السبت 29يوليو 2006 وفى عصر لم تر ولاية منسوتا مثله حرا ورطوبة إجتمعنا مجموعة من العوائل السودانية فى حديقة بمدينة بلومنتون. حديقة تبتسم خضرة وجمالا وبها مقاعد تلتف حول خصر بحيرة جميلة إمتلأت بحسان الخواجات حتى تناثرن على جوانبها كفيض كأس أترعت بمحرمات يسيل لها اللعاب ويتخذ العقل منها حجابا رغبا و رهبا.
فى هذا الجو الذى يشبه (الحلومر), وفى هذه المناسبة التى ترتاح فيها النساء من كل أعباء سوى ثرثرة مكبوتة تنتظر اللقاء بأخريات لتخرج, كنا نحن الرجال نقف على الشواء وكما نحضر الشطة بالدكوة كأهم المقبلات بدأنا فى تحضير مقبلات الونسة السودانية وهى السياسة وتعبير الأسى الشفاهى لما يحدث والذى فى الحقيقة لايرقى عندنا لقيمة دولار واحد نتبرع به للاجئ أهلكته الهراوات فى حى المهندسين بالقاهرة وتركته مابين (ميت وحى). بدأنا (لخ) الشطة والدكوةبالليمون ومعها بدأنا (نلخ) فى السياسة وقضايا الحرب والسلام. فبادرت كأحد (اللخاخين) حديثى (للخاخ) مثلى بالسؤال الآتى: ماهو تحليلك للحرب? فأجابنى, وهو ممسكا (بالماشة) يقلب اللحم وحوله زبانية غلاظ شداد كنت أحدهم, أى حرب تقصد? وحينها خطر ببالى كل الحروب التى تطحن أهلنا فى دارفور والشرق وتذكرت حرب أهلنا مع لقمة العيش وحرب شبابنا مع الخدمة الجهادية الإلزامية والتى صارت أهم مواد المقرر فى الجامعات والتى بدونها لاتمنح شهادة التخرج ولن ترى باب لجنة الإختيار للخدمة العامة ولن تخرج من السودان. كما تذكرت حرب معارضى الحكومة مع زوارهم الذين يقتحمون المنزل مع كل تكبيرة فجر ليكتموا شقشقة العصافير فى بلادى. تذكرت كل ذلك وقلت له أعنى الحرب بين إسرائيل وحزب الله باعتبار أن تلك الحروب قد قتلناها (لخا) واعطيناها أطنان من تعابير الحسرة والأسف وشيئا لابأس به من التكشير والتقطيب. وبدأ يحلل الأوضاع ويقلب كل المعادلات تماما كما يقلب اللحم على الشواية ونشاركه بشئ من مقبلات الأسئلة والتعليقات (نلخها) بعناية كما نفعل بالشطة والدكوة والليمون التى شارفت على الجاهزية. وفى كل فينة وأخرى أسرح فى حالنا وتقع الذكرى منى كما تقع صغار قطع اللحم متسللة من سلك الشواية ومنحدرةعلى ذاك الجمر الذى يشابه واقعنا الذى اعتدناه حتى برد فى حركةdesensitization لم يسبق لها مثيل. وسألت نفسى وضحايا لبنان فى ذلك الوقت أقل من المائتين: مالذى سنفعله للقتلى والجرحى ونحن شعب قتلاه شارفت على الثلاثة ملايين من جنوبه وشرقه وشماله وغربه ولم نفعل شيئا. وتذكرت كيف أن بعضنا يقتله الخوف من فكرة تمزق العراق وهو يعيش واقعا ممزقا ووطن يحترق من أطرافه على (دوكة عواسة عواستها خيبانة). مر بخيالى مقال لإبننا إبراهيم بقال وهو بغضبة يكاوى بها (أبناء عم هيفاء وهبى) من أهل السودان ويعنون مقالا (حريقة فى لبنان)!!! عندها خفت ألا يكون صاحب قضية حقيقى وأن يكون مثلنا سمع بالموت وشق المقابر ولم يتعظ. وتذكرت كيف أن الأم التى تفقد وحيدها تبكى بحرقة كلما رأت أما تبكى فلذة كبدها حتى لو كانت تلك الأم إسرائيلية, لايهمها الجنسية ولا الدين هنا ولكن يهمها الإحساس الصادق بعمق المأساة ومرارة الفقد. وأسئلة كثيرة تراقصت أمام مخيلتى وسؤال يأتى بسؤال عن الأفريقانية والسودانوية والعروبية والإسلاموية وماهية الأديان وأين كل ذلك وماهو دوره فى إنقاذ الإنسان من الإنسان أو هلاك الإنسان للإنسان. وفى ذلك الشرود المجانى لكزنى محدثى يسألنى إن أضفت للدكوة ملح أم لا, ويشير على أن أقطع البصل ثم أغسله بماء وملح لأقتل ناره. فصحوت من الحرب على واقع تلك الرحلة الجميلة وغمست قطعة من اللحم المشوى مع بصلة بيضاء فى صحن الدكوة وغطست فى فمى مع غطسة شقراء دست كل مفاتنها فى ماء البحيرة التى أمامى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Balla Musa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست