محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 07:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-22-2005, 04:49 AM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed (Re: Nazar Yousif)

    Page 13 -30

    ضجة الضوء فى المكان(29)
    ويستمرالمستمع فى تجواله النومى خاصه حينما يتطلع إلى معرفة مكان مجيئها-من أين تأتى –

    حتجى المن بدرى جات
    من ظلامات السكات
    واصفه للناس الطريقه
    وللعصافير الجهات(30)

    ويكاد المستمع أن يكف عن تجواله النومى حينما يعرف بأنها تنتمى إلى فجر فات.إلا أن إنتماءها الىعصور جديده يجعله يستانف التجوال.مما يؤكد أنها ذات هويه تجمع ما بين الأصاله و الحداثه ( التراث و المعاصرة ).

    إنتمت لى فجر فات
    وتنتمى الى عصور جديده(31)
    ويكاد المستمع أن يكف عن تجواله فى اللاوعى، بيد أنها تأتى ضاحكه منتصره وعنيده آمله مذدهره وجديده مما يدفعه إلى مواصلة التجوال.

    حاتجى البنت البريدا
    ضاحكه منتصره وعنيده
    آمله مذدهره وجديده
    ناقشه فى الزول أغنيات(32)

    وفى تقديرى لو تواصلت الأغنيه لأستمر المستمع فى حلم لا متناهى، ولو قدر للأغنيه أن تحدد حقيقة البنت الحديقه- الموضوع الجمالى –لانقطع الحلم وكف الجوال عن تجواله.
    الوحدة في التنوع :

    العمل الفني في فلسفة كروتشه(33) هو الذي تتوالي فيه الصور ولكنها تتوحد. وهو الكثره التي تتنهي الي الوحدة ، والفن عنده ( ليس تعاقب الصور بعضها تلو البعض بفعل إرادي او صنعي ) كما يضم رأس إنسان إلي عنق حصان وصنع لعبة من لعب الأطفال. (34)
    عند الوقوف علي النموذج التالي المليء بالصور المتنوعة في تواتر متسق وتناغم إنتقائي ، والمستقلة بذاتها عضوياً المكملة لبعضها وظيفياً. نجد أن النخيل والنيل والنجوم والورود والندي كل من ذلك يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة. إلا انهم مكملين

    النخل إتلاقي غني
    وردد النيل الاغاني
    النجوم لامع بريقا
    والورود النايمة فاحت
    عطرت كل الجزائر برحيقا
    والندي النايم بفوقا
    صفقت جنحاتو غنت
    لهوانا لهوانا(35)

    وفي النموذج التالي صورة خروج المحبوبة في الشوارع (لما تعبري في الشوارع) فهي قادرة علي صهر بقية الصور الاخري المتباينة علي مستواها الوفاقي والمنسجمة علي مستواها التجريبي فتحقق التنوع الوحدوي فيما بينها وتظل مسيطرة علي وحدة العمل الفني.

    لما تعبري في الشوارع
    شوفي كيف الناس تصارع
    ناس تطفر وناس تدفر
    في البشابي لي نجومك
    وفي البخب كايس تخومك
    وكل زول من عند سلافك
    لا لا قال دايرو كاس
    يا سلام يا سلام(36)

    ويرى برجسون أن الفنان العظيم، أنما يصدر فى عمله الفنى إنفعال جديد أصيل بحيث أنه يولد فى الناس أحاسيس جديده او عواطف لم يكن لنا العهد بها اوإنفعلات لم تكن فى الحسبان.و من هنا ينهض سؤال هل الإنفعال الذى ذكره برجسون هو إنقلاب نفسى يحدث على ذات الفنان أولاً ومن ثم إنقلاب على وجدان الاخريين ؟ بكل تأكيد أن الإنفعال يحدث ثوره عارمه فى وجدان الفنان يشهر فيها الفنان الأفكار والأحاسيس الجديده غيرالمعهوده تاركا كل ما هو قديم مالوف ، وبالتالى يكون قد حقق إنتصار على مستوى الذات اولاً ثم على وجدان الأخريين ، باعتباره قد لفت أنظارهم وحواسهم إلى ما هو غير مألوف لديهم.
    وعند تسليط الضوء على سيرة الفنان مصطفى سيد أحمد الفنيه نجده دائما مبتكرا ومّيال الى التجديد وله القدره على ذلك.وهذا ما يؤكده الموسيقاريوسف الموصلى(بأن ظروف مرضه العصيبه لم تستطع أن تنال من حبه للتجديد وقدرته على ذلك). (37)
    و يشارك الفنان صلاح بن الباديه الموصلى الرأى( لقد ظهر مصطفى سيد أحمد بلون منفرد، وهو فنان جاد بحق وهو يعتبر أحد الذين يبحثون عن الجديد فى عالم اللحن والاداء ). (3
    عملياً إذا تتبعنا الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد نجده قد لفت أحاسيس وعواطف المستمعين الى أفكار ورؤى جديده كانوا يغفلونها حين من الدهرالى أن جاءت أغنياته فعملت على إعادة إنتاجهابشكل خلاّق وواعٍ.
    ولمقتضيات الدراسه لابد من استعراض اليسير منها، -على سبيل المثال- تناولت العديد منها موضوع الهويه السودان الثقافيه، حيث تجسدت معالجتها لها فى التلاقح الثقافى بين الثقافه الإسلاموعروبيه والثقافات الأفريقيه المسيحى منها والوثنى .

    المارق منك
    رجع للغابات العرب العاربه
    وللعتمور الزنج الهاربه
    وأدى الكون مفتاح الحل... (39)

    إذ أن النموذج السابق يوضح بأن حل الأشكال الثقافى يتمثل فى الحوار الثقافى والتعايش السلمى وقبول الآخر (أدى الكون مفتاح الحل ) دونما أى حواجز نفسيه كانت ام طبيعيه ( الغابات- صحراء العتمور) .ولا يخفى على القارئ أن الغابات ترمز إلى الثقافات الأفريقيه والعتمور ترمز إلى الثقافه الإسلاموعربيه.
    أو حينما تقول :-

    النيل فاض وأنحنى
    نيلين وحلمك أنا
    فرعين شايلين جنا (40)

    فى تقديرى بأن (الجنا ) ما هو الإ مشروع الثقافه السودانيه والتى هجين لثقافتين قوامها فرع الثقافه الإسلاموعربيه والثقافات الأفريقيه الأخرى.
    يؤكد النموذج التالى أن التلاقح الثقافى لا يتم الا فى مناخ ديمقراطى ،اذ أن
    الانظمه الشموليه لا توفر ذلك.

    أقول العساكر تباري الكبارى
    تفتش قلوب الجّهال الشلوخهم هويه . (41)

    أتاح الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد للأدب الشعبى بشتى أنواعه، مكانه رحبه فى أغنياته لاسيما الحكايه الشعبيه مدركا الدور الكبير لها مستصحبا بذلك تجربة حكاية الكالافالا التى قامت عليها دولة فلندا.

    تعالوا أبشروا ياجنيات
    شليل ما راح شليل مافات
    شليل عند المسورو حرق.
    بقالو حصاد
    شليل فوق التقانت قام
    خدار وبلاد
    شليل مسدار شليل مشوار
    شليلنا أرضنا يا جنيات
    شليل قايم نصاصى الليل
    يتمتم ليليه ورديه
    حرازنا شليل..شليلنا دليب
    شليلنا دليل على البلدات
    بعد درب التبلديه (42)
    استوعبت أغنيات مصطفى سيد أحمد الألعاب الشعبيه للأطفال والتى إرتبطت بالقصه والحكايه والحدوته فضلا عن إرتباطها الوثيق بدنيا الأطفال من جهه والألحان والموسيقى من جهه أخرى .وهى عادة ما تعالج سلوك من السلوكيات
    الفاضله التى تشجع الأطفال لذلك السلوك

    عينيك حس أطفال بينادو
    القمرا للغايب يعود
    وجبينك الضواى حُجا
    الحبوبه فىالزمن السعيد
    يا قمرا...أقلبى السنسنه الحمرا
    وقولى ليه ما جاء(43)

    وما يجدر الأشاره إليه بأن ألعاب الأطفال وأدابهم تماثل الي حد كبير الموروث الشعبى وتتلاحم معه بشكل عضوى. إذ أن النموذج السابق يفصح عن قيمه تراثيه هامه وهى قيمة الفزع.
    وعلى الرغم من أن الألعاب الشعبيه للأطفال ذات طبيعه سهله وبسيطه بيد أن لديها المقدره فى عكس المفهوم الجمعي للمجتمع، ولها القدره فى أن تبقى طويلا لارتباطها الوثيق بالبيئه والنظم الإجتماعيه والعادات والتقاليد،الأمر الذى يجعلها فى تطور مستمر وفق المنظومه الإجتماعيه.

    رضيع جنياتنا فى الحدبه
    الصعيد الحله
    ياسمحاتنا هو لب لب
    يا قمحتنا هو لب لب
    يا اللوز الفتق فى الوادى
    هو لب لب
    يا البحر الطمح مدادى
    هو لب لب
    يا حجواتنا.... يا صلواتنا
    هو لب لب(44)
    فى النموذج السابق، نلاحظ أن مفردات التراث الشعبى (العاب الأطفال) تعمل على تقوية النسيج الإجتماعى بين الأجيال لأنها تغذي كبار السن بأحلى ذكريات الطفوله والأنداد واللعب البرئ ،الأمر الذى يساعد فى خلق تواصل بين الأجيال .بالإضافه إلى إنها تنشئ الطفل فى بيئه تشوبها روح الجماعه مما يجعلها قادره على خلق فضاء إجتماعي فى حياته العاطفيه والوجدانيه وبالتالى يكون مهئ للتعامل معها، لان مفردات التراث الشعبى تشكل عواطفه وتتنامي فى وجدانه.
    تميز الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد بتصديه لرهبنة الأستنساخ الفنى لجمال الطبيعه ، ورسم الأشكال الواقعيه فيها. إذ أنه دعا إلى خلق نشاط إبداعى خلاًق ذات طابع عصامى تتجلى فيه الطاقه الروحيه النافذه للفنان وهو ما يساير رأي صمويل الكسندر(بأن ليست علاقة الفن بالطبيعة علاقة محاكاة للأصل) لأن خيال الفنان الخالق هو المصدر المشترك للجمال سواء في الفنون الجميلة أو في مشاهدة الطبيعة. (45)

    أيد مبسوطه تقابل الحنه
    نغم الليل السال شبال
    نخله تغازل فى عيون طفله
    طفله وحفله ورقصة فأل(46)

    النموذج السابق لم يكن نسخ لأشكال واقعيه او مجرد رصد لإنفعالات حدسيه تعكسها إنبساطة اليد و إمتدادها للحنه ، او مغازلة النخله لعيون الطفله،او نغم الليل الذى سال شبالا . كما إنه لم يعد مزجه توليفيه بين اليد والحنه والنغم والشبال و الطفله، بقدر ما إنه يعكس نفاذ الطاقه الروحيه للفنان التى تمثلت فى خلق ديناميكيه حياة ، أفصحت عنها إنبساطة اليد، وسيلان النغم، وغزل النخله، ورقصة الفأل ، من خلال سكون عهدت به ثوابت الأشياء.

    حلوه عينيك ذى صحابى
    عنيده كيف
    تشبه شريحتين من شبابى
    وذى عنب طول معتق
    فى الخوابى
    وسمحه ذى ما تقول ضيوفا
    دقوا بابى
    فرحى بيهم سال ملأ
    حد الكبابى(47)

    النموذج السابق لم يختزل حدسه فى ترديد أشكال الطبيعه بشكل فتوغرافى، كما أنه لم ٌيدمِن المجسمات الجماليه لجمال عيون المحبوبه، من خلال الأدراك العيانى للطبيعه، ليقيم عيون المها او الريم شاهدا عليها . وبالتالي لم يكن جمال العيون فى النموذج السابق حدسا جماليا ماديا وإنما عملا إبداعيا جسدته روح الصحاب وعنادة الشباب ونشوة الخمر وإكرام الضيف. بالإضافه إلى إنها أضفت إليه صبغة الإستمتاع بالمعانى الحسيه ، والإبتهاج بالجانب الروحى فيها وليست بالصور والاشكال.
    تميز الموروث الفني لمصطفي سيد احمد بأن مسألة إرضاء المحبوبة فيه لم تعد بالوسائل التقليدية القديمة ، لأنه إختار أن يكون للمراءة دور رسالي ،وبالتالي جاءت أغنياته بأفكار جديدة لها مدلولاتها ومغازيها لم تعهد من قبل .

    جلبت ليك الغيم رحط
    طرزت ليك النيل زفاف
    حرقت ليك الشوق بخور
    وفرشت ليك الريد لحاف (4

    او حينما قال :
    أنا زي عوايد الشعر فارس
    شد خيل الكلمة ليك
    مصلوب علي ظهر البداية
    القالوا اخرها بين ايديك (49)





    او قوله:

    أجيك فنان
    أشد أوتاري واحكيلك
    حكاية انسان وهب
    لي سكتك نفسو
    ورسم صوتك علي حسو
    وربط ساعد علي المجداف
    وقال يا إنتي يا اغرق(50)
    او:
    وأجيك فارساً يشيل صمت
    المسافة الطال
    وواقف في حكاوي الشوق
    وبي شمساً وراءها ملاذ
    وبي فرحاً يغرد
    في سماءك الحان
    يجيب البهجة للأطفال(51)

    إذا كان المحب لم يعد يرضي محبوبته بالوسائل التقليدية القديمة ، فمن الضرورة بمكان أن سطوة محاسن محبوبته من عيون ساحرة او قوام لادن او خصر أهيف او قد مياد وغير ذلك من الصورة الغزلية بشكلها المادي القديم لم ترضيه، وإنما يرضيه سطوة محاسن محبوبته التي تتمثل في قوة العزيمة والإصرارعلي تحدي الزمن اللئيم ، وما تشجو به المحبوبة من غناء جاد يتموسق به وتر أرهقته قسوة ذلك الزمن وحزن ألحانه ،كما في النموذج التالي:

    رسمت في وجيها بسيمة ضوء
    بتغالط في الزمن القاسي
    بتعاتب في الغنوة الصعبة
    في لحن حزين ..وتر موجوع
    يحكي احساسي (52)
    أو حين قال :

    تعالي نشيل كتف الغني المّيل
    ونتخـــــّيل
    حلم دونك بيتحقق(53)


    وسطوة محاسنها تتمثل في وقوفها معه في التعبير والدفاع قضايا شعبهم :

    تعالي نشوف حروف البكاء
    الجواها مافي حروف
    تعالي نشوف ..تعالي نطوف
    علي المدن البقت اشباح
    علي الجوع القعد مرتاح
    علي الكلمة البقت في الجوف
    تفتش سكة الافراح (54)

    سطوة محاسنها تتجسد له في إنحيازها للفقراء ، فهي لهم بمثابة مشكاة تبدد دياجر الغبن الإجتماعي والإقتصادي الواقع عليهم و يهتدون بها سبل حياتهم. كما انها مبعث لامالهم وأحلامهم.

    يا هــدي الناس الحياري
    يا ندي الفجر البِبَلِل
    نور عيونات الفقارا(55)

    سطوة محاسنها يجب أن تقوم علي ندية العلاقة بين الرجل والمرأة التي ترتكز علي أنقاض مرتكزيّ إستكبار الأنا الذكورية للرجال وعلي الإستعلاء الأنثوي المردود علي تلك الأنا.



    سطوة محاسنك عندي
    ما كســــرة جفون
    سطوة محاسنك عندي
    ما الرخامة الفي الحرير
    وقت الثغير يفجعني
    بي حرف قِســــــي
    سطوة محاسنك عندي
    وقتين كبريائك ينهزم
    بي طيبتي بي لفظة حنان
    وقتين مشاعرك تنسجم في عمري
    تمسح قلبي بي رعشة امان
    سطوة محاسنك عندي
    وقتين شوقي يصبح في هواك
    ليل عزة ما بتعرف هوان(56)


    نجد أن الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد قفز بحدس المستمع شاوا عظيما ، حينما عمد إلى إحالة مفاتن المحبوبه إلى منتوج جمالى من خلال محصلة تفاعلات لغويه داخل أطر السياق الموضوعى لها. إذ أن مفاتن المحبوبه الماديه، لم تعد مجرد مجسمات أو تشبيهات.
    فالعيون على سبيل المثال نجدها فى الموروث الفنى أشبه بكائن روحى- كونى - من كونها كائن مادى ولذا قد كسبت لنفسها علاقه روحيه أكثر من إنها ماديه الإدراك. كما يوضحها النموذج التالي :

    دا البجنن شوقنا فينا
    إنو فى عينيك زمان
    بى حالو ساجد (57)




    أو حينما تكون العيون مجلبا للغبطه والسعاده

    جوه العيون أطفال فرح
    لمة زفاف
    جوه العيون تشرق شموس
    يرحل جفاف
    و حنان غمر عاشقين رهاف(5
    او
    حلوه عينيك ذى صحابى
    عنيده كيف
    تشبه شريحتين من شبابي
    وذى عنب طول معتق فى الخوابي
    وسمحه ذى ما تقول ضيوفا
    دقو بابي
    فرحي بيهم سال ملأ
    حد الكبابي(59)

    لم يعد ذلك قاصراً على العيون وحدها ،فهاهي قامة المحبوبه قد سمقت جمالاً بقامة يوم السمايه ، وهو يوم تتحقق فيه ذاتية و استقلالية المولود عضويا عن
    والدته،و هو بلاشك يوم أسري جميل تفعمه البهجه بإجتماع شمل الأُسّر

    يوم سمايتك شكل قامتك
    كيف تموتى وتحي تانى
    و يوم قيامتك هو بيدينا الثبات(60)

    الفن عند سارتر :

    يرى سارتر بأن الفن هو إلتزام فى المقام الأول ثم مواقف المقام الثانى،ولذا ينبغى للأديب قبل أن يمسك بالقلم أن يكون لديه إقتناع عميق برسالته ،ولابد من أن يكون مشبعاً بروح المسئوليه تجاه عمله الفنى. (61) نجد أن الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد قد سار على النهج الذى أختطه سارتر بوضوح حين قرر بأن العمل الفنى واقعه إجتماعيه يتمنهج بشكل رسالى ، إذ أن النماذج التاليه تفصح عما سبق ذكره .

    أغنى للناس الما بتسمعنى
    المنى بعيده والمبعد عنى
    أنادى نشيدا وكنت المعنى
    الايدى فى أيدا وأيد بتبنى
    فى دنيا جديده اليوم راح تدنى
    وأريت غنواتى فى ناس شغاله
    تكون سنداله وعود طوريه(62)

    ومما لا شك فيه أن الموروث الفني لمصطفي سيد أحمد إنحاز إالي جانب الفقراء والمظاليم مطالباً برفع الظلم الإقتصادي والإجتماعي وعدم إستغلال جهودهم .

    وكتين يضيع عرق الجباة
    شمار فى مرقه(63)
    او
    هردت لِهآتِى بالغنوات
    وكت يبرد حشاك يامى
    من التعب البلا صالح (64)

    كما دعت إلى المساواه بين الغلابه والميسورين فى التعامل من حيث الحقوق والواجبات، دون محابه او تفضيل بينهم، ناعته المتحابين بأقظع النعوت

    ما بتخير بين الفوق
    وبين الناس التحتانيه
    الإ مغير ولاّ عقوق
    ولا كفيف الإنسانيه(65)

    لقد تميز الموروث الفنى لمصطفى سيدأحمد بجعله للإدراك الجمالي عاصما يعصم بين الفنان والمتذوق للعمل الفنى و العمل الفنى نفسه ، فى ثلاثيه غير مفصومة الأبعاد .و بمعنى آخر إنه سعي الى خلق علاقه قوامها الأحساس بعدم إختزال دور الفنان فى نقل مشاعره وعواطفه للآخريين. وهو ما لا يتفق عما أتفق عليه كروتشه وتولستوى فى أن مهمة الفنان هى توصيل أحاسيسه وأفكاره الى أشباهه من الناس .ومعنى ذلك بأن الفنان بمجرد توصيل أفكاره وأحاسيسه ملك مشاع للأخرين. (66) وفى تقديرى أن هذا الرأى يجعل من العمل الفنى للفنان مجرد التعبير عن الحاله الذهنيه والنفسيه التى تنتابه. ولكن بالوقوف عند الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد نجده يتمترس خلف فلسفة ديوى المنتصبه على بنيوية التواصل الحقيقى بين الفنان والجمهور . اذ أن ديوى يرى أن الأعمال الفنيه هى الوسائط بين الإنسان وأخيه الإنسان. (67) ونجد أن أغنيات مصطفى سيد أحمد قد طبعت نفسها بطابعاً عاماً تفصح به عن نفسها إلى كل انسان.
    النموذج التالى على سبيل المثال ، نجده يشبع لمجتمع المزارعيين أحلامهم،ويحقق قدراً من الإتساق العضوي والحسي لحاجاتهم العقليه والنفسيه.

    أقول غنوات
    للولد البشيل مدقاقو
    قولة خير على القمرا
    يقابل الجاى متحزم
    يدارك الجاي متلزم
    كلام فاسك على أرضك
    ويبقى عديله يا بيضا
    ويبقي زفاف تزغرد ليه قمريه
    وقبال حول تغيم غيمه قبليه
    ترش الداره والحدبه الصعيد الحله
    يا فرحه بتطال الصفقه فى
    النسمه الصعيديه
    ويا جهرة نهار الليله بدريه
    رضيع جنياتنا فى الحدبه
    الصعيد الحله. (6

    وكم تكون سعادة المزارع وهو يستمع :-

    تحيا فى حلم الترابله
    وفى العلاقات والمعانى
    وفي البقاسي من المخافه
    عايشه جوهو وبعانى. (69)
    أو حين يسمع :-

    التربال الساقيه أفرحوا
    عطش النيل لو ذاد أتراحو
    نار الشمس بتشفى جراحو
    عرق بيسقى ….السنبله تكبر(70)

    حقا بأن فرح المزارع وعشقه لأرضه كبير وإنهما علي علاقه جدليه قائمه على الإنفعال والتفاعل والفاعليه وأن أحلامه تدور حول هالة الإنتاج المقدس

    مزارع بات على عشقين
    تراب بلدو
    وسماح فوق بت مزارعيه. (71)

    فلا غرو إذا ما أدخلنا النماذج السابقه تحت –مجهرية سيكلوجيا الفن –إن جاز التعبير ، نجدها تعبر بوضوح عن آمال وتطلعات قطاع كبير من قطاعات الشعب السودانى ,لأن الزراعه تمثل الحرفه الرئسيه لديه.
    نجد أن أغنيات مصطفى سيد أحمد لم تعبر عن المزارعين لوحدهم , بل نجدها إنحازت لكافة قطاعات الشعب السودانى

    أغنى لشعبي ومين يمنعنى
    أغنى لقلبى أذا لوعنى. (72)



    الفن هو عالم الحرية والإنطلاق :

    يري سانتايانا بأن عالم الفن هو عالم الحرية والإنطلاق والإستمتاع والِلذة الخالصة. هذا الرأي يجعل للفن وظيفة حيوية هامة وهي الإنتقال من مرحلة النشاط المقيد إلي النشاط الحر. (73)
    المقطع التالي يشير إلي الذهاب في كل المدائن بحرية مطلقة مع الطيور التي لم تعرف مايحظر تجوالها داخل إطار جغرافي واحد يتمثل في الخارطة او ما يعوق أمر إنتقالها من مسائل إجرائية تمثلها جوازات السفر إضافة إلي أن أمر إنتقالها لم يكن أسيراُ لضروريات الحياة العملية وحده مثل البحث عن المأوي او القوت بل إنه الإنفلات من الفاعلية المقيدة إلي الفاعلية المطلقة من جهة والذي يتحقق به الرضاء والاستمتاع ببناء العش بالغناوي ونثر الأفراح من جهة أخري .

    والله نحن مع الطيور
    الما بتعرف ليها خرطه
    ولا في إيدا جواز سفر
    نمشي في كل المدائن
    نبني عشنا بالغناوي
    وننثر الافراح درر(74)

    و حينما تكون الحريه هى مبتغاة النسور،التى لن ترهن نفسهالفاعليه مستعبده تحكمها ضروريات الحياه العمليه ،وإن إنتقاها للفاعليه المطلقه وليد غريزى لعشقها للترحال فى الأفاق الرحيبه.

    نسورا تعشق الترحال
    فى الأفاق
    وتبغى الكون حريه. (75)

    ذهب الماركسيون إلى أن الفن ليست ضرورة إٍنسانيه يتطلبها كل عصر،بل على العكس أن حاجه نسبيه محدده بمطالب هذا العصر او ذاك. وبالتالي فأنه يعبر عن القيم المفضله للطبقه الحاكمه أو المسيطره. (76) ولكن إٍذا تمعنا الجزئيه الأولى مما ذهب إليه الماركسيون نجد أن ليس هنالك ثمة فن فى حد ذاته أو فن عام يصدق كل العصور، بل أن هنالك فنون نسبيه مؤقته ومشروطه بظرفى الزمان والنشأه .وهو ما يتعارض مع رأى سانتايانا بان الفن هو عالم الحريه والأنطلاق. أما فيما يتعلق بالجزئيه الثانيه من رأى الماركسيين بان الفن يعبر عن القيم المفضله للطبقه الحاكمه أو المسيطره ، فإن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد يختلف معها اٍختلافا كليا معها. النموذج التالى يصدر الأحكام بموت الحروف يوم تقوم القصائد مقام من يطبل للسلطان.

    تموت الحروف يوم
    تقوم القصائد مقام
    الطبول والبخور(77)

    نجد أن الموروث الفنى لمصطفى سيدأحمد لم يعبر على الأطلاق عن القيم المفضله للطبقه الحاكمه بل يرفض ضروب الواقع الفنى الذى يهادن الطبقة الحاكمة ويساوم قيمها.

    أتف القصائد اٍذا ما القصائد
    دايره ليك البكاء البصاحب
    رضا السردار
    اٍذا ما القصائد بتنزل مريده
    تسبح بحمد الذى اٍبتلاك
    وهدانى الودار(7

    نجد أن الموروث الفنى لمصطفى سيد أحمد لم يرفض التعبير عن واقع الطبقه الحاكمه ،بل رفض محصلة الواقع الذى تسببت فيه الطبقه الحاكمه. ومايفصح عن ذلك النموذج التالى الذى رفض الواقع السيء وما تنبىء عنه حالة المدن التى أفتقدت لأهم السمات المميزه لها مما أعسر مهمة التعرف عليها، بعد أن هجرها ساكينيها وأستوطن بها الجوع وأصبحت أشباحاً إٍذ لم تعد ملاذاً آمناً لهم شأنها شأن الكلمه التى أضحت حبيسة الجوف بعد أن فقدت الأمن والأفراح معاً ، وبلغ الواقع من القسوه ما جعله يخاصم طفله فأصابها الهزال وحرق جسمها مد الأسى الحراق.

    تعالوا نشوف ……تعالوا نطوف
    على المدن البقت أشباح
    على الجوع القعد مرتاح
    على الكلمه البقت فى الجوف
    تفتش سكة الأفراح
    تعالوا نشوف……
    منو البقدر يخاصم طفله
    صبحت هازله فوق مد الأسي الحراق(79)


    وتواصل أغنيات مصطفى سيد أحمد تمردها على الواقع السيء، وتستنكر أن تحل كارثة المجاعه بالسودان على الرغم من وجود ثروه حيوانيه تمثلها (المِِرحات) ,وثروه زراعيه قوامها أرض بكر تنتج الغلال والمحاصيل ،مما يدرى عنها شُبّهه المجاعه .كما أنها ترفض سياسة التصدير غير الرشيده مما يكشف عن خواء مضمونيه الشعارات.

    مُراحك يَعشى ويَفشى
    خضارك يرطب يندى الضهارِي
    ترابك مفوسب يقوم دخن
    لو زرعت الحجاره
    بلادك ولادك قروها السحالى
    تسفر سعيتك تقنب تباري
    الجداد العقالى(80)





    أو حينما تقول :-

    مصانع بتحرق قبل تبدأ فيها
    مزارع بتيبس ونيلك ممدد جنازه
    عقيدك وسيدك بيكتب
    ويمحى تبق المحايا (81)

    أن رفضها للواقع وإصطفافها إلي جانب ضحايا ذلك الواقع ،نابع من سعيها الحسيس لإٍعادة صياغته وتشكيله بما لديها من خبرات جماليه و فنيه كفيلتين بتحقيق ذلك.
    النموذج التالى يوضح ما لحق بالمزارع من غبن بعد أن وضع التعب يده على جبينه وتملأ يديه رمل الشقي مغلوباً على أمره فى جلد وصبر، ينتظر عدالة السحاب بعد أن قنط من عدالة الأرض.

    ألقاك وين
    كان التعب ماخت أيدو
    على جبين تربال
    يخم رمل الشقى المليان غلب
    دقست قوافلو مع السحاب
    رابط جليد الهم سعن
    محزوم خشيمو من الصبر
    راجى السحاب(82)

    إن أغنيات مصطفي سيد احمد لم ترفض الواقع السياسي وحده ، بل رفضت كل تداعيات ذلك الواقع والذي ألقي بظلاله علي كافة مناحي الحياة لا سيما الفني منها. النموذج التالي يوضح كيف أن الواقع السيء الذي يجسده الخوف والرتابه والحرقه اول ما أصاب ذلك الواقع ، الأغاني في نبضها والمعاني في حسها والمهابة في خاطرها الجريح.
                  

العنوان الكاتب Date
محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-20-05, 08:11 AM
  Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-20-05, 08:15 AM
    Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-21-05, 03:15 AM
      Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-21-05, 03:33 AM
        Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Elmosley07-21-05, 04:57 AM
          Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-21-05, 06:51 AM
            Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-21-05, 06:56 AM
              Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-21-05, 07:00 AM
                Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-22-05, 04:49 AM
                  Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-22-05, 04:53 AM
                    Re: محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤي تعريفية للفن Ismail Alsayed Nazar Yousif07-24-05, 03:39 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de