روضة وتاسيس الحزب الهاشمي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 01:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-31-2004, 11:18 PM

شريف محمد ادوم

تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي (Re: شريف محمد ادوم)

    دور الحزب الهاشميوالعقيدة الحنفية

    في التمهيد لقيام دولةالعرب الإسلامية



    Quote: القسم الثاني


    الحزب الهاشمي






    تـأسيس (1)


    " إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء " – قالها عبد المطلب بن هاشم ، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته ، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة ، التي عاشتها جزيرة العرب ، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص ، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة : هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة ، تكون نواتها ومركزها ( مكة ) تحديداً ، برغم واقع الجزيرة آنذاك .

    وكان هناك من هو لرأى عبد المطلب من ذوى النظر الثاقب ، والفكر المنهجي المخطط الذين استطاعوا أن يصلوا إلى النتيجة نفسها ؛ بعد قراءة واعية للخريطة السياسية ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية ، لكن الكثرة الغالبة لم تكن مع هذه الرؤى ؛ حتى اليهود الذين كانوا يعيشون بين ظهراني العرب – كعرب – ما خطر لهم هذا التوقيع قط ، وإنما كانوا يترفعون على سائر العرب ، ويفاخرون بأن لهم من الأنبياء عدداً وعدة ، ومن الأسفار المقدسة كتاب سماوي المصدر ؛ ومن ثم أجاز الأستاذ العقاد لنفسه – وهو رجل متزن ومتوزان – أن يجزم قاطعاً : " بأن شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان أعظم من كل شأن لها في جزيرة العرب " ( 1 ) ، وهذه الحقائق التي يعنيها الأستاذ العقاد هي أنه برغم عدم قراءتهم الصحيحة لإفرازات الواقع على الأقل بالنسبة لمكة ؛ فإن حكاياتهم عن مغامرات أنبيائهم القدامى ، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها الملك النبي داود ، وما لحقها من تهويلات ومبالغات ، كانت وراء الحلم الذي داعب خيال سراة العرب وأشرافهم ؛ حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة ، مشرقاً في الخيال ، تدعمه ما بدأت تشهده الجزيرة في مناطق متعددة من محاولات لتوحيد القبائل سياسياً ؛ سواء عن طريق التحالفات الجانبية التي شكلت نويات مرجوة لوحدة أكبر ، أو عن طريق إخضاع قبيلة لأخرى ، أو التحالفات التي تتفق ومنطق البداوة ، والتي كانت تتم بين القبائل المنتمية إلى سلف واحد ، مما يجعل انتظامها تحت إمرة زعيم واحد أمرا أيسر ، خاصة عند حدوث جلل طارئ أو خطر مشترك ، ولا ننسى المحاولات الأخرى المباشرة التي اتخذت صيغة الملك وصبغته ؛ كمحاولة ( زهير الجنابي ) زعيم قضاعة تمليك نفسه على بكر وتغلب ( 2 ) ، أو الممالك التي قامت فعلاً من زمن سابق لكن في ظروف مختلفة على حدود الإمبراطوريات الكبرى – مثل مملكة الحيرة ، ومملكة الغساسنة . لكن بقية الناس – حتى داخل مكة – ممن كانوا يعتبرون أنفسهم عقلاء لم يكونوا مع هذا التفاؤل ، ولا مع هذا الجموح في الآمال ، فهذا الأسود بن عبد العزي يقدم الاعتراض البدهي والواضح والمباشر : قائلاً : " ألا إن مكة لقاح لا تدين لملك " ( 3 ) ، وهو اعتراض يستند إلى قراءة أخرى ؛ فالعرب – أياً كان الظرف الاجتماعي – لا تقبل بفرد يملك عليهم ويسود ؛ لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على بقية العشائر ، وقبيلة على بقية القبائل ، وهو ما تأباه أنفة الكبرياء القبلي وتنفر منه ، ولعل هذه القراءة تجد حجتها البالغة في تجربة رجل مثل النعمان بن المنذر ، الذي ورث المـُلك أباً عن جد في مملكة الحيرة ، ومع ذلك وقف يلقى خطابه أمام كسري الفرس ، وفي حضرة وفود دول عدة ، مدافعاً عن عروبته بقوله : " فليست أمة من الأمم إلا وجهلت آباءها ، وأصولها ، وكثيراً من أوائلها ، حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه ديناً ، فلا ينسبه ولا يعرفه ، وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أباً فأباً ، حاطوا بذلك أحسابهم ، وحفظوا به أنسابهم ، فلا يدخل رجل في غير قومه ، ولا ينسب إلى غير نسبه ، ولا يدعى لغير أبيه ..

    وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضاً ، وتركهم الانقياد إلى رجل يسوسهم ويجمعهم ، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم ، إذا أنست من نفسها ضعفاً ، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف ، وإنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد ، يعرف فضلهم على سائر غيرهم ، فيلقون إليهم أمورهم ، وينقادون لهم بأزمتهم ، وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم ، حتى لقد حالوا أن يكونوا ملوكا أجمعين " ( 4 ) .

    والخطاب هنا – سواء صحت نسبته للنعمان بن المنذر أو لم تصح – لصاحب رؤية سياسية فذة ؛ حاول أن يوضح – بإيجاز الظرف الاجتماعي العربي ؛ الذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وحدة سياسية كبرى لعرب الجزيرة ؛ ذلك الظرف المتمثل في نظام قبلي ، و عصبية عشائرية ، كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر ، للإبقاء على دوام وجود القبيلة ؛ باعتبارها وحدة عسكرية مقاتلة يلزمها التماسك اللزج دوماً ، والذي كانت مادته اللاصقة : رابطة الدم التي اكتسبت قدسية مفرطة ، وهو ما يفسر الشكل الديموقراطي البدائي التي تمتعت به القبيلة ؛ بحيث وقف جميع الأفراد داخلها على قدم وساق ، بمساواة تامة ، وبمعيار الانتساب لأب واحد ، وذلك وحده كان كفيلاً بإلغاء أي تمايز ، إضافة لظرف آخر دعم هذه المساواة ، وهو مواجهتهم جميعاً لذات المصير دوماً ، كمقاتلين .

    والخطاب يوضح أيضاً – بشكل وضاء – الأسباب التي لم تؤد بالنظام البدوي إلى إفراز مؤسسات سياسية ( ملكية ) متوارثة ؛ لأن القبيلة وحدة عسكرية طارئة ، وزعامتها بدورها أمر طارئ متغير لمقتضيات الصراع الناشئ وظروفه ؛ تلك المقتضيات التي تحدد سمات الزعيم المطلوب أنيا ، وعليه فالزعامة كانت تمنح منحا لصاحب القدرات التي تناسب الظرف ومقتضياته ، وهي صفات مكتسبة لا تنتقل بالوراثة ؛ على حين ينضوي الجميع في الظروف الاعتيادية تحت لواء الأحكم ، الأكبر ، الأكثر دراية والأكثر قدرة على المنح والعطاء ، وفي كلتا الحالين تظل المساواة حاضرة ؛ مما جعل البدوي واعياً تماماً لفرديته ، مصراً على الاعتداد بنفسه ؛ بإسراف تمثله دواوين العرب في الحماسة ، والفخر ، والاعتزاز بالفرد أو بالقبيلة أو بالنسب .

    وفي خطاب ( النعمان ) دعم آخر لوجهة نظر ( الأسود بن عبد العزي ) ؛ فهو يؤكد أن الأمم إنما تقبل الخضوع لملك فرد في وحدة سياسية ، إذا " تخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف " .

    وقد أثبت الحجاز – ومكة بالذات – أنه بعيد المنال ، ولا يتخوف نهوض عدوه إليه ، فبينما كانت الممالك العربية قد وقعت تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي – ففقدت اليمن استقلالها منذ الربع الأول من القرن السادس الميلادي ، وسقطت تحت حكم الأحباش ثم الفرس ، وفقدت مملكة الحيرة استقلالها وتحولت إلى إمارة يحكمها أمير فارسي ، واضطربت أحوال المملكة الغسانية بعد أن قلب لها الرومان ظهر المجن – فإن منطقة الحجاز بمدينتيها الرائدتين ( مكة ويثرب ) ، كانت تتمتع باستقلال نقي ، هيأها له وضعها الجغرافي ، ووعورة الطريق إليها ؛ فكانت هي البيئة العربية الخالصة ؛ البعيدة عن مجال الصراع الدولي ، وعن التأثر بالحضارات الأجنبية ؛ بدون أن تفقد التواصل معها ، ولم تخضع لحاكم أجنبي ، ومع ذلك فلم تكن فيها ممالك بالمعنى الحقيقي ، ولا وحدة سياسية كبيرة تنتظم أمر قبائل الحجاز جميعا ، وهذا كله إنما هو دعم حقيقي لرأي ( الأسود بن عبد العزي ) !

    وإزاء كل هذه العوائق الواضحة ، والمحبطات السافرة للحلم ، وللأمل ، وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داود ، وعندما وصلوا إلى هذا ؛ فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب ؛ حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة ، وأمن هؤلاء بذلك ، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي ؛ وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة ؛ وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم ؛ مثل ( أمية بن عبد الله الثقفي ) الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك : فقام ينادي :

    ألا نبي منا فيخبرنا ما بعد غايتنا في رأس محيانا ؟


    لكن العجيب فعلاً ألا يمضي من السنين غير قليل ، حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية و مقتدرة ، تطوي تحت جناحيها – وفي زمن قياسي – ممالك الروم و العجم ؛ بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم : محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه النبي المنتظر !


    هوامش

    _______


    عباس محمود العقاد : طوالع البعثة المحمدية ، دار نهضة مصر ، القاهرة ، 1977 ، ص 73 .


    ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ليدن ، بريل 1886 ، ج1 ، ص 206 .


    عبد الملك بن هشام : السيرة النبوية ، تحقيق طه عبد الرءوف سعد و محمد محيى الدين عبد الحميد ، شركة الطباعة الفنية المتحدة ، القاهرة 1974 ، ج1 ، ص 206 .


    ابن عبد ربه : العقد الفريد ، تحقيق د . عبد المجيد الترحيني ، دار الكتب العلنية ، بيروت ط3 ، 1987 ، ص 277 ،278





    **********

    الحزب الهاشمي



    تأسيس ( 2 )


    يقول الدكتور ( أحمد شلبي ) في كتابه ( السيرة النبوية العطرة ) : إن " أهم مصادر الثروة عند العرب ، ارتبطت بالتجارة ، وقد أشتهر العرب في الجاهلية بالتجارة شهرة واسعة ، حتى قيل إن كل عربي تاجر ، وكانت الجزيرة العربية تمثل بحراً واسعاً تخترقه قوافل في شبه مجموعات من السفن ؛ تمخر عباب البحر الفسيح ، وقد حلت هذه القوافل محل الملاحة بالبحر الأحمر الذي كانت فيه الملاحة عسيرة .. وكان هناك طريقان رئيسيان للقوافل ؛ أحدهما من الشمال إلى الجنوب ؛ وغير بعيد عن البحر الأحمر ؛ وهو في الشمال يتفرع إلى الشمال الشرقي في تجاه سوريا ، وإلى الجنوب الغربي تجاه فلسطين ؛ وهو في الجنوب يسر شوطاً مع ساحل حضرموت ، أما الطريق الثاني فهو يخترق الجزيرة العربية من البحر الأحمر إلى الخليج العربي ماراً بمكة ؛ ويتفرع في قلب الجزيرة إلى فرعين : يتجه أحدهما إلى الشمال الشرقي فيصل شط العرب ، ويتجه الآخر إلى الجنوب الشرقي ويسير مع الخليج العربي ماراً بدبي ومسقط وظفار . ولما وقعت اليمن فريسة الاستعمار الحبشي ثم الفارسي ، استطاع المستعمرون أن يسيطروا على النشاط البحري الذي انكمش انكماشاً ظاهراً ، أما النشاط البري داخل الجزيرة ، قد انتقل إلى مكة ؛ لأن نفوذ القوى الأجنبية لم يستطع قط أن يمتد إلى قلب الجزيرة " (1) .

    ثم أن الدكتور ( شلبي ) يعمد إلى إعادة تفصيل هذه المسألة في موضع آخر من كتابه ؛ فيقول : " إن هؤلاء البدو استطاعوا أن يلعبوا دوراً مهماً في تجارة العالم ، في تلك الأزمان السحيقة .. ولم تكن سفن ذلك العهد تستطيع استعمال البحر الأحمر المملوء بالجزر ، التي تجعل الملاحة خطراً عليها ، ومن عيوب الملاحة في البحر الأحمر أيضاً أن شواطئه قليلة الموانئ ، وأن به كثيراً من الشطوط الضحلة ، التي كان اقتراب السفن منها أمراً محفوفاً بالخطر ، ولم تكن السفن تستطيع استعمال الخليج الفارسي ؛ بسبب وجود الفرس على ساحله الشمالي .

    وهم أعداء لسكان حوض البحر المتوسط . وعلى هذا أصبحت المواصلات البرية هي الطريق المهم للتجارة عبر البادية ؛ بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب ، وقد حدد البدو أماكن للراحة والاستجمام طوال الطريق فكانت بمثابة محطات يتزودون منها بالماء والزاد ، وكانت أيضا بمثابة مخازن يودعون فيها بعض المتاجر ؛ لتلحق بقافلة أخرى عبر طريق آخر " ( 2 ) . ويضيف هنا الأستاذ ( أحمد أمين ) قوله : إن " طريق البحر لم يكن طريقاً مأموناً ، فالتجأ التجار إلى البر يسلكونه ، ولكن طريق البر نفسه كان طويلاً وخطراً ؛ لذلك أحاطوه بشيء من العناية ؛ كأن تخرج التجارة في قوافل ، وأن تسير القوافل في أزمنة محددة ، وطرق محددة ، ثم يشير إلى تحول هو جد خطير ؛ برغم أنه كان ناتجاً طبيعياً من تحول مكة من مجرد محطة على الطريق ، تأخذ عشورها وضريبتها ؛ إلى حاضرة تجارية تظهر فيها طبقة من التجار تحتكر الأمر لنفسها فيقول :

    " ثم أنحط اليمنيون .. وحل محلهم في القبض على ناصية التجارة عرب الحجاز وكان ذلك منذ بداية القرن السادس للميلاد ؛ فكان هؤلاء الحجازيون يشترون السلع من اليمينين والحبشيين ؛ ثم يبيعونها على حسابهم في أسواق الشام و مصر ، وقليلا ما كانوا يبيعونها في أسواق فارس ؛ لأن التجارة مع الفرس كانت في يد عرب الحيرة ، وجعل عرب الحجاز مكة قاعدة لتجارتهم ، و وضعوا الطريق تحت حمايتهم ،، ( 3 ) .

    ومصداقاً لقول الأستاذ ( أحمد أمين ) نجد الروايات الإخبارية تجمع على قيام ( تبع ) ملك اليمن في وقت مبكر بحملة لإخضاع مكة و يثرب ؛ كأهم المحطات التجارية على الطريق ، ويقول

    ( المسعودي ) : " وهو الملك السائر من اليمن إلى الحجاز ، وكانت له مع الأوس والخزرج حروب ، وأراد هدم الكعبة ؛ فمنعه من كان معه من أحبار يهود " ( 4 ) .

    كما تجمع هذه الروايات على عدد آخر من محاولات ملوك حمير التبابعة ، لتوسيع نفوذهم وسيطرتهم على الخطوط التجارية في أماكن مختلفة من الجزيرة ، ومنها قيام ( تبع بن ملكي كرب ) بتجريد حملتين : الأولى على طريق التجارة مع الفرس ، وقصدت منطقة الحيرة ، والثانية على طريق الشام ومصر ، وقصدت الحجاز ( 5 ) ؛ هذا إضافة إلى حملة الفيل المشهورة على مكة . ولعل الصراع الذي نشأ في اليمن بين الديانة اليهودية والديانة المسيحية كان ناتج سعي الرومان للحد من نفوذ اليمن وسيطرته على الشريان التجاري ، وعادة ما أتخذ مثل ذلك الصراع أشكالاً دينية ، وقد بدأ بلا جدال في تحالف الحبشة – كمنافس لليمن – مع الروم ، واعتناق المسيحية ؛ من أجل دعم سيطرتهم على الطريق التجاري ، ثم ظلت اليمن محلاً لاصطراع الروم والفرس ، أو إصطراع المسيحية المدعومة من الروم واليهودية المدعومة من الفرس ، لظروف اقتصادية بحتة : حتى الفتح الإسلامي سنة 628 م . وقد فشلت الحملات جميعاً على الحجاز ولم تحقق أغراضها . وما أن أطل القرن السادس على ربعه الأخير حتى بدأت المنافسة بين مكة ويثرب : أهم محطتين في الحجاز ، تبدو أكثر وضوحاً ، وكان ممكناً أن تصبح يثرب صاحبة شأن خطير في العصر الجاهلي ، بحسبانها محطة مرور ضرورية يمر عليها الطريق التجاري القادم من مكة شمالاً ، لولا دخولها مرحلة تمزق ، نتيجة الخلافات الداخلية التي ربما كان سببها تركيبها الهجين ، فبرغم تجانس السكان – فسكانها من الأوس والخزرج من اليمن وبطون اليهود يعودون إلى أصول يمنية – فإن العامل الديني ووجود اليهود فيها كان لا شك عاملاً مؤججاً للصراع الداخلي ؛ حتى أشرفت على هلاك كامل ؛ أدى بها إلى محاولة سبق لمكة ؛ فكادت تقوم بها مملكة على يد ( عبد الله بن أبي سلول ) قبل الهجرة النبوية إليها ( 6 ) .

    ولم تكن قريش بريئة كل البراءة مما يحدث في يثرب ، وإنما أسفرت عن توجهها بالتحالف مع الأوس ضد الخزرج يومي معبس ومضرس ، وهو مما يلقي الضوء على المستقبل القريب ، عندما يتحالف أهل يثرب وعلى رأسهم الخزرج مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ضد قريش ، ويفسر لنا التحالف الذي سبق ذلك بين عبد المطلب بن هاشم ممثلاً لبني هاشم ، وبين الخزرج من أهل يثرب .

    ومع نهاية القرن السادس الميلادي نجد مكة تقف على الطريق ؛ مالكة لمركز رئاسي لا شك فيه ، بعد أن أتاحت لها الظروف الداخلية تجميع التجارة الخارجية في يدها وأتاحت لها الظروف الخارجية أن تستغل الأوضاع العالمية لصالحها ، خاصة الصراع الدولي الهائل بين الروم والفرس في الشمال والجنوب ، وهو الأمر الذي أعانها على القيام بأمر تجارة العالم ، والنجاح فيه بكفاية ، أكسبت أهل مكة ثروة عظيمة ، فحظيت باحترام عربي عام ؛ حتى باتت مؤهلة للزعامة ، في وقت أخذ فيه العرب يتطلعون إلى منطقة عربية مستقلة ؛ تتولى زعامة النهضة العربية وتقودها ، أو كما يقول الدكتور أحمد الشريف : " أصبحت أهلا لأن تكون موضع النواة في قيام نهضة قومية عربية واطمأنت قريش إلى هذا المركز ، وعملت على دعمه ، وحرصت على دوامه " ( 7 ) .


    هوامش

    _______


    د . أحمد شلبي : السيرة النبوية العطرة ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط12 ، 1987 ، ج1 ، ص 124 .


    نفسه : ص 153 .


    أحمد أمين : فجر الإسلام ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط 14 ، 1987 ، ص 12 و 13 .


    المسعودي : مروج الذهب و معادن الجوهر ، تحقيق محمد محي عبد الحميد ، المكتبة الإسلامية ، بيروت ، د.ت ، ج2 ، ص 76 .


    ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج1 ، ص 108 .


    محمود الحوت : في طريق الميثولوجيا عند العرب ، بيروت ، دار النهار ، ط2 ، 1979 ، ص 59 : 62 .


    د . أحمد إبراهيم الشريف : مكة و المدينة في الجاهلية و عهد الرسول ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط2 ، ص 238












                  

العنوان الكاتب Date
روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم03-31-04, 09:07 PM
  Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم03-31-04, 09:33 PM
    Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم03-31-04, 11:18 PM
      Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم04-01-04, 02:51 PM
  Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم04-02-04, 09:15 PM
  Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي شريف محمد ادوم04-03-04, 02:20 PM
    Re: روضة وتاسيس الحزب الهاشمي hanouf5604-04-04, 11:58 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de