|
مسارب الضي>>> الحاج وراق ....لا خير فينا إذا لم نقلها
|
Quote: * لوحة قديمة: في أوائل عام 1999، وكنت حينها رئيساً لجمعية التنوير الثقافية، والتي كانت تتعرض وقتها لمضايقات أمنية، قابلت د. غازي صلاح الدين - وزير الثقافة في ذلك الوقت - لمناقشة الأمر، واستقبلني بترحاب، فتجاوز الحديث الشكوى الى التطرق الى قضايا فكرية وسياسية عديدة، من بينها مذكرة العشرة، وكانت حينها الحدث الأهم، ود. غازي من المتحمسين لها، واذكر اني علقت عليها بأنه من حق الاسلاميين رفض النمط القيادي لدكتور الترابي، ولكن ان تتركز السلطات السياسية والتنفيذية والعسكرية في يد واحدة، هي يد الرئيس البشير، فان هذا ليس بديلاً ولن يحل أزمة القيادة وانما سيحيل الانقاذ في النهاية الى مايو (2)! وبذلك فان الاسلاميين يكررون ذات تجربة اليسار مع نميري! فرد علي د. غازي بأن الرئيس البشير يختلف عن نميري فهو من نفس التنظيم، ثم انه (ود بلد) ولذا فلن يغدر بأخوانه. فرددت عليه بأنه في السياسة، ورغم اثر الخصائص الشخصية للقيادات، فالاهم منها طبائع الاجتماع السياسي وتوازنات القوى، ولذا فان تركيز السلطات في يد واحدة، ومهما كانت النوايا والخصائص، سيؤدي في النهاية الى نظام عسكري محض! وبعد ان دعم كل منا مواقفه بمزيد من الحجج، تركنا الموضوع على حاله، كأنما انتظاراً لحكم التاريخ! * اللوحة الآن: * حكى لي أحد أبناء الشمالية انه حين تفجرت أزمة تعويضات سد مروي، حضر الى الخرطوم وفد من أهالي المنطقة يحملون مذكرة لرئيس الجمهورية، وكانت غالبية الوفد من عضوية المؤتمر الوطني ولكن من المتعاطفين مع مطالب أهالي المنطقة، فقابلوا أحد القيادات السياسية الرفيعة في المؤتمر الوطني، وطالبوه بتسليم المذكرة الى الرئيس، ولدهشتهم رفض القيادي ايصال المذكرة لأن ذلك بحسب قوله قد يغضب منه الرئيس البشير!! والخلاصة واضحة ولا تحتاج الى كثير شرح، فالمناخ السائد حالياً في المؤتمر الوطني، وفي أعلى مستوياته القيادية، انما مناخ طأطأة للرؤوس! وبالطبع لا أحد يحاجج في أهمية وجود سلطة مرجعية، سواء على المستوى السياسي أو التنفيذي، فهذه مسألة ضرورية ولازمة، خصوصاً لأجل المحاسبة، ولكن السلطة المرجعية لا يمكن ان تمارس دورها بصورة صحية إلا في اطار تداول حر للخيارات والبدائل والسياسات، ولذا فحين يسود مناخ من الارهاب والتخويف، فان المناقشات تتحول الى محض طقوس للتزلف والمنافقة، وبدلاً من المحاسبة تتكرس علاقات الاستزلام، حيث يحمي كل مسؤول منصبه بالقربى الشخصية بدلاً عن الانجاز العام! وبالنتيجة فإن العقول اللازمة لدعم القرار السياسي، اما ان تبحث عن (التواءم) بالتغريد مع السرب أو تصمت! * ومما يؤكد سيادة مثل هذا المناخ التخويفي والتخويني في المؤتمر الوطني اضطرار نائب رئيس الجمهورية للنكوص عن تصريحاته السابقة عن القوات الأممية، والى هذه الحدود، فيمكن فهم ذلك كتقوية للموقف التفاوضي الاجماعي للحكومة، ولكن ان يذهب بعيدا الى تبني الموقف النقيض، كما في مؤتمره الصحفي الشهير وفي خطبه اللاحقة، والاخيرة في كردفان، فهذا مما لا يمكن تفسيره الا بفساد المناخ الداخلي للمؤتمر الوطني!. وغض النظر عن الموقف من القوات الدولية، فان سيادة مناخ يحجر المناقشة الحرة، والمفاضلة بين الخيارات المختلفة، ويؤدي الى اخراس الرأي الآخر، مثل هذا المناخ، خلاف اغلاقه لأبواب الاصلاح، فإنه في هذا الظرف الدقيق للبلاد حتما يؤدي الى كارثة كبرى!. * وهكذا فقد انتهت الانقاذ، والقائمة ابتداء على شراكة بين جناحين مدني وعسكري ضمن التيار الاسلامي، انتهت إلى أحادية واستفراد ، والأهم ان فض الشراكة العملي هذا لم يؤدِ الى انفتاح على الآخرين ولا الى توسيع قاعدة الحكم وانما الى مناخ عام يخشى مجرد ايصال آراء المواطنين ، دع عنك المجاهرة بدعمها او تبني رأي مخالف!! * ومفارقة هذه الوضعية لا تحتاج الى كثير بيان، انها وضعية تفقر المناقشات العامة في الحزب الحاكم، وبالتالي تضيق الخيارات والبدائل، ثم انها تضيق القاعدة السياسية والاجتماعية للحكم، وكل هذا مما يهم بالدرجة الأولى الاسلاميون، ويهم السودانيون بمقدار أخذ البلاد رهينة لدى الاسلاميين! لكن الاهم من كل ذلك ان الوضعية الحالية تغلق أبواب الاصلاح في بلاد عطشى للاصلاح! ثم انها تتناقض تناقضاً جذرياً مع مطلوبات المرحلة - مطلوباتها ضمن مؤسسة الحكم، حيث تقتضي اتفاقية السلام الشراكة في اتخاذ القرارات السياسية مع الحركة الشعبية ومع حركة تحرير دارفور، بل والتشاور مع التجمع الوطني الديمقراطي! وكذلك تتناقض مع مطلوبات المرحلة من حيث حراجة ودقة الاوضاع التي تمر بها البلاد، أوضاع تتطلب اوسع مناقشة ممكنة، وتتطلب اجماعاً وطنياً، مما يتناقض بداهة مع نهج الاستفراد والتخويف! * وفي الختام ، اعلم تماماً ان المتزلفين سيهرولون صباحاً بكلماتي هذه الى الرئيس البشير، يحرضونه بأني هاجمته، وأقول بأن شخص الرئيس البشير موضع احترام، وانه كرمز للقوات المسلحة - والتي لا يزال غالبية السودانيين يقبلونها كمؤسسة ( حوبة) يفزعون اليها عند الملمات الكبرى - فانه مقبول لغالبية القوى السياسية ، وبالتالي فإنه في غير حاجة الى نهج التفرد، ثم انه نهج ، غض النظر عن المواقف والمشاعر الشخصية ، يقود البلاد حتما الى الهاوية . وما دام الامر كذلك، فلا خير فينا ان لم نصدع بالحقيقة..! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|