ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 09:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-27-2004, 11:38 PM

Amjed
<aAmjed
تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 4430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل (Re: Ehab Eltayeb)

    ومد ماجد عبد الرحمن (بسرية تامة) برنامج الجبهة الإشتراكية التقدمية لجو، بعد أن لاحظ ـ خلال المناقشات بينهما ـ بعضاً من ميوله (الثورية). بدأ جو يقرأ. وبعد كم جملة، أعجب بـ(القصة) ثم أكملها بحماس لا حماس بعده.. وأعاد قراءتها مرتين. وظل طوال الليل يفكر، وتورط ـ بعد ذلك ـ ماجد عبد الرحمن ورطته التاريخية!

    ـ كويس خالص! ولكن ما هي البرجوازية الوطنية؟!

    "هي: كيت وكيت وكيت .."

    ـ ولكن ماركس لم يقل ذلك!

    "قال"

    ـ لم يقل!

    (قال.. لم يقل.. قال .لم يقل)

    ـ يازول أراح نمشي لماركس..

    ويذهبان إلى ماركس فيؤكد ماركس أنه لم يقل ذلك! وفي طريق العودة، يعود ماجد عبد الرحمن إلى النقطة رقم واحد مدفوعاً بمزاعم التفوق (الأكاديمي) و(المستوى) و(الوضع):

    "دة أكيد ماركس مزيف!"

    ـ وكيف عرفت؟

    "هذا ما قاله (التقدميين)"

    ـ ولماذا لا يكون هؤلاء التقدميين هم المزيفين؟

    ثم تبدأ المغالطة، ويتجاوزر جو:

    ـ حسناً؛ فمن الذي سيقوم بالثورة؟

    "الجماهير طبعاً!"

    ـ ولكن كيف؟؟

    "بـ(تمليك القيقة للجماهير)!"

    ـ ولكن من يملِّك الحقيقة لهذه الجماهير؟

    "التقدميين!"

    ـ ومن هم هؤلاء التقدميين بالضبط؟

    "كذا.. وكذا.. والبرجوازية الوطنية!"

    ـ ولكن ما مصحلة البرجوازية الوطنية في (الثورة)؟

    لا إجابة (مادية)!

    وخرج حزب ماجد عبد الرحمن من المولد بدون حمص! ولكن جو خرج بـ"تمليك الحقيقة للجماهير". وقام بتكوين حزبه الشخصي إبتداءً من عم عبده، مروراً بأولاد قرف ونون وأستاذ عساكر ورينقو وهباش وزنجي، إلى عوضية وديكور وأبدللاهي إساخا وعثمان سينين وبت النور وآخرين وسماهم جزافاً (التقدميين). ولم يضع ماجد عبد الرحمن حتى في الإحتياطي! لأنه لاحظ أن إبن خاله هذا لديه تبريرات غريبة! فهو يزوغ من مظاهرات الطلبة "اللحفاظ على الكيان التقدمي"! وأنه يحب الأطعمة الشهية، والأسرة المخملية ثم يردد على جو بدون مناسبة:

    "الواحد لازم يروق عشان يقدر يفكر ويناضل كويس"

    !!!

    كان من عادة جو ـ كما نعرف ـ الصحيان المبكر والنشاط. فهو الذي ينظف الحجرة، ويغسل الأطباق ويرتب الأشياء التي يبعثرها ديكور، ويعد الشاي، ويجلب الضروريات من الدكان أو السوق. وبتردده على منزل (أهله)، فقد نشأت بينه وبين عوضية (الخدامة) صحبة وإلفة جميلة. وكان عندما يأتي إلى البيت يقوم بمساعدتها في أمور كثيرة. وكانت قد ظهرت في تلك الأيام حكاية صف الرغيف! فصار جو يكفي عوضية شر (المكابسات) الليلية. ويحمل الكيس ويذهب في الفجر إلى صف الرغيف. وذات يوم، وهو عائد من هناك، فاجأه ماجد عبد الرحمن:

    "ياخي أحرجتنا.. إنت خدام ياخي؟؟"

    ـ احرجتك مع منو؟‍‍‍‍‍

    " يا أخي جيرانا ديل كلهم عارفين إنك قريبنا"!

    أندهش جو ثم رد:

    ـ يا خي الخدامين ديل مش البلوتاريا الإنت بتناضل عشانم؟‍!

    ارتبك ماجد عبد الرحمن وقال:

    "آ...أيوة"

    ـ وإنت محرج منهم ليه؟ ثم تعال يا خي إنتو ليه عاملين خدامة؟

    "ما دة شغل!‍ وإحنا قاعدين نديها مرتب يا خي؟!"

    ـ طيب الرأسماليين مش قاعدين يدوا العمال مرتبات؟

    "تفرق يا خي" ‍

    ـ تفرق في شنو؟

    "إحنا ما قاعدين نستغلها!!"‍

    ـ إذا افترضنا إنو دة صاح في التعب؟ طيب تمن الأحراج دة برضو محسوب في المرتب؟ وإذا كنت إنت نفسك يا ماجد ـ خلّيك من الرأسماليين ـ بتُحرج من شغل الخدامين دة تبقى حتجي من وين المساواة الإنت بتتكلم عنها دي؟؟ وبعدين هو في حاجة إسمها خدامين في الإشتراكية؟؟

    "والله إنت بقيت لي ماركس عديل!" ‍‍

    ـ وهو في ماركس عديل وماركس مش عديل؟!

    ...

    وبدأت تتضح لجو حكاية البرجوازية الوطنية هذه قليلاً قليلاًَ إلى أن أزالت ضباباتها الأيام بعد ذلك.



    ****





    ظهرت نتائج الإمتحانات. ونجح الرفاق إلا نون! الغريبة أنها رسبت في (اللغة العربية) ‍ولكن "إذا عرف السبب بطل العجب"! والسبب هو ببساطة تزمُّت مصححي (العربي) التقليديين، الذين لم يسمعوا بـ(أشكال التعبير الجديدة) فظنوها أخطاء الجهل بـ(العربي)! وكاد السيد زين العابدين يموت من الغيظ. وكان على نون أن تعيد السنة (الكرّة) ليتولى هو بنفسه مسألة العربي هذه!



    إنتحبت نون كثيراً، ولكن جو أرسل إليها رسائل أقل رومانسية ـ ولكنها أكثر حباً. وحكى لها عن أشياء كثيرة لم تبصرها هي من وراء الجدارن. وفرد لها إتساع الدنيا. ودعاها إلى أن تواصل اجتهادها (وتنحني للريح) مرة أخرى، وطمأنها أن التأبيدة ستنتهي بالإفراج قريباً، وقال لها "إن الناس الذين يستحقون الحب أكثر بكثير مما نتصور وإن الأيام لابد أن تصير جميلة في نهاية المطاف فها هي قد حدثت المعجزة وحقق على إسماعيل حلمه ودخل كلية الهندسة.. وهاهي أنهار ستكون بجانبه، وشربات ستتحدد صرفته عما قريب".

    في بيت عامر ديكور، أقاموا إحتفالاً كبيراً على شرف النجاح حضره ماجد عبد الرحمن... ولما صعد العطر الرؤوس، فاجأهم عثمان شربات:

    ـ عارفين يا ########ين أنا صاري ليكم شنو؟

    ـ طبعاً صاري لينا وشك المكعوج دة ـ قال ديكور مازحاً، فألقمه شربات حجراً:

    ـ يا زول أعمل حسابك. والله الكلام ده لو وصل لأنهار، خشمك حيتكسر بالعكب العالي!

    تدخل جو:

    ـ أها يا أبو الشرابيت؟

    ـ تعرفوا يا جماعة إنو (البوكسن) بتاعنا ما بدخلنا الجامعة.. وما عايزين مدافرة تاني.. لكين يا كلابات "كل آفة وليها آفة" أنا قررت أدخل كلية الشرطة.

    ـ لا حولة!! ‍‍ـ قال على إسماعيل ـ عايز تبقى (إر المضر)؟!

    ـ مضر ساكت؟‍ والله الأسويها فيكم النجار في الشجر ما سواها.. علي اليمين أقبضكم جنس قبض!! ‍‍تمشوا مني وين؟ لكين أحسن ليكم الفوضى بتاعتكم دي كملوها من هسع... أنا بحذركم.

    ـ يا خي إحنا متين بدينا وانت صاقع فينا تهديدات وتحذيرات!؟

    ـ بس أنا كلملتكم ... "ولا عذر لمن أنذر".

    ـ أيوآآ .ـ صاح على إسماعيل ـ أكيد دي أنهار أقنعتك.. طبعاً عايزاك تبقى زي أبوها؟

    ـ يازول أبوها بتاع شنو؟ دة راجل شاويش ساي!! ‍ طبعاً أخوكم أول ما يخُت النجمة على كتفه، يمشي ويصدر أوامر: "شاويش بشرى.. إلى الأمام مارش" مش زي ناس كدة.

    ـ والله يا جو الزول دة قاصدك عدييييل!

    ـ بالمناسبة إنت الجماعة بتاعينك ديل حيعملوا شنو؟

    ـ حيعملوا شنو؟ ما يحفظوا خطب، طبعاً حتكون عن المجد والسؤدد‍..



    كان ذلك العام جميلاً، فقد كوّن على إسماعيل وأنهار ومجموعة من الطلاب فرقة مسرح (جماعة الرصيف). أنضم إليهم جو ـ بطبيعة الحال. وبعد أول عرض لمسرحية الشماشة، ضربت شهرة فرقتهم الآفاق. وصارت تتزين بها إحتفلات الجامعة. فمع كل إعلان عن حفل لرابطة، أوجمعية، أو حزب سياسي إلا ويجد الناظرون "كورال.. شعر... مسرح الرصيف". وانهمك جو في تلك الأيام في كتابة مزدوجة: إلى نون وإلى العالم. وظهرت مسرحية (زوار الليل) المستقاة من مأساة أستاذ عساكر، وصادفت هوى لدى الطلبة و(ملّكت الحقيقة لبعض الجماهير). لكن أخطر ما كتبه جو في تلك الأيام، كان مسرحية (البرينسيسة)؛ التي تبدأ بمشهد مثير: إذ تزاح الستارة فتدخل البرنسيسة بصحبة كلابها وتمشي بكعبها العالي على السلالم المفروشة بأيادي الخدم والحشم! وفي وسط المسرح تجلس على ظهور أخرين، فيأتي لها آخرون بسلة (الموز)، تقشره، تأكله، وترمي بقشره ليتشاجر حوله الجميع!!

    وثارت جدالات طويلة في الجامعة حول (هوية) هذه البرينسيسة! فقد أولها كل على هواه؛ قال اليمنينون: "إنها (الطاغوت)"!! وقال الوسطيون: "إنها (السلطة)"! أما اليساريون فاختلفوا فيما إذا كانت هي (الرأسمالية) أم (البرجوازية)! أما الخبثاء فقالوا: إنها (شكش آخر زمن)!

    ولما سئل جو، قال: "البرنسيسة هي البرينسيسة"!





    ****



    بعد تلك (العلقة) النظرية، فقد حدثت بعض التغيرات الطفيفة لماجد عبد الرحمن، وقد بدأ يحل جزئياً محل بطيخة! وفي عزومة غداء لـ(أصدقاء التقدميين)، حسب وجهة نظره، حضرها بالإضافة لجو، على إسماعيل وأنهار؛ جاءت عوضية ووضعت المطايب على السفرة.. وهمت خارجة. فنادها جو:

    ـ تعالي يا عوضية أتغدي معانا.

    ـ لا أنا إتغديت

    ولما كان جو يعرف هذه الكذبة ـ لأن (ألخديم) لا يتغدين إلا بعد أسيادهن، حاصرها:

    ـ إنتي خجلانة من على إسماعيل ولا شنو؟ دة طبعاً بخجِّل.

    وكان علي أسماعيل يحدق في المطايب التي ذكرته ببطيخة؛

    ـ لكين معليش، إعتبريهم أصحابك. وأهي أنهار قاعدة معانا. وتمنى جو أن تكون الست سهى موجودة.

    ترددت عوضية.. فقام جو بجرها من يدها، ولز على إسماعيل جانباً ليفسح لها المكان.

    وها هي عوضية، ولأول مرة تتذوق الطعام يدا بيد مع ماجد وفي إناء واحد!!

    لاحظ جو مشاطها الجميل فقال:

    ـ شنو يا عوضية الليلة قيافة كدة؟

    ـ والله عندي عرس أخوي بكرة.

    ـ وإنتي ما عازمانا ولا شنو؟

    ـ لكين إنو بتجونا؟؟

    ـ وما نجي ليه؟

    ـ وما نجي ليه ـ أضاف على إسماعيل وهو (يجادل) عظماً ـ ولكز أنهار قائلاً:

    ـ شوفي.. إنتي تحاولي تتخارجي من الداخلية.

    ثم قال لعوضية:

    ـ طبعاً يا عوضية إحنا حنبيت عندكم.. نعمل شنو؟ طبعاً دي صحبة البنات، مافي طريقة نرجع بالليل!

    واحتجت أنهار على الجملة الأخيرة مؤكدة أن المشكلة سببها الرجال وليس النساء لأنهم هم الذين يخافون عليهن من الحاجات الفي (روسينهم ) و.. و..

    فتدخل جو لإخماد (الفتنة):

    ـ خلاص يا جماعة، ما تعلموا لينا البيضة أول ولا الجدادة!

    قالت عوضية، بصدق ومسكنة:

    ـ والله تشرفونا.

    ـ يشرفوك شنو؟ ديل حيجوا يوسخوا ليك بيتكم.

    ولأول مرة تسعد عوضية سعادة حقيقية بسيرة (الوساخة).

    وكذلك تورط ماجد عبد الرحمن ورطته التالية في معترك الجماهير والبلوتاريا.

    وهناك، في (الكرتون)، الجيتو السوداني، لم تصدق عوضية عينيها، وكانت في غاية الإرتباك وهي تستقبل (السادة) ضمن الوفد. ولكنها جرّت صديقتها إلى دكان اللفة لتحضرا (البيبسي) خوفاً من أن) (يعاف) (السادة) (ماء زيرهم) و(عصيرهم) ـ هذا طبعاً بالإضافة إلى كرمها الشخصي، ولكنها عادت ووجدت على إسماعيل قد (ضرب الصحبة) مع أهل البيت، وجعل البساط احمدياً. ولفرحتها بهذه المشاركة، بالإضافة للفرح الأساسي، رقصت عوضية "في بنات جيلها" كما لم ترقص من قبل. ولم يصدق ماجد عبد الرحمن أن هذه الجميلة الرشيقة هي عوضية (الخدامة)! التي لم يكلف نفسه يوماً بتفرس ملامحها! فصار يحكي بعد ذلك للرفاق (بهجة) ذلك اليوم طويلاً إلى أن جاءت الخاتمة العجيبة!



    بعد شهور، دخل جو على ماجد .."حق اله بق الله" و"كيف الحال يا بن خالي"، وكعادته ذهب لأداء بقية الطقوس السلامية.. والمناقرات مع عوضية على البساط الأحمدي الذي امتد بينهما. ناظراً إلى قميصه ـ حتى يتسعد للطابور إن كانت هناك زرارة (مشاترة)، فبالتاكيد ستوقفه عوضية طابور وتقول له "أحرجتنا ياخي!! زرارة خضرة في قميص أبيض!" وتذهب ـ كعادتها ـ لتأتي بعلبة الزرائر والإبرة والخيط وتنزع الزرارة المشاترة لتثبت مكانها أخرى (مناسبة). ولكنه فوجيء بالخدامة الجديدة! فسألها عن عوضية، لا إجابة!! وقد ظن أنها مريضة، وبدأ يفكر في مشاكل مواصلات (الحاج يوسف)، ولكنه لما سأل ماجد، كانت الدهشة:

    "يا خي دي طلعت حرامية!"

    ـ إنت متاكد يا ماجد؟ ياخي "إن بعض الظن إثم"!

    "يا خي دي سرقت محفظتي.. تصور!!"

    ـ وإنت محفظتك دي كانت وين؟ ما يمكن إتنشلت في حتة تانية؟!

    "لا .. دي كانت في البنطلون بتاعي هنا في البيت!"

    ـ طيب، لو فرضنا دة صحيح، إنت سألتها سرقت ليه؟

    "لا.."

    ـ ياخي إنت غلطان! على أي حال، أنا حأمشي ليها.. أشوف!

    "لا.. لا.. ياخي إنت مالك ومال الكلبة دي؟"

    أحس جو أن في الأمر شيئاً! و(جو) "لآبد أن يعرف الحقيقة".

    كان ماجد عبد الرحمن مثل بقية من أسماهم بـ(البرجوازية الوطنية)، لا تتعدى تجاربه مع البرجوازيات الوطنيات (الفُرَش)، التي تدمنها أولاء البرجوازيات كجزء من "السطحية والأنانية وعبادة المظاهر والتضليل". وبسبب الحكي الذي كان يحكيه جو وبقية أولاد قرف عن (الأقاليم العميقة). فقد داهمت ماجدا هذا الرغبة في الاستكشاف وزيارة (معرض شرف الوطن). ولكنه كبرجوازي (أصيل) (تردد)!

    فقفزت إليه صورة عوضية ـ خاصة صدرها الأفريقي العنيد!! الذي عبر عن نفسه جيداً في يوم الحفلة.

    تخلف ماجد عن الجامعة، وكما هي العادة، كان البيت خالياً في ساعات النهار. نادها، فجاءت كما كل يوم. أمرها:

    ـ أقعدي.

    نفذت الأمر كما كل يوم.

    مدي يده وأمسك البرتقال (كما كل يوم)!

    نزعت منه هذه البرتقالة (الخاصة). وقامت.

    ـ أقعدي.

    ماطلت.

    ـ إنت عايز شنو؟

    ـ يعني أكون عايز شنو؟! أقعدي.. قالها بحدة.

    ولكنها لم تنفذ الأمر. قام وأمسك بها وجرها إليه.

    فدفعته وهمت خارجة.

    لحق بها وطاخ ـ كف.

    "يا كلبة .. ترفضيني أنا؟!"

    وبعد مصارعة عنيفة، فشل في الحصول على مبتغاه! وبقيت عوضية تحرس البيت من الخارج حتى جاءت الست منيرة:

    ـ مالك يا عوضية؟!

