نحن السودانيون قدرنا أن نتعذب في هذه الدنيا ونتألم من كل من له علاقة بنا وكل من يرتبط بنا وبحاضرنا وبمستقبلنا، وبتاريخنا وبثقافتنا وبإعلامنا، لكن يبقى جرح الألم طويلا من أقرب الناس إليك الذين في فاصلة سوداء من تاريخنا، وغصبنا عنا امتلكوا زمام أمرنا، فهربنا منهم ومن كوارثهم فينا ثم جاءوا إلينا عبر الفضائيات الكبيرة وقد سمموا علينا هذا الفضاء الرحب بجهلهم واستعراضهم خوائهم المعرفي والأخلاقي، متحدثين باسمنا دون رضاء منا.
اليوم الجمعة قدمت (قناة الجزيرة) ضمن سلسلة برامجها بعنوان (مشاء) حول الثقافة السودانية والابداع والمبدعين في بلادنا، قدمت حلقة كانت عن التجاني يوسف بشير لكن بقدر ما فرحنا بقدر ما غضبنا ولعنا حظنا العاثر، وكنت قد قاطعت هذه القناة سنوات عديدة لكنها مؤخرا استضافت الأخ الأستاذ المبدع هاشم صديق وقد ارسل لي أحد الاخوة رابط هذه الحلقات عبر اليوتيوب، وعرفت بأن القناة لها سلسلة توثيقية فقدر لي الله أن اشاهد حلقة اليوم، بعد حلقتين ممتعتين مع هاشم صديق وقد أبدعت تلك المذيعة في مهمتها وكانت بردا وسلاما علينا.
لكن..ولكن هذه بعدها آهات وأوجاع دفينة..لم تكن الحلقة على مستوى حلقة المبدع هاشم صديق برغم ان التجاني يوسف بشير يعتبر من المبدعين السودانيين الذين ظلمهم السودان والاعلام السوداني والمثقف السوداني، وكنت شخصيا في أشد الحاجة لمعرفة المزيد عن هذه الشخصية الفذة الفلتة التاريخية في حياتنا كسودانيين مهمومين بحب هذا الوطن الغالي.
الحلقة كانت سيئة اعدادا واخراجا ولم تكن في مستوى التجاني يوسف بشير هذه القامة الأدبية الرفيعة، ومن أولى ملامح الفشل الاختيار الخاطي لهذه المذيعة التي تعاني فقرا وجدبا ثقافيا ومعرفيا ولغويا بل لا تملك حسا إعلاميا ولا حتى فنيا، فشلت حتى في ظهورها الجسدي، وهي سمراء اللون بقدرة قادر أصبحت بيضاء لا تسر الناظرين، وحسها المتبلد جعلها لا تفرق في مخاطبتها بين المشاهد السوداني والمشاهدين على امتداد العالم.
كانت نسرين نمر في قمة الغباء عندما كررت الكثير من العبارات السودانية المحلية وبطريقة سودانية تنم عن جهل برسالتها كإعلامية حتى خيل إليّ انها مهتمة بظهورها الجسدي أكثر من الرسالة التي كلفت بها في إيصال سيرة هذا العملاق الكبير التجاني يوسف بشير، فلم تدرك أي رسالة هي تحملها ولعمري هذه المذيعة أضاعت علينا بأنانيتها وحبها لذاتها الكثير من الأهداف التي كان بالإمكان تحققها وهي معرفة متابعي هذه القناة لهذا المبدع السوداني، فإنا كنت شخصيا قد تضايقت من طريقة حديثها وأكثر ما أغاظني مقاطعتها للمتحدثين، وخاصة عبارتها التي كررتها اكثر من مرة وهي "وبعد دااك"، وغيرها من العبارات ما كان لها أن تقال في محفل كهذا..!!!.
واضح ان مكتب (قناة الجزيرة) في الخرطوم لم يضع أهمية لحلقة توثيقية عن الشاعر الاديب التجاني يوسف بشير وما يمكن ان تخلقه من تأثير إيجابي، لذلك لم يكن حاضرا تسجيل هذه الحلقة او لم يشاهدها او انه شاهدها ومررها بأخطاءها ما يؤكد أن القناة نفسها غير جديرة باحترام المشاهدين وهي تتحدث عن التجاني يوسف بشير الذي ظلمناه كثيرا واليوم أمعنا في ظلمه عندما رأينا هذه الحلقة وهذه المذيعة الجاهلة التي حملت في نافوخها الكبير كل أمراض (نون النسوة).
ومن المفارقات المؤلمة جدا أن المذيعة داخل مركز العلامة البروفسيور محمد عمر بشير تسأل ضيفها الكريم بجهل وغباوة وعدم معرفة وتذكر له بأن النقاد قد تناولوا اعمال الشاعر وقالوا فيه كذا وكذا وكذا ..أين أنتم من ذلك..؟؟؟؟؟؟؟.
حتى الضيف نظر إليها مستغربا ..ثم استدرك ان عليه الرد حول ما قاله النقاد متجاوزا هذا السؤال العجيب .."أين أنتم من ذلك"..!!.
دائما يذكر أصحاب التجارب الكبيرة في الحياة بان الانسان مع تطور الحياة بوجود الأنترنيت امكنه ان يتعلم كل ساعة شي جديد دون أن يذهب إلى معاهد أو أكاديميات، مثلا دراسي العلوم السياسية يتعلمون يوميا من خلال الحوارات السياسية ذات العلاقات الدولية ومتابعة التحليلات حول الانتخابات التي تجري في المعمورة..والدراسات الحية المنشورة على الانترنيت ما إلى ذلك، والمهندسون في كافة مجالات عملهم يتعلمون من القنوات الفضائية ومن الدراسات التنطبيقية الموجودة على الشبكة، وان كتاب السيناريو يتعلمون يوميا من خلال البرامج التلفزيونية والوثائقيات والأفلام حتى يطوروا امكانياتهم الفنية فتنصل تجاربهم، وان المذيعين والمذيعات يتعلمن من القنوات الفضائية كل ساعة من خلال بث البرامج الحوارية وبرامج المنوعات التي تستضيف الفنانين والمبدعين، والصحفيين يتعلمون يوميا مما يجدوه في الصحف الخارجية من نقلات وتطور يضيف إليهم الكثير.
لكن العديد من مذيعاتنا ومذيعينا لا يتعلمون للأسف مما يشاهدون هذا إذا كانوا يشاهدون، ومنهم المذيعة نسرين نمر التي ارتقت من خلال الونسة السودانية في قنواتنا لكنها أبدا لم تتحسب لهذه التجربة بل كانت في مستوى أقل كثير جدا جدا وظهر ذلك من خلال مقاطعتها لضيوفها ولم تجعلهم يسترسلون في دفق المعلومات وكانت مقاطعاتها بليدة ولم تضف شيئا مهما، لا أدري كيف سمحت (قناة الجزيرة) في قطر ببث هذه الحلقة..؟!.
يا اهل السودان التجاني يوسف بشير عليه رحمة الله مات في الثلاثينات من القرن الماضي لم يجد الاهتمام المطلوب من الحكومات المتعاقبة ولا من المثقفين ولا من أهله ولا من المؤسسات الإعلامية والثقافية، فعندما سنحت لنا فرصة للتعريف به كان من الأفضل أن نستثمر هذه الفرصة بشكل جيد وان لا نضيعها بسبب تقاعسنا عن أداء الواجب، ثم لماذا لم تكلف المذيعة التي قدمت حلقة الأستاذ هاشم صديق لتقديم حلقة التجاني يوسف بشير..؟!؟.
على مكتب (قناة الجزيرة) في الخرطوم ان يدرك بأن هناك ألبون شاسع بين (ونسة) الفضائيات السودانية، ومهرجانات التمظهر التي كرهتنا الفضائيات الوطنية وبين مخاطبة العالم الذي لا يفهم الدارجة السودانية بطرقتنا السريعة في الحديث، أعتقد أن الشاعرة روضة الحاج كان يمكن تكون مناسبة لهذا النوع من البرامج التوثيقية للأدباء لأنها أديبة وزاخرة بالتجارب الفنية الإبداعية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة