|
Re: رسالة إلى.... صديقي عثمان محمد صالح (Re: طيفور)
|
Quote: خرساء حي العمال ـــــــــــــــــــــــــــــ ترتاح ظلال العـصيرة على عـنقـريب متهدل الحبال في برندة معروشة بعنبة. أرتاح أنا الآخر علىعـنقـريب مجاور سيسطو عـلى لحافه لاحقاً طوفان، شابكاً يديّ تحت رأسي فـيسوقـني إلى تراب الشارع نداء أخرس لايسمعه إلاّ المقـرّبون، مبصراً في التوب شروخ تواريخ وأحداث أتـلفـتْ ذاكرتها أمنيزيا في زمن سبق خروج الحي العمالي إلىالوجود، في تجاعـيد قـبة مهيبة لها سلالم. أرتقي السلالم. قـطعتُ في مسيرة ثلاثة أيام أحراشاً عـلى نهر سيتيت. كان ذلك في العام 1975. تابعتُ مجرى النهر متعقـباً رائحة قهـوة . عـبرتُ إلى الضفة الأخرى على جسر الرائحة التي ظللتني ثم ضللتني وهي تغريني بمفارقة المجرى . نفـذ زادي و سجائري وإيماني وصبري في وهاد مغضوب عليها وعـتامير بلا وجيع وبطاح عـنكوليب تشقـق من الحَر بإنتظار رحمة مناجل. تهتُ أسبوعاً كاملاً أمضيته متوسّداً كومة قـش جاف وعـقارب دائخة الأذناب وثعابين زاهـدة في إلحاق الأذى بالناس والكائنات تحت تأثير سطوة قـبة الصوفي المدفـون في حلة أم شديدة على طريق اللواري والبصّات السفـرية بين حلفا الجديدة وعطبرة. طششتْ بي شمس ظهيرة فإذا بركـبتيّ غاطستين في رغـوة مالحة تشق طريقها من البحر الأحمر إلى مضارب. أخبرني من أخبرني بأن البحر فاض من تراكم بضائع سعودية مهرّبة وشباك منتحرة وسفـروقات تتعقـب سيقان أرانب وعـيون ثعالب ولغات محلية تائهة وظلال أشجار دوم وأظلاف في أوحال وأربطة تكتم أنفاس دلاء وبقايا عجوة مغمسّة في زيت سمسم و مياسم متـقـدة لرقم بعير أجرب وقـِرب يابسة في آبار وعـقـود سكسك منـفـرطة ومظالم دهـرية وثأرات قـبلية سممّت الهواء وثغاء مواشي تتناطح حول كلأ يابس وغـبائن مصرورة في بُـقـَج محمولة عـلى رواحل وأسلاك تلغراف وعجاجة مسلولة تكح في عراء وفـناجين قهوة ضُهريّة وحَور في عـيون ورمد وبائي وشملات و مُخلايات وأشواك هجليج مغروسة في أقـدام مناحات وقلاّيات وأكياس تمباك وسيقا ن خروع و رحلات صيد فاشلة وسَـفـّايات مخبولة تلتهم كل ما يصادفها بلا تمييز وأحذية أمهرية لاجئة ومناجاة لشفـيع الأمة وصلاة تتوسّـل كـشف الغـمة وفـلنكات غافـلة جرفـتها أمطار وأوتاد خيام وأدعـية في مزارات وحول قـباب و صديريات و فـلّوكات أجهدتها أنشطة التهريب المنظّم وأفـقـدها الإبحار بلا توقـف الرغـبة في الحياة. عـدتُ خائضاً في الرغـوة الآخذة في الإنحسار حتى أشرفـتُ على وادي الحجر متلفحاً بدمور رهـبة، ميمّماً صوب مسقـط رأس جدتي ــ المنحدر حرم إدريس في بلاد السكّوت. نهش ساق بعيري مرفعين فـواصلت سيراً على الأقـدام والنيل يتباعـد كلما قاربته حتى إختفى تماماً من ذاكرتي وأنا أصلي إماماًلأشباح صلاة الجنازة على رفات ضالين قـتلتهم في خلاء لمعة دينار ليبي. عـبرتُ سهولاً جرداء تـفـضي إلى سلسلة جبال، تسلقـتُ هاوية سقـط فـيها أحد أفـراد عُـصبة اللعب ونجا من الموت المحقـق بأعجوبة جعلت منه بطلاً ثابتاً في حكايات مابعد الدوام المدرسي و سلكتُ جُسوراً خشبية مترجرجة تربط بين جبال، متفادياً نوايا كتاحات رملية وعابراً في المرحلة الأخيرة عـدداً من الكهوف مسكونة بأنياب كواسر و تجاويف مغارات ــ يطلّ منها فحيح ظلال شابحة وشرور طافحة من عـيون متقـدة و زمجرة وحشية تـفـوح من برهات خفـوتهاعـفـونة رميم ــ تشكّـلها تلافـيف أغـصان وسحر مغامرة تحولّـت إلى روتين وبلبلةٌ في أصابع مرتعدة وإضطراباتُ أنفاس وجلة وصمتُ أعالي تسبح في خيلاء لاتكترث بالزوار، بالغاً ما تعارفـتْ عـُصبتي على نعته بفـرع الطيور. قـمة الشجرة الخرساء حيث لا هواء ولا سماء ولا أعـشاش ولا طيور. نحن أطفال الحي عـَبدة شجرة النيم العجوز كـنا الطيور.
لم تكن لها صداقات بين أشجار الحي. كنا لها الأصدقاء. تخالط وقارها مسحة كآبة . كـتومة للآلام حتى عـندما يشتد عـليها هـبوب الزمن. يشّع منها حنين لمرقـد الأسلاف في شبه جزيرة آسيوية. خرساء وعاقـرْ .
يتـفاداها العابرون من سوق الحي وعمال السكة حديد في غـدوهم ورواحهم . حتى إدريس مجنون الحي كان يفـضّل الرمضاء على ظلها. تساقـطتْ مني أرياشُ لهو و وهـبتُ جناحيّ لمولود من مواليد الحي رأيتُ فـيه ملامحي وتوسّمتُ فـيه محبة الخير للأشجار عـندما تجازوتُ عُـصبتي مرحلة الطفـولة، ساعتها إختـفـت الشجرة الخرساء في باطن الأرض.
أكثر من عـقـدين من الزمان وأنا ألمح شجرة النيم العجوز المطمورة في طيات كتاب تـزهـر بين الحين والآخر في تربة سماء. ــــــــــــــــــــــــــــ عـثمان محمد صالح
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|