حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 08:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2005, 12:03 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم (Re: Sabri Elshareef)

    vحدثنا عن مشروعك النقدي ؟

    v في واقع الحال يصعب الحديث عن مشروع إلا على سبيل التجوز، ذلك لأن المشروع ربما يكون عملا قد استنفرت فروضه واستقامت أجزاؤه وتبلورت نتائجه. وبالنسبة لي يمكن الحديث عن منظور لمعالجة الظواهرالثقافيةوالاجتماعية ر عبر مسارب متعددة وهواجس تنتاب الباحث الذي يحمل قلق البحث عن إجابات جديدة تحل الإشكالات المعرفية التي تبرز أمامنا في ميدان الثقافة العربية.

    يمكن لي تحديداً أن أُرجع الموجهات العامة لعملي الذي اشتغل فيه إلى ركيزتين أساسيتين:

    الأولى: التفاعل مع المنهجيات الحديثة التي حاولت تغيير نظام التفكير بتفكيكه وإعادة شحنه بأبعاد أكثر تبصراً تجاه الموضوعات التي تدرس وقد شكلت هذه المنهجيات تبلورت خلال القرن العشرين. خصوصا في نصفه الثاني. جانباً مهما من المرجعية التي وجَّهت عملي، ولكن ينبغي التأكيد على أنني لم أطبقها بحذافيرها ولكي أعدت إنتاجها بما يخدم موضوعي الذي اشتغل فيه.الثانية: وهي خاصة بالسرد العربي القديم، فلقد وجدت أن هناك ذخيرة من التخيلات المركبة التي طمرت واستبعدت من دائرة الاهتمام ولم تدرس إلا وفق الدراسات التقليدية التي تجرد النص الأدبي من السياق الذي يحتضنه.لقد وجت في هذه التخيلات تشكيلات سردية تخيلية انتظمت منذ وقت مبكر في أدبنا في ثلاثة أنواع أساسية هي الحكاية الخرافية والسيرة والمقامة، وحاولت مستعينا بالكشوفات المنهجية أن أبحث من جهة أولى في أمرين:

    الأول: التشكيلات الداخلية ضمن السياقات الثقافية لهذه الأنواع كما ظهرت في تاريخنا.
    الثاني: فحص البنيات السردية لكل نوع من هذه الأنواع.

    ومن الطبيعي أن يعنى هذا البحث بالسياق الثقافي الذي احتضن هذه الاشكال الأدبية، ولقد وجدت من خلال البحث أن السياق الثقافي كان مشبعا بخصائص شفاهية مهيمنة إلى حد أستطيع فيه القول أن آليات التفكير الشفاهي كانت هي النسق المهيمن على الثقافة العربية حتى القرن الرابع الهجري.ولا بد أن نلاحظ أن هناك فروقات بين مرحلة التعبير الشفاهي ومرحلة التدوين ومرحلة الكتابة، فالتدوين لم يقم الا بتثبيت صورة معينة للمرويات الشفاهية لذا يصعب اعتبار التدوين حالة كتابة. إنه حالة قيدت بها المشافهة، وأعتقد أن الكتابة كفعل تعبيري ذهني، تأخر ظهوره كثيرا في ثقافتنا وما زلنا نعيش إلى الآن ذيول المرحلة الشفاهية.

    vتناولت السيرة والمقامة والحكاية الخرافية ولكنك أغفلت الخبر رغم أنه المولُد الأساسي لهذه لأشكال. بم تبرر ذلك ؟

    v ألم غفل الخبر،فقد خصصت له فقرات طويلة في تمهيد الكتاب الأساسي، تقترب من مائة صفحة ناقشت فيها الإشكالات الدينية واعتبرته الجنين الأول أنواع الكبرى التي تفرعت وتشققت عنه وأصبحت أنواعا مستقلة كالحكاية والسيرة والمقامة.

    إذا كنت تقصد تفحُّص البينة السردية للخبر، فأنا فعلا لم اهتم بهذا الجانب اهتماما مباشراً لأني كنت وما زلت أعتقد أن السردية العربية هي الأنظمة الكبرى المهيمنة في أشكال التعبير الثلاثة(المقامة والسرة والحكاية) وما الخبر إلا مقدمة تطورت عن رواية الحديث النبوي وما يتعلق بها من قضايا الإسناد.

    vإذا أنت درست الخبر بعد ان انتظم ضمن نظام معرفي ولم تدرسه لتكشف ما بداخله من بنيات؟

    v لم أدرس الخبر كنص لأنني لازلت أعتقد أن الخبر بشكل معرفي وليس شكلا تخيليا،وبما أنني أبحث في أنظمة التخيل، فقد اعتبرته خارجاً عن مدونتي، فالخبر أكثر ميلا لأن تتوافر فيه الشروط المعرفية البعيدة عن التخيل والأدب يقتضي الانتقال إلى مستوى الخيال المحض الذي لا نجده إلا في الأنواع الكبرى.

    لقد منحت السيمائيات الباحث أدوات اكتشاف خطيرة جعلته يفكك الرموز والعلامات ولم تعد بعد هذا التفكيك تملك أسرارها الغامضة التي تحرك بها الإنسان، ولقد غدت الرموز مادة يشتغل عليها الباحث السيميائي بعد أن كانت تشتغل فيه لتجعله يقول ما تريد بدل أن يقول ما يريد من فضح لأسرارها المسكوت عنها. إلى أي حد استطعنا أن نستثمر هذه المعرفة في تفكيك رموزنا التي غدت بفعل سريتها مقدسة؟ المسألة تتصل بتغير العلاقة بين النص والعالم هذه العلاقة أشاعتها المنهجيات الحديثة، لقد كان ينظر من قبل حسب التصورات التقليدية إلى النص بوصفه وسيطاً يقوم بنقل الواقع الاجتماعي أو النفسي للأديبأو يقوم بعكسه، أي أن الأشياء الخارجية تتمرأى في النص. وكان التركيز ينصب على القدرة التي يتمكن بها النص من أن يقدم عكساً للموضوع الخارجي. وهذا يعني أن النص كقيمة جمالية وعلامية ولسانية لم تكن تسترعي اهتمام الدارسين. الأنجاز الأكثر قيمة يتمثل فيما قامت به المتهجيات الحديثة الشكلية أو السيميولوجية أو البنيوية أو التفكيكية فقد تمكنت هذه المنهجيات من زحزحة العلاقة بين النص والمرجع الخارجي بعضها قطع العلاقة بين الدال والمدلول من جهة والمرجع الخارجي من جهة أخرى أو لنقل بين العالم والنص وبعضهما تحدث عن درجة من التمثيل.وما يصطلح عليه الآن فلسفة ( ما بعد الحداثة) تكلم كثيرا عن عالم العلامات وان العالم إنما هو نظام من العلامات وكثير من الجهود النقدية انصبت على تحليل هذه العلامات التي حوّلت العالم إلى لعبة،والحقيقة أنه ينبغي أن لا نجرد الأشياء ونقطعها عن دورها وأهميتها، فللعلامة فعل وهذا الفعل لا بد أن يفهم ضمن السياق الثقافي، وعلى سبيل المثال إذا اعتبرنا الحكاية الخرافية علامة فلا شك أن لها صلة بالعصر الوسيط حيث كان برنامج التفكير الاجتماعي يسمح بإعطاء قيمة اعتبارية لهذه العلامة وقس على ذلك الرسوم والنتاجات الفكرية وكل معطيات التفكير التخيلي والإبداعي.

    النصوص الأدبية بوصفها علامات لفظية شفاهية أو كتابية أو حركية مهما كانت أشكالها قد رُمّزت أو خلقت عالماً رمزياً لا أقول مناظراً للعالم الواقعي ولكن التراسل بين العالمين لا بد أن يكون موجوداً، السيرة الشعبية على سبيل المثال استثمرت كثيراً من المعطيات الواقعية إلا أنها أعادت إنتاجها ورفعت درجة التمثيل السردي فيها إلى أعلى درجة ممكنة لذلك نجد فيها صورة لأخلاقيات العصر الوسيط ولكن ليس على سبيل الانعكاس وإنما على سبيل التمثيل.

    vدراسات ما بعد الإيديولوجيا توجهت إلى دراسة العقل العربي بمداخل مختلفة واشتغلت على مدونات مختلفة أيضا ومع ذلك فبعضها يتقاطع في مناطق حفر مشتركة. في أي منطقة يتقاطع مدخلك السردي مع هذه المداخل وفي أي منطقة يختلف عنها أو يتجاوزها؟

    v الأمر الذي تشير إليه أرتبه مع نفسي بالطريقة التالية: لا يمكن الحديث عن مرحلة ما قبل الأيديولوجيا ومرحلة ما بعد الإيديولوجيا، فمجتمعاتنا مازالت مشتبكة مع شبكة من التوترات فيما يخص الانتماء العرقي والديني. أنا أرى أن الثقافة العربية الحديثة مرت بمرحلتين، الأولى قام فيها الرواد بمهمة بناء الفكر العربي تجاه الماضي عن طريق تنظيم وتنسيق منظورنا. نحن المعاصرين. للثقافة العربية القديمة، وأبرز القائمين على هذا الأمر طه حسين والعقاد ولطفي السيد وزكي نجيب محمود. لقد كان هؤلاء يمارسون النقد بالمعنى العام الذي ينطبق على الباحث في شئون الثقافة دون تخصص في مجال النقد الأدبي.

    في المرحلة الثانية منذ منتصف السبعينيات تجلت مرحلة جديدة تمثلت في نقد عملية البناء التي أسسها الرواد ويندرج ضمن هذه المرحلة أدونيس و الجابري و أركون والطيب التيزيني وحسن حفني وعلي حرب وهشام جعيط وغيرهم، هؤلاء يندرجون في افق بدأ يعيد النظر فيما قام به الرواد وقد قادت عملية إعادة النظر بعضهم إلى الرجوع إلى الوراء أكثر لفحص بدايات تكوّن العقل العربي والعقل الإسلامي وما أنتجاه من علوم دين وفقه ولاهوت. إن هذه العملية أدت إلى كشف التشكلات الدينية والتاريخية والثقافية التي كونت وعينا وثقافتنا العربية.

    هذه المرحلة الثانية حققت ومازالت تحقق نوعاً من الكشف وإزالة الحجب وهذا ما لم يكن متحققاً، لقد كانت المعرفة المتداولة في محيط ثقافتنا تحول دون عملية تبصير المثقف العربي بتاريخه.وبالنسبة لعملي لا أرى أنه مندرج ضمن سياقات هذه المشروعات الثقافية المعرفية، إنه بتواضع أقرب إلى أن يكونه مقترباً نقدياً يعالج خطاباً سردياً قديماً، ولكنه يستضيء بهذه الشراكة التي تجمعه مع هذه التوجهات الحديثة التي أشرت إليها مضافاً إليها معطيات المعرفة الإنسانية في حقل النقد والفلسفة والسوسيولوجيا والدراسات المعنية بالثقافة.

    vهل يمكن أن نطلق على مرحلة البناء التي مثلها جيل طه حسين تسمية (الحداثة) ومرحلة نقد البناء التي يمثلها الجيل المعاصر تسمية (ما بعد الحداثة) ؟

    v لا، أنا حقيقة لا أوافق على هذا التقسيم ذلك لأن الحداثة التي شُوّهت طبيعتها ومعناها في ثقافتنا لا تمثل لهذا الأمر، فالحداثة في حقيقتها رؤية فلسفية للعالم والإنسان، ونحن لا يمكن أن نتحدث عن حداثة حقيقية إلا إذا وجدت تلك الحداثة اثرها في مجتمع مدني، فنحن مازلنا إلى الآن نفتقر إلى المجتمع المدني والدولة المدنية والسياسية المدنية والعلاقات الاجتماعية المدنية وإلى أشياء كثيرة لا بد أن تنساق ضمن أطر مدنية حديثة، مازالت مجتمعاتنا إما قبلية وإما عشائرية وإما إقطاعية، والتنظيمات السياسية الموجودة في بلادنا تستعير النظام القبائلي أو العشائري الذي يمارس ويوجد كحقيقة في الأسرة والقبيلة والدولة. الحداثة هي عملية إعادة النظر في العلاقات على مستوى الأسرة والمجتمع واستبدال المهيمنات الفردية بمهيمنات مؤسساتية تقوم بتنظيم العلاقة بين الإنسان والإنسان، وما دمنا لا نعثر على هذا الأمر فإن الحديث عن الحداثة أمر يكتنفه الكثير من عدم الدقة، وإذا كان الأمر هكذا فهل يمكن أن نعتبر جيل طه حسين يمثل الحداثة؟ الإجابة أعتقد ستكون لا، فقد اطلع هذا الجيل على جانب من الفكر الحديث في الغرب وحاول الإفادة منه في بناء الثقافة العربية ولكن من دون أن ينتج مجتمعا حديثاً.وبما أن الحداثة كفكرة فلسفية لم تكتسب شرعيتها إلى الآن في ثقافتنا فالحديث عما بعد الحداثة أمر لا معنى له، ورغم ذلك فأنا لا أتجاهل كثيراً من النصوص الشعرية والأدبية التي يندرج خطابها ضمن توجهات ما بعد الحداثة فعباراتها تتشكل وفق أنساق وطرز تحاكي أنظمة التعبير التي تشيع في الغرب الآن، ولكن حين نتأمل هذه الحالة تأملاً فكرياً نقدياً سنجد أن الأمر لا يعدو أن يكون تجارب هي أشبه باللعب البلاغية التي لا تستند إلى مرجعية ثقافية تعطيها شرعيتها بوصفها تعبيراً متدرجاً عن تخيلات الإنسان وطموحاته وتطلعاته.

    وعلى هذا الأساس أنا لا أعتقد أن مشروع أدونيس والجابري و.. يندرجان تحت تسمية(ما بعد الحداثة). وينبغي أن نلتفت إلى أن هذه التسمية مشكوك فيها حتى في الغرب نفسه، فهابرماس في كتابه" الخطاب الفلسفي للحداثة" يشكك تشكيكاً كاملاً في المنظومة التي تقول أن الفكر الغربي يعيش مرحلة ما بعد الحداثة، والأهمية المنهجية والرؤية الثقافية التي ينطوي عليها هابرماس بوصفه ناقداً فلسفياً واجتماعياً لا يمكن أن تأتي لمجرد المعارضة هو قد قام بإجراء تحليل منظم لجهود الفلاسفة الفرنسيين دولوز وفوكو ودريدا، وكل ما يصطلح عليهم الآن بفلاسفة ما بعد الحداثة، وتوصل إلى أن الحداثة نفسها لم يجر لها تمثُّل كامل في المجتمعات الغربية. القول إن تلك المجتمعات انتقلت إلى ما بعد الحداثة إدعاء يجري تسويقه في الثقافة العالمية والكونية بشكل عام وفي ثقافتنا بشكل خاص. وعلى أية حال فمجتمعنا العربي ما زال يعيش مرحلة ما قبل الحداثة.



    vاستفادت معظم المداخل الحديثة من التفكيك. ولن أقول منهج أو فلسفة أو مدرسة. وراح كل ما مداخل يعيد إنتاجه ويستثمره وفق مقتضيات إجراءاته المنهجية.. كيف استثمرت التفكيك في مقارباتك النقدية والثقافية ؟

    v التفكيك نفسه ما زال ملتبسا في ذهن المثقف العربي، فهو يفهم عادة من خصومة على أنه السقوط في العدمية غافلين عن طبيعته وانطلاقاته المعرفية فهو حلقة عابرة في منهجيات التفكير التي تعالج بها موضوعات الإنسان والعالم، فهو لا يملك ديمومة أبدية.لقد انبثق التفكيك من إحساس المنهجيات الغربية أنها قد وصلت إلى التعامل مع معطيات مندرجة ضمن نسق مغلق وقد مثل ذروة هذه الأنساق المنهج البنيوي، وحين وجد دريدا أن هذا النسق لم يعد يسمح بإمكانية تعدد المنظورات للظاهرة المدروسة بدأ يجري مجموعة من الممارسات التحليلية اصطلح عليها بالتفكيك، لد كان دريدا يمارس إجراءاته داخل الحقل الفلسفي ولم يطبقه على الأدب إلا في نطاق ضيق.تقوم الممارسات التفكيكية على فضح المصادرات وكشف التناقضات وتعرية التعارضات التي تتغلغل داخل نظام التفكير والثقافة، ولعل أكبر تجل لهذه المنهجية يتمثل فيما قام به دريدا من كشف لطبيعة الميتافيزيقيا في خطابات الفلاسفة بدءا من سقراط ووصولا إلى فلاسفة الفينومنولوجيا (الظواهرية).

    وعلى هذا فالتفكيك لا يمكن أن يتحول إلى عقيدة، وأنا شخصيا لا أجد نفسي منتميا إلى التفكيك بالمعنى الحزبي ولا إلى أي منهج بالمعنى العقائدي المغلق الضيق.ثمة اهتمام عام بالتفكيك ومحاولة للإفادة منه في كشف العناصر التي تتركب منها الثقافة العربية خاصة العناصر الشفاهية.في كتابي" المركزية الغربية" قمت بعملية تحويل للوسيلة المنهجية فبدلا من الاشتغال على خطاب ذي طبيعة أدبية اشتغلت على خطاب ذي طبيعة فلسفية.في هذا الخطاب أخذت أتتبع مظاهر تمركز الثقافة الغربية منذ ديكارت مرورا بسبنوزا ثم كانت وهجيل وصولا إلى العصر الحديث.كنت في سهذا الخطاب الفلسفي اشتغل على إبراز معالم التمركز في الثقافة الغربية، فقد كان خطاب هذه الثقافة متمركزا حول ذاته وهذا ما أنتج غربا صافيا ونقيا يقوم على ثلاث ركائز هي: الغرب هو الأسمى عرقيا وهو الأسمى ثقافيا وهو الأسمى دينيا.

    إن كل تمركز هو تأكيد لمنظور معين للذات وللآخر، يقوم هذا المنظور بتنقيح الذات وتشويه الآخر، لذا فإن كل تمركز ينتج صورة مشوهة.الثقافة الغربية الحديثة خاصة في مظاهرها الفلسفية تمحورت حول(أنا) غربية لها خصائصها وحيويتها المطلقة من وجهة نظر هذه الأنا وهذا ما جعلها تقوم بتهميش العالم غير الغربي معتبرة إياه نمطا متخلفا ومعيقا لنظام التطور الإنساني.إن العولمة التي أخذت تعمم نموذجا واحدا كونيا هي نتيجة لهذا المخاض الفلسفي الذي أخذ تطبيقاته العملية في الحياة الثقافية.

    vلقد قدم إدوارد سعيد في كتابه(الاستشراق) فضحا لآلية إنتاج المركزية الغربية، وقدم أركون نقداً لاذعاً لمنهجيات الاستشراق التقليدية، فما الذي يقدمه كتابك(المركزية الغربية) من جديد في هذا المجال ؟

    v لا يمكن الحديث عن إضافة مطلقة، فالأفكار بعضها يحاور بعضاً وبعضها يكمل البعض الآخر، لا شك أن إدوارد سعيد قد قام بجُهد ذي أهمية استثنائية في كشفه موضوعاً دقيقاً متصلا بثقافتنا العربية، هذا الموضوع يتعلق بالمنظور الذي نظر من خلاله المستشرقون إلى الشرق وثقافته وحضارته، وتوصل إلى أن خطاب الاستشراق قد ثبت صورة مشوهة تمثل الشرق أدنى درجة وأق حضارة، لقد كان الشرق شرقاً خطابياً مفارقاً في كتابات الاستشراق للواقع الحضاري والثقافي الذي يعيشه الشرق، ثمة فارق بين الشرق الحقيقي والشرق الذي أنتجه المستشرقون. لقد تقصى إدوارد هذا الأمر بدقة.

    أما أركون فقد درس الاستشراق التقليدي الذي عالجه إدوارد سعيد مستعيناً بشبكة من المنهجيات اللسانية والسيميائية والسوسولوجية من أجل تحليل الثقافة العربية الإسلامية وفي الوقت نفسه من أجل تصحيح المنظور الاستشراقي الذي أشاعه المستشرقون. لقد كان عمله مقترحاً بديلاً للمنهجية التقليدية الاستشراقية وقد أطلق على مشروعه (الإسلاميات التطبيقية) تمييزاً لها عن الدراسات الإستشراقية.أما عملي في (المركزية الغربية) فلا يتصل بهيذا الاهتمام مباشرة فأنا أنطلق من تشخيص أرى فيه أن الثقافة العربية تعيش نوعاص من التطابق شبه المطلق مع مرجعيتين، الأولى مرجعية غربية تكونت وتشكلت ضمن سياق ثقافي له شروطه التاريخية، إن هذه المرجعية الغربية قد بدأت منذ القرن السادس عشر تكشف عن طبيعتها المتمركزة، وقد تبين لي أن الثقافة العربية الحديثة في جانب من جوانبها قد تطابقت مع مضامين وأطروحات هذه الثقافات الغربية، الثانية مرجعية عربية لها شروطها التاريخية وتمثلها الثقافة منذ الإسلام إلى القرن الخامس الهجري، وهناك جانب من جوانب الثقافة العربية الحديثة تطابق مع هذه المرجعية.

    vحاولت في الكتاب أن أبين أهمية الابتعاد عن هذه المطابقة الغربية سوى أكانت غربية حديثة أم عربية قديمة فكلتاهما عاشتا ظروفاً وشروطاً لا تتطابق معها شروط ثقافتنا الحاضرة فكيب يمكن أن نتطابق مع أي منهما؟

    v لا بد أن تختلف الثقافة العربية عن الآخر وعن الذات وأن تشكل خصوصية تستعين بالمرجعيتين ولا تكون أيا منهما، وهذا يفسر مفهومي المطابقة والاختلاف اللذين استعنت بهما في كتابي، لقد نقدت فكرة المطابقة واقترحت فكرة الاختلاف وهذا هو الموجه الأساسي لظهور كتابي(المركزية الغربية) والكتاب الآخر (الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة).لقد تتبعت تشكُّل هذه المركزية في الثقافة الغربية التي أخذت تتصلب وتؤثر في الثقافات الإنسانية بشكل متسع ومهيمن. لقد كان الخطاب الذي اشتغلت عليه يتصل بالمجال الفلسفي الذي يعد الممهد الأساسي لمجمل الأفكار المتداولة في خطاب هذه الثقافة، لقد ظهر كما هو معروف من القرن الثامن عشر ما يسمى بمنهج الوحدة والاستمرارية الذي يرى أن الثقافة تتدرج في تطور حتمي، ومع مرور الزمن حاول هذا المنهج أن يجعل من الغرب وثقافته مركزاص ينبغي على جميع الثقافات أن تتماثل وتتطابق معه لتسير ضمن هذا التطور الحتمي.

    فيما يخص التطابق مع المرجعية العربية عدت إلى تحليل أبرز الخطابات الثقافية التي ظهرت في القرن العشرين وتمثلت هذه المرجعية بكل ما فيها من معرفة وأنظمة فكرية.وسط تنازع هاتين المرجعيتين يظهر"الاختلاف " الذي كان مغيباً على أنه الوسيلة لتعميق الرؤى الذاتية من جانب والحوار والتفاعل من جانب آخر وجعل الحاضر موجهاً ومنطلقاً للتصورات الفكرية وموضوعاً للبحث والتحليل وتجاوز السجال إلى الحوار.

    vألا ترى أننا نستجيب لفعل التمركز وندعمه في ثقافتنا، هيجل مثلاً يتمركز حول حضارته ويهمش الآخر ونحن نؤكد مركزيته بجعل إنتاجه محوراً لإنتاجاتنا لا نكف عن إعادة دراسته واستثماره؟

    v لا أعتقد ذلك، فالمنظور النقدي للظواهر الثقافية يمكننا من كشف تناقضات خطاب أي مفكر ونحن في عملية الاستعادة نعري نقاط الضعف ونستثمر معطيات الجهد الإنساني من دون أن نقع تحت هيمنته، بالنسبة لهيجل من المعروف عنه أن يعني بالبعد الإنساني للثقافة وهو يمثل حقبة من حقب الفلسفة الغربية وقراءته قراءة ستكشف لا محالة عن وعي جديد به، والأمر ليس مقصوراً على هيجل ففي سياق الثقافة الغربية مفكرون بارزون بحاجة إلى إعادة قراءة لكشف الجوانب المخفية أو المغيبة من خطاباتهم.في عملية القراءة يقرأ المفكرون ضمن منظور العناصر المكونة لخطابهم الفلسفي من أجل تجهيز القارئ ببصيرة نقدية تمكنه من فضح المصادرات والتناقضات التي تجاهلتها الدراسات السابقة، إن هذا المنهج يعد مغيراً لتلك الطريقة وهنا لا بد أن أشير إلى أن كثيراً من الدارسين للغرب يدرسون الثقافة الغربية بوصفها حقيقة مجردة وينسون الشرط التاريخي الذي تحكم في نشأتها، وهذا يدفعهم إلى تعميم هذه الثقافة الأمر الذي يؤدي إلى تدمير الأنساق الثقافية التي لها بعض الطوابع الخاصة بها والمرتبطة بالتصورات التي تشكلت ضمن واقعها التاريخي والاجتماعي.

    vهناك الكثير من المدونات الغربية التي تحمل تصورات عن الآخر نحن الآن نشتغل عليها لكشف تناقضاتها وتمركزاتها، لاحظت أنك اتجهت نحو المدونات الفلسفية وتركت المدونات الأخرى هناك على سبيل المثال مدونات الرحالة الغربيين الذين سجلوا لحظات احتكاكهم بالمشرق ضمن رؤية متمركزة، ما تعليقك على ذلك ؟

    v لم أغفل خطاب الاستكشاف الغربي للعالم، استكشافات الرحالة الأول بدءا من كولمبوس تشكل إحدى المصادر الأساسية لعملي وقد جاء في وصفهم لأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا أنه عالم خامل يحتاج إلى أن يخترق من قبل الحيوية الأوروبية.أوافقك في أني استندت إلى المدونة الفلسفية أكثر من استنادي إلى أي شيء آخر وذلك يرجع إلى أن المدونة الفلسفية قد استقت كثيراً من فروضاتها من مما قام به المستكشفون والرحالة، وهيجل لم يخرج هن ذلك، وبناء على ما قدمه هؤلاء لم يتكلم أن أمريكا اللاتينية واعتبرها هشة من الناحية الجغرافية وقد جاء في كتابه(محاضرات في الفلسفة والتاريخ) أن أمريكا اللاتينية بكل حضاراتها الأزتيكية تعيش في برزخ ما زال هشاً حتى من الناحية الجغرافية لذلك لا يمكننًا أن ندرس الإنسان الذي يعيش عليها.وأزعم أنني ذهبت إلى المولد الأساسي لفكرة التمركز وهو الخطاب الفلسفي ذلك لأن الفلسفة الغربية قد امتصت رحيق المنظورات المتشعبة والمتعددة والمتراكبة التي ظهرت بدءا من اكتشاف أمريكا وصولا إلى عصر الفلاسفة المحدثين وعلى رأسهم هيجل، وقد تمثلت هذه الفلسفة هذه المنظورات وأعادت تركيبها وأنتجتها كحقيقية فلسفية شبه نهائية، حاولت أن أحلل مضامين هذه الفلسفة بوصفها المولد الأساسي للمنظورات التي أصبحت فيما بعد مرجعية في النظر إلى الآخر.

