هل تختار الأعاصير مراكزها أم أن هناك عوامل أخرى تحدد لها هذه المراكز وترسم لها طرق سيرها ، أم أن المسألة كلها ترتيبات إلهية يصيب بها من يشاء من عباده ، ويكون للظالمين فيها نصيب الأسد ؟ في طفولتي علمني أهلي أن أقول عند رؤية الإعصار( محمد معانا ما تغشانا ) ، ( وكانوا يسمونه بلهجتنا المحلية عُصارْ ) ولم تكن أعاصيرنا عنيفة كتلك التي شاهدناها على شاشات القنوات الفضائية ، بل هي زوبعة محدودة تصيب عيوننا دون أن تقتلع جذورنا من الأرض أو تجعل أشجارنا صرعى ، ولم نكن نحتمي منها بقوتنا العظمى أو بأموالنا وسياراتنا التي تعيننا على الهرب ، ما كنا نحتمي منها بغير ( محمد معانا ما تغشانا ) ... ولا أذكر أن الأعاصير كانت مزعجة بل كانت كأنها تداعبنا مداعبة خفيفة ثم تذهب في طريقها ، وكنا نلاحظ أنها تختفي إذا جاء الخريف ونزلت الأمطار ، كما أنه دائما يصعب عليها عبور الترعة أو الحفير ، إذ غالبا ما يبتلع الماء غبارها فتصبح بلا حول ولا قوة ... وكان أهلنا يقولون لنا أن ( العصار ) شيطان أو مجموعة شياطين يتحركون بطريقة تثير هذا الغبار فيحدثون هذه الزوبعة ، فيطلبون منّا ترديد البسملة ، وتكرار ( الله يلعنك يا إبليس ) ... وحتى الآن لا أعرف أناسا من قريتنا ماتوا ، أو فقدوا ، أو شرّدوا ، بسبب الأعاصير ، ولم تهدم أعاصيرنا بيوتنا ولم تقتلع اشجارنا ، وطبعا ليست لدينا أعمدة كهرباء أو منشآت نفطية لتشعل الحرائق . والمطر يشح فنطلبه من الله ، نجمع الذرة من بيوت القرية ، ونشعل نارا كبيرة ونأتي بأكبر القدور ثم ننضج البليلة ونوزعها على كل بيوت القرية ، من ساهم منهم ومن لم يساهم ، فينزل علينا الغيث ، ونصلي طلبا له فيأتينا مطرا مباركا ، وإذا غلبنا المطر لجأنا إلى الله ليجعله حوالينا لا علينا ، ونسأل الله أن يجعله غيثا نافعا ، سحّا ، غدقا ، لا هادم بيوتنا ولا مغرق ضعفاءنا ... وإذا انكسفت شمسنا ، أو انخسف قمرنا لجأنا إلى الله وتضرعنا له إلى أن يعيد علينا نعمة الشمس أو القمر ... وكثيرا ما نتعوذ من الزلازل والمحن ، ما ظهر منها وما بطن . إذن نحن نتعامل مع الظاهرة بميتافيزيقة واضحة ، والأمور عندنا تسير وفقا لمعايير فهمنا للظاهرة وقدراتنا للتعامل معها ... كان لي صديق مصري يفيض بالحكمة والظرف معا ، ومن ضمن ما عرفته عنه من أمثال وحكم : ربّك رب العطا ، يدّي البرد على أدّ الغطا ... وهذا مقدار غطائنا وهذا مقدار البرد الذي أرسله الله إلينا ... وهكذا فنحن لا طاقة لنا بالزلازل ، أو الأعاصير ، أو الأمطار الهادمة ، أو ذهاب ضوء الشمس أو القمر . الإنسان – في كثير من الحالات - عندما يشبع ، وتزيد أمواله ، يتقّوى ، ويطغى ، وينسى ربه ، ويظن أنه سيبلغ من القوة ما يحميه ويقيه من غضبات الطبيعة وظواهرها ... لكن الكثيرين يموتون بالبرد ، وآخرين يموتون بالحر ، وغيرهم يموت بالأعاصير ، وبعض ممن يهرب من الأعاصير ربما تحترق به السيارة فيموت ... إذن لا قوة فوق قوة الخالق ، وهو القاهر فوق عباده ، وهو الذي يجب أن نخشى عقابه ... إن يتصالح الإنسان مع نفسه وربه ، إن يباعد بينه وبين الظلم ، إن يستقيم على الطريقة التي ارتضاها الله ، إن يلجأ إلى الله ويثق في قدرته ويخشى غضبته فإنه سيكون آمنا دون أن يلجأ إلى قوته ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة