السودان.. قارة تسكن بلداً

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 03:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-07-2002, 12:17 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان.. قارة تسكن بلداً


    السودان.. قارة تسكن بلداً

    لا بد للمرء أن يندهش, عندما يسافر إلى دولة فيجد نفسه في قارة, قارة مترامية الأطراف, وعندما يعتقد أن اللغة الرابطة بينه وبين سكانها واحدة, فيجدها أكثر من أربع يتفرع منها ما يزيد على 400 لهجة محلية متداولة. وعندما يتصور أن الجذور اقتربت وانصهرت منذ الهجرات المتتالية, فيجد أمامه أكثر من 500 قبيلة.!!... انه مجتمع من الغرابة والسحر والعادات والأساطير... ملامح متعددة, ووجوه محفورة تتشبث بانتماءاتها القبلية, خطوط على ملامح الوجه تتقاطع وتتوازى, وبثور بارزة من الجلد في داخل الجلد تلازم البشر منذ ولادتهم وتظل باقية طيلة العمر.
    لغات تتناثر هنا وهناك, وتتقاطع في الأسواق والشوارع والمدارس والساحات, تختلط وتتباعد وتصب في نهاية الحديث داخل لهجة واحدة يفهمها الجميع, لكنهم دائما يلجأون للقبيلة (لغة وملامح ووشم لا يختفي وطقوس وعادات وأعراف) تتحكم بهم وبسلوكهم داخل الحدود وربما خارجها.
    ولم تكن الخرطوم عندما هبطنا بها ذات فجر, بعيدة عن تلك القسمات, إنها أيضا قارة يعيش فيها أبناء الجنسيات الإفريقية الأخرى, ويتعايش داخلها العربي والإفريقي, ولا يتباين فيها المنتمي لديانة سماوية أو عبدة أوثان القبلية و(الديانات النيلية).
    عدة قوميات تتقاطع, تتجاوز, تختلط في سلوكها اليومي, داخل أسواق العاصمة وشوارعها وساحاتها الممتدة, ومفاهيمها الكثر, ولكن النتوءات والخطوط الممتدة على الوجوه والقسمات الداكنة والفاتحة وأيضاً البيضاء وما بين الألوان جميعها, تشدها إلى أصولها القبلية, وتحفظ لها جذور خشيت أن تفقدها بمرور السنين وتسرب مياه الحداثة إلى تربة تتشقق حينا, وتتماسك في معظم الأوقات.
    إنه عالم غريب, ذلك الذي يراه القادم إلى الخرطوم للمرة الأولى, كأنه السحر, أو كأنها الأجواء الأسطورية التي تظل تحيط الكائن وتلفه وتطارده بالدهشة.

    أضواء متناثرة
    كنا وصلنا إلى الخرطوم في النصف الأخير من ليلها, فلم نر وسط كومة الظلام سوى بقع منيرة تناثرت, دون أن يفلح المشهد الجامع من نافذة الطائرة في نظم حبات الضوء المتباعدة في عقد واحد.
    وحين غادرنا كان الوقت أيضا ليلاً, لتعود الحبيبات الضوئية وتتناثر, كان الظلام كثيفاً لكن أضواء الخرطوم بددته, تماما كما بدد بياض الابتسامات المشعة على وجوه السودانيين ما كان لدينا من هواجس.. وما حملناه داخلنا من تساؤلات.. ومن مخاوف أيضا.
    (حبابكم عشرة) جملة ظلت تلخص الود السوداني الذي يصعب وصفه, كأن هذا الشعب خلق من لحم ودم وود وبساطة واحتمال, وكأن كل الذي مر به والذي قاساه طيلة سنوات قد تمتد إلى تاريخه نفسه, قد شكلت سلوكه مع الآخرين, حيث الترحاب فائق وحيث الطيبة لا حدود لها, وحيث الإيثار يسطع ولو كان بالنفوس (خصاصة).
    جئنا إلى السودان محملين بـ (الهم السياسي), بعد أن ظللنا لسنوات طويلة لا نسمع ولا نقرأ ولا تطاردنا في الفضائيات سوى مشاهد الحروب والفيضانات والمجاعات والجفاف وعدم الاستقرار السياسي, والمفاوضات التي دائما ما تتعثر, والمبادرات التي تتوالى من الشمال والجنوب والشرق, وخلافات الأحزاب وتصارعها, و(التوالي) والحصار ومصنع الشفاء... إلى آخر ما ظل يلاحق المشاهد والقارئ عربيا كان أم من بلاد الواق واق.
    كان هذا هو المشهد المرعب... تماما مثلما هو غامض وباهت تماما مثلما هو معقد, ومأساوي لأنه بدا وكأن لا نهاية له.
    لم يقل أحد جهراً إن هناك تعايشا رائعا بين ثقافتين عربية وإفريقية, ولم يقل أحد إن بلداً مثل السودان يضم في جنباته مشهدا حضاريا نادراً, وحواراً قل أن يوجد في مكان آخر, ولم يقل أحد إن أرضه هي بكل المقاييس كتاب مفتوح لكل من يريد القراءة في صفحات الحضارتين العربية والإفريقية, وإنه من هذا الباب العربي الإفريقي انتشرت الفتوحات الإسلامية وغمرت الدعوة له كل أرجاء القارة السوداء.
    كان الهمس هو سمة المتحدثين عن السودان الحضاري, وكان الحياء غالبا على السودانيين أهل هذا البلد وهم يتحدثون عن أنفسهم وعن بلادهم, تماما مثل شعرائهم وكتابهم وهم بالمئات وربما بالآلاف دون مبالغة, لكنهم يكتبون ويحتفظون - في غالبيتهم - بما يكتبون, حياء وتردداً.

    خليط مدهش
    السودان عبارة عن خليط من الأجناس, فمنذ العصور السحيقة ظل هذا البلد منطقة جذب لعناصر بشرية عدة, تشير بعض الإحصاءات الرسمية إلى أنها تنقسم إلى 65 مجموعة عرقية تتفرع إلى أكثر من 597 جماعة عرقية, وتبلغ نسبة المجموعة ذات الأصول العربية حوالي 40 في المائة من مجموع السكان الإجمالي, فيما تمثل (الدينكا) وهي المجموعة الرئيسية في جنوب السودان نحو 12 في المائة, و(البجة) يمثلون 7 في المائة, بينما المجموعات غير العربية في غرب السودان تصل إلى 6 في المائة من السكان.
    وقد وصلت المجموعات النوبية إلى مناطق شمال السودان منذ القرن الرابع الميلادي, وانتشرت في إقليمي كردفان ودارفور, أما (البجة) التي تقع مناطقهم شرق السودان على البحر الأحمر, فقد تداخلت معهم العناصر العربية منذ ألف عام تقريباً, وإلى جانب ذلك فهناك في السودان مجموعات كبيرة من السكان أتوا من غرب إفريقيا وينتمون إلى قبائل (الهاوسا) و(الفلاني) و(اليوربا) إضافة إلى المجموعات التشادية, أما المجموعات النيلية في جنوب السودان فقد انقسمت إلى أقسام مختلفة من (دينكا و(نوير) و(شلك) و(أنواك) و(تبوسا) و(باري), في الوقت نفسه فإن المجموعات الأخرى التي تقطن الإقليم الاستوائي ومنطقة بحر الغزال تنتمي من ناحية ثقافية إلى مجموعات كبيرة تقطن الأقطار المجاورة للسودان مثل مجموعة الزاندي.
    ولكن نزوح العناصر العربية بعد الإسلام إلى السودان مثّل أهم الهجرات في تاريخه, وقد دخلت هذه الهجرات عن طريق الشمال عبر مصر والطريق الغربي عبر الصحراء وكذلك عبر البحر الأحمر, وقد تخطت رقعة انتشار معظم هذه المجموعات العرقية حدود السودان وامتزجت مع المجموعات المجاورة في البلدان المتاخمة, ومن ذلك ما حدث من تمازج النوبيين الذين يقطنون المديرية الشمالية مع النوبيين في مصر, وقبيلة البني عامر في مديرية كسلا السودانية مع البني عامر في أريتريا, والمساليت في دارفور مع الموجودين في تشاد, والزاندي في المديرية الاستوائية والآخرين الموجودين في زائير وإفريقيا الوسطى, وكذلك النوير والشلك في مديرية أعالي النيل السودانية مع المجموعتين ذاتهما في إثيوبيا.
    ومن آثار هجرة العرب إلى السودان ما نجده من قبائل متعددة حالياً, ففي شمال أواسط السودان هناك القبائل العدنانية مثل الجعليين, والميرفاب, والمناصير, والشايقية, والجوابرة, والبطاحين, والكواهلة, والقبائل القحطانية, القواسمة, والعبدلاب, والعركيين اللحويين, الحلاويين, العوامرة, الخوالدة, والشكرية.
    ودخل العرب أيضا عبر الحدود السودانية العربية بعد انتشار الإسلام في شمال إفريقيا, فدخل البربر والأمويون الهاربون بعد سقوط دولتهم في الأندلس, وقيام دولة الأدارسة في المغرب كما سكن المهاجرون من ليبيا حول منطقة جبل مرّة وفي الشمال في مديريتي دارفور وكردفان واختلطوا بالسكان هناك.
    ويتبع هذا التنوع في المجموعات العرقية تنوع في اللغة, وهناك 115 لغة, منها اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية في المعاملات الحكومية, ما عدا الإقليم الجنوبي حيث تستخدم اللغة الإنجليزية إلى جانب العربية, كما أن هناك لغة عربية مهجنة تسمى (عربي جوبا) وهي لغة التخاطب بين المجموعات غير العربية جنوب السودان .

    فرادة وتميّز
    في السودان يمكن أن يفغر المرء فاه كل لحظة, هذا في بداية الأمر لكنه يكتشف بعد ذلك أن هذا الأمر شديد الاعتياد في بلد له كل هذه المساحة الهائلة (مليون ميل مربع) حوالي 2.5 مليون كيلو متر مربع, وهو من هذا المنطلق, ومن حكم قناعته بأنه الأكبر في الحجم على المستوى العربي وكذلك الإفريقي, فهو يدرك أن كل شيء فيه يجب أن يكون مختلفاً, ثقافة عربية وثقافة إفريقية, حدود مشتركة مع تسع دول منها اثنتان عربيتان (مصر وليبيا) من الشمال, وسبع إفريقية حيث من الجنوب (كينيا وأوغندا والكونغو), وغرباً (تشاد وإفريقيا الوسطى), وشرقا (إثيوبيا وأريتريا), في الوقت الذي يفصل البحر الأحمر السودان عن المملكة العربية السعودية.
    ولعل هذا التجاور جعل من سكان السودان خليطاً من عناصر مختلفة نزحت إليه من دول الجوار, فالبلدان الجنوبية تقع جميعها تقريبا داخل نطاق العناصر الزنجية, وفي الشمال من السودان تطغى السلالة القوقازية, في الوقت الذي تأثرت فيه بلاد الشرق بالهجرات الحامية, فإن الغرب حيث الصحراء الليبية توجد بها جماعات لها صفات البربر, في الوقت الذي ينفرد فيه السودان بمجموعات عرقية خاصة به مثل (البجة) و(المجموعات النيلية).
    هذا التنوع الذي أصبح معه السودان بلداً مكوناً من خليط عرقي وإثني وثقافي وديني هائل, والذي أصبح يشكل تركيبة البلاد, يوصف ضمن إطارين رئيسيين: الشمال والجنوب, حيث يمثل الشمال ثلثي الأرض والسكان وتسكنه مجموعات قبلية محلية أصيلة تصاهرت مع التجار العرب الذين وفدوا إلى السودان منذ قرون بعيدة, وازدادت صلاتهم مع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي.

    البجراوية
    كانت الشمس الصباحية في شهر مارس شديدة القسوة, عندما انطلقنا قاصدين منطقة الآثار في (البجراوية) على بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة من الخرطوم.
    كان النيل على يسارنا يتسع ويضيق, قبل أن نمر بجامعة الخرطوم, ثم نهبط من الجسر الممتد على النيل إلى مدينة الخرطوم بحري ثالثة المدن التي تتكون منها العاصمة المثلثة, بعد أم درمان ومديرية الخرطوم.
    أزعجت سائقنا وأرعبتنا حافلات الركشة الصغيرة ذات الإطارات الثلاثة والأبواب المفتوحة وهي تسير ببطء وسط الشوارع لكنها قادرة على التسلل بين السيارات القديمة , والتي تزدحم بها الطرق.
    وفي منطقة بحري مررنا بمنطقة صناعية حيث مصنع للغزل الرفيع وآخر لصناعة الكرتون وثالث لصناعة السلال. قطعنا خطوطاً للسكك الحديدية, ومطاحن للدقيق, ثم كلية لعلوم الطيران, حتى أدخلنا شارع (الإنقاذ) إلى طريق طويل على جانبيه سوق لبيع المواشي وأعلافها الخضراء, أوصلنا الطريق واسمه (التحدي) إلى مدينة (القدرو) التابعة لولاية بحري, حيث المحلات التي تصطف على الجانبين دون زبائن, وبشر جالسون أمامها.. جزارون وبقالون.. محلات للاتصالات وزيوت للطلاء ومطاعم شعبية.
    نمر بمنطقة (الفكى هاشم) حيث على جانبي الطريق تتوزع المساحات المزروعة والأخرى القاحلة.
    قبل أن يصل بنا (طريق التحدي) إلى مدينة شندي, كان السراب الصحراوي يثير فينا أحاسيس العطش, وكانت الصحراء شاسعة, تتناثر على حوافها بيوت صغيرة من الطين, فيما النباتات تنتشر في بعض البقاع وتنطلق حولها أعداد من قطعان الماشية.
    عندما أصبحت الشمس فوق رءوسنا في ذلك اليوم القائظ, وصلنا إلى منطقة (البجراوية) بعدما مررنا بقريتي (الحماداب) و(بئر العربي), من بعيد كان منظر الأهرام باهراً, لم تكن كبيرة كأهرام الجيزة المصرية ولا أحجارها بالحجم نفسه لكن المشهد كان رائعاً, مثلثات هرمية داكنة اللون, يبلغ عددها في الوقت الحالي 36, بعد أن دمر الإهمال نحو 21 هرماً أخرى كانت موزعة بين ثلاثة مواقع في مروى القديمة.
    ولكن في البجراوية التي تركت آثارها تقاوم عوالم الزمن الضاغطة, انقسمت المقابر بين المنطقة الشرقية حيث مكان دفن الملوك والملكات, وفي المنطقة الغربية حيث مدافن الوزراء والأمراء, وفي المدينة الملكية وهي مدافن لعامة الشعب.
    دخلنا إلى غرفة المعبد وجدنا رسوما لإيزيس وحورس وأوزوريس, نقوش بالداخل, وميزان ومراكب وحيوانات وطيور تصعد, وكتابات بالهيروغليفية في معبد الملكة أماني شختي.
    تلك الآثار كانت ممتدة على مساحة ستة كيلومترات مربعة, وكانت الأهرام الموجودة فيها محطمة من رأس المثلث, ولكن جمالها كان حاضراً رغم ذلك.
    والأهرام في منطقة مروى عبارة عن مدافن للملوك والملكات وكان عددها الإجمالي يفوق الـ 140 هرماً, أما أهرام البجراوية فقد كانت مكتملة وبها قمم ذهبية, إلا أن الطبيب الإيطالي فرليني الذي كان يبحث عن الذهب في القرن 19م قام بتدميرها.
    وفي معظم هذه الأهرام معابد جنائزية ملحقة بها رسوم ونقوش جدارية عن الحياة الدينية في مروى, في الوقت الذي يكون الاختلاف بين تلك الأهرام ونظيرتها الموجودة في مصر يكمن في أن الأهرام السودانية تكون حجرة الدفن فيها تحت الهرم, بينما المصرية تكون داخل مبنى الهرم, وتوجد معابد جنائزية في الأهرام السودانية وهي لا توجد في المصرية, كما أن الأهرام السودانية كلها تقع شرق النيل (ما عدا نوري), بينما جميع الأهرام المصرية غرب النيل.
    ومدينة مروى هي من أقدم المدن في العالم, وقد استمرت مزدهرة خلال الفترة من عام 592 ق.م, حتى 350 ميلادية, وكان التوسع في صناعة الحديد أحد مصادر ثروتها, حيث وصلت شهرتها إلى بلاد الإغريق والرومان, ونظراً للاتصال الوثيق وطويل المدى بين مصر ومملكة كوش فقد تأثرت كثيرا بالحضارة المصرية, ففي البداية شيّدت المعابد على الطراز الفرعوني وعبدت فيها الآلهة المصرية نفسها ونقشت النقوش على الطريقة المصرية, كما كتبت النصوص باللغة الهيروغليفية, وعبدت الآلهة المروية والمصرية جنباً إلى جنب, ثم أخذت الآلهة المروية بعد ذلك مكانها في الديانة الرسمية.
    وبعد فترة قام أهل مروى بتطوير نظمهم الفنية والمعمارية, وبعد اختراع الخط المروي استعملوا لغتهم في التدوين وازدهررت الحِرَف وأصبح فخار مروى من أجمل ما أنتج في وادي النيل وأعظمها قيمة من الناحية الفنية, كذلك وصل فن الصياغة إلى درجة عالية, وتقدمت صناعة وإنتاج الحديد وأخذت مكانتها في إفريقيا, وقد انهارت مملكة مروى حوالي عام 350 ميلادية عندما قام عيزانا ملك أكسوم في الحبشة بالتقدم نحو مروى وهدم المدينة.

    ضياء كامن
    تعودنا في معظم رحلاتنا الاستطلاعية, أن نقرأ البلد من خطوط ثقافته, ولكن الكف السودانية الممتدة كانت كثيرة التقاطعات, بحيث يحتار المرء من أين يبدأ وإلى أين ينتهي, تعرجات عربية إسلامية ومسيحية وأخرى إفريقية تتوزع بين ديانات وجذور عرقية عديدة, فكيف يقرأ المرء كفاً بها كل تلك الخطوط, وكيف له أن يستخرج منها خطاً واحداً دون أن تختلط به سمات من هذا التمازج الكبير الذي صهرته البوتقة السودانية هائلة الاتساع, والقادرة على دفع التمايز الصغير لينصهر في نسيج الوطن, وليصبح فيما بعد مزيجاً يميز ذلك البلد بوجوه أبنائه ذات السمرة المتدرجة.
    انطلقنا منذ الوصول إلى مطار الخرطوم الدولي ساعين إلى قراءة الوضع الثقافي في السودان , وما إن هممنا بترتيب تساؤلاتنا, حتى فاجأتنا مناسبة ثقافية كانت إقامة معرض للكتاب هو الأول من نوعه تقيمه الكويت في العاصمة السودانية, فقد كان هذا المعرض فرصة التقت فيها الإمكانات الثقافية في البلدين, وانطلقتا تبحثان بما يشبه الاكتشاف عن مكامن الإشعاع فيهما, في الوقت الذي مثلت لنا تلك الاحتفالية فرصة للبحث وطرح الأسئلة والالتقاء بعناصر فاعلة في واقع الثقافة السودانية.