    لم تنبس بكلمة ..

    دخلت الست وسألت ماجد فكانت الإجابة:

    "تتصوري يا ماما عوضية نشلت محفظتي؟!!"

    "تصوري!! عشان كدة أنا طردتها"

    مضت الست وتحسست ذهبها، فوجدته وحمدت الله على سلامته. ولما كانت عوضية هذه قد تربت معهم، ولم ترتكب شيئاً كهذا، إكتفت الست بتسريحها، ولم تبحث عن الحقيقة!!

    ـ لكين بتبالغ يا ماجد!

    "بالله دي ترفضني .. الكلبة دي!"

    ـ ياخي من حقها إنها ترفضك! ولنفترض إنو ما من حقها زي ما إنت متصور، ياخي تصادر منها حق إنها تتمنع زي البنات؟ ثم هل سألتها؟ يمكن عندها (دورة) ويمكن كانت نايمة مع حبيبها ويمكن كانت شغالة أمبارح في (معرض شرف الوطن)، وتعبانة ـ ودة إنت قايلو ببلاش؟ ولاّ تابع للمرتب البتدفعوه ليها؟ ويمكن ويمكن ويمكن ..إنت يا ماجد راجل نذل.. حركاتك دي أعلمها مع صاحباتك (البرجوازيات)..

    ولأول مرة يضطر جو لإلقاء محاضرة. ومنذها توترت علاقته مع ماجد وصارت الجمعات عند عوضية!



    ****









    سلكت قصة التصديقات. وارتفعت عمارة السيد زين العابدين طابقاً آخر، وبدأ الذي يليه، وترقّي صلاح زين العابدين في البنك مستنداً على ترقيته في داخل جماعته، بعد أن بنى قاعدة معرفية بـ(الوسائل). وفي زيارته إلى كسلا، لم تعد المسالة مسالة (قدم وساق) بل صارت لها (ساقين). كانت الخطة جاهزة. شرحها صلاح بتفاصيل خبير وطلب من والده أن يخبر أصدقاءه إن أرادوا اللحاق بالركب! وكان (الركب) شركة يتكفل صلاح بتسهيلاتها البنكية، وهو سيكون الشريك غير المعلن!

    بعد أشهر. زاد عدد لافتات البلاد لافتة أخرى (شركة البركات للتجارة والإستيراد المحدودة). و(أُختير) السيد زين العابدين رئيساً لمجلس الإدارة من على البعد! ولكن على رأي المثل "رب ضارة نافعة"! فبسبب تغلغل جماعة صلاح ومزاحمتهم لجماعة السيد زين العابدين ـ أصحاب (الشغلانة) الأساسيين، رأي الأخيرون الاستنجاد بكوادرهم الموثوقة لتعزيز وضعهم المركزي ـ خاصة في مسائل الخطب والفصاحة التي لا تجارى فيها جماعة صلاح. فتم ترفيع السيد زين العابدين إلى رتبة (أمين مركزي)!

    وعاد عماد زين ليجد ثلاث نتائج:

    طوابق المجد في البياض الأخير؛ ومسألة الإنتقال إلى العاصمة؛ ونجاح نون في امتحان الشهادة. ولما كان في تلك الأيام قد تفشى بين الناس مرض (جنون الدكترة)، فقد إمتعض السيد زين العابدين مرة أخرى، ولكن هذه المرة من خذلان بوكسن نون ـ التي أهدرت وقتها وطاقتها مع "إن واخواتها"!! ولكن عماد زين بذل مجهوداً جباراً لاقناعه بأن تذهب نون وتدرس (له) الطب في مصر، بعد أبطل كل اعتراضاته إستناداً على سابقة ذهاب سلمى إلى الباكستان لدراسة الطب هناك إثر (مجاهدات) صلاح مع جماعته.

    وهكذا تحدد مصير نون وتم إنقاذها من إعادة السنة أو الأشياء الأخرى التي قد تتسبب فيها نظرة من أحد (الدكاترة) أو (المهندسين) الراغبين في الزواج!

    وصلت الرسائل إلى جو حاملة الأخبار السعيدة؛ النجاح، وقرب الدار الذي هو "خير من البعد". ولكن بسبب محركات السيد زين العابدين ومساوماته ـ للحصول على بيت حكومة على النيل، وفرش يليق بالمقام الجديد ـ تلكأت مسألة الإنتقال إلى الخرطوم. وحل ميعاد السفر: كسلا ـ الخرطوم (بيت صلاح) ـ القاهرة.

    وفي يوم السفر، كان موكب الوداع قد رابط منذ أول الظهيرة. في الثالثة والنصف، هبت عاصفة ترابية غبرت الوجوه.

    في الرابعة، استدارت وتوقفت العربة الحكومية الفارهة.

    هبط شاب وسيم، في دمه بشاشة العابرين.

    عرف جو أنه عماد زين ـ الذي طالما حكت عنه نون الحكايا، في رسائلها الطويلة التي كانت تكتب في حب دائم لاغية مود الفصول.

    ترجل السيد زين العابدين. ولأول مرة يراه جو في عمامة كتلك التي يرتديها (الخطرون). وتبعه صلاح، بلحيته إياها..

    ركت العصفورة..

    أدار الهواء إسكيرتها..

    أنحنت وأصلحته.

    ساعدت والدتها في النزول من العربة. كان السائق يجرجرالحقائب، وكانت نون قد زاد وزنها، وفتح لونها ـ من أيام الحبس الطويل، وزيارات الحمام المتكررة التي لا يعرف سرها إلا جو!

    لم يكن السيد زين العابدين قد فكر في مسألة وجود جراثيم وأبصال معفنة في المطار. لم يشدد المراقبة. كان يلقي بتشديداته لـ(الدكتور) عماد للمحافظة على (الدكتورة).

    التفتت نون إلى ما حولها. وكان المرصد يمر على الوجوه.

    هذا شربات ..

    هذا .. على إسماعيل..

    هذا أكيد عامر ديكور..

    هذا أكيد أبدللاهي إساخا

    ثم إلتقت عيناها، لأول مرة بعد زمان، مع العينين المخيفتين..

    ربطت جأشها وحدقت فيهما.

    ذابت. واشتهت أن تلملها أيادي جو وتحتويها في العناق.

    نزلت دمعة، وأغرقت المشهد.

    أخرجت منديلها وبكت.

    ـوكان البكاء لحظتها مشروعاً ـ

    وفي زحام المطار، وبعد أن دخلت وراء الزجاج، رأت صف المودعين

    وهناك العينان البعيدتان.

    لوحت بمنديلها المبلل بالدموع.

    ولم تبق في تلك اللحظة إلا عينان بعيدتان تمسدان روحها.

    واختفت بعدها في جوف المدى الجديد!





    ****



    أيتها الخرطوم، جاءتك السواهي والدواهي على ما فيك من هذي وتلك!!

    فبعد أن استعدل السيد زين العابدين (أمين الأمانات الفئوية والجماهيرية) عمامته، التي أصبحت بدلاً لحمالات البنطال بعد أن انتقل التكرُّش إلى الذهن، بدأ يبهل على الدوائر العليا بعضاً من إختراعاته:

    ففي يوم الثلاثاء. الثالث عشر من أكتوبر، خرج أبدللاهي إساخا كعادته يحمل جردل ترمسه، ولم يبق عليه من وعد (فتين) إلا ثمن شبشب واحد لها، ونظارة سوداء له ـ لزوم البكش ـ وإحتياطي من الجنيهات (للتنقيط) على رؤوس البنات الراقصات في أيام عرسه الذي حُدد له شهر ديسمبر، والذي يصادف أيام (الدرت) في كتم، ويكون الأهل و(الأحباب) أشد بأساً في مواجهة (الظروف) والأجسام (تريانة) بفيء الحصاد. كان إساخا يغني أغنية قديمة لها سنوات ـ منذ أن امتطى صهوة قطار الميجا من أعوام مضت، ويتوقف كلما مر بسرب من السابلة "ترمس.. ترمس..". وهو يعبر شارع القصر باتجاه السوق العربي، رأى الناس يفرون كأنما الأسد (إياه) قد أفلت من (جنينة الحيوانات) وهجم على السوق العربي!‍ ولأنه ولد (غرباوي) شجاع، والجري (عيب)، فلم يهرول مع المهرولين وهو يسمع "الكشة.. الكشة ..". ‍‍قال لنفسه: "حتى لو كانت الكشة؟؟"، ومضى، فهو ليس معنياً بها باعتباره تاجراً على رجليه وليس للبلدية عنده (قيد جزمة).


    "ترمس ترمس.."

    فاجأه جندي:

    ـ أسمع.. البطاقة؟

    ـ بتاقة بتاء شنو؟!

    ـ بطاقة العمل؟؟

    ـ أنا بببيأ ترمس!

    صاح أخر:

    ـ ياخي سوقو.. بالله قدامي ..

    ـ لي وين!؟؟

    ـ وكمان جايبة ليها لماضة!؟

    طاخ. وأخذ الجندي الجردل وقذف به بعيداً

    ‍‍ـ لا... لا..!!

    وبقبضه من خلفية (العرَّاقي)، وجد إساخا نفسه جالساً على أمشاطه ـ كما أمر الجندي ـ مع الجالسين، الذين كانوا جمهرة من الباعة المتجولين، زوار المرضى، المتسعكين، والذين لا يعرفون ما أتى بهم إلى هناك!!‍‍‍‍

    "إنت الهناك دة.. أقلع الطاققية دي"

    "إنت يا بجم .. ما سامعني!؟"

    لكزه جاره. فإساخا لم يظن أنه المقصود. وأن طاقيته التي ظلت على رأسه لسنين لا يخلعها إلا وهو نائم أو ذاهب ليستحم، لم يخطر بباله أن لها دخلاً، هي الأخرى، بما يجري!!

    في منتصف النهار، وجد أبدلالهي إساخا نفسه في أستاد الخرطوم ـ الذي طالما سلك فيه ترمسه، خاصة في أيام (هلال مريخ). مجموعة من الجنود، الرسميين وغيرالرسميين، كلٌ يلقي بأوامره حسب مزاجة. كان "صياماً بلا رمضان"! إلى أن جاء المغرب، ففتح الله على (الصائمين) بفتح مواسير ري الإستاد (للجماهير).

    قام أبدللاهي إساخا وزاحم، شرب ماء ثم حمد الله وشكره، ثم توضأ. وأضطر هذا اليوم أن يصلي الظهر والعصر والمغرب (جمع تأخير). ودعا أن تفرج كربته. فهو منذ ان حفظ سورة (الحمدو) في (الخلوة)، لم يتأخر يوماً في صلواته. ولما جاء دوره أمام كشف المقبوض عليهم، أدلى بشهاته عن نفسه بصدق. وبدلاً من أن يحدث ما توقعه بعد أن رأي بعض الناس يطلق سراحهم، وهو لم يرتكب جريمة، كانت النتيجة "سوق دة"!

    كانت (الكشة)، أو ما أسمته الجرائد "حملة تفريغ العاصمة من المتبطلين إلى مناطق الإنتاج" هي من أخطر إبتاكارات السيد زين العابدين الفئوي، التي أخرجها بعد أن تحيرت (لجنة التعبئة السياسية) (!!) في تقرير التهديدات (الأمنية) التي صار يشكلها من أسماءهم التقرير بـ(النازحين)، مدعَّماً بأخبار جرائم السطو على الفلل والعمارات ليلاً بالسواطير! (ولم يذكر التقرير طبعاً حقيقة أن ذلك كله من آثار التجنيب)!

    كان جو يقرأ كتاب (الطاو) لـ(لاو تزاو):

    "إن منع جمع الكنوز، يمنع السرقات.."

    "والإمتناع عن إظهار المواهب، يمنع الشجار"

    "... و... و..."

    ويكتب رسالته إلى أرض مصر، يحكي ما حدث لأبدللاهي إساخا، الذي شوهد في (سنار التقاطع) جالساً بسرواله الداخلي (فقط)! يُقطّع الرغيف لعمل (الفتة) للمكشوشين، المحمولين في قطار الميجا العائد إلى (أقاليمهم)! ولكن هذه المرة ليس على (السطوح)، وإنما داخل عربات نقل البضاعة! تحرسهم الشرطة المدججة بالسلاح!!

    ولما دخل قطار الميجا القادم إلى الخرطوم، نظرت (النية بت أبكر) من نافذة عربة الدرجة الثالثة فصاحت متعجبة:

    "هَيْ!! أبدللاهي أخوي!! إتِّي جنيتي ولا شنو؟؟"

    "هدومِك وينو؟؟!!"

    ردوا عليها:

    "ديل سايقنهم ناس الكشة!! قلعوا منهم ملابسهم عشان ما يشردوا"!!

    كان أبدللهي إساخا قد جلس، ولم يستطع القيام. كان وضعه بالضبط كما تجلس نساء (الغَرِبْ) لإلقاء التحية! ولكنه كان يسلم بظهره على قريبته (النية) التي هالها الأمر فثارت:

    "إتي خلاس بقيتم (مرة) يا أبدللاهي أخوي؟!! دي منو راجل بسوقيك زي خنمايتو؟! والله كان خنمايتو كان أخير..!!"

    "يسوقيك زي مرتو!! إتي ما تكتلي؟؟؟؟!!"

    وهنا تدخل أحد (الحرس) ملقياً بتهديداته:

    "هوي يا مرة... أمسكي خشمك... والله هسع أتربسك"!

    وحدثت مشاجرة بين الحارس المسلح والنية بت أبكر، إنتهت بتدخل الشاويش (الغرباوي) الذي عرف مصير إساخا بعد أن يصل الخبر عبر النية بت أبكر. صعب عليه الأمر، وفي ربك، قام الشاويش بتسريب أبدللاهي إساخا وأعطاه عراقيه قائلاً:

    "شوف يا زول. أشرد .وأوع تاني أشوفك".

    وأوصاه:

    "الخرطوم دي أختاها.."

    .....

    وهناك في القضارف، سمع أبدللاهي إساخا الأغاني التي غنتها بنات كتم تشهيراً به، وكيف لم يتوان أهل (فتين) في (ستر إبنتهم) في ذلك الدرت. أجاز أبدللاهي إساخا كل الأشياء التي كانت (حراماً)، وبدلاً من السجائر، صار يدخن (البنقو)!

    وأيضاً؛

    إنتقل التجنيب من مرحلة الكرش إلى مرحلة التجنيب الذهني. فما باليد من عمارات ظاهر. وما تم ابتلاعه في الكرش أيضاً، فما الحل؟

    أستقصى السيد زين العابدين واستجار، فأجاره (الإيمان) بالكتب الأربعة. وإختار وصية المسيح "لا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض حيث يفسد السوس، وينقب اللصوص فيسرقون. بل إكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا سوس ولا لصوص". قام الكمبيوتر الشخصي للسيد زين العابدين بترجمة كلمة (الأرض) إلى (homeland) والسماء إلى (overseas)! واستيقظ السوس واللصوص ذات صباح، ولم يجدوا ما يسد رمقهم. فانفجرت الخرطوم. وكانت المواجهات صعبة ومرعبة أضطرت السيد زين العابدين أن يستلف (فقه الضرورة) من إبنه صلاح، ومعه كتب الفقه والتفاسير للمذاهب الأربعة. "وما فرطنا في الكتاب من شئ".

    وبعد تمرير فقه (المصالح المرسلة) من قبل جماعة صلاح، ونجاحهم في خلط الأبيض بالأسود في (بوتقة الإنصهار) وإنتاج الرماديات التي تبدأ بميم: مضاربة، مرابحة، مساومة، مباغتة ..إلخ، اقترب السيد زين العابدين من إبنه صلاح وجماعته. وبعد قراءة متمعنة للفقه الجديد. خرج صائحاً كما أرشمييدث يومذاك: "وجدتها... وجدتها"! وقام ببرمجة المسألة في كمبيوتره الشخصي (PC)، فما أن تفتح هذا الكمبيوتر وتطلب القاموس، يأتيك مربع الحوارDialogue Box)) فتكتب (الحل) وتعمل إدخال (Enter):

    تأتيك الإجابة (Shari aa)

    ولأن شريعة هذه كلمة فضفاضة. وحمالة أوجه، فتقوم بطلب القاموس مرة أخرى ـ إذا كنت ذا عقل ـ فيأتيك مرع الحوار (Dialigue Box)، وبحثاً عن معنى شريعة في هذا القاموس تكتب: Shari aa وتعمل (Enter) فتقرأ التالي على الشاشة:

    1- Shari aa is to govern people by one governor until his death.

    2- Shari aa is to cut hands of thieves –Tajneeb is excluded – and especially those who jump into villas, but if they were armed, they must be crucified after cutting their limbs opposilaterally (i.e, right hand and left foot simultaneously).

    3- Shari aa is to cover and imprison Naziks till they would be taken to their final prisons.

    4- the most important;

    Opposition means anti-God, so, Oppositors should be killed, and Nasty Onions should be persecuted.



    وعلى هذا الأساس بدأ السيد زين العابدين يتحرك في الدوائر العليا مسنوداً هذه المرة بسواعده اليمنى؛ صلاح وجماعته. كانت الجامعة مغلقة بسبب المشاكل (إياها)، لذلك عادت إلى بيت ديكور أيامه القديمة.. كان ديكور يرسم، وجو يلملم أطراف الحلم وهو خارج لتوه من دهاليز (نيتشه) التي سار فيها على مركبات أهازيج (زارادشت). أرخي أذنه لعامر ديكور الذي (إنسجم) وبدأ يدندن مع الصوت القادم من (بيت العرس) المجاور:

    يا سيد العمارة

    يا السايق الطيارة

    لو كنت في بارا

    بس راجية الإشارة.. طوّالي

    يا حبيبي طوالي

    ـ الله؟! الصوت دة أنا سمعتو وين؟! دة صوت (ندى)!! قال جو، وهو يقذف بنيتشة وزرادشت. ثم قام واقتلع الفرشاة من يد ديكور قائلاً:

    ـ دي ندى الكلمتك عنها!! تتذكر؟

    ـ أيوة. لكن دي يكون جابها هنا شنو ياخي؟! إنت يكون إتشابه عليك (البقر). ولاّ تكون سكرت؟!

    ـ بقر شنو وسكر شنو ياخي؟ إنت لو عايز تشوفها يلاّ قوم يا خي ..

    استشاق ديكور وأخذ كل منهما (جُغمة) ثم خرجا إلى بيت العرس. هناك كانت ندى الشروق وقد تحولت إلى (شُهْبُرَة لُهْبُرَة) وقد زادها (الميك أب) تلألؤاً!! كانت تغني ما كان يسمى بالأغاني الهابطة!

    ولكن جو كان يرى العكس في ذلك! ويجادل في أنها صاعدة! على أساس أن الذين يؤلفونها قد أجبروا على أن يجدوا أنفسهم في القاع، وبالتالي فليس من الممكن أن (يهبطوا)! "وإلا فإنهم سيهبطون إلى أين؟! إذن هم يصعدون! وإذا كان في الأمر سوء فإنه في الأماكن التي يصعدون إليها!!"

    دخل جو وديكور في الزفة. وهججا تماماً.. وفي نهاية الحفل لم يستطيعا مقابلة (ندى) لوجود (البودي قاردات) العتاة، الذين يحرسونها من السكارى ولا يتفاهمون بأي وسيلة غير اللكم!

    ولأن جو لا يشفي من مرض (الاستقصاء) الإبدي، فذهب مع ديكور إلى مركز الشباب للاستفسارعن ندى.. فوجدا لستة طويلة من (الحجز) لأصحاب الحفلات و(القعدات). وأخيراً دلهم صبي البوفيه على بيتها في (الإمتداد). ولكنه أحبطهما بالمجان:

    "الله يعلم تلقوا حجز!"

    ولكنهما ذهبا إلى بيتها.

    وهناك استقبلهما (كاتب شونتها) وأكد لهما (بأمانة) ما قاله الصبي. إلا إن جو ألح وكتب وريقة صغيرة.

    وشرح للكاتب أنهم (جماعة أهلها). فأعاد الكاتب تأكيده:

    "أقل حاجة (بأمانة) بعد شهرين!"

    فقال ديكور لجو ساخراً:

    ـ بعد شهرين!؟ دي نون بتاتك تكون ولدت!

    ولكن الوريقة (شفعت) لهما فأدخلا. وفي داخل البيت العامر، وبعد إزاحة الستائر المخملية، والشربات القازوز المخلوطة بالعصائر المانجوية، أتسعيدت الذكريات حسبما اقتضى (الظرف)، وختمت ندى اللقاء وفي صوتها نبرة حزن عميق قائلة:

    "الناس بقت عايزة كدة!!"

    وطبعاً جو ذهب وأكمل بقية البحث بطريقته، وعرف أن ندى ظلت تغني (أحلام بكرة) لزمان، ولم يعنها ذلك في لقمة العيش، إلى أن جاءت ليلة عرس أحد الأصدقاء، واستجابت لرغبة الجمهور فغنت (أحلام هسي) لزوم الهجيج، فتدفقت عليها الطلبات لإحياء حفلات الأعراس. وبدأت تزحف قليلاً قليلاً إلى أن وصلت إلى (مجد) قعدات الخرطوم ومفاخرات نساء (المجتمع الراقي). وعرف جو أن فرقة أفريقيا الجديدة قد تفرقت أيدي سبأ. وظل سيف حسن هناك مع نورمال جيتاره وعمِل ترزياً في (المدينة)!





    ****





    بعد أن أكتمل تشييد (البيت الأبيض)، قرر صلاح زين أن يكون عرسه في ذلك الصيف، بعد عودة عماد زين (دكتوراً) ونون (إجازة). وتم حجز ندى الشروق للمناسبة تأسِّياً بالمجتمع الراقي! ولكن قرر أن تكون هناك حفلتان بدلاً من حفلة واحدة، إحدهما بمواصفات (الجماعة) درءاً للحرج.

    ووصلت رسائل العودة إلى جو الذي كف عن الرد في إنتظار رقصة مع نون على أنغام (ندى الشروق)، رغم أنف (المجتمع الراقي)، وحتى لو تنتهي الحفلة بشكلة.

    وبسبب مسائل متعلقة بشهادات عماد زين، تأخر القدوم إلى أواخر حزيران الذي تبدد في الإنتظار. وفي أول أيام تموز، وبينما كان جو وديكور يعبران الجسر يترنحان سكراً ونشدان النشيد كما كانا يفعلان ولآلاف المرات؛ فجأة صعدت لجو فكرة عناد قديم! فجلس في منتصف الجسر وقرر أن ينام هناك! حاول معه ديكور شتى السبل لإقناعه بالذهاب إلى البيت، ولكنه لم يتزحزح عن موقفه! ولما تعب ديكور من محاولات إقناعه، سب له ديناً مكعباً، وقال:

    ـ إنشالله البحر يطفح ويشيلك زي ما شال الجماعة..

    ـ ما يشيليني؟ قالها جو بعدم إكتراث ثم أستدرك:

    ـ إنت يا ديكور، الجماعة الشالهم البحر ديل منو؟

    ـ إنت ما شفت الجريدة بتاعة الليلة؟؟

    ـ لا ماشفتها!!

    ـ ما الباخرة بتاعة مصر غرقت وكتلت ميتين وكم كدة!

    وفجأة، دخل النمل جحوره. وانفضَّ سراب السكر عن درورب الذاكرة. طارت السكرة. واكتشف جو أول ما اكتشف، الحقيقة الغريبة! وهي أن الجسر الذي ظلا يعبرانه ونشدان عليه الأناشيد لآلاف المرات، لم يكن سوى قنطرة صغيرة على المجرى الفاصل بين مربعين في الحي!! وأنه بالرغم من عبورهما له في لحظات (الصحو) ولآلاف المرات أيضاً لم يلاحظا هذه الحقيقة!!

    قام جو ولم ينفض عنه غبار الجلوس. ترك عامر ديكور يترنح وراءه. وفي البيت دخل الحجرة مؤمناً بكل الآلهة. أشعل النور. نظر إلى إبتسامة نون العريضة، بحث عن الجريدة وقلبه يدق، وأنفاسه تتعالى.. تتلاحق .. أشعل سيجارة. أخذ نفساً وألقى نظرة إلى الجريدة:

    "مائة وست وسبعون ضحايا الباخرة (...)"!

