|
Re: فقه الضرورة في اتفاقية البقط ..أو..هل عبدالله ابن ابي السرح كوز...؟ (Re: Mandela)
|
مانديلا .. العزيز .. بعد التأمين على ما أوردته عن قصة "أبى السرح", الا أننى لا أتفق مع ما أوردته عن أتفاقيته مع "النوبة" أو السودانيين. ذلك أن ما يقال عن أتفاقية و قعت بين طرف مهزوم هم السودانيون و طرف منتصر هم العرب المسلمون و قائدهم المشكوك فى اسلامه "أبى السرح", هو "فرية" كبيرة فضحها ما دونه مؤرخيهم القدامى و ظلت حبيسة كتبهم لزمن طويل. و لتوضيح ذلك أسمح لى أن أنقل لك مداخلتى فى "بوست" "المسكوت عنه", و قد جاءت فى صياغ ردى على أحد المتداخلين "العرب", كما تجد بعضا منها مكررا فى "بوست" "بشاشا" عن الأصل السودانى للصوفية و علاقتها بالفكر الجمهورى: السودانيين هم أول الشعوب التى تعرفت على الدعوة الاسلامية, عبر الهجرة الأولى فى الاسلام الى "الحبشة" – و هو ذات اسم السودان القديم و ليس "أثيوبيا" اليوم التى بها يحاول مؤرخو "العرب" حرمان السودان من هذا "الشرف !!"- و كانت الهجرة الى ذات المنطقة التى خرج منها "مهدى السودان", و مازال ما يسمى " بقبور الصحابة" موجود فى جزيرة بذات المنطقة و قد اصبحت مزارا للسكان بعد اسلامهم - و لم يعر السودانيون الدعوة الاسلامية آنذاك اهتماما ! .. و اذا سألت لماذا ؟! .. لأنهم لم يكونوا بحاجة الى رسالة تدعوهم الى التوحيد, فقد كانوا أهل دين مؤمنين مطمئنين موحدين الله الواحد الأحد دون الحاجة الى أنبياء, و ان خالجك شك فى هذا .. هاك الدليل من كتب المؤرخين "العرب" التى نقلت عن لسان حال "سليم الأسوانى" : ( كان القائد " جوهر الصقلى" قد أسس " القاهرة و أقام دولة " الفاطميين" و أرسل "سليم الأسوانى", من كبار دعاة الفاطميين الى " قرقة بن زكريا" ملك "النوبة" يدعوه الى الدخول فى الاسلام و المذهب " الاسماعيلى الفاطمى" حيث جرت المحاورة الشهيرة فى بلاط ملك " النوبة", بين مبعوث الفاطميين و رجل من الجباليين – سكان الجبال - حيث صادف وجوده فى بلاط الملك. سأل " الأسوانى" الرجل فى حضور الملك عن بلده ؟ قال : مسافته الى النيل ثلاثة أهلة. و سأله عن دينه؟ فقال : ان ربى و ربك و رب الناس كلهم واحد. و عن مكانه أين يكون؟ فقال : فى السماء وحده سبحانه. و قال : أنه اذا أبطأ عنهم المطر أو أصابهم الوباء أو وقع بهم داء و آفة, صعدوا الى الجبل و دعوا الله فيجابون للوقت و تقضى حاجتهم قبل أن ينزلوا. فسأله الأسوانى هل أرسل فيهم رسول ؟ فقال : لا. فذكر له الأسوانى بعثة موسى" و " عيسى" و "محمد" و ما أبدوه من معجزات. فقال : اذا كانوا فعلوا هذا فقد صدقوا ثم قال قد صدقتم أن كانوا فعلوا. ( نقلا عن دراسة "التوحيد عند النوبيين – للباحث عبد العزيز سيد أحمد)
و السودانيون, للغرابة المدهشة فى آن, هم آخر الشعوب التى آمنت بالدعوة الاسلامية, بعد ستمائة سنة من الهجرة. ليس بحد السيف كما وصلت الى شعوب ما يسمى "بالوطن العربى", انما عن طريق اللاجئين من بقايا الخلافة الأموية المنهارة تحت ضربات الخلافة "العباسية الفارسية", و معظمهم من المستعربين "السود" فلول دولة "الزنج" حليفة دولة "القرامطة", و آخرون لجأوا من ناحية الغرب بعد انهيار "الأندلس", ومعظمهم من "الطوارق" و بعض "المغاربة". تحالف هؤلاء مع عنصر سودانى خالص هم "الفونج", و أنقلبوا على ممالك السودان المسيحية العريقة المتهالكة فى ذلك الوقت. أى تم تحول عقيدة السودانيين من خلال حركة مجتمعهم الداخلية بعد استضافتهم لبعض المستعربين و "العربان" اللاجئين, و لم يتحولوا بحد السيف بالغزو الخارجى. ذلك أن "عمرو بن العاص" والى "مصر", حين سولت له نفسه غزو السودان بدعوى نشر الاسلام بينما كان يحاول غزوه لشىء فى نفسه, فهو نفس الشخص الذى بعثه أعيان "قريش" الى السودان – الحبشة سابقا - لأعادة المسلمين المهاجرين الأوائل من ملجأهم عند "النجاشى" – و هو اسم الحاكم آنذاك فى السودان, كما اسم "فرعون" سابقا – قد وجد ما لا يرضيه من "النجاشى", اذ رداه على عقبيه و كفى شره المؤمنين المستضعفين فى معيته. و الآن "عمرو المسلم" والى "مصر" يريد أن ينتقم لكرامته بقناع الدعوة الاسلامية من "الأساود", فماذا لقى ؟! .. لقى فى الحدود الشمالية للسودان "رماة الحدق", جنود سودانيين "نوبيون" من شدة حرفيتهم القتالية فى استخدام القوس و النشاب, كانوا اذا شاهدوا "الأعرابى" يكر نحوهم ممتطيا صهوة جواده, صاحوا عليه يخيرونه: "اتريدها فى عينك اليمين أم فى اليسار !", أى تريد أن نصيبك بالنشاب فى عينك اليمين أم فى اليسار. فيعتقد "الأعرابى" أن "الأساود" يمزحون, فيصيح: " اليمين", فلا يلبث الا و عينه اليمين و قد فقأها النشاب. يؤكد هذه الحقيقة المؤرخ "العربى" "البلازرى" فى كتابه "فتوح البلدان" على لسان شيخ من قبيلة "حمير", حيث قال: ( شهدت النوبة مرتين فى ولاية "عمر بن الخطاب", فلم أر قوما أشد بأسا منهم, و لقد سمعت أحدهم يقول للمسلم : أين تحب أن أضع سهمى منك, فربما عبث الفتى و قال: فى مكان كذا, فلا يخطئه. كانوا يكثرون الرمى بالنبل فلا يكاد يرى من نبلهم فى الأرض شىء. خرجوا الينا ذات يوم و صادفونا و نحن نريد أن نجرى حملة واحدة بالسيوف, فما قدرنا على معالجتهم و رمونا حتى ذهبت الأعين, فعددت مائة و خمسين عينا مفقوءة, فقلنا ما لها ولاء خير من الصلح, و ان سلبهم لقليل و ان نكايتهم لشديدة, فلم يصالحهم "عمرو بن العاص" و لم يزل يكالبهم حتى نزع و ولى "عبد الله بن أبى السرح", فصالحهم.) صالحهم .. صالحهم باتفاقية: "لا تهاجمنى لا أهاجمك", ليكفى أعين جيشه شرور اسهم "رماة الحدق" !!. هذه الحقيقة التاريخية جاء المؤرخ "المقريزى", "حبيب مصر", بعد سنوات طويلة فقلبها رأسا عل عقب, مدعيا أن "عبد الله بن أبى السرح" هزم "السودانيين النوبة" عنوة و اقتدارا, و خرج له ملكهم منكسرا ذليلا يسلمه مفتاح المدينة و يعقد معه معاهدة بمقتضاها يسمح للعرب بدخول السودان و يضمن معاملتهم معاملة حسنة, و فوق ذلك يموله بالغالى و النفيس و "العبيد" !!؟ هذه "فرية" كبيرة روج لها وكلاء الثقافة "العربسلامية" فى السودان ردحا من الزمن, و الآن انكشفت عورتها لمعظم السودانيين, و قريبا ستحذف من المناهج التعليمية. نثبت هنا نقطة, و هى أن أسلوب تعرف السودانيين على الدعوة الاسلامية فريد و لم يتكرر فى أى منطقة أخرى فيما يسمى "بالعالم الاسلامى", و هذا انما يعود الى تجذر ديانة التوحيد فى حياتهم منذ آلاف السنين, فهم هؤلاء البشر "السود", حين كانت الأجناس البشرية تعيش حياة البهائم, خلقوا أول حضارة انسانية على وجه الأرض وصلت أعلى مراتبها فى منطقة "الجيزة" فى "مصر" - المقاطعة السودانية فى تاريخه القديم - حيث "الأهرامات" و "أبو الهول", و كان حاديها و راعيها الأله الواحد الأحد "الموجود الخفى – آمون رع".
* و سأحاول أن أنقل دراسة الباحث الأميريكى "سبولدنج" حول اتفاقية "البقط", و التى تمكن فيها من فضح أكاذيب "المقريزى" و تعرية أساليبه الملتوية تماما. لك الود و التحية ..
|
|
|
|
|
|