    vتمارس الاتجاهات والمناهج فعلها المعرفي أو الأيديولوجي فترة من الزمن ضمن نظام ابستمولوجي كما يقول فوكو أو ضمن نموذج إرشادي(paradigm) كما يقول توماس كوهن، في نهاية النظام المعرفي تصل إلى مرحلة العمى الذي يقودها إلى إبتكار نظام جديد تبصر من خلاله.

    v يبدو التفكيك في رفضه مقولة النظام خارجا عن هذه النظرة التاريخية لتطور أنظمة الفكر، فهل سيكون التفكيك نهاية الأنظمة المعرفية؟ هل سيملك إعلان موت هذه الأنظمة؟ وإذا كان كذلك ألن يقع فيما وقعت فيه الأنظمة التي كانت ترى في نفسها فترة ازدهارها النموذج الصالح والنهائي الذي لا شيء بعده. التفكيك ممارسة غايتها بيان التعارضات التي تنطوي عليها الخطابات ومن ثم فهو لم يعن بوصف مشروع أو نسق معين، أما بالنسبة لفوكو في كتابه(الكلمات والأشياء) وتوماس كوهن في كتابه(بنية الثورات العلمية) فقد حاولا كل على انفراد أن يقترح نموذجا للتفكير، فكوهن يرى أنه في كل فترة يشيع نموذج فكري معين يمارس نوعا من الهيمنة على فئة الباحثين في ميدان المعرفة، واقترح فوكو تدرجا في علاقة الكلمة بالشيء في الحضارة الفرنسية خلال القرون الثلاثة الأخيرة.

    أنا أفهم العلاقة بين فوكو وكوهن من جهة والتفكيك من جهة أخرى، ذلك لأنهما اشتغلا على تاريخ الأفكار والعلوم أما التفكيك فهو لم ينتدب نفسه لتحقيق فكر معين فهو ممارسة تحليلية غايتها كشف يؤر التمركز في الثقافة الإغريقية والوسيطة و الحديثة. أرجو أن لا يفهم من كلامي أنني من أنصار التفكيك ومن المدافعين عنه فأنا لي أيضا موقف نقدي من ممارساته وقد عقدت في كتابي(المركزية الغربية) فصلين لنقاد التمركز الغربي وأشرت بوضوح إلى أن التفكيك إنما هو الابن الشرعي للمدرسة المثالية الذاتية وأن نقد التفكيك للميتافيزيقيا الغربية إ:نما هو نقد خطابي يعني بالخطاب ولا يعدو أن يكون كشفا أو فضحا للأنساق المتمركزة. هي في نهاية المطاف نوع من النقد الذاتي الأكثر صلة بشوبنهاور وهايدغر وهوسرل ونيتشه لذلك فهو ليس نقدا واقعيا أو تاريخيا.

    النقد الأكثر جذرية في رأيي هو نقد هابرماس الذي اقترح مفهوم العقل الاتصالي بدلا من العقل الأداتي الذي تحول إلى أداة عمياء. انطلق هابرمس في نقده للتمركز الغربي من مفهوم العقل بمعناه الإجرائي بوصفه ملكة تحليل وتفكير وهذا يتضح من اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية والمؤسسات وأنظمة الحياة الحديثة: كالعمل والإنتاج والرأي العام والعنف والثقافة، الأمر الذي يعطي نقده بعداً واقعياً.

    vلقد تحدثنا عن المركزية الغربية فماذا عن الثقافة العربية ؟ ألم تكن متمركزة حول نفسها؟ ألم تشعر أنها مركز العالم؟ ألم تنظر إلى الآخر غير العربي وغير الإسلامي الخارج عن نظامها نظرة ازدراء واحتقار ؟

    v لقد أشرت في كتابي(السردية العربية) إلى أن الثقافة العربية تتمركز حول الوحي، وأنا أعتقد أن ثقافتنا في العصور الوسطى تنطوي على نوع من التمركز الكثيف في ثناياه، ولعل أبسط مثال على ذلك أنها تسمي غير العربي أعجميا، والأعجمي صفة تطلق على البهيمة التي لا تتمكن من النطق والتعبير عن نفسها، كذلك الإغريق قد ساووا بين الأجنبي والمتوحش وأطلقوا على كل من ليس إغريقيا كلمة بربري. هكذا تعاموا مع الآخر بوصفه بربريا غير متحضر، وبما إني لم اشتبك مع مصادرات التمركز في الثقافة العربية القديمة فإنني لا يمكن إلا أن أقول بشكل عام إن كل حضارة لا بد أن تتمركز حول نفسها في وقت من الأوقات ولا بد أن يكشف هذا التمركز عن وجه آخر لهذه الحضارة يتمثل في احتقار الآخر وخفض قيمته هذا هو شأن الحضارة تتعامل مع بعضها على نحو تفاضلي وتراتبي.

