|
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر (Re: aboalkonfod)
|
نواصل ما إبتدأناه في الحلقات السابقة .. ونواصل
لكن الشيخ الأكبر لا يتوقف عند قوله "لتوجه الألوهية على ايجاد جميع العالم بأحكامها ونسبتها وإضافتها"، بل يصف هذا التوجه من قبل مرتبة الألوهية بالافتقار، والأمر قد يبدو اختراقاً لمعيار "الوجوب الذاتي"، لكنه يبين طبيعة هذا الافتقار فيقول: "وهي {أي الألوهية} التي استدعت الآثار؛ فإن قاهراً بلا مقهور، وقادراً بلا مقدور، وخالقاً بلا مخلوق، وراحماً بلا مرحوم، صلاحية ووجوداً وفعلاً، محال. ولو زال سر هذا الارتباط لبطلت أحكام الألوهية لعدم وجود من يتأثر. فالعالم يطلب الألوهية وهي تطلبه، والذات المقدس غني عن هذا كله. أقول: {والقول هنا للكاتب} إن هذا نوع من الضرورة الميتافيزيقية اقتضتها طبيعة كون الخالق خالقاً، أو هو نوع من تحقيق الذات بدونه تظل الألوهية إمكانية وجود، وليست وجوداً فاعلاً ومؤثراً. وهو أدخل في باب الغاية من الخلق في مثل قوله تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ "الذاريات 56"، وفي تفسير ابن عباس "إلا ليعرفون"، أو قوله تعالى في الحديث القدسي: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبه – أو فبي – عرفوني). أو هو من قبيل "حاجة" المحسن الكريم إلى الإحسان وإلى من يتقبَّل منه إحسانه؛ إذ بدون المتقبل لا يمكن أن يسمى المحسن محسناً. بقي أن نعرف أن الشيخ الأكبر يميز بين الذات الإلهية وبين مرتبة الألوهية. فالأولى مجردة عن الصفات والأسماء، وهي الغنية عن العالمين. أما الثانية، وهي الذات متصفة بالصفات والأسماء، فتحتاج إلى خلق الأشياء لكي ترى ذواتها فيها. أي أن فعل الخلق حاصل من مرتبة الألوهية التي تتوجَّه على إيجاد العالم بأحكامها ونسبتها وإضافتها. فصفة العلم مثلاً تتطلب، لكي تتحقق، معلوماً يتعين فيه العلم، وعالماً تقوم به هذه الصفة، أي تتطلب ذاتاً عالمة وموضوعاً معلوماً. فمن أسمائه تعالى العالِم (عالِم الغيب والشهادة)، ومن صفاته العِلم؛ فذاته التي تتصف بالعلم، وهي مرتبة الألوهية من ذاته تعالى، تنعكس على مرآة صورة المعلوم، فترى الذات نفسها في صورة المعلوم، من حيث إن الخلق ما هو إلا "امتداد" للذات، تصير به الذات موضوعاً. أي أن الموضوع هو "الذات" في العَالَم الخارجي، أو "الذات خارج الذات"؛ مع التأكيد أن تعبيري "العالم الخارجي" و "خارج الذات"، تعبيران اصطلاحيان اعتمدناهما بغية التوضيح. هذه الصورة المنعكسة، أي صورة المعلوم، يسميها ابن عربي بـ "القابل"، كما يسميها أيضاً بـ "العين الثابتة". نجمل ما تقدم في النقاط التالية: أولاً: تقول عقيدة وحدة الوجود بقدم الحق تعالى وحدث العالم، وتقول بأن الحق قديم بإطلاق، لكنها تقول أيضاً أن العالم ليس حادثاً من كل وجه. فهو قديم باعتبار "وجوده" في عِلم الله القديم. وعلى هذا يمكننا القول أن الحق حق والعَالم حق وخلق. ثانياً: تعترف عقيدة وحدة الوجود بالمباينة إلى جانب المحايثة، وبالتنزيه مع التشبيه، والإطلاق مع التقييد، والمفارقة مع الكمون، وتقرر أن الصلة بين الحق والخلق معنوية أو جوهرية، غير مادية. ثالثاً: الحق واجب الوجوب بذاته، والخلق واجب الوجوب بغيره. والخلق مفتقر إلى الحق من كل وجه، والحق له الغنى عن العالمين. وإن كان ثمة افتقار من جانب الحق فهو من "مرتبة الألوهية"، لا من "الذات". مع البيان أن افتقار الموجد إلى "الإيجاد" هو من غير طبيعة افتقار الموجد إلى "الوجود". رابعاً: تميز عقيدة وحدة الوجود بين "الذات الإلهية" العارية عن الأسماء، وبين "الذات الإلهية" متصفة بالصفات والأسماء، وهي مرتبة الألوهية، وهي الوسيط بين الذات والعالم؛ تفصل الذات عن العَالم وتعقد الصلة بينهما في نفس الوقت. خامساً: الوجود بحق هو لله تعالى وحده، وليس للخلق إلا وجود اعتباري. يترتب على ذلك أن ثنائية الحق والخلق، ما دام هناك خلق، ذات قيمة نسبية، على حيث أن الوحدة، وحدة وجود الحق، ذات قيمة مطلقة. تبعاً لذلك يمكننا القول: لا وجود إلا للحق تعالى وحده! وهذا هو المؤدى العميق الذي تنطوي عليه شهادة الإسلام الأولى بقولنا "أشهد ألا إله إلا الله"، من حيث إن الوجود الحق هو الذي لا تسري عليه نواميس السببية؛ أي "واجب الوجود بذاته". أما الشهادة الثانية فتشير إلى "واجب الوجود بغيره"، مرموزاً إليه بأسمى مظهر له من المنظور الإسلامي، وهو محمد بن عبد الله (ص)، كما يؤكد ذلك العلامة السيد سيد حسين نصر. وما ينطبق على حالي الفناء والبقاء من حيث تلازمهما، أو ما ينطبق، على حالي وحدتي الشهود والوجود من حيث اعتبارهما مظهرين لحقيقة واحدة، ينطبق أيضاً على شهادتي الإسلام، من حيث إن الشهادة الأولى تنفي الوجود عن السوى وتثبته لله تعالى وحده. فقول المسلم العادي: "أشهد ألا إله إلا الله" قريب جداً من قول الصوفي: "لا أرى شيئاً غير الله". والشهادة الثانية، إذ تعترف بوجود العالم مرتبطاً بالله تعالى في قولنا "رسول الله"، إنما تثبت العالم موجوداً بالله غير منفصل عنه؛ إذ هو منه قوام وجوده. ولذلك كان الإسلام هو وعي هذه العلاقة القائمة على أساس إلا وجود لغير الحق إلا بالحق؛ وهو ما يعبر عنه قول الصوفي "لا شيئاً إلا وأرى الله فيه". ولئن كان الدكتور يواكيم مبارك يقول إن وحدة الشهود هي الإسلام بامتياز، أفلا يحق لنا أيضاً أن نقول إن وحدة الوجود هي الإسلام بامتياز؟.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عربي | aboalkonfod | 10-17-04, 10:33 PM |
Thanks for this nice topic | elhilayla | 10-18-04, 00:27 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-18-04, 08:21 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-18-04, 08:52 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-20-04, 02:53 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-20-04, 02:59 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-20-04, 10:40 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-20-04, 10:50 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-22-04, 09:56 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-23-04, 02:29 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-23-04, 03:38 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | المكاشفي الخضر الطاهر | 10-23-04, 04:26 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | aboalkonfod | 10-23-04, 11:25 PM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-24-04, 03:05 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-25-04, 04:09 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-26-04, 03:32 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-26-04, 10:10 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | omer alrubatabi | 10-27-04, 02:44 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | smart_ana2001 | 12-11-04, 09:02 AM |
Re: التصوف الإسلامي .. بين وحدة الشهود ووحدة والوجود .. مدخل إلى فكر ابن عر | هاشم نوريت | 12-11-04, 09:16 AM |
|
|
|