من أعظمِ نِعمِ الله على عبادِه، نِعمة الذُرِّية التى "يَهِبُها" اللهُ عباده إختياراً، وليس إلزامَاً. ومن سِماتِ "الهِبَة" أنها من التصرّفاتِ التى تنعَقِدُ بإرادةٍ مُنفرِدة للوَآهِب لمصلحةِ الموهُوب له. وكذلك تنقضى الهِبة بإرادةِ الوآهِب المُنفرِدَة، ويقتضِى ذلك إستعادة الموهُوب للوَآهِبِ، وإنهاء إنتفاع الموْهُوب له بالشئِ الموهُوب. أمّا "الرِزق" فأمره مختلف، فقد إلتزم به الله تعالى إلتزاماً قاطعاً وحتْمِيَّاً. وقال ربنا سبحانه وتعالى بشأنِ تكفُلِه بالرِزقِ لجميع خلقِه قوْلَاً فصْلَاً فى سورةِ الإسراء: (ولا تَقْتُلُوا أولادَكَمُ خَشْيَةَ إملَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُم وإيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطئاً كَبِيراً) الآية (31). وفى حتمِيِّة الزرق أيضاً جاء قوله تعالى فى سورةِ طه: (وَأمُر أَهْلَكَ بالصَّلّاةِ واصْطَبِر عَلَيْهَا لا نَسْئَلُكَ رِزْقَا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ للتَّقوَى) الآية (132). كما جاء فى إلتزام الرازق سبحانه وتعالى بالرزقِ لجميعِ عبادِه وخلقِه بالهداية والطعام والشراب والشفاء فى آيات كريمة من سورةِ الشُعرَاء، فى قولهِ تعالى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ((80)الآيات(78-80).. فالزرقُ إذاً حتْمِى وتكفَّل به الله عزَّ وجَلَّ لكُلِّ عِبادِه. ولكنّه سبحانه وتعالى ضبطَ بسط الرزق لعبادهِ خوفَ البغِى فى الأرضِ وذلك فى قولهِ تعالى فى سورةِ الشورَى(ولو بَسَطَ اللهُ الرِزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِى الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مّا يَشَآءُ إنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الآية (27). وربّنا سبحانه وتعالى رُغمَ أنّه فعَّال لِما يُريد، فقد أوقع على عظِيمِ ذاته قيوداً فى بعض المواقع، منها تحريمه الظُلمَ على نفسِهِ ثمَّ على عِبادِه، فهو العدلُ. كما ألزمَ نفسه بالرحمةِ، فقال فى سورة الأعراف،(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الآية (156). فى هذه المادة، سأحاول إلقاء الضوء على نِعمَةِ الذُرِّية وماهِيَّتِها. هل هى "زِرْق" كما يتداول الناسُ دَوْمَاً ويهنئون بعضهم عندما ينعم الله عليهم بمولُود، ذكرٍ أو أنثى؟، أم أنَّ الذُرِّية "هِبَة" من اللهِ عَزَّ وجلَّ لمن يشاءُ من عِبادِه؟ لتقَرّ به عين وآلِديه فى الحياةِ الدنيا ويخلِفَهُما بعد الممات كما قال ربّنا، الوَهَّاب، سبحانه وتعالى فى مواقع كثيرة من القرآنِ الكريم ؟ وإلى مضابطِ الموضوع: يقول الله سبحانه وتعالى بشأنِ الذُرِّيَّة، كقاعدِةٍ عامَّة، فى مُحكَمِ التنزيل فى سورةِ الشورى: (لِلهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إنَاثَاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانَاً وإنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إنَّه عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)) الآيتان (49 و 50). وفى سورة إبراهيم جاء على لسان الخليل: (الحَمْدُ لِلِه الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ إنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُعَآءِ) الآية (39).. وكذا فى سورةِ الأنبياء يقول ربنا سبحانه وتعالى فى خليله سيدنا إبراهيم: (وَ وَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ ويَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلَّا جَعَلْنَا صَالِحيِنَ.) الآية (72). وفى سورة آل عمران قصة سيدنا زكريا فى قوله تعالى،(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) الآيات (38-40) وجاءت قصة سيدنا زكريا فى سورةِ مريمَ أيضاً، لما خاف من الموالى من ورآءِه، دعا ربه: (وإنِّىِ خِفْتُ المَوَالِىَ مِن وَرَآءِى وَكانَتِ إمْرَأتِى عَاقِرَاً فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيَّاً.) الآية (5)، فوَهَبه ربه يحيى الذى لم يجعل الله له من قَبْلُ سَمِيَّاً !. وأكثر من ذلك، قصة سيدنا زكريا ويحيى قد وردت كذلك فى سورة الأنبياء (وَزَكَرِيَّآ إذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَاَ تَذَرْنِى فَرْدَاً وَأَنتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ(89) فَإسْتَجَبْنَا لَهُ وَ وَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ(90).) الآيتان (89- 90) وفى سورةِ مريم هِبَةٌ أخرى عظيمة أعْجَزَ اللهُ بها عِبادَهُ، هى قصة السيدة مريم وإبنها المسيح عيسى عليه السلام آية للعالمين. وقال الله تعالى فى ذِكرِهما: (قَالَت إنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إنْ كُنْتَ تَقِيَّاً (18) قَالَ إنَّمَآ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأهَبَ لَكِ غُلَامَاً زَكِيّاً (19)) الآيتان (18-19) ونقول فى دُعَاءِ طلبِ الذُرِّيَّة ما عَلَّمَنا رَبُّنَا سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم فى سورة الفرقان:(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الآية (74). وفى طلبِ الرزق والذرية يصلح الإستغفار كما جاء فى سورةِ نوح فى قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَمآء عَلَيْكُم مِّدْرَارَا(11) وَيُمْدِدًكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أنْهَارَاً(12)) الآيات (10-12). والأيات أعلاه تُخبرُنا أنّ سيدنا نوحاً قد علمَّه ربّه فوائد الإستغفار وأسراره، فعلمها قومه، وعلّمَنَا القرآن أنَّ الإستغفار يجلِبُ الرزق والمغفرة وينزل الغيث ويمدِدُ بالأموالِ والبنِين، ويجعل لنا الجنّات والأنهار. فما أسهل الإستغفار وما أعظم الأجر من ربِّنا سبحانه وتعالى؟. إستغفر الله العظيم الذى لآ إله إلَّا هو الحيّ القيّوم وأتوبُ إليه. وصحيح أنَّ عدمَ الإنجاب بسبب أىِّ مانع لهو أمر صعبٌ على الزوجين، وينتهى إلى حزنٍ دفِين فى النفس، كما أنَّ الأهلَ والأصدقاء وعامَّة الناس يراقبون ويسألون إذا تأخر الإنجاب مما يزيد الطين بِلّة على الزوجين، ويصرِفهما ذلك عن البحث عن السبب لعلاجه طِبّاً، وتقرُّباً للهِ عِبادةً بالإستغفارِ. ومعلومٌ أنَّ كثيراً من الزيجاتِ الحديثة الإنعِقَادِ تنهار بالطلاق لتأخُرِ الإنجَابِ! وذاك امرٌ ضارّ بالزوجين، وخاصة الزوجة التى يقع عليها جُلَّ اللوم إن لم يكن كله!. فهل فكرنا فى لحظَةِ صفِاء، ما يسبِبُ ذلك الظُلم من ألمٍ للزوجة وخاصة لو ثبت لاحِقا، أنَّها ليست السبب، وأنَّ العيْبَ كان فى الرَجُل ؟. ثُمَّ أنَّ الزواجَ هو هَدَفٌ فى حَدِّ ذاته، يُرْجَى مِنه السَكِيِّنة والمَوَدَّة والرَحْمَة بين الزوجين، وحُسن المَعْشر والحفاظ على الميثاقِ الغليظ. وصحيح أنَّ الإنجابَ والذرِّية لتُرْجَى من الزواج، فالمالُ والبنُون زينة الحياة الدينا، ولكِنَّ هدف الزواج وغايته ليس إنجاب الذُرِّية. أنَّ الغايةَ الأساسية من الزواجِ هى ما ورد فى سورةِ الرُوم فى قوله تعالى،(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) الأية (21). وحقّاً إنَّ فى ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكَّرُون!. ويدعم مذهبى هذا حول الهدف من الزواج، قصصِ الأنبياء السالفِ ذِكرهم أعلاه، وفى مقدِّمتِهم أبى الأنبياء إبراهيم الخليل الذى سَمَّانا مُسلِمين، وهو صاحب الحنيفيّة السَمْحَة، تزوج من أمِّ إسحاق السيدة سَارَّة وعاش معها سنينَ عدداً دونَ أنْ تحْبُلَ وتنجِبَ إسحاق!!. وسيدنا إسحاق هو أبو النبى يعقوب وآلِد النبى يوسف وإخوته الأسباط. وأنَّ أبانا إبراهيم الخليل عليه السلام لم يُطلّق سارَّة زوجته وآلِدَة إسحاق! بل سَكَنَ إليها فى مودَّةِ ورحمة. ولما جاءت الملائكة تبشِّره بإسحاق كانت أمَّناً سارَّة قد بلغَت من العُمرِ عِتِيَّاً وقد وثّقَ القرآن الكريم ذلك المشهد المؤثِّر فى سورةِ الذَاريات فى قوله تعالى، (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) الآية (29)!!. "صكّت وَجْهَهَا بمعنى لطَمَته من هوْلِ المفاجئة". فهل يصبر رِجال زماننا هذا على الإستمرارِ فى علاقةِ زوجية مع زوجة عقيمة كل هذه المُدَّة؟!. وكذلك سيدنا زكريا وآلد النبى يحيى الذى لم يجعل الله له من قبلُ سَمِيِّا، وزكريا هو كفيل السيدة مريم بنت عمران أم سيدنا عيسى المسيح عليهما السلام. وقد ورد خبرهما فى سورة آل عمران حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنَبَتَها نَبَاتَا حَسَنَاً وَكَفّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيَهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقَا قَالَ يَا مَرْيَمَ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٍ) الآية (37). وعندما دعا زكريا ربه أنْ يهَبَ له وَرِيثاً، لم يشكُو من عُقْرِ زوجته، ولكنه شكَى إلى ربِّه خوفه الموالى من بعده فدعا رَبّهُ أن يهَبَهُ وليِّاً يرثه من بعده!. وكان زكريا، حينَذاك، قد بلغ من الكِبَرِ عِتيَّاً ووَهَنَ منه العظم واشْتَعَل الرَأسُ شَيبَاً برفقة زوجته (العاقِر) أم يحيى! ولم يطلِّقها ولمْ يعيِبَها ولَمْ يَمَلّْ العيش معها. ويدعَمُ هذا المذهب أيضاً، أنّ الذُرِّيّةَ ليست كُلَّها صالحة فمنهم الكافر الطاغية الذى يُرهِق وآلِديه طُغياناً وكُفرَاً، فيُضَيِّقُ عليهُما الأرضَ بما رَحُبَت!.. وفى سُورةِ الكهْفِ قِصَّة الغُلام الذى قتله الرجل الصالح الذى وَرَدَ فى قولهِ تعالى: (فَوَجَدَاعَبْدَاً مِّن عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وعَلّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمَا)الآية (65). ذلك الرجُل هو مُعَلِّم سيدنا موسى "الكليم" عليه السلام الذى لم يصبر على تعلُّمِ دُروسهِ لصعوبتها وغرَابتِها. وهى قِصَّةٌ تُثبت لنا أنَّ الأبناءَ/ الذُرِّية بعضها شرٌّ وبلاء، يُرهِق وآلِديه طغياناً وكُفرَاً. وَرَدَ ذلك فى قولهِ تعالى:(وأمّا الغُلامُ فَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانَاً وَكُفْرَاً (80) فَأرَدْنآ أَنْ يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرَاً مِنْهُ زَكَاةً وأَقْرَبَ رُحْمَاً (81).) سورة الكهف الآيتَان (80 -81). ويُخفِفُ من الحُزنِ على عدمِ إنجابِ الذُرِّية أنّه قد يأتيك بمثلِ هذا الغلام الذى وَصَفَتْهُ الآية الكريمة أعلاه. فكان الخلاص من غلوَاءِ طُغيانهِ أن قتله الرجل الصالح بإذن الله، كى يبدِّلُهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقربُ رُحْمَاً. وهذه رسالة أخرى أنَّ الإبنَ الجبرُوت الطاغية الذى يزيقُ وآلِديِّه العُقوقَ، طُغياناً وكُفرَاً، لا طائِل منه وموته أرحم لوآلِديهِ من حياته. فالإحسان بالوالدين جاء دوماً مقرُونَاً بطاعةِ اللهِ ورسوله. وبمفهوم المخالفة، عدم البِرّ بالوالدين والإحسانِ إليهما مقرُونٌ بالكُفرِ باللهِ تعالى وبرسُولِه الكريم عليه أفضلُ الصلاة والسلام. وأكثرَ من ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى فى سورةِ التغابن (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) الآية (15).. لأنّهما، أى المال والبنُون، لا يخلُوان من الفتنة واشتِغالِ القلب بهما. "فتنة" أى إختبار وإبتلاء من اللهِ تعالى لخلقِه، ليعلمَ من يطيعه ممّن يعصِيه. وقال الرسول (ص): (الولدُ ثمرةَ القلب، إنّهم مجبنة مبخلة محزنة) أخرجه الحافظ البزار. أى أنَّ الآباء فى الغالبِ يتَّصِفون بالجُبنِ والبُخلِ لتأثير مَحَبَّةِ الولد، والشفقة عليه وهو أمرٌ طبيعى ووَآقِعى.. ومجبنة أى أنَّ الوآلِد يتقاعد عن الغزواتِ بسبَبِ حُبِّ الأولاد، والخوف من الموتِ عنهم. ومن عجائبِ ما ورد فى القرآنِ الكريم أنَّ اللهَ تعالى لمّا دعَاهُ سيدنا موسى الكلِيم عليه السلام أن يجعل له أخاهُ هارونَ وَزِيِّرَاً من أهْلِهِ، وَهَبَ الله له من رحمتِه أخاهُ هارون نبيَّاً! وجاء ذلك فى سورةِ مريم فى قوله عزّ وَجَلّ،(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53(). الآيات (51-53) وأختِمُ بالقول، أنَّ ما دفعَنِى لكتابةِ هذه المادة أمرَان: الأول، ما أرى دَوْمَاً من الرفاقِ والأصدقاء عندما يعلنون فرحين عن نعمةِ الذُرِّيةِ عندما "يهِبَهُم" الله الوَهّاب مولُودَاً، أنثى أو ذكَر. فالصحيح أنْ يقولوا: (الحمدُ للهِ الذى وَهَبَ لنا مولُوداً كذا)، ولكنّهُم فى الغالبِ الأعمّ يقولون (إنَّ اللهَ قد رزَقَنا مولوداً كذا! وسمّيناهُ/ا كذا)، وهذا خطأٌ لا يجوز لما سَبقَ تِبيانهُ أعلاه، واللهُ أعلم. والأمر الثانى، وهو مُهِمّ لأهلِ زمانِنا هذا، هى ظاهرة تطليق الزوجة لتأخُّرِ الحَمْلِ وانجَابِ الذُرِّية، وكأنَّ غاية الزواج هى إنجاب الذُرِّية!، ولا هدَفَ وَرَاء الزواج غير الإلْتِهَاء بالتكاثرِ حتّى زُرْتُم المقابِر. وهذا خطأ كبير، والدليل أنَّ أعظمَ خلق الله من البشرِ عاشوا حتى شاخُوا وبلغُوا من العُمْرِ عِتِيَّاً مع زوجاتٍ عاقِرات، فوَهَبَهُم الله، بعد ذلك، ذُرِّيةً من الأنبياءِ والصالحِين!. وليست العِبرة بِكَمِّ البنينِ والبناتِ، ولكن بكَيْفِهم، و(بُغاثُ الطيرِ أكثرُها فِراخَاً). ويكفى سيدنا براهيم الخليل عليه السلام أنْ وَهَبَهُ اللهُ بعد عُمْرٍ مديد الأنبياء، إسماعيل وإسحق، فأنجبَا بدورِهما أنبياء، يعقوب ويوسف ومحمد (ص) خاتم الأنبياء وتاجِهم، ذُرِّيةٌ بعضُها من بعض. كما أجَابَ اللهُ دعاءَ سيدنا زكريا أنْ أصلَحَ له زوجَهُ و وَهَبَ له نبيَّاً هو يحيي الذى لم يجعل له من قبلُ سَمِيّاً. وهكذا دومَاً الصبرُ والدُعاء يعقِبهُما الفرَج. هذا جهْدُ المُقِل، محاولة الإبحَار فى هذا اللُجِّ العمِيق الذى أخْشَى الغوصَ فى أعماقِه أكثرَ من هذا. .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة