|
|
 قناة السودان الفضائية
|
alquds Al-Arabi 2/5/02
حسام الدين محمد
كما في عالم الملاكمة حيث نجد ملاكمين من الوزن الثقيل كمحمد علي كلاي، وملاكمين من الوزن المتوسط كمايك تايسون، واخيرا ملاكمي الاوزان الخفيفة المعروفة (ولعل أشهرهم في عالمنا الملاكم اليمني البريطاني نسيم حميد) نجد في عالم الفضائيات العربية قنوات ثقيلة الوزن اجتمعت لها مقومات المال والهيبة وجموع المشاهدين، كقنوات الجزيرة وابو ظبي وام بي سي، كما نجد قنوات اخري، في منزلة بين المنزلتين، مما يدفعها كمايك تايسون، اما لاعتناق الاسلام، او لعض الناس وضربهم، وفي آخر السلم قنوات رضيت بنصيبها من اوزان الديك والفراشة والريشة، واستقرت في فلكها الخفيف الوزن مسرورة بقدرها ونصيبها منه، ولعلّ قناة السودان الفضائية، هي أقرب لأوزان الفراشة والريشة في حلبة الصراع علي المشاهد بين الفضائيات العربية.
ولا يغفر لهذه القناة ان تعزو رشاقتها الفضائية الي التهميش الذي يعاني منه السودان علي المستوي العربي، فقد شهدنا قنوات عربية كسرت هذا الرابط بين هامشية الدولة الممولة وبين قوة المحطة، وللبحث عن أسباب ضعف قناة أضخم الدول العربية مساحة تابعت برامجها (مكرها بصراحة) لمدة أيام وها هنا ملخّص لبعض ما شاهدته، ولكم، سادتي القراء الحكم:
كان أول ما شاهدته برنامجا عن المجتمع تديره مذيعة قديرة كانت تستضيف شيخا وتدور الأحاديث عن الدين والمجتمع، كما شاهدت برنامجا آخر بعنوان ديوان الافتاء يقدمه د. عمر يوسف حمزة وكان لقاؤه مع د. علاء الدين الزاكي، لتدور المواضيع ايضا حول المرأة التي تهجر فراش زوجها، وموضوع الزواج بامرأة ثانية، والكفر وشروطه الخ...
وبما ان الحياة لا تدور حول المجتمع والدين فحسب فقد اهتمت القناة بالفن فالتقت بالفنان المصري حسن يوسف، وقد التحي وشاب، وتغيّرت سحنته البريئة الي مظهر وقور هاديء مثل المأذون بل ان المقابلة بمجملها لم تختلف كثيرا عن برنامج ديوان الافتاء ليتحول اللقاء للحديث عن دور الفن في التربية واصلاح المجتمع.
ومن المسلسلات المصرية اختارت قناة السودان مسلسلا تاريخيا بعنوان نسر الشرق صلاح الدين ومن اخراج المخرج التطبيعي المتخصص بالمسلسلات الدينية حسام الدين مصطفي الذي أتحفنا بصلعته الجميلة وضفّتي شعره المتبقي المتدلي علي فوديه في اللمحة الاخيرة من مقدمة (تترات) المسلسل.
حديث الجمعة تطرّق للآية الثامنة من سورة الممتحنة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم)، وكان شرح الامام للآيتين يدور في اطار رؤية النظام السوداني للعلاقة مع جنوب السودان والميليشيات العسكرية فيه، مع بعض الالماح لما يدور في العالم حاليا.
لم توفّر القناة الطفولة ايضا فوظفتها ضمن اتجاهها العام فرأينا صبيا جميل الصوت في برنامج عن الغناء والتشكيل عنوانه أصوات وأنامل ، يغني اغنية رددت أشياء من قبيل: نصيحة ودعوة لكل الشباب، احسن نكون في البلد من السفر والاغتراب، أهم شيء عز الوطن الخ... تبع ذلك عرض لوحات من اوكرانيا اغلبها من الفترة السوفيتية تظهر مثلا اشخاصا يعملون او فتاة تقف منتصبة بين مجموعة من المتفحصين، او تقدم جنودا ينزلون من قارب ليهاجموا شاطئا ويحرروه من الاعداء الخ (هل تقترح القناة هنا ـ دون ان تنتبه ربما ـ تشابها بين الانظمة الاسلامية والانظمة الشيوعية؟).
وبما ان الحاضر لا يكفي تستدير المحطة الي التاريخ القديم وتدوّر عقارب الساعة بضعة آلاف من السنين في برنامج سياحي يوضح فيه المذيع ان اللوحات تدحض فكرة ان النوبة كانت تستورد قساوستها من مصر وان النوبيين كانوا يشغلون مناصب دنيا في الكنيسة القبطية، كما يؤكد ان الحضارة نشأت في السودان وانتقلت لمصر ثم عادت بعد ذلك للسودان.
كل هذه البرامج، ورغم الحماس الذي تريد ان تفتعله وتؤججه لم تذكرني غير بالمحلات الضخمة التي تبيع المعدات المنزلية والخردوات في بريطانيا مثل B &Q وHomebase والتي تزرع احيانا عددا من الشاشات التلفزيونية داخل المحل تعرض فيها منتجاتها من الدهانات والاسمنت والأدوات معددة ميزاتها وفضائلها، غير ان الناس، وقد اعتادوا علي طبقة الضجيج التي تولدها هذه الشاشات لم يعودوا ينتبهون لوجودها لأن الزبون صار يدرك ان الفكرة الاساسية وراءها هو الترويج، وحالما يدرك هذه الفكرة يصبح محصنا ومبلّدا ضد كل الدعايات.
ليست قناة السودان الفضائية وحيدة في مجال استخدام التلفزة لأغراض السياسة (تمجيد النظام) والدعاوة (للغطاء الايديولوجي للنظام)، لكن الانتقالة من المحلي الي الفضاء العام للأرض منع أي قناة من ان تكون العملة الوحيدة المتداولة حتي بالنسبة لسكان البلد التابعة له هذه القناة، واذا كان المشاهد لا يهمّ القناة بقدر ما يهمها مديح النظام والدعاوة له، فحتي هذه الحجة لا تقوم علي سند فهذا المديح البارد الاجوف والمعقم والذي يكرّر نفسه في كل مجالات الحياة، من المجتمع الي الفن الي السياسة الخ...، لن يؤدي الا الي عكس ما يصبو اليه. فبعد ان كفر المواطنون العرب بالاشتراكية في البلدان التي رفعت رايتها، فهم سيكفرون بالانقاذ والاتحاد وحتي بالدين نفسه.
أهم أسباب ضعف شأن قناة السودان الفضائية اذن (وفي أغلب القنوات المعبأة ايديولوجيا والتي لا تترك أي هواء آخر لغير نسق افكارها الاعتيادي) أنها مغلقة علي نفسها ولا تريد أن تري العالم الواسع الا من فهمها الخاص للحياة، بحيث انها حتي عندما تتزيّن بالغناء او التشكيل او الفن فانها تلوي عنق هذه الفنون لتحولها لمواعظ في التربية والاصلاح الخ... وبدلا من النتيجة الظاهرية المفترضة وهي زرع التقوي والتدين وبثّ الافكار الاسلامية في المجتمع ستتولد مشاعر الكراهية للنظام ولاسلامه العسكري.
في احدي الاغنيات التعبوية التي اذاعتها القناة يظهر ضابط بلباس مرقّط يخطب في جمع من الناس دائرتهم الاولي مكونة من عشرات النساء وهو يتحدث عن اوصاف الجنة وجمالياتها، خاتما حديثه بالقول: أي شيء أجمل من هذا المصير؟
ضابط يخطب في نسوة عن الجنّة؟ حقا أي شيء أجمل من هذا المصير؟
حليمة البريطانية
علي الضفة الأخري من العالم، وفي قنوات التلفزيون البريطانية، عادت حليمة لعادتها التي لا تفارقها: أفلام عن النازية، وبالطبع نواح وبكاء عن مصائر اليهود الذين قضوا في الهولوكوست الذي لم يمسس أحدا غيرهم (وعلينا ان ننسي 04 مليون قتيل من دول الاتحاد السوفييتي السابق). وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد: التخويف من نجاح لوبين وحزبه النازي في الجولة الاولي من الانتخابات الفرنسية، والتعمية علي ما يحصل في فلسطين.
حين أري الميك########ية التي يعامل بها الاعلام مواطنيه البريطانيين كلما تعلق الأمر بالحركتين الشقيقتين: النازية والصهيونية، أتذكر الكاتب العظيم جورج اورويل في رائعته 4891 (التي توفّي بعد اتمامها بشهور)، حيث يصوّر دولة الأخ الاكبر وهي توظّف الاعلام لاقناع المواطن بكل البلاهات التي تريده ان يقتنع بها. رحمة الله عليك وبشبش الطوبة التي تحت راسك يا حاج اورويل.
مؤخرة لوبيز
خبر فضائي مهم: لقد قررت احدي المجلات الفنية ان تسلّط بروجكتورات ضخمة بحيث تنعكس صورة مؤخرة لمغنية شهيرة علي أقرب الأقمار الينا ويشاهدها ملايين المعجبين... بصوتها.
هذه اذن بشرانا للمهتمين بالمغنية الامريكية جنيفر لوبيز، ومناسبة للحزن لمن شاهدوا صور بعض الزعماء العرب علي صفحة القمر، او علي بيض الدجاج.
ناقد من أسرة القدس العربي
QP12
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
Zaki
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست