتظروا .... لا يسمعون إلا أصوات الركل والكلم ...
    ثم يقرأون الوصف التفصيلي للمباراة في صبيحة اليوم التالى مع " جبنة " القهوة يهلل بعضهم لمنتصر اليوم .. ويأسى بعضهم لمهزوم الأمس .
    ولكن الكيان الديمقراطي وسط القناعات الوطنية يثرى بأستيعاب جديد يزيد قوة ويكسبه هدى ورشداً إضافياً جديداً ... أن مصفاته الهائلة تؤدى عملاً جيداً الآن ...
    وهذه طبخات لم تنضج تأخذ طريقها إلى النار من جديد ... وهناك أخلاط منن بقايا السد الطامى تتحلل وتذوب ومنها زبد يذهب جفاء .... وسيمكث في الأرض ماينفعها وينفع الناس …وهم يتعلمونه بالممارسة ويتقنونه بالتجريب . حيث تشتد عرى الديمقراطية وأمشاجها وتمد جذورها على مليون ميل من الأرض وملايين من البشر .
    وجاءت وزارة ائتلافية ثالثة ...
    اتسمت بارتفاع منسوب الخلاف وحدة الاستقطاب وكان الرهان على سقوطها اكبر منه على بقائها ... ولما اشتد غليان مراجل الشد والجذب داخل الجمعية ووضح للكافة أنه تجاذب بين جناحي حزب الأمة وأن الوطني الاتحادي تنقل بين الجناحين في ائتلافات لم تستمر ولم تستقر .. تعين أن يطرح الأمر برمته على مصدر السلطات ... وحلت الجمعية بقرار من مجلس السيادة ... إثر إستقاله نواب يفقدونها النصاب !!
    وكان عمر حكومة الائتلاف الثالثة كسابقتها وكان عمر الجمعية ثلاث سنوات اعقبت ثورة اكتوبر ولازال زهو مجلس النواب الحكم الذاتي "53- 1956 م "
    يتطاول عبر السماء متجاوزا سنى العسكر الست ليتدارك اختلال الاداء في حكومات مابعد اكتوبر الثلاث . وليتخذ من مرائرها بلسماً شافياً يبرئ الجسم الديمقراطي ويحصنه من هوامش الانصراف التي تفوق الرؤية الثاقبة لمسئولية الانتداب الانتخابي ... وتحجب حجم مسئولية التمثيل نيابة عن الآخرين ...ولو لم يعترض الفاصل العسكري طريق الديمقراطية الناشئة لكان حظها أوفر في تذويب الهوامش الانصرافية وهضمها ...
    ولو لم تنفرد جبهة الهيئات بأعتبارها نخبة أو صفوة يعضلها عن قواعد الأهل بون شاسع لمضى تيار اكتوبر بجموعه تلك المباركة ... وأرسى دعائم لاتطيح بها هوامش الانصراف وقلل كثيراً من خسائر البيان النوفمبري .
    إلقاء جزافى على عواهن القول

    ومع ذلك فكل هذه تجارب تفيد الديمقراطية أكثر من أن تضرها ... لها مس اللهيب ولكنها تزيل الشوائب وتحرق القشور وتدعو مصدر السلطات لتبيان كنهه وحمل مسئوليته النابعة من واقعه الحقيقي الذي ظل مصلوباً تسعة أعوام وماقتل بل رفعه الله وسيعود ليملأ الأرض حقاً وواجباً وعدلاً بعد أن ملئت سجناً وهرجاً وانصرافاً !!!
    كثير من المعلقين على هذه الحقبة من الممارسة الديمقراطية يدفعونها بالفشل ....
    ويتهمون النظام الحزبي التعددي في مجموعة بالفساد والمحسوبية ويقصرون مهمته برمتها في مناورات الوصول إلى الحكم .. ثم الدفاع والهجوم بغرض الحفاظ عليه أو انتزاعه من آخر وكلا الحكمين على الديمقراطية وعلى الاحزاب لايعدو إلقاء جزافى على عواهن القول على الديمقراطية وعلى الاحزاب .
    فهو أما أن يكون صادراً ممن يجهلون محتويات الماعون السوداني أو من الذين أسفرت حساباتهم الخفيفة . أن الديمقراطية ليست سبيلاً يؤدي بهم إلى الحكم يوماً .... فيلصقون بها شتى المناقض والعيوب .
    وينتقصون من شأن التعددية الحزبية وهي آلية الديمقراطية الوحيدة .
    فحينما تكون ديمقراطية حكم تكن هناك احزاب وهيئات وجماعات ....
    يكتمل بنضحها المكون الديمقراطي ... وترشد بوعيها مداولة الحوار ....
    وتتجلى جوانبه الحقيقية وهي تتنزل في متناول الجماهير فيرتقون باضوائها إلى تحسين اقتراعهم .. وضمان تمثيلهم ونوعية من ينوب عنهم ... وتتسع رؤياهم إلى خارج حدود الجهه فتشمل الوطن ... وتذيب عصبية القبيلية في المحيط القومي وتفرق بين الطائفه السياسية والطريقة الصوفية .
    ويتسع فهمها لمعنى انتمائها للوطن عن طريق مبادئ الحزب .
    أى حزب منطلقاته وأساليبه وممارساته ومسلكه لاهدافها وغاياتها كأمة واثراء تعايشها كوطن ... وترتبط بالمعنى لا بالشخص ... وتمارس المؤسسة بعد أن أكملت تعليمها وتعلمها على يد الزعيم المربي والرمز القائد ... حيث تشب عن الطوق وتكون هي .... هو
    ويصعد القرار من قواعدها بعد أن كان ينزل من قيادتها الأمنية ووسطييها المخلصين .
    وتصنع جهازها التنفيذي المستخدم لديها لتنفيذ قرارها ويدير ماكينة تعاملها وعملها طبقاً لتوصياتها وشرعها وتشريعها ....
    مشوارً طويل وعريض ...
    وأعمق من طوله وعرضه شاق وعسير ...
    لا ينجح فيه إلا من كان ذخيرة صبره أكبر من المشقة وجهود مصابرته أقوى من العسر .
    ولا يقاس بعشر سنوات فصلت بينها صحراء الشمول العسكري واحتكار القرار في حين أن أبجديات القرار تكفر بالاحتكار لأن القرار وليد شرعي لحرية الفكر والقول والانتماء والحوار والاجماع الاختياري الحر ..... وكلها مفردات مقدسة لايحتويها الاحتكار ... لأنه نقيضها وعدوها اللدود ...
    فهو نوع من الاسترقاق وفصل من القهر والاستعباد لا يعيش إلا في مناخات الرق النفسي وعبودية الاستكانة ... واغلال التواكل والاستسلام .
    ولما كانت الحياة نمو دائب وصيرورة مستمرة فأن مصادره اشتراطاتها بالاحتكار الشمولي هو حكم بالاعدام لوجودها تماماً

    قانون الرفض والتناقض

    إن ما دار ويدور خلال الفترات الديمقراطية منذ عشية الحادي عشر من نوفمبر 1954م وحتى السابع من مايو سنة 1968م هو التفاعل الطبيعي لمكونات الوجود السوداني وهو تفاعل مشروع ومنتظر ولابد منه .
    فعن طريقه يظهر الجسم الوطني وهو خارج من سجن الاستعمار يحمل ما ظهر وما بطن قبل الاستعمار واثناءه وبعده .... وهو باب تجتازه كل الشعوب وهي تتهيأ لاحياء ذاتها وحياة حريتها لتدخل في بوتقة النقاء المفاعل الضخم بحجم البلاد ... يستوعب في داخله كل مافيه ويشعل لهيب التطهير المقدس ويتطاير البعض بخاراً ودخاناً
    ويذوب البعض تلاشياً . وتتزاوج عناصر الانتماء الحقيقي ملتحمة ببعضها ويزيدها اللهيب صلابة وحسناً وبهاء .
    وتنعم بنيرانه لأنها تزيدها جلاء وإئتلاف ...
    أنها الحقيقة التى لاتغنى لأنها الحق أو كأنها هو . أن الذين يضيقون بحجم المفاعل يقفزون خارجه . ويحاولون تحطيمه أو إلغاء دوره ... أو اغلاق الباب المؤدي إليه لأنه يذيبهم ويحيلهم عدماً .
    وتفاعل المكونات الاساسية في الدار السودانية هو تحرك لازم ومنشود للنسيج القومي .
    وهو يفرض ذاته الاعتباريه ... لأنه الوجود الذي لو خليت منه رقعة الأرض هذه لكانت خواءاً وفراغاً ... وهو ما لم تكنه طيلة إستيطانها واستقرارها ... منذ بدء الخليقة ...
    حيث كانت دائمة التفاعل والتمازج والتكوين المستمر وصولاً إلى اندماجها الكامل ..
    وكانت تمارس في تساوقها نحو الهدف عديداً من الاعراف التلقائية ... التي تستنبطها من ضرورة التعايش والانسجام وضرورة البقاء ... ولم يحدث إلا قليل من المشاكل بالنسبة لتعددها وتواصل الانصهار بينها .
    والذين يضيقون بهذه المكونات الاساسية ويشبعونها نقداً وتجريحاً ولوما ... خصوصاً ذلك الذي ينصب دون هوادة ... على القبيلة والقبائل والاداراة الاهلية ...
    وهم بذلك كأنما كانوا يريدون ثمرة بلا زهرة ... أو زهور بلا براعم ...
    أو براعم بلا أغصان ....
    أو غصاناً بلا سوق ...
    أو سوقاً بلا جذور ...
    هذا قانون الرفض والتناقض الذي يقود إلى رفض الرفض والتناقض الدئب !!
    إنهم يريدون أرضاً خالية يبتسون منا فردوساً كما يشتهون ولكن لكل أرض طبيعة طرحها الملائم لتربتها ومناخها ...
    يحتاج فقط إلى بعض تشذيب واصلاح ليجود عطاؤه واثماره ويؤتى أكله ... فهو زاد مرحلة في حسبان التطور لاتقطع بغيره وقد ترك بعض الحكومات التى حاولت الاحتدام به تدور في مهمة قفز لاتدري مخارجه ولا مداخله ولا كيفية التعامل في محيط أعلم الناس به مبعدون معزولون عنه !! وهم أكثر الناس رغبة في التطور والتقدم وأحوجهم إلى التنمية وأكثرهم إدراكاً بمقوماتها وانجاحها في دوائر إشرفهم .
    ويضيق الضائقون ببعض الوجود الطائفي في بعض الاحزاب ويتخذون من تصورهم ذلك تعلة للهجوم على الاحزاب والديمقراطية ولا ينقصهم الادراك في ماهية حجمها الطبيعي وقلة تأثيرها السياسي ويجافون بذلك قدرتهم على التحليل ويتفاوضون عن براهين الواقع التي تثبت عكس مايقولون وهم يعلمون .
    القبيلة هي خامة الوجود الطبيعي في مناحي المعمورة
    فهي مستودع الاعراف والتقاليد
    ومنبع السلوك وشعائر الفنون وشرائع الدين .
    والوان الاحتفال بالافراح وانماط الأسى في الاحزان.
    وهي مناشئ الفروسيةالتى تنمو على غرار الطبيعة
    فتستمد صلابته وتعاليه من الجبال وتأخذ من الصحراء حرها وسكونها ولفح زوابعها وتشرب من الغابة عمقها ورزانتها وغموضها ومن الوحوش عنفاً وضراوة وصراعا ...
    ومن الامطار الخير والبر وايلاف رعودها ونبض صواقعها وخواطف بروقها
    ومن الاطيار وخفيف أوراق الشجر الفناء والاشعار والنجوى .
    ومن النجوم والاقمار هديها وهدأتها وهداها ...
    ومن الأنهار أشواقها وحنينها ورقدها وصفاء إعتكارها .
    * القبيلة هي التاريخ نابضاً حياً سارياً نحو الوجود الانساني ملء نفسه كنوز الطبيعة برسوخ لثباتها وزهو اعتدادها ليلتقي بالتطور راغباً فيه لا راغباً عنه ... ولا رافضاً مشيحاً ولا متردداً واجفاً ... ولكنه لايؤخذ بالعصا فلا يحزم حزم السلمه ولا يضرب ضرب غرائب الابل . والا إرتد جباراً عصيا.
    يضن بكنوزه عن أيدى اللامسين من يراهم يحطمون الطبيعة ولايشذبونها . ويفتنونها ولا يصقلونها فاستعصم عنهم بما لديه حيث كان مكينا قويا في حساب ظروفه وفي مقتضيات حالة وطاقة امكانياته ...
    لقد صنع إستقراراً وامناً وأرسى قناعة واطمئناناً وارتجى مشوقاً أن تمتد له يد الأم الرؤوم فيوشح في كلتي يديها رواجبه .
    فأتاه من يحمل منجلاً ومطرقة يريد هدم البناء بلا سؤال أو جواب .
    إن الدور ولو كانت آيله للسقوط لاينبغي أن تحطم فوق رؤوس ساكنيها ولو لم يجدوا بدلاً جاهزاً أو مقنعاً لدافعوا عنها أو شردوا في الأرض عنوه ولا يدعوا لمن يحل مكانهم من قرار ولا أمن ولاسلام ..وتنفرط في الأرض عقود من الزمن يصعب بعد ذلك جمعها وانتظامها .
    * وعندما تمازجت القبائل داخل المحتوى الديمقراطي كان ذلك إيذاناً ببناء مرحلة البناء القومي والتوجه نحو الوحدة الوطنية وتكامل الأمة . وانعكس ذلك على تقسيم الدوائر الانتخابية وارتقت نوعية الناخب واحتفظ لنفسه بحق ترشيح النائب وارتقى معنى التكليف وصار مسئولية الناخبين ..يحملها النائب وكيلاً عنهم لا أصيلاً بذاته .
    وعمرت الساحة السياسية ضرورات التعمير ؛ مدفوعة دفعاً قوياً من باطن القطر وقواعد الآهلين فتمثلت في الالحاح على إقامة المدارس ونقاط الغيار . ومياه الشرب وامتدت الكهرباء وشكلت هذا برنامجاً مرحلياً يحاسب به النائب نجاحاً وفشلا ويتبلور معه معنى الانتماء لآى حزب ...
    فظهر مقياس جديد لاوزان الانخراط في هيئة أو اتحاد أو حزب واتسعت بذلك الرؤية الحياتيه للجماهير ..وتطور الاداء السياسي واخذ يمد ظلاله ومفاهيمه إلى الجماعة فتخلصت شيئاً من أنانية الفرد وخرجت من نطاق اليتم المزاجي .. واستشرفت آفاقاً فسيحة .
    واشتمل سمر القرية على الحديث عن المواصلات والمشاريع والعمل والمركز والمدينة ...
    ووضح قدرة هذه الدائرة من الوعى والمشاركة ... على الاتساع والتمدد ... وسرعة الوصول إلى أطراف بعيدة ونائية ...واتخذت المقارنة بين الاحزاب والمفاضلة بينها إسلوباً علمياً ؛ يتناول الاعمال والجدية ونوعية التعامل والاتصال .
    وفاضت معاني هذه المعلومه مكونه رمزاً يخرج بالانتماء عبر القيادة إلى مهام وطنية كبرى .
    تشكل رمزاً كبيراً ... تتجاوز الدوائر وموسم الانتخابات إلى حوار يومي دائم .
    يحلق معيناً من المعرفة ...واصطياداً للملاحظة ... وملاحقة للبناء ... ومتابعة للاخبار ... وولعاً بها .
    حتى انتشرت الراديوهات الصغيرة على اكتاف الرعاة بعد أن ملأت القرى التي تتحدث عن أمكانية أيصال البث التلفزيوني في ترقب وشيك !!
    وشمرت القيادات الوسيطة عن ساعد جدّها ... تلاحق هذا السيل المنهر من التساؤل والاستفهام والحوار بما ألقى عليها مداومة الاتصال بمركزياتها لتتزود بما يحافظ على مركزها الوسيط ودلّ هذا على أن الشخصيات القيادية ... لم تعد وليدة الوجاهة أو الارث أو الادعاء أو العادة ... بل هي نتاج للالتحام الدائم مع القواعد ...
    والتعلم منها ... ومتابعة نشاطها والتواصل الدوؤب مع المركزية وملء مفصليات الوصول بالصادر من القواعد والوارد من القيادة ... بدأ بالفعل عهداً جديداً للتعاطي الديمقراطي والاداء الحزبي ينبع من ارادة أصحاب المصلحة العامة مشكلاً قراراً يتصعد من مجموعهم إلى أعلى قياداته .... منهياً عهد تنزل الخط من عل بانتهاء عمره الزمني وانهاء مهمته على أكمل وجه ...
    لقد أوصل بواكير اليقظة إلى الجذور فاستوت على سوقها وآن لها أن تطرح من باطن الأرض صعداً ثمراً جنياً . أكتسبت الديمقراطية في عودها منعة وإقتداراً من تعاقب الصعاب عليها ومن صمودها في عديد من الجبهات التي اشتعلت لحربها ... وقصف عمودها الحميد ... وضاعف من ثباتها وهي تواجه اندفاع محتجزات السد النوفمبري متزامنا مع مستجدات مابعد اكتوبر وتدمى أناملها الأحساك والأشواك فى الزبد الجفاء… استعانت بروح اكتوبر وهى خريدته الفريدة والتقت فى عزماه الميقات فى حسم القدر واستراحت برهة ترقب فيض السد فى تلك الفجاج يضمر الأرض لتنهل زروعا وانسانا جديدا واحتوى الميدان صرعاه سمادا ً للحياة .
    أربعة أعوام لم تفرق بين صبح ومساء كل أهل الدار فى كر وفر يعجلون
    تطرح الأرض قديماً يتلظى ببراكين الصخور
    وجديداً ينتوى لّى أعناق الحقائق وهويغلى ويفور
    وزارتان ..وثلاث ائتلافات فى بضع سنين بكى الراووق فيهن ولم يسلم من الرتق كثيراً
    جبهة الهئيات نسق كياناً لم يقاوم لسعة الشمس طويلاً
    خاطرًٌجال برأس البعض ثم مضى مُضىّ الخاطر وثبة لم يحسن التقدير فيها الواثبون .
    ان الطلائع لا تمضى بعيداً عن عيون رعيلها وتمتطى متن الشهاب فقصير ٌ عمر هاتيك النيازك والمذنب والشهاب.
    .
    وإلتقى النقيض مع النقيض لماذا ؟؟؟؟؟
    لم يكن نوفمبر العسكر حلماً للجنود ...
    ولا وحياً يحث القائد الأعلى ليحترم البلاد ويكون مبعوث العناية مثلما فعل الآخرين
    كان نوفمبر حاجزاً مسلحاً إستنجد به المنهزمون ... في معركة المصير الديمقراطي ... ومصير الاستقلال معركة ضارية ذات مراحل كنزل الجحيم .
    * واردفت بالثانية في أغسطس 1955م .
    وانتضى الاستقلال ذاته من كليهما كسيف الله !!
    * ثم جاء الثالثة في يوليو 1956م . حيث أسقطت حكومة الاستقلال ....
    ثم عادت ثم عاودها السقوط ... ممزقاً ستر الغموض ومسفراً عن وجه أقطاب العراك :
    1- انفصلت من الحزب الوطني الاتحادي مجموعة أسمت نفسها " الشعب الديمقراطي " يقودها شقيق مؤسس في حزب الاشقاء !! الرافد الأكبر للاتحاديين !!
    وتمتعت برعاية ومباركة مولانا السيد على الميرغني ساحباً رعايته من "الوطني الاتحادي "
    2- عز على حزب الأمة وهو داعية الاستقلال الأول أن يترك ممارسته لغيره وهو رافع شعاره وله فيه مآرب أخرى !!
    3- التقت شريحة " حزب الشعب " مع حزب الأمة العملاق وكونا اول حكومة للسيدين برئاسة الاميرالاى عبد الله بك خليل -رحمه الله -
    خمسون عاماً وتزيد لم يطف يوماً بوهم الواهمين أن يلتقى هذا النقيض مع النقيض فهو تضاد موضوعي .
    قبل فتح الخرطوم على يد الأمام المهدي عام 1885م ولكنهما التقيا .
    لم تعلل الشريحة المنشقة بأسم "حزب الشعب " انسلاخها من " الوطني الاتحادي " ...
    لا لأنها تجهل ضرورة الانسلاخ ودوافعه ولكن لأنها تعجز عن الافصاح ولا تستطيع !!
    فهي لم تزد عن كونها تعمل من أجل الوحدة العربية على مبادئ القومية العربية ...
    ولم يكن أحد في السودان ضد هذا الشعار !!
    كما أن اعلان الاستقلال ليس اعلاناً للحزب ضد هذا التوجه !!
    كما وأن المنسلخين لم يسبقوا انشقاقهم بحوارمع اشقاء عمرهم النضالى والسياسي يبرر أوجه خلاف لاسبيل إلى تسويتها الا بالخروج من قيمتهم التاريخية وإنشاء تنظيم آخر لايحمل أى سمة سياسية مميزة أو اهداف وطنية أو مبادئ تعرضت للاختلال !!
    ولكن حقيقة الواقع الانسلاخي لم يكن ممكناً التصريح بها أو إعلانها جهراً لأن ذلك يكن بمثاية الانتحار .
    من ذا الذي كان يقف أمام هيئة الاستقلال وحيداً ..كورقة سقطت من غصنها فتولاها إعصار فيه نار ورعدٌ وريحٌ صرصر عاتية الا ويصبح كالصريم ؟!
    كما وأن الانسلاخ يتكون من إزدواج مكتوم .. فاذا كان اعلان الاستقلال مظهره الذي ينكره بلا افصاح فله جوهره الباطن . الذي ظل يعاني من الضيق والتبرم .. منذ أن إتضحت معالم الكيان الوطني في الحزب .
    ذلك الكيان الذي رفض التدخل الطائفي في شئون مؤتمر الخريجين وقد اتضحت معالمه الآن وهو يباشر المسئولية الوطنية التي تتنافى مع الانحياز لطائفة أو قبيلة أو فئة ...
    هذا هو الجزء الباكر القديم من الازدواج المكتوم الذي أدى إلى انسلاخ شريحة لاتخلف جرحاً ولا تنزف نجيعاً !!
    فهي قشرة تطايرت من جسم وطني سليم يستبدل من جسده خلايا تموت .
    ولم يكن راعى الحزب الجديد عدواً للاستقلال أو رافضاً له الا بالقدر الذي لايمكن رصيفه راعى الاستقلال . من السيطرة على ادارة الاستقلال حيث يكون الوجود السوداني كله طارداً لاحدى الطائفتين ويعيد التاريخ نفسه مستحضراً أمر الذكريات !!
    وقد حفلت مراشقات الصحف في تلك الآونة ...
    بما يعتبر غسيلاً سياسياً يزيل العوائق الملتصقة بالديمقراطية .. ويحدد احجام الكيانات التي تزحم الوجود السياسي ... ويضع حدوداً قطعية وفاصلة بين مصحوبات الحركة الوطنية التي اشرفت بالضرورة على تحديد المكون الوطني وازالة اللبس وسوء الفهم من عناصره ومسمياته ومرتكزاته ليتلاءم مع الاستقلال معنى وانسان ووطناً ... مما اقتضى بعض التشريح والتوضيح وكان بعضه أليماً وماساً ولكن لا معدى عنه للشفاء القومي كما يغوص الغطاس الماهر المتمرس بمبضعه مستأصلاً جذور العلل التي تعوق النمو السليم وتحجب العقل السليم
    ولم تخل بعض التحليلات من الخلط بين المفاهيم مما أوجد تثاؤباً ... في اليقظة والادراك .
    أنتج حيرة في التشخيص أصاب خطى العلاج بالنعاس وعتم عيون المجاهر الفاحصة فلم تفرق بين منظور الطرق الصوفية ... وإصطلاح الطائفة ...
    لشمول التعريف العفوي لكليهما وتداوله التلقائى زمناً طويلاً ولكن الاصرار على تنقية المجتمع في تلك الفترة الحرجة المتخمة بغلى الاحداث وتداعيات التواجد ... ألزم نفسه بقانون صارم لا يتيح فروجاً لتسللات الغموض أو معممات الابهام التي ترفضها بنية الاستقلال التي تنتقى الانسجة الملائمة والمتجانسة مع هيكلهاالنقي الذي يلزمه أكبر قدرر من القوة وأعظم قدر من الطاقة لاداء دوره المرتقب ومجابهة المشاكل التي تحيط به الآن ومايعترض طريقه في المستقبل .


    في البـدء كـانت الطـرق الصوفيـة

    ومثلما كان في البدء الكلمة ...
    كان في البدء الطرق الصوفية ....
    لافي السودان فحسب ... ولكن في خلايا المجتمع الاسلامي في جميع انحاء العالم ...
    وهي التي إستأنست الانسان بالاسلام وزودته بالغذاء الروحي من وجبات القرآن والاذكار
    وأثارت فيه الاشواق للذات المحمدية بالامداح ...
    وامتصت منه عصبيات العنصر وعنجهية العرق ...
    حتى تمازجت القبائل في أحضانها الروحية وشكلت بذلك لبنة أساسية في البناء القومي لم يكن مستطاعاً في غير ساحاتها العامرة بالحب والمفعمة بالوداد فصاروا كما كانت صفاء ولاماء ... ونور ولا نار ... وروح ولا جسم ...
    هذا هو عالم الارواح ... وآفاق التسامي
    والخطى المتصاعدة دوماً حيث لا جبريل يخطو ولا يسمع أذناه النداء .. يقابل عالم الارواح في الصياغة الالهية للانسان عالم الاشباح ماء ونار وجسم ... عناصر الانتاج مشروعها البناء والاعمار وطريقتها السياسية والاقتصاد ..
    والمجتمع في محسوساته عالمين في واحد ...
    ولكن لكل شرعة منهاجا الخلط بينهما موصل والجمع بينهما مستحيل لكل رجالها ودولتها ومواقتها والله اعلم ...
    * أما الطائفة في الاصطلاح المحلى ...
    فهي ظاهرة وافدة غير حقيقية . لاتدل على أى معنى ذى أثر واقعي كأثر الطائفة في لبنان مثلاً أو كالطائفة في الهند .
    " طوف من الناس له منحى في معتقده يميزه عن الآخرين ويعزله عنهم في خاصة سلوكه العام يمارسه سياسياً واجتماعياً ... يهاجم بأسمه ويدافع عنه حتى يموت "
    فاندياح مسمى الطوائف الدينية على الطرق الصوفية اصطلاح خاطئ لايدل عليها تماماً ولا ينعتها مطابقة .وقد علق هذا المسمى الخاطئ بفئتين في السودان ويجد السودانيون في ظلالها راحة وروحاً واطمئنان :-
    1- يطلقونه فيما يطلقون على كيان الانصار وفي حين أن ماثورات " الأمام عبد الرحمن المهدى " أمام الانصار قوله الخالد " لاشيع ولا طوائف ولا احزاب ديننا الاسلام ... ووطننا السودان " ..
    2- ثانية الاطلاق الخاطى على الطريقة الختمية ولم يقل بذلك مؤسسها في السودان السيد محمد عثمان الميرغني الختم ... مؤسس الطريقة الذي زخرت مؤلفاته العديدة بما أثرى العالم الصوفي بحصيلة وافرة من المعارف والعلوم ... من تفسير القرآن وعلم التوحيد والفقه .. والسيرة النبوية وراتب الأسس التربوية في الاذكار والسلوك الصوفي ....
    متواكياً مع الطرق الصوفية سابقة الوجود في السودان كالادريسية والقادرية والسمانية والشاذلية والاحمدية والتجانية والرفاعية والعزمية .
    وما تفرع من منابعها من روافد الاجتهاد الصوفي ... وأمزجة المشارب الروحية والسياحات المختلفة في علم الباطن والاسرار الكونية التي تعمر الوجود الاثيري في ماوراء الطبيعة ..
    * استهلت أول حلقاتها في مارس 1954م.
    ولم ينسحب تعريف الطائفة على أى من هذه الطرق الصوفية المهيبة ولم يتنزل تساميها من سماوات الارواح وتربية الاعلاء والشفافية في النفوس والقلوب .
    وظلت مثابة للخير ... وراحة للضمائر ... وينابيع للحب ... ومصابيح للهدى .. ومجاميع للمهابة والاحترام والتوقير ...
    وواحات خضر يأوى إليها الناس فينعمون بظلها ... وزلالها وقطوفها ... فتستروح أرواحهم من عناء الهجير الحياتي ويغسلون أدرانهم ويزلون رانهم ... ويعودون إلى ممارسة الحياة وهم أكثر خفة واعمق إلفة وأقرب اداءاً لعمل الصالحات
    فأن تسنت لنا هذه القطرة من ذاك الخضم اللامتناهي واننا من المستروحين الذين يفشون الواحات لماماً وتشغلهم تصاريف الحياة الدنيا وعجزنا عن درك الادراك ادراك يمكننا بأن نعرف الطائفة بين ظهرانينا في حياتنا الدنيا وما تقتضيه ضرورات الأشباح في وعيها وتطورها الانساني في ظاهر حياتها الدنيا أما الباقيات الصالحات التي هي خير عند ربك وأبقى ...
    فذلك عالم آخر تقصر دون مبلغه .. قوانا ..!!
    فلو هدأ التأمل من الانفعال وتحلى بحيدة النظر المجرد سليماً من علل الاعراض والاطماع لوضحت الرؤيا أمامه مستبينة المعالم ومحددة الابعاد ناطقة بصوت الحق قائلة :-
    " إن مايسمى بالطائفة هو محاولة عقيمة لاستبطان التصوف وافراغه حقيقة من معناه والانحراف به إلى غير مقاصده وغاياته واستعماله أداة سياسية "
    وحتمية العقيم في هذه المحاولة ناتج من هيكليتها المصوغة صياغة نظرية تآمرية مركبة من عدة جرائم كل واحده منهل مضره ومضيره ومناقضه لحقوق الانسان ومهينة لكرامته الانسانية وتلحق أذى بليغا بجوهر التصوف وتلصق بالتصوف ظلماً ..
    صفات الدجل والشعوذة والكهنتة والضلال والتضليل فضلاً عما تثيره من حروب بين المتطرق ونفسه في فجأته المفاجاة ....
    وبين كله ويد تحاول قلع جذوره وغرسها في تربة غريبة وحرب بين طبيعة العمل السياسي الصاخب المتقلب وبين التوكل الصوفي الهادئ المستيقن وبكل هذا ...
    يمتد بعد من العماء يفقأ بصائر العمل الوطنى ويحيله ضريراً متخبطاً !!!
    ولكن حصانة السودان جاءت من ارتفاع منسوب التوازن النفسي ودقة التمييز بين الوجود والوجدان ...
    فلم ينفصم بين هدأته الروحية في رحاب التصوف وبين عناءه في صناعة حياته التي هو ادرى بشئون دنياها وأتاحت له هذه المناعة العقلية حرية الاختيار وحرية الانتماء .
    فلم يتعرض كثيراً لاهتزازات العراك بين الروح والنفس والعقل فظل يزرع بساتين الغيب بثمار الايمان ويزرع حقول الارض ببذور الطعام ويجلى من كليهما سعادته التي لم يكدرها خلط العذب الزلال بالملح والاجاج ضرورته ووضعه دون اخلال يكدر صفوة تنسيق الحياة ... روح الحياة وجسمها ونهاها وطعومها ...


    الأنصـار … أنصـار الديـن

    أنصار الدين هم جمهرة من اتم البيعة لله ورسوله على يد " الأمام محمد احمد المهدي " وبذلوا نفوسهم ونفيسهم في شأن الله ةوإتخذوا الجهاد مبدأ والاستشهاد وسيلة والقتال أسلوباً لتصحيح مسار الدين وحرية المواطنين فأتا بهم الله فتح الخرطوم واعادة الاستقلال مجمع ثالوث المطالب الانسانية ...
    حيث لبى الثورة المهدية أهل العقيدة وعشاق الحرية وطلاب الاستقلال ...
    فانتصرت بقوة ايمانها هزمت أعتى الجيوش وأمضى الاسلحة في ذلك الزمان ... وتسارع الناس كلهم في الاستجابة للثورة وطاروا إليها زرافاتٍ ووحدانا رجالاً وعلى كل ضامرٍ يطبقون آفاق السموات والأرض بشعار الثورة ...
    " الله أكبر ولله الحمد "
    ويرددون أهازيج النضال بعصماوات الاناشيد
    الحرب صبر واللقاء وثبات والموت في شأن الاله حياة .
    وعند انتصار الدعوة بثورتها .. وبلوغ اهدافها وغايتها ...
    إستشهد باعثها وقائد نصرها ورمز معناها ... الأمام " محمد احمد المهدي "
    ولم يمضي على الفتح الا ستة اشهر حيث قامت الدولة المهدية بعده بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي " الذي ادارها ثلاثة عشر عاماً
    رغم تربصات الخارج ... وردود فعل الداخل !!
    مما يحدق بدولة ناشئة في أخريات القرن التاسع عشر قرن الهياج الاستعماري...
    واقتدار القوى المستهينة بضعاف العالم ومتخلفيه .. ولم تكن الدولة المهدية المحاطة بسوار خانق من المستعمرات الاستيطانية ماعدا فرجة الحبشه المحتجزة بالصوماليات لم تكن تمثل حرية فحسب ... ولا الاستقلال فحسب .
    ولكنها كانت تمثل بالاضافة إلى المواطن واستقلالية القرار عقيدة ذات مضاء يتجاوب مع أصداءها ملايين البشر في الجوار والملة الاسلامية عموماً . خطر على الاستعمار يغري الجوار بالتحرر ويولعه بالاستقلال وينعش أمة الاسلام في كل مكان في العالم وفي اعماقها يعيش الانتظار الطويل ...
    انتظار المهدي ... انتظار المجدد ... انتظار المجتهد الموعود ليملأ الأرض كلها عدلاً بعد أن ملئت جوراً وكل هذا أخوف مايخشاه الاستعمار واسرع ما يوقظ في ذاكرته صور الماضى التليد ... الامبراطورية الاسلامية وهي تشرق من جبال " البرانس " و" صلاح الدين "
    والقدس الميعاد !!
    " إن هذا الروح لايعرف موتاً فهو يبتاع خلوداُ من ميادين الممات " !!
    ليس معنى موت رجل اوروبا المريض في الاستانة هو موت لما كانت تمثله الخلافة العثمانية وها هو ينبعث من مكان أكثر حساسية وأسرع استجابة ويشكل بديلاً فتياً لما اعترته الشيخوخة في ضفاف " الدردنيل "
    وفي موقعة " كرري " ... الفاصلة
    قضى السلاح المتطور على الانسان ولم يقضي على الايمان ...
    وخجلت النيران من شجاعة الشجعان
    وسالت أودية بقدرها من نزيف عشرين ألفاً تروى الأرض بما يشبعها إلى الابد ... بالحرية والاستقلال والعقيدة ... ماتت الدولة ولم تمت الدعوة ...
    فظل الاستعمار يتوجس منها خيفة طول مكثه في أرضها وخرج منها وهو خائف يترقب وصدق الأمام عبد الرحمن المهدي ... فما كان لهذا التراث أن يضمه حزب ... وما كان لدعوة الجموع أن تشملها طائفة وماكان لها أن تستاثر بها قبيلة أو تختص بها أسرة أو يرثها بيت أو تتمذهب لها شيعة دون الناس أجمعين .
    فالخلافة الأولى نافية لقواعد الارث ... منزهة الدعوة عن حياة الميراث ومفرزات الصراع بين الخلافة والاشراف ونتائجه تؤصل ماهية التراث ... وقادتها ومجاهدوها وشهداؤها
    بين الجبلين جبل " ماسة " وجبل " سرغام " بكرري في كل ملاحم نضالها ومواقع انتصارها شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً ...كلها آيات دالة على أن الثورة المهدية تراث للسودان وطناً وللسودانيين حرية واستقلالاً وتاريخاً .
    وما اعترى الدولة المهدية مما يحسب عليها من ردود الافعال والافعال الداخلية والخارجية مما ينطلى على أى دولة ناشئة في ذلك الزمان من ذلك القرن ... لاينتقص من جوهر الدعوة ولا يقلل من قيمة الثورة المهدية فهي ثورة السودان كله ...
    ومفجرها صوفي عبقري مزج بين التوكل والجهاد فحقق معجزة ادارت رأس العالم أجمع وأربكت تفكيره . وأرسى بناء الاستقلال الثاني ...
    على قواعد الاستقلال الأول في دولة سنار الفيدرالية وأسس مركزية قوية في " بقعة امدرمان " المباركة وطهر البلاد من رجس الاستعمار التركي المختلط .
    وكان الأمام الشهيد ...
    مثلاً للفقه والزهد والورع والتقوى جمع بين الحقيقة والشريعة ...
    غاص في بحور التصوف حتى وهبت له قدرة التوفيق بين التوكل على الله في السلوك الصوفي وبين الجهاد في سبيل الله . على سلوك انصار الدين فتمازجا في قلبه واصطفيا للامامة ... برع في القيادة والتخطيط الحربي ونبع من فيض علمه بحر من الاعلام والاتصال . تفرعت منه سيول غامرة ...
    فطفت كل الانحاء بمنشورات متتابعة سرعان ماتجد الاستجابة والترحيب والقبول .برزت قوته في استراتيجية الموقع والاشخاص والقوات ونجح في حركات التكتيك المنسجم مع الاستراتيجية ..
    كما تجلى ذلك في فاتحة المعارك في " الجزيرة ابا " قبل الهجرة وفي موقعة " شيكان " وفي حصار " الخرطوم " حتى سقوطها .
    وبعد نظره في أحداث الثورة العرابية
    وحرصه على الابقاء على حياة " غردون " ليفادى به " احمد عرابي " .
    خمس أعوام هزم فيهن امبراطورية الشمس الدائمة وخلافة الاستانه وخديوية مصر التركية كان يرتدى الجبة المرقعة ... ويتمنطق بالكرابه ... ويقضى ليله في الصلاة تالياً أو ساجداً يتعبد .
    كان مركزاً للاستقطاب الجاذب بالحب ... الآمر بالطاعة ... المنتصر بسيف العود .
    كان آخر مناظر الانطباع في ذهن الأمام عبد الرحمن المهدي وهو يغادر " بالشكابة " ثاني خلفاء المهدي وقائد ثورة الاشراف التصحيحية ... منظر بيوت القرية وهي تحترق واهلها يسقطون صرعى بهجمة مفاجئة من كتيبة بريطانية .. حرصت على ابادة الحياة والاحياء لكى لاتترك للانصار فرصة التجمع حول " الخليفة شريف "
    كان الأمام عبد الرحمن في سن الطفولة .. ولكن مجزرة الشكابة انطبقت في ذاكرته بعمق الأثر الذي لايمحى ... النار والدمار والابادة ... وصفوف الشهداء مقبلين لا يعرفون الادبار ... تتهاوى صفوفهم وهم يطاردون الموت المذعور وهو يستتر خلف ستار كثيف من مدافع " مكسيم " الحاصدة !!
    وكان لله في هذه المواقع اعلان شانه ... واجلال جلاله من جموع الانصار والعزل تحترق أجسامهم ولايحترق إيمانهم .... ويقرضون الله قرضا حسناً يضاعفه لهم كوعده الحق بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ...
    وكان للامام عبد الرحمن أيضاً نصيب من الشأن من هذا الموقع .. ومن هذا الانطباع شأن يكبر معه وهو يدرج في مراحل صباه وشبابه ... شأن ينمو ويتضح في داخل قلبه وذاكرته ذات القوة التي كانت تكسوه مهابة مهيبة .. وهيبة آسره .. وشخصية مؤثرة وصبراً جميلاً تغالبه الابتسامة الودوده التي يستقبل بها كل الناس ويودعهم بها ...
    كان مرآه كوناً تتلاقح فيه أحداث الماضي واوضاع الحاضر وأماني المستقبل .
    كان يمشي وخطوه كهصورٍ ذى لبد !!
    يطأ الثرى مترفقاً وكأنه ركب من الفرسان .
    أو جحفل من فيالق التاريخ وأساريره المطمئنة المطمئنة
    لاتفصح عن عظيم المسئوليات التي يحملها في جلد !!
    لا يضيق به ... ولا ينوء تحت ثقله ..
    مسئولية الاسرة ومسئولية الدعوة ومسئولية الدولة ومسئولية الاحتلال ...
    عظائم ذات اثقال ... تميد بحملها أهل العزائم حمل الأمام عبد الرحمن بعزمه .
    مجموعة أكبر من من الحزب ، واوسع من الطائفة ... مثل سيرته العامرة وشخصيته الآسرة التي هي أكبر من كل شئ ...
    وعندما اقتضت الحركة الوطنية قيام الاحزاب ونشأ حزب الأمة داعياً " السودان للسودانيين " كانت قيادته من الاستقلاليين بمختلف أنواعهم وليس غريباً أن يحظى برعاية الانصار ودعمهم فممن أخذ الاستقلال ... ؟
    وليس غريباً ان ينعم برضى الأمام عبد الرحمن وغبطته فهو يخفف عنه حمل إثنين من مسئوليات أربع ظل يحملها بجدارة الاقوياء الواثقين ... نصف قرن من زمان الحاسبين .. مسئولية الدولة .... ومسئولية الاحتلال !!!
    واحتفظ الأمام بمسئولية الدعوة التي صار رمزاً لها بما بذله ومالاقاه وما صبر عليه وسار أبناؤه الائمة من بعده الأمام الصديق والأمام الهادي على منوال ما اختطه الراحل العظيم الأمام عبد الرحمن .... وسار حزب الأمة يدار بقيادة سياسية يمارس الديمقراطية بمقتضى ما تسفر عنه اقتراعاتها يأتلف حيناً ويختلف حيناُ ويعارض أحياناً .
    وظل الارتباط بينه وبين الانصار حميماً وقوياً برابطة الاستقلال وهو أحد مرتكزات دعوتهم وثورة إمامهم ...ويحفظ التاريخ بالتجلة والفخار للأمام الصديق موقفه الرافض للانقلاب 17نوفمبر 1958م ...
    وقيادته " للجبهة الوطنية المتحدة " حتى لقى ربه راضياً مرضيا ...
    ثم حمل الراية من بعده الأمام الهادى ... متوليا شرف قيادته الجبهة الوطنية .
    حتى ثورة اكتوبر ثم خلى السياسة للسياسين في الحزب فادارها محمد احمد محجوب بوافر الحنكة وعظيم الاقتدار ...
    وعندما دهم البلاد الوباء المايوي كان الأمام الهادي في ذات البقعة المباركة من جزيرة التاريخ " أبا " .وهي تعود للأبصار والاسماع مجدداً كمثابة الثورة ومنطلق للتعبير ... تضرب فيها مواعيد القدر ويأوى إليها الثوار من كل حدب وصوب واتخذ الأمام الهادي مقعده كدوحة الخلد يستظل بظلها البررة من أحفاد الشهداء تتعاقب على انوفهم الشم الوان ريح النزيف ... الذي لازال ندياً ومعطراً يهب من سفح كرري وأصقاع الثغور .
    وتأسست " الجبهة الوطنية الثانية " برئاسة الأمام الهادي ...
    آخذه بطبيعة البيئة ... وثورية المقر …وروح التاريخ ...
    حيث أعلن الأمام " الجهاد المسلح رائداً للمقاومة الشعبية " ..
    وافتتح الامام رحاب الاستشهاد بنفسه ليكون معلماً ومعلماً للصدق والاخلاص والتضحية واستن الهجرة موصيا بها للاعداد العودة الحميدة ووضع بذلك والى الابد المقاييس الفاصلة بين الرجال واشباه الرجال .....
    وحدد الى الابد الفروق الشاسعة بين شرف الافعال وسقط المقال ... وعبثية الافتعال .
    ولازال هذا القانون الصارم فارضاً " نوعية " القبل من عمر الزمان ...
    وهكذا يتنزل الائمة من عالم الروح إلى دنيا الحياة كم لما ألمت بأمتهم داهية ... أو أصابت بلادهم مصيبة يشاركون مواطنيهم دفع الاذى ... واقصا البلوى ثم يعودون إلى عليائهم ... أو شهداء عند ربهم .. تاركين دنيا السياسة للسياسين ليهندسوا تصاريف الحياة مع رصائفهم من الاحزاب والجماعات .
    معالم لا يحيد الحق عنها ... ولا يمضى بغير منارها أبداً سبيل ...
    ترك آخر الأئمة مرتقى صعباً .. وقمة منيعة للامامة ... في الدولة والقيادة وفي الجهاد ...
    كأنما يُحصنها بعد استشهاده لتكن العزائم على قدر عزمها ولتكن التضحية على قدر رسوخها ..
    " و تكن أمة عندما تلم الملمات بالأمم .
    وتكن شعباً عندما يحار الافراد وتخبط الهمم .
    وتكن روحاُ عندما يصبح الأحياء كالرمم .
    وتكن مثالاً ساطعاً عندما تحدق بالناس الظلم .
    وتكن عفة عندما تهتك الاخلاق والقيم "
    هذه مواقف التاريخ العصيبة الصعبة التى تقتضى ضرورة الجمع لها والتجمع لصرعها بمقاييس الوحدة الوطنية وليس من مفرداتها ما يسمى طائفه ولا وجود لها فى النسيج السودانى .
    وسيظل أنصــــار الدين بخير
    طالما أن الدين الحــــق بخير
    وطالما ان الاســـتقلال بخير
    وستظل الأحزاب السياسية بخير
    طالما اشتملت بالكيان السودانى الذى لحمته القبائل وسداه الطرق الصوفية الحقيقية وحافظت على تطوير قوامه بالتعمق فى فهمه والإدراك الواعى لمكوناته ومكنوناته وطاقاته ..لكى لاتمزقه فتصبح عارية ولكى لا تفقده فتصبح كحصاد الهشيم .
    إن إلصاق تهمة الطائفية ببعض الأحزاب السياسية
    قذيفة صوتية يطلقها أعداء الديمقراطية والتعددية….
    على شاكلة القذيفة الصوتية التى يطلقها من يزعمون أن العلم مناقض للدين وان العلمانية كفر بالأيمان .وأن الحضارة رجس من عمل الشيطان .
    ولم تعد قذائف الصوت والدخان .. يخيفان الأنسان فى السودان ولا غير السودان فهو يبتلى بصواريخ الأضواء الملونة ويتخذ من أشكالها مهرجاناًسماوياً فى أعياده الوطنية ومناسباته الدينية وعلى الأحزاب كلها أن ترتقى إلى حيث الإنسان متجاوزةًالفوال العسكرية والمدنية التى ذهبت به بعيداً وقذفت بها أبعد منه فأخذت تزحف بما تبقى لها من قوةِ الإندفاع القديم وتبتلع لقيماتٍ بقين من زادها العتيق وتجتر خليطاً من أمجادها التاريخية!
                  

العنوان الكاتب Date
آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-10-07, 07:18 PM
  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-10-07, 07:20 PM
    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-10-07, 07:23 PM
      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-10-07, 07:27 PM
        Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) Ahmed Yousif Abu Harira03-10-07, 09:55 PM
          Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-11-07, 02:35 AM
            Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 01:16 AM
              Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 01:33 AM
                Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) Ahmed Yousif Abu Harira03-13-07, 07:55 AM
                  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 10:09 AM
                    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 10:21 AM
                      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) خالد المحرب03-13-07, 10:33 AM
                        Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 10:46 AM
                          Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 11:13 AM
                            Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-13-07, 06:02 PM
                              Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-14-07, 06:06 PM
                                Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-20-07, 10:59 AM
                                  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-26-07, 04:22 PM
                                    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-26-07, 04:26 PM
                                      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-27-07, 09:15 AM
                                        Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-28-07, 06:19 PM
                                          Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر03-31-07, 04:19 PM
  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) شكرى سليمان ماطوس03-31-07, 07:23 PM
    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) Ahmed Yousif Abu Harira04-01-07, 05:45 AM
      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر04-03-07, 09:41 AM
    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر04-03-07, 09:13 AM
  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) شكرى سليمان ماطوس04-01-07, 03:53 PM
    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-11-07, 06:00 PM
      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-11-07, 06:22 PM
        Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-11-07, 06:29 PM
          Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-12-07, 05:13 PM
            Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-12-07, 05:18 PM
              Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-13-07, 09:03 AM
                Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-16-07, 10:00 AM
                  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر06-20-07, 09:21 AM
                    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر07-01-07, 09:08 AM
                      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر07-01-07, 09:16 AM
  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) الصادق صديق سلمان07-01-07, 09:30 AM
    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر07-02-07, 04:12 PM
      Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر07-07-07, 10:20 AM
        Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-12-07, 08:11 AM
          Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-12-07, 08:31 AM
            Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-12-07, 08:46 AM
              Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-12-07, 05:19 PM
                Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-15-07, 09:51 PM
              Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر09-15-07, 10:18 PM
                Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر11-26-07, 06:09 PM
                  Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر11-26-07, 06:28 PM
                    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر11-28-07, 09:11 AM
                    Re: آخــر الكلــم _ بقلم الراحل المقيم (الشريف زين العابدين الهندي) مهاجر11-28-07, 09:12 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de