من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 07:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2002, 02:05 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني (Re: أبنوسة)

    -3-
    ستأتي المرحلة الجديدة إعلاناً عن واحدة من أكبر عمليات التشكيك، أو عن عملية التشكيك الأكثر جذرية وشمولاً وحزماً في ما أنجزته البشرية من منظومات علمية اجتماعية، خصوصاً، وجمالية وأدبية وقيميّة على نحو العموم إلخ. لقد أفل عصر الأيديولوجيات، وتواجه كل المنظومات الفكرية البشرية حكماً صارماً وشاملاً بالتفكك والتشظّي والتذرّر والانسياح أدراج الرياح! هذه هي الكلمة القاطعة للحركة الجديدة في الغرب، التي تقدم نفسها باسم"ما بعد الحداثة" بعد إعلانها ذاك عن نعىْ "ما قبلها"، "الحداثة".
    وينقل السيد يسين عن"المسئول أساساً عن انتشار فكرة(ما بعد الحداثة)جان فرانسوا ليونارد(أنّه) يرى أنّ مصطلح ما بعد الحداثة يشير إلى الابتعاد عن الأنساق الفكرية الكلية ورفض لفكرة التقدم الذي تسيطر الأنساق على توجيهه"(16). والحق، أن مفهوم"النماذج أو الأنساق الأساسية"يشغل حيّزاً رئيساً في ترسانة الهجوم الذي توجهه ما بعد الحداثة للحداثة. فلقد قامت الحداثة الغربية، وخصوصاً في صيغتها التي اكتسبتها انطلاقاً من أواخر القرن التاسع عشر، على التأسيس الإبستيمولوجي لذلك المفهوم ولما يندرج تحته من أنساق حققت وظيفة تاريخية محدّدة، هي التنظير للرأسمالية المتعوْلمة– في قفزتها الصناعية الإمبريالية– وتسويفها وتعليقها.
    وقد كرّس الباحثان هاتمان وفيلانوفا كتاباً خاصاً للبحث في المنعطف الكبير من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، وذلك تحت عنوان"النماذج الأساسية المفقودة". ويعرض هذان الباحثان موقف الخصوم المتربصين بـ"الحداثة" من موقع أنهم يسجّلون حالة عظمى من القلق أخذت تخترق مصداقية النماذج الأساسية التي أسّست، من قبل للحداثة. وإذا وضعنا في الاعتبار أنّ الباحثين كليهما يسلكان مسلك الخصم لتلك الأخيرة، فإنهما يعبّران عن ذلك في مقدمة كتابهما التي يعطيانها عنوان"النماذج الأساسية في أزمة"، حيث يعلنان أن"الحيرة والارتياب"تحوّلتا إلى "العلامات المميزة لعالمنا"(17).
    أما "النماذج الأساسية"، التي أفصحت عن نفسها في موضوع التحديث الغربي منذ عصر التنوير الغربي عموماً وأواخر القرن التاسع عشر خصوصاً، فقد تمثلت، على نحو خاص، في التالية:
    مفهوم التقدم كخط تصاعدي للمجتمع البشري، العقلانية النقدية، العلمانية وما تنطوي عليه من دنيْوة المجتمع عموماً ومن ضمنه الدين، الركون إلى نمو العلم والتكنولوجيا وقوى الإنتاج،التاريخانية الضابطة للحركية البشرية التاريخية، النظر إلى القانون الاجتماعي كقانون يقارب القانون الفيزيائي، وكذلك بروز "الإنسان" كقيمة عليا في "الوجود" .
    وعلى صعيد مفهوم التاريخانية وقرينه مفهوم التقدم، فقد كان هنالك تركيز على "التواصل"بمثابة بعداً حاسماً بل ربما وحيداً للفعل التاريخي؛ مما جعل من ذلك نقطة إقلاع كبرى للحداثة في ضوء ما بعدها، ما بعد الحداثة. وقد قام ميشيل فوكو بمهمة أساسية على هذا الصعيد، خصوصاً في كتابه"حفريات المعرفة"، حيث تم التركيز فيه أساساً على"التفاصل"، الذي أفضى عند"بارت" إلى إعلان موت مبدعي التاريخ وبقاء هذا الأخير دون مبدعيه (منتجيه). لقد فعل ذلك اعتقاداً بأنه لا يوجد"وراء النص" ما يفضي إلى"نص آخر"، وبأن الانفصال هو،من ثم، ما يحدد فعل التاريخ أولاً وأساساً. ويعمّق فوكو ذلك في كتابه "الكلمات والأشياء"، حيث يبحث في العوامل التي أفضت إلى النظر إلى التاريخ بمثابته "تاريخاً صقيلاً وألْيس ومتسقا يسير على نظام واحد" (1.
    ومن شأن ذلك الإشارة الصارمة إلى أن تساقط تلك النماذج الحداثوية كان عليه أن يظهر بمثابة تصدع للمشروع التحديثي المفعم بتفاؤل تاريخي قاطع وبإيمان كلي بالعقل والعقلانية المفتوحة. وقد طرح هذا الأمر تساؤلاً مراً، تركز حول ما كان ذلك التصدع إيذانا بالتحوّل من كوجيتو ديكارت: "أنا أفكر ، إذاً أنا موجود " ، إلى تهشّم"الذات" – وهي هنا الطبقة الرأسمالية التي كانت في أوجها– وظهور حالة من الاضطراب والجيشان(19). وقد عبر موريس غودولييه عن هذه الحالة الأخيرة بأنها"طريقة معينة لتملّك وعي(بائس؟) بالطاقات الجديدة، التي يحتويها النظام الدولي الجديد للسيطرة عليها، بل حتى لإفناء ثقافات غير غربية باعتباره مرحلة جديدة من مراحل سيطرة الغرب. وربما كان الوعي المؤلم بالتأثير القليل الذي تركته حتى أيامنا هذه… المعارف العلمية المكتسبة، بشكل مضن، عن هذه المجتمعات وهذه الثقافات، هو الذي يولّد شكّاً وخيبة أمل وانغلاقاً على الذات لدى مثقفين يأملون مع ذلك أن يكونوا مازالوا قادرين، إلى حدٍّ ما، على الهروب من غيتو ثقافتهم، وذلك عبرممارسة المعرفة (الشاعرية) للآخر"( 20).
    وقد تكون الصيغة الأبلغ لذلك التحول متمثلة في تشظية "المعنى" وتذريره وتفكيكه،دونما اعتبار للمعقولية وللسياق المعرفي التراكمي الذي حققه تاريخيا،وفي هذا الإطار، تبرز أعمال فوكو وليوتار ودريدا وبورديو، الذين سيسكنون منطلقا لما قام به علي حرب من توظيف لأفكارهم.
    إن مابعد الحداثة التفكيكية تبدد التاريخ، ملغية هويته وما يجعل منه ما هو عليه، كما تطلق الحاضر في لجّة اللامعنى واللامعقولية.وهي بهذا وذاك، تقدم في شخصها نقدا للرأسمالية من داخلها وفي عملية تحولها الراهن من اقتصاد الصناعة إلى اقتصاد"مابعد الصناعة". فهي إذ تعلن عن مفهومها لـ"القراءة" بمثابة فعل مزدوج، فإنها تقرأ النص في بنيته اللفظية والمعنمية،لتبدده وتهشمه بعد ذلك تحت دعوى الكشف عن لا معقوليته ولا معنميته. ومن شأن ذلك أن يعيد بناء كوجيتو ديكارت من "أنا أفكر،إذا أنا موجود"،إلى "أنا أهدم وأقوض، إذا أنا موجود".وليس من قبيل المصادفة، والحال كذلك، أن يستعاد نيتشة في لا عقلانية، يدا بيد مع محاولة إقصاء ماركس وهيجل وغيرهما.
    ومن الملفت أن "نزعة اللاأدلجة" الراهنة، التي توجه نقدها لما تعتبره " قراءات أيدلوجية ملوثة" بالفعل السياسي والصراع الاجتماعي والطبقي، تقوم بحركة واسعة من نقد العقلانية، خصوصا عقلانية عصر التنوير الأوربي باتجاه تكريس مابعد الحداثة في عزوفها الشامل عن العقلانية، بل وفي تصدّيها لها، وهي إذ ترغب في إقصاء كل السالطات، سلطات الاسم والمرجعية والانتماء أو سلطات الاسم في" إمبرياليته"، كما يعلن البعض، فإنها تستبقي سلطة اللاعقل واللاعقلانية والتهديم والتهشيم، هذه السلطة التي تتماهى وظيفيا الآن مع تحول الرأسمالية الأمريكية( مابعد المعلوماتية- مابعد الصناعية) إلى أقصى اليمين والعنف واللاعقلانية والهيمنة والتسلط وافتقاد المسوغات التاريخية.
    وإذا كانت عملية التحديث في الغرب قد انطلقت من عقلنة الفكر العلمي وعقلنة الفكر السياسي وعقلنة القول التاريخي وعقلنة القول الديني(21)، فإن مرحلة مابعد الحداثة التي ولجها الغرب الراهن في سياق التصديات العالمية الأخيرة، تحمل الوشم المناقض والمناهض له والمشّهر، فالفكر العلمي والسياسي والقول التاريخي يعيش الآن في أيدلوجيا مابعد الحداثة أزمة انشطار وابتلاع. كما أن عقلنة الدين وما تستتبعه من إصلاح ديني تأسيسي وتسييق تاريخي(22)، قد تراجعت وارتدت.
    وقد نقل السيد يسين عن أكبر أحمدAkbar Ahmad ما أتى عليه مما اعتبره" سمات رئيسية" لمابعد الحداثة وهي تأتي على النحو التالي:
    0. ضياع الثقة في مشروع الحداثة، والدعوة إلى التعددية، والشك العميق في المعتقدات التقليدية،ورفض الرؤية الكليانية، والاعتقاد بأن عالم كلية عامة.
    1. الإحياء الديني الإثني والأصولية الدينية.
    2. الاستمرارية مع الماضي.
    3. تأثير متعاظم للعواصم.
    4. تمازج الخطابات وتجاوزها وغزارة الانتقائية(23).
    ويلاحظ من ذلك أن مابعد الحداثة تبشر بعصر أو بعصور متغيرة ومختلفة اختلافا كليا عن العصور السابقة، وهذا التغاير والاختلاف يكتسب طابعا سوسيو-ثقافيا واقتصاديا، حيث يعني-بحسب الموقف مابعد الحداثوي- ظهور مجتمعات "مابعد صناعية" أو "مابعد الرأسمالية" "التقليدية"، أي الصناعية.
    ولعل من شأن ذلك أن يضفي على مابعد الحداثة شيئا من" الدينامية والحيوية"، وإن كان كذلك بالمعنى التقويضي الاستفزازي، فهي في تأكيدها الجازم على ولادة هويات جديدة وعلى إثارتها لفكرة بروز نخب سياسية جديدة، وفي شكلها الجامح والحازم في العلوم والفنون والآداب والمذاهب السياسية وكل ما أنتجه عصر الأنوار بركيزته"الحداثة"، تضع نفسها موضع من يدين الترهل الفكري والسياسي والجمود الأدبي والفني والقيمي، ومن ثم، فإن هنالك في فعلها هذا ما يمكن أن يعتبر عنصرا حافزا على التجديد وإعادة البناء، شرط ألاّ ينطلق في عملية التجديد وإعادة البناء هذه من القواعد المنهجية العديمة التي تسلكها هي، أي مابعد الحداثة.
    وربما يلاحظ، بصيغة أخرى،أن مابعد الحداثة- في بعدها التفكيكي- تثير من المسائل والإشكالات والقضايا ما يدعو حقا إلى التفكر. وإذا كانت هي من يثير ويطرح ذلك كله،فإنها تخرج نفسها من دائرة من عليه أن يقدم إجابة أو بعض إجابة. وعلى هذا، فهي- بالاعتبار الإبستيمولوجي والأيدلوجي- فكر أزمة، أزمة لا يمكن أن تحل إلا بتجاوزها عبر بديل نظري ينطوي،على الأقل، على احتمالات أن يكون قابلا لتجاوز القديم والتمهيد للجديد ضمن رؤية جدلية تاريخية.
    إن مابعد الحداثة إن دخلت الفكر العربي وبعض مؤسساتية الأكاديمية، فإنها أحدثت تحديا لها، لا يزال- على الأقل- في حالة الإضمار، وقد ترافق ذلك مع دخول أفكار أخرى تقاطعت معها وعملت معا على إحداث مشكلات جديدة في إطار المشكلات القائمة. فـ"نهاية التاريخ" لفوكو ياما، وصدام الحضارات لهنتغتون يتقاطعان مع مابعد الحداثة، ليفضيا إلى: إقصاء التاريخ العربي، وهذا شأنه أن يضعنا أمام سؤال كبير:ماموقع مابعد الحداثة في فكرنا العربي الراهن ومستقبلا؟

    ============
    نقلا عن موقع المرايا
                  

العنوان الكاتب Date
من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني أبنوسة05-18-02, 02:00 PM
  Re: من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني أبنوسة05-18-02, 02:02 PM
    Re: من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني أبنوسة05-18-02, 02:05 PM
      Re: من الحداثة إلى مابعد الحداثة - إشكالية ونقد .... طيب تيزيني قرشـــو05-19-02, 07:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de