|
Re: سفير جهنم ؟ (Re: أبو ساندرا)
|
سفير جهنم والأمير المنكَََََََفِي هلال زاهر الساداتي [email protected] تعود معرفتي بالرزنامة التي يكتبها الأخ الكاتب الشاعر القانوني المناضل كمال الجزولي إلى عام 2000 عندما كان ينشرها في جريدة الصحافة , وتناول فيها مدى الجحود والإهمال الذي أولآه السودانيون لأبطالهم ورموزهم الوطنية , و تحدث تحديداً عن الزعيم البطل على عبد اللطيف قائد ثورة 1924 , وطرح كمال مشروع إقامة ضريح له لتنقل رفاته إليه ليدفن في تراب وطنه الذي ضحى من أجله بروحه , و أقترح أن يقام الضريح في مدخل أمدرمان في المثلث المجاور لحديقة الريفيرا وجامعة القرآن الكريم للبنات , ورددت عليه في نفس الصحيفة مؤيداً ومعضداً مسعاه النبيل , ولكن هذا أمر آخر لست بصدده الآن , ولكن يلح على السؤال عن مآل ذلك المشروع العظيم .
وطرق كمال في الرزنامة الأخيرة المنشورة بصحيفة سودانايل , قصة تريكن الملحق العسكري الأثيوبي السابق والذي أطلق عليه لقب سفير جهنم لما نسب إليه من جرائم وآثام في حق الأثيوبيين الوطنيين المعارضيين لحكم هيلا سلاسي اللاجئين في السودان , وألتقآه في سجن كوبر , فكان هزيلاً قذراً مهاناً مهلهل الثياب , وعندما تعرف عليه بمبادرة من كمال , فر كمال منه كما يفر السليم من الاجرب !
وبعد قراءة تلك الحادثة قفز إلى ذاكرتي موقف مشآبه , ولكنه مغاير في الاتجاه , ويجمع بين الموقفين الفرار من كليهما , سفير جهنم , وبطل قصتنا الحالي والذي نومئ إليه بالأمير المنكفئ . جمعتني به مهنة التعليم وتقارب حلتينا , وصبوات الشباب حول بنت الحان في جلسات مضطردة , قبل الاقلاع والهداية , وكان الرجل من بيت مجيد في تاريخ السودان مما اضفى عليه لقب الامير , كما انه كان يدعى انتمائه لليسار , وكان انيقاً في ملبسه , ومهذباً في حديثه . ثم تعاقبت ايام الزمان , واقتضى العمل ان انتقل من مدينة إلى أخرى مشرقاً مرة , ومغرباً مرة أخرى , واستغرق الترحال وراء الرزق نحو ست سنوات , وباعد بيني وبين صحبتي واحبابي في أمدرمان مما قل معه أو كاد ينتفى لقاء الصحاب والاصدقاء القدامى , والذين شت المزار بالكثيرين منهم .
وخلال تلك السنوات جثم على صدر الوطن النظام المايوي بقضه وقضيضه , وتجرع السودانيون كؤوساً مرة من العذاب في حرياتهم وارزاقهم , وطورد الشريف وارتفع الوضيع , واطلقت يد كلاب الأمن الآدمية تطارد وتعتقل وتسجن وتضطهد كل من ارتفع صوته ضد الظلم والقهر . تلك الأيام الرهيبة التي كان فيها المناضل كمال وزملاؤه في غيابه سجن كوبر .
وفي تلك الأيام كان لجهاز الامن اليد الطولى فهو الحاكم بأمره , كما هو الحال اليوم , وجندت الدولة البوليسية الفاشستية في صفوف الأمن كل الفئات حتى بائعي الترمس وستات الطعمية , و كان طبيعياً أن يمتهن خائرو الاخلاق والرجولة وظيفتين , الظاهرة منها موظف أو مدرس أو عامل ..الخ , والباطنة منها في جهاز الأمن . وكان في كل وزارة جهاز مصغر للأمن يرأسه موظف كبير في الوزارة , ويعاونه عدد من الموظفين والمراسلات متخفين تحت وظائفهم . و لكن كان هناك آخرون سافرين , واذكر انه في عام 1976 , قدمت إلى الخرطوم من مكتب تعليم نيالا موفداً للوزارة للاشتراك في اللجنة الاستشارية لتنقلات المعلمين في السودان , وفي الجلسة الاولي للجنة جاء شاب في العشرينيات من عمره وكان يحمل ملفاً به عدة أوراق بيضاء وقدم نفسه بأنه المندوب الرسمي لجهاز الأمن وأنه مكلف بحضور جلسات اللجنة , تخيل ! وكانت اللجنة تضم كبار الموجهين في مديريات السودان التسع ويرأسها مساعد لوكيل الوزارة .
ومصادفة ألتقيت صديقي القديم الأميرفي شارع الاربعين بأمدرمان , وبشوق السنين احتضنته وانهالت السلامات ( وحق الله وبق الله ) , وسألته عن مكان عمله الآن , وأجابني بكل عفوية , ( اعمل في الأمن ) واتج على الكلام , ومددت يدي اليه بسرعة وتمتمت ( مع السلامة ) , وادرت له ظهري مسرعاً , وفررت منه كما فر كمال من سفير جهنم تركين . وعرفت لاحقاً أنه كان مسؤولاً عن المعلمين في جهاز الأمن , وخاصة الشيوعين منهم . وانقطعت صلتي بالأمير , وبعد سنوات قابلته مرة أخرى مصادفة أيضاً بالقرب من جامع الخليفة بأمدرمان , وكان يلبس جلابية رّقَت واصفر لونها من كثرة الغسيل كما أظن فهى وحيدة , منتعلاً مركوباً قديماً اقرب إلى ( البرطوش ) , ومعتماً بعمامة مهترئة ( كالمصران ) , كما أنطفأ بريق عينيه , وهزل جسمه كالمعتل بالسل . و كان ذلك بعد سنوات من ذهاب نظام نميري المايوي إلى الأبد .
|
|
|
|
|
|