كان الشيخ مجتمعاً مع بعض رجاله في المنشية.. همس في أذنه أحد الحراس أن هنالك رجلاً مهماً يقف في الباب.. المسؤول الإعلامي يخبر الشيخ الترابي أن ثمة قرارات مهمة سيُعلن عنها بعد قليل في التلفاز.. يتحلق الجميع حول الشاشة الرسمية.. مرسوم يحل البرلمان دون أن يجد سنداً من الدستور.. الشيخ رغم هول المفاجأة يقرر المقاومة بعدد من الآليات .. في الصباح مضى مباشرة إلى البرلمان وظن أنه سيجد النواب في المكان الصحيح.. لم يجد تحت القبة غير الحارس الذي تباطأ حتى في الرد على تحية رئيس البرلمان .. بلا شك كانت تلك بداية ستعقبها تفاصيل كثيرة في المواجهة بين السلطة التنفيذية وأختها التشريعية. صدر بالأمس مرسوم رئاسي يعلن الطوارئ في ولاية الجزيرة ثم أجهز بعدها مباشرة على المجلس التشريعي المنتخب.. القرار جاء ليضع فاصلاً في صراع بين رجل المركز القوي والنواب المهمشين.. من الناحية الدستورية القرار لا غبار عليه.. حتى في الأعراف الديمقراطية، هنالك استثناءات تمنح رأس السلطة التنفيذية إمكانية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة إذا ما انعدم التوافق بين المؤسسة التشريعية والسلطة التنفيذية . السؤال هل كان إعلان الطوارئ أمراً ضرورياً في ولاية الجزيرة.. كل المؤشرات تقول غير ذلك.. محمد طاهر إيلا وجد مصاعب وتحديات لكنه لم يواجه تمرداً جماعياً في مجلس الجزيرة التشريعي.. الدليل على ذلك أنه احتاج فقط لشطب عشرين نائباً من جملة بضعة وتسعين نائباً.. الأمر الثاني أن هنالك لجنة حزبية كوّنها المؤتمر الوطني نشطت في معالجة الأمر قبل أن يقطع عليها مرسوم الرئاسة الطريق.. بل إن الدكتور أزهري التيجاني المسؤول التنظيمي في الحزب الحاكم كان قد عنف إيلا بعد أن عين أعضاء جدداً في المكتب القيادي.. لهذا بدأ القرار وكأنه مكافأة للوالي الذي كان مصراً على التصعيد عبر الاستقواء بالشارع . واحدة من سلبيات القرار أنه يضع نصف السودان تحت حكم الطوارئ..الجزيرة التي لا تبعد عن قصر الرئاسة سوى ثلاثين ميلاً باتت محكومة بالأحكام العرفية.. من قبل ذلك كانت كل ولايات دارفور الخمس بالإضافة لشمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق تعيش وتتعايش مع حالة الطوارئ.. ليست تلك بيئة مناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي أو توطين الحكم الراشد.. حالة الطوارئ في كل بلد تمنح الحاكم سلطة مطلقة في غيبة القانون الطبيعي.. لهذا لم تكن هنالك مبررات كافية لإضافة ولاية مستقرة إلى هذه القائمة. في تقديري أن جز رأس المجلس التشريعي منع البلاد من الاستفادة من درس ديمقراطي.. كل الصراع كان يتمحور حول والٍ يعتقد أن السلطة المطلقة والقبضة الحديدية تمهد لقيام تنمية اقتصادية.. ووجهة نظر أخرى تطالب بإشراك المؤسسات في تحديد أجندة التنمية.. حتى لجوء إيلا لاستعراض عضلاته الشعبية كان أمراً مستساغاً داخل التجاريب الديموقراطية.. حل المجلس التشريعي تجاوز روح الحوار الوطني التي أفرزت شركاء جدداً في المؤسسات التشريعية والتنفيذية..هؤلاء سمعوا كغيرهم بالقرار من أجهزة الإعلام. بصراحة.. نحن نسير عكس عجلة التاريخ.. الدستور الانتقالي في نسخته الأولى كان يعطي الولايات حق انتخاب ولاتها.. تراجعنا عن ذلك ولم نمنح المجالس النيابية هذا الحق نيابة عن الشعب.. من قبل كان الدستور يتحدث عن المجالس التشريعية في إقالة ولاتها بأكثرية الثلاثة أرباع.. في غضون شهرين تجرى انتخابات جديدة إن فاز الوالي المقال يتم حل المجلس بشكل تلقائي.. الآن بات الوالي يحل المجلس التشريعي ولو بطريقة غير مباشرة.. إنه عهد العصا لمن عصى . ولا عزاء للمنتظرين تحت قبة البرلمان سوى انتظار دورهم إن لم يمضوا على الصراط التنفيذي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة