ايها القاده احلموا بنا ...رسالة الي السيد الصادق المهدي

Quote: خالد فضل * تقترب كل يوم الفترة المحددة في اتفاقيات نيفاشا لاجراء عملية الاستفتاء على (تقرير المصير) بنهاية سنوات الفترة الانتقالية الست. وتقترب أكثر فأكثر الفترة المحددة في الاتفاق نفسه لاجراء عملية انتخابية شاملة تبدأ من اخمص قواعد المجتمع (المحليات) الى قمة رأس الهرم الاداري (رئاسة الجمهورية) وما بينهما من مجالس تشريعية ولائية والمجلس الوطني الاتحادي ومجلس الولايات. وكلا الامرين من الاهمية بمكان، ذلك ان مستقبل الوطن يتوقف عليهما، وربما قدمت الانتخابات المزمع اجراؤها قبل موعد الاستفتاء مؤشرات مهمة لجهة نتائج الاستفتاء.. نحاول هنا ان نقرأ معاً بعض الدلالات المتعلقة بالأمرين. * فمن الواضح جلياً ان التلكوء في انفاذ بعض البنود المهمة المضمنة في اتفاق نيفاشا يعتبر أحد الكروت الانتخابية الرابحة التي يمسك بها المؤتمر الوطني، ويتطلع لاستخدامها غداة الانتخابات حتى يضمن عبرها الفوز بالنتيجة، من ذلك، مسألة إلغاء او تعديل القوانين التي تتعارض مع الدستور وروح الاتفاق، مثل بعض المواد في قانون الامن الوطني، وقوانين مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، وقانون النقابات، كما لا تخفى بصمات المؤتمر الوطني الواضحة في بعض القوانين التي تم تمريرها او تجري عمليات تمريرها كقانون مفوضية حقوق الإنسان، وقانون العمل الطوعي، وقانون العمل، وقانون الاحزاب، وقانون الانتخابات، والاخير، اثار عاصفة قوية من الانتقادات من معظم القوى السياسية كأحزاب الامة والشيوعي والاتحادي الديمقراطي غير المسجل والشعبي، وصلت حد تلويح السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة بمقاطعة الانتخابات اذا اجريت في مثل هذا المناخ الآحادي الاستبدادي. وبالطبع فإن مقاطعة حزب كبير ومؤثر كحزب الامة للانتخابات تعني ان الممارسة السياسية في بلادنا ما تزال معطوبة وتحتاج الى مزيد من الاصلاح والتغيير. ولأن نتائج الانتخابات تؤشر بشكل حاسم الى شكل مستقبل- بقاء الوطن موحداً- آخذين في الاعتبار ان فوز المؤتمر الوطني يعني تكريس مباشر للرؤية الآحادية المناوئة لطبيعة التعدد السوداني المعروف. كما تعني ان (الشماليين) غير راغبين في الانتقال بأفكارهم واطروحاتهم وعقلياتهم الى مربع الحقيقة البائنة، وهى ان هذا الوطن لم ولن يكون ضيعة خاصة لتحقيق احلام بعض مجموعاته على حساب الآخرين كما جرت الاحوال في العقود الماضية، وبشكل اكثر سفوراً في ظل هيمنة المؤتمر الوطني الذي تحولت على يديه الحرب الاهلية الى حرب جهاد مقدس، واضحى تقسيم السودانيين يتم على أسس عقائدية تارة وجهوية تارة اخرى وحزبية على طول الخط مما اضرم النيران في (هويش) القبلية والجهوية فثارت ثورتها وعاد المجتمع السوداني وكأنه (قبيلة كذا ومجلس شوراها) وأبناء كذا وكيانهم، وبطن اولاد فلان وعمدتهم وتلك العشيرة وناظرها.. * في ظل وضع مثل هذا، ومع خطة طرحها السيد عبد الرحيم حمدي لحزبه حول (مثلث التركيز) الذي يستبعد كل المناطق المهمشة والاقل نمواً من رحمة (التنمية) وتقديم الخدمات، حتى يضمن المؤتمر الوطني اصوات الناخبين عن طريق مساومتهم بتقديم حقوقهم في الخدمات نظير ضمان ولائهم للمؤتمر الوطني، وهى الظاهرة التي لا تخطئها العين، ومع هيمنة التفكير الامني، والسيطرة الحزبية على اجهزة الشرطة والامن والجيش وهى الاجهزة المسلحة والمدججة بالحصانات ولها سطوتها ونفوذها وهالة من القداسة مرسومة حول حماها من يقترب من اسوارها مفقود ومن يحاول التطرق لاوضاعها مذموم.. مع كل هذا، مضافاً اليه النفوذ الاقتصادي القوي للرأسمالية الإسلامية أو المرتبطة بالمؤتمر الوطني عبر شركات القطاع العام والخاص وشركات الاجهزة والمؤسسات الحكومية والحزبية، وآحادية اجهزة الاعلام الحكومية، وتغلغل كوادر المؤتمر الوطني في دولاب الدولة وقيادته واستغلال هذه الوضعية أيما استغلال لصالح تحقيق مكاسب حزبية او ذاتية، تبدو الصورة قاتمة لجهة انجاز عملية انتخابية حرة ونزيهة ومعافاة على الاقل في ولايات الوسط التي لم تنشب فيها حروبات اهلية ولم يحمل مواطنوها السلاح لنيل الحقوق، أما في الجهات والأقاليم الثائرة في أقصى الشرق والغرب والجنوب وجبال النوبة والانقسنا، فإن حظوظ المؤتمر الوطني تتضاءل لدرجة التلاشي، فمن غير المتوقع اطلاقاً ان يحظى المؤتمر الوطني بأي قبول لدى سكان تلك المناطق، فهو السبب المباشر لمعاناتهم التي حولت أقاليمهم إلى أطلال، وأحالت حياتهم الى جحيم النزوح واللجوء، ونقص الانفس والاموال والثمرات.. وهنا في هذه الاقاليم يبدو العشم ويتبدى الامل الوحيد المتاح امام السودان لاستعدال مساره، والعودة الى طبيعته كوطن للتعدد.. ولكن، في هذه الاقاليم، فإن للمؤتمر الوطني اساليب وممارسات (فرق تسد) ودوننا اقليم دارفور الذي تفرقت حركاته المسلحة الى فرق وحركات، والجنوب الذي تظهر فيه اصابع المؤتمر الوطني عبر بعض لافتاته ومواليه حتى في اوساط قادة ووزراء الحركة الشعبية، ولدرجة يصعب التميز فيها بين بعض الوزراء في الحركة ووزراء المؤتمر الوطني!! وكما تتابع هذه الايام من بوادر انقسامات وصراعات في جبهة الشرق الموقعة حديثاً على اتفاق مع حكومة المؤتمر الوطني!! * اذا قرأ هذه الصورة أى مواطن جنوبي من حقه الادلاء بصوته في الاستفتاء بين البقاء في وطن واحد يهيمن عليه (المؤتمر الوطني) او نيل الاستقلال وقيام وطن مستقل يحفظ كرامته، فلا اعتقد انه سيتردد في الانحياز لجانب كرامته وتحقيق حلمه بكونه مواطناً مصان الحقوق.. هذه مع الاسف هى صورة الشمال الظاهرة والتي تتعامل الآن مع الجنوب.. عبر (بوابة المؤتمر الوطني) ولأن للشمال صورة اخرى حقيقية هى ملايين المواطنين الذين يعتبرهم المؤتمر الوطني في خانة الخصوم والاعداء.. بشكل اكثر من عدائه للاقاليم الثائرة ولكن هذه الملايين مغيبة ومهانة ومهيمن عليها.. فمتى ثارت وانتزعت حقوقها وركلت برنامج المؤتمر الوطني الى مذبلة التاريخ، انفتح الدرب امام جميع السودانيين شمالاً وجنوباً ليستعيدوا وطنهم المشترك وللعيش (معاً) بواقعية ضمن حدوده الموحدة.. فعلى من تقع مسؤولية جعل الوحدة جاذبة؟ يظل السؤال الذي يجب ان يجيب عليه مواطن في هذه البلاد.