    "هيئة المواني البحرية تشرح أسباب حادثة أبي سنبل"!

    وفتح الصفحة الثالثة حيث قائمة بأسماء الغرقى وهو يردد:

    "سترك يا رب.. سترك يا رب"

    واحد

    أثنين

    ثلاثة

    ...

    20 ـ د. عماد الدين زين العابدين (خريج)

    قبض جو على نار السيجارة ليقرأ له الزمان ما يلي:

    "كانت نون، بعد نهاية العام الدارسي، قد قررت إنتظارعماد. وبالرغم من توفر إمكانيات السفر بالطيران، إلا أنها أصرت أن يسافرا بالباخرة! فمنذ تلك الأيام الغريرة. كانت الأنهار تعني لها الحب. وكان النيل بالنسبة لها (مقدساً) فيه ذكرة المانج القديمة، وأحلام الكواكب.

    وأمام إلحاحها. رضخ (عمدة) لرغبتها وهو عارف بجزء من سر هذا العشق للنيل رمز الحب الأبدي.

    حملا حقائبهما ونزلا السد العالي. كانت نون تحمل في حقيبها الصغيرة، صورة جو وآخر رسائله إليها.

    كان المساء مفرحاً لدرجة لم تحسها نون من قبل.

    أمواج النيل تلاعب حواف الباخرة.

    الجبال الأبدية، صامدة (هناك) .. "ترى من متى أنت شامخة هناك؟!" سألتها متعجبة.

    جبل ذكرها (توتيل)، فلوحت له بمنديلها الأزرق.

    كانت أسراب الطيور تمر.. تمر عكس اتجاه الشمس الغاربة.

    قالت:

    "ليتني طيرٌ"

    إنتبهت للمفارقة:

    "وليت جو طيرُ"

    ضحكت، وهي تستعيد في خيالها خاطرة أنهما طائران، يحملان القش ويبنيان عشاً.

    هي تبيض وتحضن البيض.

    ويذهب جو إلى الفضاء.. ويجلب لها الدود.

    أعجبتها فكرة حضانة البيض.. وعادت لتسقط الصورة على واقع الناس.

    "فعندما نتزوج، ونحن لسنا طيراً، ترى كيف يكون شكل الأولاد؟"

    قسمت القسمة:

    "البنات، يشبهنني"

    "والأولاد، لابد أن يشبهوا جو"

    سألت نفسها:

    "ترى كم سيكونون؟"

    و حسبت في يدها:

    "عماد، على، عثمان، وسيد، وعامر، وعبدالله ومصطفى ..لا لا كدة انا حأموت من الولادة .."

    سمعها جارها على سطح الباخرة تكلم نفسها فالتفت:

    ـ إنتي معاي ؟

    ـ لا

    وتحولت إلى الجانب الآخر لتعيد ترتيب الصورة:

    "البنات: سلمى، زهرة، وأنهار، وعزة وجليلة"

    وأخرجت الصورة، نظرت إلى وجه جو، إلى عينيه المخيفتين. قلبت الصورة ثم أتعادت تأملها.

    دب الظلام في الآفاق.

    جاء وقت العشاء

    قليلاً من العشاء

    قليلاً من الغفو..

    أستيقظت عند منتصف الليل.

    طلبت من (عمدة) أن يأخذها إلى سطح الباخرة..

    قال عمدة:

    "أنا تعبان يا نانا.. عليك الله أمشي براك"

    فرحت. فعمدة دائماً يثق فيها ويمنحها الفضاء لتطير.

    كانت تلك آخر جملة سمعتها من عمدة.

    في سطح الباخرة أبتدرت صلاة النهر بترتيل ذاكرة الأيام. ابتداءً من ذلك اليوم الذي أخذ جو يدها وعبرا ماء المطر،

    ومروراً بكل شيء مضى،

    في الواقع وفي الحلم.

    كانت في قمة النشوى.

    ولما بدأت آفاق الصباح تلوح،

    ـ وحسب علمها ـ

    ستصل الباخرة في آخر الضحى إلى أرض (التراب) المحسوب جو ضمن كائناته.

    فرحت أكثر.

    بدأت تتلامع ـ هناك ـ أنوار أبي سمبل. وهي غارقة في الحلم الصاحي لسنين طويلة.. سمعت الأصوات، الصراخ، الناس يتدافعون!! لم تفهم شيئاً!! وفي اللحظة التي فكرت في البحث عن عماد، وجدت نفسها في عمق الماء والصراخ.

    لم تكن خائفة..

    وفي طي موجة، رأت جو يسبح ويناديها:

    ـ نو.. نو.. نو..

    ـ جو.. جو.. جو

    ـ نو... نو... نو

    ـ جو... جو... جو

    ـ نو ..

    ـ جو ..

    ـ نو ..

    ـ جو..

    ـ ن

    ـ ج

    ـ .

    ـ .

    وفي تلك اللحظة تدخلت الكواكب، وأخذتها إلى حديقة السعادة الأبدية!"



    ****










                  

العنوان الكاتب Date
ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-23-04, 05:16 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل فتحي الصديق03-23-04, 08:35 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-23-04, 10:19 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل mutwakil toum03-24-04, 07:41 AM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 08:28 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل ابو فاطمه03-24-04, 07:45 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل فتحي الصديق03-24-04, 12:39 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 11:44 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Mohamed Bang03-24-04, 09:13 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل tariq03-24-04, 10:30 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Mohamed Bang03-24-04, 10:59 PM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-25-04, 03:57 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Nada Amin03-24-04, 10:56 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 11:39 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-25-04, 04:43 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل عبدالسلام الخبير03-25-04, 06:30 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل zozo03-25-04, 09:53 AM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-25-04, 05:03 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 00:47 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 01:15 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 01:24 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل ابو فاطمه03-26-04, 08:35 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-26-04, 05:30 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل عبدالسلام الخبير03-27-04, 04:20 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-27-04, 05:18 AM
  السلام عليكم توما03-27-04, 10:19 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:08 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:17 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:33 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:38 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:42 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-28-04, 06:58 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-29-04, 05:10 PM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-30-04, 03:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de