    ثقافة شفهية
    عندما التقينا وزير الثقافة والسياحة السوداني عبدالباسط عبدالماجد في مكتبه قال لنا: إنه على الرغم من أن الواجهة الثقافية في بلاده متعددة, الأمر الذي يضعها في قلب الثقافة العربية شعراً وقصة وأغنية وفنونا تشكيلية وموسيقى شعبية, وينعكس ذلك من خلال المشاركات السودانية, ومن خلال ما تقدمه وسائل الإعلام فيها ومن خلال وجود أدباء ومثقفين سودانيين في المجتمعات المحيطة بالسودان, فإنه رغم ذلك - يضيف - هناك عدم معرفة جيدة بحركة الثقافة والإبداع السودانية خارج الحدود, ويرجع الوزير عبدالماجد ذلك إلى قصور في حركة النقد لا تمكنها من تعريف القراء العرب بالإبداعات السودانية, إضافة إلى سبب آخر هو - وفقا لكلام الوزير - (إننا في السودان نمتاز بثقافة شفهية أكثر منها مكتوبة, ولعل التواضع والعفوية التي تتمتع بهما الشخصية السودانية وراء ذلك أيضاً).
    غير أن الوزير عبدالباسط عبدالماجد يضيف إن (السودانيين مقلون في الكتابة إلى حد بعيد), محملاً ذلك مسئولية عدم احتلال الإبداع السوداني المكان المستحق واللائق به في خريطة الثقافة العربية.

    بدايات المسرح وواقعه
    من مبنى الوزارة انطلقنا بحثاً عن مداخل الأنشطة الثقافية في بلد لا يكاد يمر يوم فيه إلا ويشهد العديد من الفعاليات المبهجة, كانت انطلاقــتــنـــا بداية إلى (أبو الفنون) لتأخذنا التساؤلات إلى كلية الموسيقى والدراما التابعة لجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا هناك نلتقي بعميدها الدكتور أحمد عبدالعال الذي يشير إلى أن الكلية تأسست في نهايات العام 1973م لتصبح هي الوحيدة حتى الآن في هذا المجال, ولتضم قسمين: الأول للموسيقى وينقسم إلى شعب: الوتريات والصوت والموسيقى الشرقية والآلات والتذوق الموسيقي, والقسم الثاني الدراما ويضم شعب: الإخراج والتمثيل وفنيات المسرح والإذاعة والتلفزيون والنقد والدراسات الدرامية.
    وهذه الكلية تخرج سنوياً ما بين 500 إلى 600 خريج يعملون في المؤسسات الإعلامية والإذاعة والتلفزيون والمدارس أيضا.
    في الكلية نمر على الأقسام, فنرى شعلة من النشاط, ونذهب إلى الأستاذ المشارك في قسم الدراما الطيب المهدي محمد الخير وهو كاتب ومخرج مسرحي وأستاذ لمادة التمثيل والإخراج فيقول لنا إن الحركة المسرحية في السودان بدأت نحو العام 1905م, اعتمادا على الجاليات الأجنبية التي كانت تقيم في ذلك الوقت بهذا البلد, حيث شهد ذلك الزمن عدداً من العروض المبسطة, ليبرز بعد ذلك النشاط المدرسي, قبل أن ينتقل إلى جامعة الخرطوم التي أسست مسرحاً خاصاً بها, كان الشرارة لتكوين فرق مسرحية, انتقلت منها إلى نادي الخريجين الذي قدم في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي مسرحية (بخت الرضا).
    وهنا يؤكد أن الحركة المسرحية في السودان هي مجرد(فترات) تتتابع وتتقاطع دون اتصال, فقط هي عبارة عن حلقات, وفي الثلاثينيات كانت واحدة من أوج تلك المرحلة, وهناك مرحلة أخرى أكثر وضوحا بدأت في الستينيات, وبعد قيام المسرح القومي وظهور كثير من الفرق والجماعات المسرحية, وكان لتخريج دفعات متتابعة من معهد الموسيقى والمسرح (الذي تحول إلى كلية فيما بعد) أثره في دفق الدماء في الحركة المسرحية لتشهد كثيراً من العروض التي امتزج فيها النص المسرحي السوداني مع النصوص العربية والإفريقية.

    الخاص والقومي
    وفي الخرطوم هناك عشرات من الفرق المسرحية في الوقت الحالي, منها العريقة جداً كفرقة (الفضل سعيد), ومنها النشطة مثل فرقة (الأصدقاء), في الوقت الذي توجد فيه مسارح قومية في بعض المناطق أشهرها في (عطبرة) و(واد مدني) وتشهد هذه المرحلة محاولة لنشر تلك المسارح في مختلف ولايات السودان .
    والمسرح السوداني في معظمه يعتمد على الهواة, وهناك عدد من المحترفين يعملون به, غير أن السائد هو عدم التفرغ نظراً لأن الحركة المسرحية غير منتظمة.
    وفي السودان , توجد فرقة قومية, تم تأسيسها منذ أربع سنوات غير أنها لم تقدم أي عمل حتى الآن, في الوقت الذي تثقل فيه الضرائب كاهل الحركة المسرحية وتجبرها على تقليل نشاطها.
    ومع ذلك, فإن هناك عدداً من الفرق لها جمهورها الخاص, وهناك مواقع كالمسرح القومي ومسرح (البقعة) تشهد نشاطاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة, خاصة في المهرجانات المسرحية التي تقيمها, إلى جانب ما يقوم به مسرح (أم بدة) ومسرح (قاعة الصداقة) و(الفنون الشعبية) الذي يشهد نشاطاً في مسرح الطفل.
    وعلى الرغم من ذلك فإن المسرح السوداني لم يشهد حتى الآن سوى مسرحية عرضت لأكثر من شهر واحد وقدمتها فرقة الأصدقاء, ولا تخرج القضايا المطروحة عن الاجتماعية والسياسية (بشكل تلميحي), وتتركز في معظمها حول الفوارق القبلية والمشكلات الاقتصادية وملامح الصراعات الثقافية الموجودة على الساحة, غير أن الكوميديا هي الغالبة على المسرح السوداني وإن كانت هناك أعمال في بعض الأحيان تميل إلى التراجيديا.

    طقوس وأذكار
    من جهته, قال الأمين العام لاتحاد الفنانين العرب والمسرحي السوداني المعروف علي مهدي عندما سألناه عن أثر التمازج العرقي والثقافي في السودان على حركة المسرح فيه, إن العرب حين قدموا للسودان جاءوا بأذكارهم وطبولهم وراياتهم, وقد انعكست هذه الأجواء على الكثير من الأعمال المسرحية, وفي هذا الصدد - يضيف - قمت بتقديم مسرحية عرضت أيضاً في باريس اسمها (سلمان الزغراد), إنها في الفكر السوداني تترك أثراً, وقد تم فيها استدعاء الطقوس الإفريقية أيضا في تمازج كان له الكثير من أجواء التصوف والأذكار وحتى (البخور).




                  

العنوان الكاتب Date
السودان.. قارة تسكن بلداً Elkhawad12-07-02, 12:17 PM
  Re: السودان.. قارة تسكن بلداً Elkhawad12-07-02, 12:19 PM
    Re: السودان.. قارة تسكن بلداً الأمدرمانية01-26-03, 04:35 PM
  Re: السودان.. قارة تسكن بلداً مشتاق01-26-03, 06:02 PM
    Re: السودان.. قارة تسكن بلداً Elkhawad01-26-03, 06:49 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de