|
Re: مـــن يدفــــــع الثمـــــن؟؟؟؟!!!! (Re: omar ali)
|
Quote: الثلاثـاء 21 رجـب 1427 هـ 15 اغسطس 2006 العدد 10122 الهزيمة والأطفال والطبلة والربابة
عندما كتب نزار قباني قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة» إثر هزيمة، لا نكسة، سنة 1967، كان السيد حسن نصر الله حينها طفلا يدرج في سن السابعة، فهو ولد سنة 1960 في بلدة البازورية في الجنوب اللبناني.
نزار، الشاعر الحالم، المتعلق بعباءة صلاح الدين والعاشق لبسطة جمال عبد الناصر في الحكم والجسم والحلم! كتب موبخا ومقرعا «جيل الهزيمة»، الذي أحبط العرب، ومرغ انوفهم في وحل المهانة، في قصيدته تلك، لكنه ابقى على فسحة من امل الانبعاث العربي الجديد، عبر التعويل على الاطفال الذي لم «يتلوثوا» بعد.
نزار يناجي هؤلاء الاطفال، بعيد هزيمة 67:
يا أيُّها الأطفالْ..
من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..
ويقتلُ الخيالْ..
يا أيها الأطفالْ:
يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ
أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمةْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهةْ...
وكبر الجيل الذي سيهزم الهزيمة، ومرت بعد 67، سنين وسنين، ونحن بعدُ في مطحنة الصراع مع اسرائيل، اجيال تبخرت، ودول اهتزت، وجماعات نشأت، وكبر الطفل حسن نصر الله، كبر أكثر، ليتولى سنة 1992 زعامة الحزب ـ الظاهرة، حزب الله، ويتوهج داخل حارة الطائفة ثم بلدة المجتمع ثم مدينة الدولة، وجوار الاقليم، ليتحول الى موقد «الحرب السادسة» كما تقول قناة «الجزيرة»، ويكون اكبر محركات اصدار قرارين دوليين يتعلقان بلبنان، 1559 بعد «تحرير» الجنوب في 2000، ثم القرار الاخير 1701 بعد اكثر من ثلاثين يوما من الدمار والخراب والمعارك في لبنان، ومعها رشقات من صواريخ حزب الله على اسرائيل، بعض ضحاياها من العرب.
كبر الجيل الذي سيزم الهزيمة، لكن هل هزمها حقا ؟
لندع حزب الله ، لنعود اليه بعد قليل، ونرى ان اطفال 67، مثل حسن نصر الله او اسامة بن لادن الذي ولد سنة 1957، اي انه كان يبلغ العاشرة من عمره، حينما اخبرنا نزار عن الجيل الذي سيهزم الهزيمة، او خالد مشعل وأيمن الظوهري، ولن نتحدث بطبيعة الحال عن «السيد» مقتدى الصدر، فهو لم يكن طفلا بعد، لأنه لم يولد اصلا، فالسيد جاء الى هذا العالم سنة 1973، ولا عن الطفل الآخر محمد عطا، قائد هجمات 11 سببتمر، فهو ولد 1968 بعد هزيمة حزيران، هؤلاء الاطفال، عادو بعد دورة اجيال كاملة، ليصبحوا اسياد المشهد، وحملة راية المواجهة مع «العدو»، ومشعلي سراج التحرير، والانعتاق، كل بطريقته الخاصة، من منطلق ثورة اصولية عسكرية اممية تفجر سفارة في افريقيا، ومجمعا سكنيا في الرياض، وبنكا في اسطنبول، وفندقا في الاردن، ومنتجعا في مصر، وبرجا تجاريا في امريكا، وقطارات نقل عام في مدريد ولندن، كما صنعت وتصنع القاعدة، ممثلة الجواب السني المتطرف على الهزيمة، او من خلال اختطاف قرار بلد كامل، ورهنه لإرادة الولي الفقيه، او محاولة تعميم نموذج الثورة الاسلامية الايرانية، كما حصل باشكال متفاوتة مع جماعة الحكيم او فتيان حزب الله في لبنان، او كما يحلم فتيان اخرون هنا وهناك، وعند هذا الموضع، يجب ان يتحرر البعض من عقدة التخندق الطائفي، ويرى الامور بمنظار اشمل واعلى من ارض الطائفة، اي طائفة، فالاصولية السياسية الظلامية داء عام، ولعل من مظاهرها هذا العدل في تقسيم نفسها على دكاكين الطوائف، بل لعل من دلالات تأكيد تعصبها انطلاقها من توكيدات الهوية الضيقة، اعني المحدد الطائفي !
لا معنى للتفريق بين سوء الجواب الاصولي بمعيار طائفي، لأن النتائج واحدة، فكما ابلت ميليشيات مقتدى الصدر بلاء «حسناً!» في تكريس التعصب والانغلاق والقضاء على اي لون اخر في جنوب العرق، ومحاولة وأد النساء من جديد ومحاربة الفنون، كذلك صنعت من قبل ميليشيات طالبان السنية المتطرفة في افغانستان، وكما ان هناك درجات في التطرف والتعصب داخل الاصولية السنية، فكذلك الامر في الاصولية الشيعية المسيسة، فمن المؤكد ان تخلف خطاب الاخوان المسلمين الاجتماعي في مصر والاردن اقل من تخلف شيوخ طالبان او بعض مناصري الجهادية السلفية الزرقاوية في السعودية او الكويت او الاردن، وتخلف خطاب حزب الله الاجتماعي، ونمط ادارته وتصوره للحياة الاجتماعية المثلى، هو اقل تخلفا من صنيع «زعران» مقتدى الصدر في العراق (للاطلاع اكثر على كيفية ادارة حزب الله لمجتمع الضاحية، الذي هو إقطاع صرف لحزب الله ، أحيل الى كتاب : بلاد الله الضيقة ـ مجتمع الضاحية لفادي توفيق، والذي نشرت «الشرق الاوسط» حلقات وافية منه).
ما أردت قوله إنه وبعد ان سكتت المدافع في لبنان، ويفترض أنه بدأنا في مرحلة أخرى، أصعب، من المرحلة الاولى، نجابه هذا السؤال : هل نحن ازاء هزيمة جديدة ام ازاء نصر لنصر الله وحزبه، ام نصر للبنان واهله، ام نصر لاسرائيل ام لامريكا، ام هزيمة لقوى التنوير والتقدم؟ وهذا يقود الى السؤال الذي طرح كثيرا اثناء هذه الازمة، وهو ما معنى الانتصار والهزيمة هنا ؟ وهل النصر يكفي في حصوله ان يقول الاعلام ذلك ؟ حيث ان هناك معركة اخرى، وراء معارك الطائرات والمدافع، وهي معركة «التصوير» الاعلامي لما جرى، حزب الله بدأ يدق طبول الانتصار مبكرا، ولم يتوقف حسن نصر الله خلال خطابات الازمة المتلفزة عن التذكير بانتصاره، وعن تعتيم الاعلام الاسرائيلي على الهزيمة، هذا التعتيم الذي لم يمنع صحيفة مثل «القدس العربي»، لا تخفي انحيازها لحسن نصر الله، من نشر عنوان في صفحتها الاولى يقول ان الصحافة الاسرائيلية تقول ان اولمرت انهزم وان اسرائيل خسرت! فهل الصحافة الاسرائيلية تعتم على الهزيمة، كما قال السيد، ام هي تنعى هزيمة اسرائيل كما تقول «القدس العربي»؟!
نعم هناك معركة تصوير، ربما هي في درجة المعركة الفعلية على الارض، اسرائيل بدأت عمليا جرد الحساب وتحديد المخطئ والمصيب وتعيين مواضع الخلل طيلة الحرب، وربما تطير رؤوس سياسية، لكن في المقلب الاخر، افراد موالون لحزب الله بدأوا بالجري احتفالا بالنصر، ورفع رايات الحزب الصفراء، وصور المرشد والسيد، وصحافيون عرب يهتفون بأناشيد النصر، وعن المحاسبة السياسية لا ندري شيئا، والكل هناك في لبنان يتحدث عن «تأجيل» الحساب، وحسن نصر الله يقول انه هو من سيحاسب محاسبيه، ولا ندري ايضا هل سيطرح سؤال من يحكم لبنان: الدولة ام الحزب ؟ ولا كيفية تطبيق القرار الدولي، الناص على بسط سلطة الدولة، ما يعني نزول حزب الله من ظهر الدولة الخفية، ولا ما هو مستقبل سلاح حزب الله، هذا السلاح الذي هو «عرض» الحزب، على حد تعبير السيد نصر الله ذات مرة بعد سجالات القرار الدولي الاول 1559.
ثم لا ندري، كيف سيكون احتساب القتلى والجرحى والمليون مهجر، وعشرات المليارات من الخسائر والهاربين، والمطارت المغلقة، والاموال الهاربة، والجنوب المخرب بالكامل، والجسور المقطعة.. وكل مفردات الخراب، كيف سيتم احتسابها، في خانة الهزيمة، فالاقتصاد والتنمية حرب أيضا، ام في خانة النصر؟
شيء آخر، يتصل بمعنى الهزيمة والحرب، لنفترض، جدلا، ان انتصار حزب الله كامل وتام ولا ريب فيه، ولنفترض ايضا ان اسرائيل اقرت بهزيمتها علنا وطلبت العفو من الحزب، واعترف العالم كله بانتصار حزب الله في لبنان بلا تردد ولا «لكن».
اقول لنفترض هذا كله، فكان ماذا ؟!
اعني هل الانتصار هو فقط في ايقاع الجرح العسكري بالعدو، وتدمير قواته، واستعادة «الكرامة»؟ هل هذا هو ما ينقص لبنان والعرب، لو حكم حزب الله لبنان حكما صريحا، تتويجا لانتصاره الساحق الكامل، وحكم معه بن لادن بقية البلدان العربية، تتويجا لانتصاره العظيم على الصليبيين، فكان ماذا؟ اي كرامة نبحث عنها، ونحن نجدع انوفنا لنغيظ خصومنا، ايهما اهم ان نكون اقوياء ومجتمعات ذات حياة حقيقية في مجالها السياسي والعلمي والاقتصادي.. ام مجتمعات تتوفر على الكثير من «الكرامة» و«السلاح» و«الشهداء» في مقابل مجتمعات اخرى لديها المال والعلم والحرية والقوة..
إنه سؤال يتجاوز الانحناء في سرداب النقاش المنخفض حول حزب الله واسرائيل، وهو مكرر نقاش القاعدة وامريكا (من يتذكر الدفاع الحار عن تفهم الجواب القاعدي حينها؟)، يتجاوز هذا ليلقي بنا وجها لوجه امام ذاتنا وهويتنا، وأي شيء نريده بالفعل، واين يكمن ضعفنا؟.
إنه المعنى الهارب منا، خلف ضجيج الاحزاب، ودخان الحرائق، منذ اكثر من نصف قرن.
لن أعول مثل نزار قباني على جيل آخر يولد الان، او يلثغ بحروفه الاول، لننتظر منه نصرا، بل اردد معه، قبل حوالي اربعة عقود، وصفه الذي وضع فيه اصبعه على علة عربية لا تمل من تكرير نفسها:
إذا خسرنا الحربَ لا غرابةْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابةْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابةْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابةْ |
|
|
|
|
|
|
|
|
|