أغلى وأفخم بص في العالم ..!!

Quote: عبد الباقي أحمد البكري، هكذا يعرف نفسه، من أبناء بحر أبيض، قرية أم صيقعون جنوب غرب مدينة الدويم، ينتمي إلى قبيلة البزعة وهي قبيلة عربية يصل نسبها إلى جهينة، هذا ما يقوله النسابة، ومن أشهر أعلامها الشيخ القرشي ود الزين بالجزيرة منطقة الحلاويين وهو أستاذ وشيخ للإمام المهدي عليه السلام، وفي عهدنا الحالي الدكتور أحمد بلال عثمان - وزير الصحة سابقاً ومستشار رئيس الجمهورية حالياً. أول مرة أرى فيها ود البكري كانت حفلة بحي أبو جابرة بالدويم، أصطحبني فيها إبن عمي مهدي أحمد الأغبش، وقتها كنت بالمرحلة الإبتدائية. كان الحي عبارة عن بيوت متفرقة على العكس من واقعه اليوم، إذ أكتظ بالمباني وصار من أكبر أحياء مدينة الدويم.. وإن لم تخن الذاكرة كان الحفل بمنزل المرحوم سيف النصر وهو من أشهر الجزارين بالدويم شأنه شأن العم إسماعيل الجزولي المتعافي (والد دكتور عبد الحليم المتعافي) والطيب مرزوق والتاج سعيد، هذا على سبيل المثال لا الحصر. كان ود البكري يعمل بإجزخانة النيل الأبيض بالدويم، وهي من الصيدليات المعروفة، كصيدلية المتوكل وصيدلية الزبال، وكان يسكن بحي شندي فوق مربع 13. الذي شدني إلى الرجل طيبته وحلاوة روحه وخفة ظله، لعل تربيته الريفية كان لها دور كبير واثر بالغ في سلوكه وتعامله مع الآخرين، أضف إلى ذلك فهو أخ أخوان، يعني .. لا يتردد في تلبية خدمة، بل لا يتمسك كثيراً في أجر حفلاته. عندما أتى ود البكري إلى الدويم، وجدها مدينة ترفل في أنشطة ثقافية وفنية، على العكس من اليوم تماماً، فكانت الدورات المدرسية وكانت الأندية الثقافية والرياضية لها دور بارز في الحياة الأدبية بالمدينة. إضافة إلى أنشطة وأسابيع بخت الرضا الثقافية والفنية والأدبية. الدويم كما أسلفت لم تكن مدينة عادية.. كان بها عدد من الفنانيين أصحاب البصمات الواضحة على الحياة الإجتماعية منهم على سبيل المثال لا الحصر، خالد محمود المشهور بخالد قدوني، ميرغني شنقور، محمد نور بشير المشهور بود العطايا أو ود أبو قمري وهي قرية تقع جنوب الدويم، ود القمر بوبا، عبد الله عبد المولى، الجيلي عبد الله إبراهيم أو الجيلي الشيخ أو الجيلي مبروكة، مجدي عبد الجبار، ثم أتى لاحقاً عبد الرحمن ود البرنو، هاشم الشويحي أو هاشم زمن وهو من الذين يجدون تقليد الفنان الهرم محمد وردي تماماً مثل الفنان الجيلي الشيخ، ثم الفنان عبد الرسول وهو من أبناء مدينة أم جر. بدأ ود البكري حياته الفنية بالربابة، والشاهد أن الربابة كضرب من ضروب الفن وجودها قليل ببحر أبيض وإنتشارها في شمال السودان خاصة مناطق الشايقية والدناقلة وأيضاً لها وجود في شرق السودان وإنتشار قليل في كردفان ودار فور. ولا أزال أذكر أغنيته الشهيرة التي كان يرددها وهو قادم جديد لمدينة الدويم (يا سايق البنطون معاك آخر لون.. اخر السرعة .. البحر ما مضمون).. وهنا يتضح تأثر الإنسان بالبيئة فالبنطون يعني لأهل الدويم الكثير الكثير فهو مفتاح السفر الى بقية مناطق السودان المختلفة وعبره يسافر المحبوب، الأخ، القريب، الصديق.. وسرعان ما أجاد ود البكري العزف على آلة العود وصار من البارعين فيها، ولعل الملاحظ لحفلات ود البكري في بداية عهده تجده جالس على كرسي ممسكاً بعوده ومن خلفه فرقته الموسيقية.. وقتها لا وجود للآلات الصوتية الحديثة كالأورغ، والشاهد أن الدويم كان بها عدد من العازفين المهرة، سوف أتطرق لذكر أسمائهم لاحقاً. ود البكري له صوت عذب، فيه مساحات واسعة.. يغني دون تعب أو تشنج، وهنا أشبهه بالهرمين الراحلين المقيمين في وجداننا حسن عطية وأحمد مصطفى.. كما كان مميز بلبس نظارته السوداء رغم أنه لا يعاني من مشكلة في النظر.. لاحقاً لاحظت أن ود البكري صار يغني دون إصحطاب العود، وهنا برزت إمكاناته في التطريب وتجده مندمجاً مع أغنياته بل مجيداً للرقص خاصة عندما يشير لفرقته (بصولة) وهنا يترك الفرقة ذاهباً للرقص مع العريس أو أحد الأصدقاء. كما أسلفت، أن ود البكري يعتبر الحفل حفله، بل أراه يداعب الحضور كثيراً طالباً منهم إفساح المجال للعروسين، أو أن هذه الأغنية خاصة (بالجكس) أو أن هذه الأغنية خاصة بأصحاب البناطلين مردداً (ما أشوف زول بجلابية حايم هنا).. دوركم جاي يا شباب.. (تمام يا حسس) .. عفوية في التعامل مع الجمهور المتلقي.. والذي يشجع على التعاقد معه أنه لا يتردد في الغناء إلى الصباح الباكر خاصة قبل القرارات الجديدة أن الحفل يبدأ من الحادية عشر مساء إلى السادسة صباحاً.