" دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..!

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 06:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد النور كبر(Kabar)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-30-2012, 07:38 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    (5)

    بعــد أسبوعين ، عزمتني صفية أن نذهب الى منتزه المقرن العائلي . التقينا عند الساعة الثانية عشر منتصف النهار ، و دفعتْ هي قيمة التذاكر ، و دخلنا المنتزه .
    قالت ، تسألني : تركب قطر الموت ، ولا تدخل بيت البعاتي ؟
    ضحكتُ ، و قلتُ لها : انتي عاوزة شنو؟
    قالت : انتا الضيف ، و انت تأمر يا جميل ..!
    طفنا كل الملاهي ، ركبنا قطر الموت ، دخلنا بيت البعاتي ، و طوطاحانية الدوران ، و عربا ت الكهربا..!
    عند الرابعة مساءا ، قلت لها : أنا تعبت يا صفية ، خلينا نستريح شوية..
    قالت : خلاص أنا اجيب لينا حلاوة قطن ..
    قلتُ : أنا عاوز عصير ، و ما داير حلاوة..
    لم تنتظر هي هذه الإفادة الأخيرة ، و ذهبت ، أحضرت حلاوة قطن و عصير عرديب و ساندوتشات شاورما.
    جلسنا قبالة النيل ، بالضبط عند نقطة مقرن النيلين . كنتُ أتأمل الموج عند لحظة العناق و الإلتقاء . تولدتْ في دواخلي خواطر حميمة عن التوحد و الإندماج ، و صيرورة الكينونة الواحدة ، لحظة الصمت تلك ، ولدت الرغبة في مزاج صفية بأن تحكي..
    قلتُ ، استدرجها : ما حكيتي لي عن ناس بيتكم ؟
    صمتتْ صفية ، و كان صمتها بالجد مملوح و حارق ، طفرتْ دمعة على خدها ، حاولتُ أن امسحها ، و لكنها اشاحتْ عني وجهها بقوة ، مسحتها هي بطرف طرحتها ، و رمتْ بالسنادوتش على الأرض ..!
    شعرتُ أنا بالحزن ، و قلتُ لها : معليش ، أنا ما كان قصدي أنك تحس بكل هذا الألم..!
    سألتني بغتة : انتا ، عندك أخوات؟
    قلتُ: نعم..
    قالت: كم؟
    قلتُ : ثلاثة ..
    قالت: أكبر منك و لا أصغر؟
    قلتُ : اخواتي ، حنان و فاطنة و سماح ، و كلهن أكبر مني و متزوجات..!
    قالت بدعابة : ديل أخوات ولا نسوان يا شيخ ؟
    قلتُ : نسوان ، طبعا ..
    صمتتْ هي برهة ، ثم واصلت استجوابي : و عندك حبيبات؟
    قلتُ : لأ..
    قالت: بالجد؟
    قلتُ : عندي حبيبة واحدة اسمها سبأ ، و عرست خلتني ..!
    قالت ، بتشفي : الحربوية الخاينة ..!
    قلتُ مدافعا : لأ.. ما كده ..لكن الظروف كانت ضدنا و ضد حبنا و أملنا ..!
    قالت : ما تبقى زي البطل بتاع الفيلم الهندي ، تخطفها و تجري بيها ..!
    قلتُ : لكن ما عندي حصان أبيض..!
    قالت ، ضاحكة : الناس في زمن المواتر يا باشا ، جازف ليك سوزكي من أي حتة ، و فحـّط بيها..!
    قلتُ : خلاص المرة الجاية ..!
    قالت : ناوي تحب تاني ، ولا شنو يعني؟
    قلتُ : مشكلتي ، البنات هم القاعدين يحبوني ..!
    مدتْ يدها ، كادتْ أن تضربني على كتفي ، و لكنها تراجعت قائلة : أنت مغرور خلاص ..!
    شعرتُ بأن صفية اٍرتاحتْ قليلا ، و انبسطتْ أساريرها للونسة .
    قلت لها : أنتي ما عندك جكسي ولا شنو؟
    قالت : أنا لسع صغيرة ..!
    قلتُ : كيف يعني ؟
    قالت : عمري ، دوبك اطناشر سنة ..!
    قلتُ : و ناوية تجكسي بعد ما تصلي السن القانونية يعني ؟
    قالت : مافي جكسي ولا قيامة رابطة ، عرس طوالي ، الما عاجبو يقع الخور ..!
    قلتُ : لازم يعجبو..!
    كانت هي تحصب النيل بحجارة الحصى الصغيرة ، صمتنا برهة ..
    قلت لها ، مداعبا : يا بت ما تفلقي النيل ، اقعدي ساكت..!
    قالت : بالعكس ، أنا قاعدة أجدع في همومي..!!
    غاصتْ عبارتها كالنصل في قلبي ، و بلعتُ ريقي الجاف ، و تحجرتْ الكلمات في حلقي ..!
    هذه المرة أنفجرتْ هي بالحكي ..
    قالت : نحن اصلنا ، كنا ساكنين في دار السلام بتاعة الحزام الأخضر ، أبوي عبد الكريم ادريس ، كان شاويش في سلاح المظلات . أمي قالت ، هي ولدتني في البيت ده ، و كانوا ساكنين قبل ما تلديني لمدة سبع سنوات ، ولدت بعدي ثلاثة ، بتين وولد ، عمري كان تسع سنين ، و كنت بقرا في مدرسة جبرة الإبتدائية للبنات ، كنت في سنة رابعة ، جيت التانية مرتين . التخطيط دخل حلتنا ، جات الكراكات و القريدرات ، و قعدوا يكسروا البيوت ، نسوان الكراكة هدمت البيوت فوق دولايب عدتهن ، نسوان فقدن السراير و الهدوم . اليوم الوصلوا مربوعنا ، رفض أبوي ، الله يرحمو ، يمشي الشغل . لبس هدومو بتاعة الجيش ، و كان قاعد في خشم الباب . أول ما الكراكة جات علينا ، صاح في وشهم ، و قال ليهم اولاد ال###### ، ده بيتي و ما بمرق منو الإ و انا ميت ..!
    حصل هرج و جوطة ، سمعنا صوت الرصاص ، بعد شوية جابوا ابوي ميت جنازة و دخلوهو جوه البيت ، أمي زغردتْ ، ضربوها بالدبشك على ظهرها ، وقعتْ ، كانت حامل بي جناها الخامس ، و عندها ستة شهور ، دافقتْ ..!
    ناس الحكومة ، قالوا لينا أبوكم كان شايل بندقية جيم تلاتة ، و معاها قرنيت ، و أعترض أمر الحكومة ، و ضرب العساكر و كتل فيهم ستة..!
    أنا بكيت ، بكيت ، مش حرقة على أبوي ، لأنو الموت جايز كن لينا و كن ليهو ، لكن بكيت على كضب الحكومة ، هل تصدق أبوي ، اخر مرة كان شايل فيها سلاح ، كان في أيام الإنتفاضة سنة 1985 ، بعده السلاح تب ما دخل بيتنا ..!
    كان عندو سكين بس ، و زي ما براك عارف ، الغرابة ديل السكين عند الراجل فيهم زي القلم في جيب الطالب..!
    بعد أسبوع جوا أخوالي من الغرب ، ساقونا لي مدينة الجنينة ، قعدنا فيها زي ست شهور ، عملوا الكرامة لأبوي ، و رجعنا تاني العاصمة ..أمي تابعت حقوق أبوي ، لغاية ما طلعت و طلع معها المعاش . عندنا جيرانا رحلوا الحاج يوسف و قالوا نرحل معاهم ، لكن امي ابت . أشترت لينا ، من حق المعاش ، قطعة أرض في مربع تلاتة دار السلام أمدرمان ، و بنيناها و رحلنا فيها..!
    أمي ، بقت تسوي شاي في سوق الناقة ، و شوية شوية ، أنا بقيت أفرش فول و تسالي . كنت شغالة في السوق الشعبي امدرمان ، السوق هناك ما نفع معاي ، شوية شوية ، جيت الخرطوم ، لميت في بنات من امدرمان ، واحدة اسمها سيدة بت النوبة و التانية مودة بت الفور . سيدة بت النوبة ، ابوها كان نجار ، و برضك مات في الخدير لمن الحكومة مشت تخطط العشوائي هناك . مودة بت الفور ، ابوها جياشي ، مشى الجنوب ، و قال ناس جون قرنق ساقوهو لمن هجموا على كايا .
    أمي ، كانت شغالة شاي كويس ، و بعد سنة ولدت اخوي الصغير عماد ، ولدتو ملح ساكت ..!
    أنا اتشاكلت معاها ، و قلت ليها ، انتي كان تعرسي عديل كده بدل ما تقعدي تعملي كده ..!
    طلعتا من البيت ، مشيت لواحدة حبوبتنا ، خالة أمي باللفة ، ساكنة في الحتانة ، و قعدت معاها لمدة اسبوع . رجعوني البيت . و بقينا أنا و امي زي الضرات ، شكل و نبذ. بعد شوية ، و كانت الدنيا عيد ، بكينا أنا و امي بي حرقة ، و طلبت منها العفو ، و هي طلبت مني العفو ، و اتعافينا . أمي ضمتني شديد في حضنها ، و قالت لي بي دموعها ، صفية يا بتي ، أنا ما عندي في الدنيا دي الإ الله و انتي ، راجياك عشان تشيلي معاي الحمل و تساعدني في ترباة اخوانك الصغار ديل ..!
    عفيت منها ، و قلت ليها ، انت لسع شباب ، و الأقدار ما معروفة ، و انا معاك ، كسرة بي ملاح ، بي موية ، بي مافي ، تب ماني فايتاك ..!
    قعدنا نلقط ، نجازف شوية شوية ، عملنا حساب في البنك . أمي قدرت تأجر ليها دكان في سوق أبوزيد ، و أنا قالبه كويس في سوق الخرطوم .. !
    سوينا الدهب ، جبنا التلفزيون ، اشترينا الدولاب الحافلة ، و مليناهو بالعدة من كل شكل و لون . جات حبوبتي من البلد ، و قعدت معانا ، و حلت لينا مشكلة حراسة أخوانا الصغار في البيت ..!
    شوية كده ، و تاني ألقى ليك أمي حامل..!
    بكيت بمرارة ، و قعدت في البيت . فكرت أشرب صبغة شعر عشان أموت ، تاني اتذكرتا و قلتا لي نفسي ، هوي يا صفية أحسن تفتحي عيونك كويس ، انتي امك دي قالت ليك بالواضح ما عندها زول في الدنيا دي غيرك ..!
    قشيت دموعي ، و تاني رجعت للشغل . اتقفلت علينا كل الأبواب. واحدة عندها ضد مع أمي ، مشت كلمت ناس المجلس و قالت ليهم المره دي حملت بالحرام ساكت ، و انتو مؤجرين ليها الدكان كمان؟ ما قلتو الدنيا شريعة ، وينها الشريعة دي؟
    بعد يومين ، جانا البوليس بأمر قبض ، مشت أمي و دخلت حراسة سوق ليبيا لمدة اسبوع ، لغاية ما جا خالي من كوستي و عمل ليها ضمانة . خالي ، من مكتب النيابة في سوق ليبيا ، و طوالي الى السوق الشعبي الخرطوم ، عشان يلحق البصات الراجعة لي كوستي ، رفض حتى كوز موية ما يشربوا في بيتنا ..!
    جات امي للبيت ، حالها تحنن الكافر ، بقت غبشا و مبهدلة و تعبانة للآخر..!
    عشيت أخواني الصغار ، و نومتهم . سخنت ليها موية دافية و غسلت ليها يديها و كرعيها ، و مسحتها بالدهن الكركار ، و بكينا ، بكينا مع بعض .
    سألتني امي : عاملين كيف يا صفية ؟
    قلت ليها كويسين ، عايشين مجازفات ، يوم نجازف حق الفطور ، مرة نلقى و مرة ما نلقى ..!
    باتت امي ليلها داك ، سهرانة للصباح ، تبكي و تعزي و تلعن حظها الكافر الما بيعرف الرحمة ..!
    ولدت امي ، اختي سلوى ، بعد فطمتها ، قعدت شهرين و تاني رجعت لناس النيابة في سوق ليبيا ، قالو ليها البلاغ اتحول لمحكمة جنايات امبدة وسط . مشت المحكمة الفي شارع الردمية ، حركوا البلاغ ، و حكموا عليها بالجلد ، جلدوها مية سوط . يوم الجلد ، أنا ما كنت جايبة خبر ، الصباح ، امي قامت بدري ، سوت لينا زلابية و شاي الصباح باللبن ، قامت قشت الحوش ، و رتبت البيت كويس ، و لبّست اخواني هدوم نضيفة. ضحكت أنا و قلت ليها ، اصلو الدنيا عيدية يا زهرا ..!
    ابتسمت و قالت لي : انتي عارفة يا صفية ، في اليوم ده قبل سنتين ، ابوك مات ، عشان كده ، كل ما يجي اليوم ده ، انا بحاول أخليهو مختلف شوية ، على ألأقل ، اقول لي روح ابوكي انو نحن لسع حافظين الأمانة ..!
    ثم أجشهت بالبكا ، بكت أمي بحرقة ، قشيت ليها دموعها ، و قلت ليها ، خلاص الليلة أنا ح اشتغل دبل ، عشان يوم الجمعة نمشي المنتزه نتفسح . مرقت من البيت ، و امي تدعي لي بالبركة و تسأل ربنا يحفظني و ينجيني من شر العوارض..!
    اشتغلت بي مزاج و عملت قروش تمام ، ربنا فتحها علي ، الفول و التسالي بتاعني ، كملوا الساعة تلاتة ضهر بدري بدري . قعدت اساعد سيدة بت النوبة لغاية الساعة اربعة بالمسا .. ودعتها و ركبت المواصلات . وصلت ، البيت كان هادي ، الناس التقول جايبين ليها خبر موت..!
    سألت اختى مشاعر ، قالت لي أمي دقوها ، و هسع ياها ديك راقدة جوه الأوضة . دخلت الأوضة ، لقيت جاراتنا زينب ام سعيد و التومة بت حسب الرسول و حبوبتي ، قاعدات فوق راس أمي . أمي كانت غمرانة . في أول الأمر ما عرفتني ، بعد شوية قلت ليها أنا صفية يا امي..!
    الدنيا بقت مغربية ، قالت لي ، خلي النسوان ديل يطلعن بره ..طلعت النسوان ، و جيت راجعة ليها ، قعدت توصي فيني وصاية المفارق ، حسيت بالدنيا بقت في وشي ضلام في ضلام ..!
    قلت ليها : وريني الدقاك منو عشان نفتح فيهو بلاغ ..!
    قالت لي : جلدتني المحكمة عشان ولدت بالحرام..!
    و بدون ما اشعر ، قلت ليها ك خلاص نعمل عريضة و نفتح بلاغ في المحكمة ..!
    ضمتني امي عليها ، و سكتنا .. بعد شوية قلت لنفسي : يا صفية يا مجنونة ، ياتو محكمة بتقبل منك عريضة شكوي ضد محكمة تانية..!!
    جرت الدموع في وشي ، خرت خرير المويه في البحر ، تماما حسيت أني مره و بت مره و مغلوبة كمان ..!
    طلعت بره الحوش ، الدنيا كان فيها قمر اربعطاشر ، عاينت لوش القمرة زي دقيقتين و مرقت . مشيت لي جارنا يوسف سيد البوكسي . و طلبتو في مشوار ، جا هو معاي ، و سقت امي لمستشفى امدرمان . ناس الحوادث في مستشفى امدرمان ، ابوا يدخلوا امي ، اتلويقوا معانا و عصلجوا . حلفوا بي تربة المهدي الإمام ، ما يعالجوا أمي الإ بعد ما نجيب أورنيك جنائي ..!
    قصة الأورنيك الجنائي دي ، ما كانت واقعة لي ولا فاهماها خالص ، سألت يوسف سواق البوكسي ، اداني ضهرو و مشى عدل على البوابة ، و ساق البوكسي و رجع الحلة .
    قرّبت أجن ، أمي مجدوعة ، و الدكاترة و الممرضين و الممرضات و العيانين و العينات ، خلق ماشة و خلق و جاية ، و زول عبرني مافي . قعدت أبكي و أمي مرمية جنبي في الممر ، لا ورا لا قدام . بعد شوية ، جاتني واحدة خضرا ، سمينة و مشلخة ، قالت لي : مالك يا بت بتبكي ؟.. قلت ليها : مافي حاجة ..
    نهرتني وقالت لي : و انتي قايلة دي دار عزاء ، يللا قومي شوفي درب بيتكم وين ..!
    أمي حركت راسها و عاينت للمره بطرف عينه التعبانة ، المرا قلبها حن و جات على أمي ، حاولت تتكلم معاها و امي ما قدرت ترد عليها ، وصفت بايدها عليّ. رجعت المرا و سألتني ، المرا دي بتبقى ليك شنو؟
    قلت ليها : دي أمي ..
    قالت : مالها ، شاكية بي شنو؟
    قلت ليها : دقوها فوق ضهرها .. !!
    قالت لي : و الدقاها منو؟
    قلت ليها : دقوها ناس محكمة أمبدة وسط..!
    سكتت المرا الخضرا السمينة ، شلوخها اتملت بالدموع و مشت. بعد شوية ، دخلوا ناس المستشفى و مرقوا ، الزحمة حصلت ، شالوا امي ، قلت ليهم مودينها وين ، قالوا لي غرفة العناية..!
    دخلونا مكتب كبير , و جانا كبير الدكاترة ، كان راجل شيبة .. أصلع من قدام ..و سألني ، قال لي : أنتي متأكده أنو امك دي دقتها المحكمة ؟
    شعرت بالضيق ، و صرخت فيهو و قلت ليهو : دقتها محكمة جنايات محكمة امبدة وسط عشان ولدت بالحرام ..!
    بدون ما اشعر مسكني الراجل و ضماني على صدروا قدام الممرضين و الممرضات و الدكاترة ، و بكى .. بكى زي الشافع الصغير ، و قال لي بي شهيق : يا بتي أنا ما سألتك دقوها لي شنو ، لكن دي الإجراءات عاوزه كده ..!
    ران الصمت لمدة عشرة دقايق ، و قاموا مشوا لأمي . قعدوا معاها لمدة ساعتين . و لمن دخلت عليها ، كانت ملفوفة في شاش أبيض ، بس عيونها و نخرينها بره . ركبوا ليها دربات كتيرة ، و زي الساعة اتنين صباحا ، جاني الدكتور سألني : أهلك وين ؟
    وصفت على أمي ، و قلت ليهو ما عندي أهل غيرها ..!
    هزا راسو و مرق بي سرعة ، جاتني المرا المشلخة السمينة ، و كان اسمها ست الدار ، قالت لي : يا بتي أنا ذاتي من الغرب ، و عديني زي خالتك واحد ، و احكي لي الحاصل عشان أساعدك ..
    كلمتها أننا ساكنين في دار السلام امدرمان ، و حكيت ليها عن اخواني الصغار ..
    قالت لي : خلاص ، ألحقي مواصلات الصباح خفيفة ، امشي لأخوانك و العصر تعالي راجعة سلمي على أمك ..!
    رجعت البيت ، النوم اتكسر في عيوني ، سويت الشاي لأخواني ، و سويت ليهم الفطور ، قليت الفول المدمس و التسالي بي سرعة . زي الساعة اطناشر خلصت و شلت الحاجات و مشيت الشغل ..!
    لقيت سيدة بت النوبة و مودة بت الفور ، سألوني بي لهفة ، مالك انشاء الله خير يا صفية ؟
    و قبال ما ارد عليهم ، قالت سيدة بت النوبة بالهظار : أمبارح كنتي مرفوعة و لا شنو؟
    بكيت بي حرقة ، و لمن شافوا دموعي صدقوا الحكاية ، و بكوا معاي ، و حكيت ليهم كل الحاصل. قامن زحن مني شوية ووسوسن . جوني راجعات ، صرن لي قروش في طرف طرحتي ، و حلفن على ما أشتغل ..!
    شالن مني الفول و التسالي ، و قالن لي ، ارجعي البيت يا صفية . بعد شوية القصة جرت ، أولاد الورنيش جابوا لي حقهم ، و ناس العمارة القريب قريب ، كل زول طلع شوية قروش . سيدة بت النوبة مشت معاي لغاية مواصلات امدرمان في الجامع الكبير ، و قالت لي : عليك الرسول يا صفية ما تجي للشغل لغاية ما الحاجة تبقى كويسة ، و نحن كل يوم بالمسا ح نجيك في البيت ..!
    رجعت البيت مبسوطة ، معاي أبو الدُندُر يقلب الككو.. !

    أشتريت لأخواني خضار و موز و رجعت ..
    أمي رقدت في المستشفى زي تسع أيام ، و خرجوها . كل يوم سيدة و مودة قا عدين يجوني في البيت ، و بعد اليوم التالت رحلوا معاي في البيت في دار السلام .


    ***
    لا أدري بالضبط ما حدث ، و لكني كنت أهتز من حرقة البكاء ، و انا جالس في كافتيريا القانون قبالة شارع الجامعة ، و كانت اٍمتثال تحدقُ في وجهي برعب ، و الدمع يتحدر فوق خديها هي الأخرى ، و بالقرب منها ابراهيم باخت و جلال شايب .. سألني جلال : في شنو يا حماد ، جاك خبر ولا شنو؟
    قلتُ : أنا كويس يا جماعة ..!!
    و قمتُ أجرجر اقدامي نحو البركس..
    في داخيلة عطبرة (أ) ، دخلت الغرفة (2) التي كنا نقيم فيها أنا و جلال و سليمان و عبد السلام ، كتب عليها عبد السلام (فرجينيا ) تيمنا بحلم عصي ، تتكلله لهفة الخروج و السفر نحو البر ، اي بر كان ..!
    رقدتُ على سريري ، و هربتْ صفية و حكاياها عن ذاكرتي . رجوتها أن تعود لأني قد تفرغتُ لها تماما ، و لكنها أبت أن تعود..!
    اقبلتُ ، أتصفح ُ كتاب فلسفة القنون لصاحبه اللورد لويد اوف هامستيد ، بشراهة و نهم..!

    ريجاينا ستي - ابريل/نيسان 2006

    دمتم..

    كبر
                  

العنوان الكاتب Date
" دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:17 AM
  Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:22 AM
    Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:27 AM
      Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:31 AM
        Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:33 AM
          Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-30-12, 07:38 AM
            Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar05-31-12, 06:44 AM
              Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! بله محمد الفاضل06-02-12, 07:48 AM
                Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! حبيب نورة06-02-12, 09:01 AM
                  Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar06-02-12, 09:13 AM
                    Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar06-02-12, 09:16 AM
                    Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! بريمة محمد06-02-12, 09:37 AM
                      Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! Kabar06-03-12, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de