    vتحاول الاتجاهات ما بعد الحداثية أن تعيد الاعتبار إلى المخيلة التي احتقرها ديكارت بقوله" المخيلة هي الظلال" ولكن إعادة الاعتبار لم تتم في الثقافة الغربية إلا بعد أن أخذ العقل حقه من الهيمنة والانتشار، وإذا ما نظرنا إلى الثقافة العربية فسنجد انها تعطي أهمية للمخيلة كما يتجلى ذلك في مشروعك(السردية العربية) وغيرها من الدراسات التي تحاول الآن كشف أهمية المتخيل الجماعي فهل تعتقد ان إعادة الاعتبار للمتخيل عندنا تتم بشكل طبيعي خصوصا إذا ما لا حظنا أن الثقافة العربية لم يتمكن العقل فيها من فرض سيادته ؟

    v إن الطريقة التي اشتقت بها الثقافة الغربية طريقها نحو التقدم لا يمكن أن تعد نموذجا مطلقا صالحا لكل الثقافات، هذا أولا، وثانيا أنا شديد التحفظ فيما يخص التقسيم الثنائي للأشياء، فهذه الثنائيات التي ظهرت في الفلسفة الغربية بدءاً من أفلاطون هي بحاجة إلى إعادة نظر، وقد أعيد النظر فيها فعلا وهناك الكثير من الفلاسفة الذين شككوا في هذه الثنائيات، لذل لا يمكن أن أتحدث عن عقل ومتخيل بوصفهما ثنائيتين متضادتين، فالحديث عنهما بهذا الشكل يعني شطر الإنسان إلى عالمين، عالم مؤجل وعالم حاضر، عالم غائب وعالم موجود، وأنا أظن أن النظرة الكلية إلى الإنسان تعطي تصوراً فضل لعالمه لهذا أنا أفكر بمستويات التعبير.

    هناك مستوى التعبير المباشر عن الأشياء الذي يقرر الأشياء ويصنفها ويصفها وصفا أقرب إلى الموضوعية وهنا يظهر التفكير الذي يستقيم استناداً إلى فروض ونتائج. وهناك مستوى آخر يعنى بالايحاءات والترميزات والتخيلات ولا يراد منه إنتاج معرفة، والتخيل الأدبي هو طراز من التمثيل السردي للأشياء، وهذا التمثيل يختلف في بنائه وعلاقته بالمرجع الخارجي عن المستوى الأول ،أنا أفهم كيف يكون العقل أولا ثم المخيلة ثانيا، من الممكن أن ندرس آليات العقل بمنهجية معينة وندرس التمثيل السردي بمنهجية أخرى، وأنا أعتقد أن المخيلة بشكل عام تنتج تصورات ليست متعارضة مع الحالة التاريخية التي يعيشها الإنسان وهنا يمكن الحديث آلية إنتاج التخيلات سواء كانت تخيلات ثقافية أو تاريخية أو اجتماعية.

    في الوقت الذي تمارس فيه الاتجاهات الايدلوجية، ولا داعي للتسمية إذا كانت هناك حساسية، فعل التجزئة المعرفية تحت مظلة الوحدة، تستظل الاتجاهات ما بعد الحداثية بالوحدة تحت مظلة التعددية والاختلاف والتشظي. كيف ترى مفهوم الوحدة والتجزئة في الممارستين؟

    إن أي ممارسة نقدية لا تأخذ الظاهرة بكليتها ستواجَه بصعاب كثيرة. نحن لا يمكن أن ندرس قضية جزئية من دون أن نعرف ارتباطها بالنظام الكلي، وعلى سبيل المثال البنية السردية تتكون من ثلاث مكونات: الراوي والمروي له والمروي(الحكاية). لو درسنا المروي كعنصر فلا يمكن أن ندرسه كمكون لا صلة له بالمكونات الأخرى فوجوده ينتظم من خلال العنصرين الآخرين وقس على هذا كثيراً من الظواهر خصوصاً ما يرتبط منها بتاريخ الأفكار والظواهر الثقافية، فنحن لا نستطيع أن ندرسها ككائنات أو موضوعات مجردة لا صلة لها بالبعد التاريخي.

    لذلك أنا أتحفظ على الكثير من الدراسات التقليدية التي تقوم بالبحث والتدقيق في كيفية انعكاس شيء ما في خطاب ما مغفلة تشكل الظواهر الثقافية ضمن الخلفيات التي تنتظم فيها، الاستشراق مثلاً كان يجرد الظواهر الأدبية في الثقافة العربية من الحاضنة التي وجدت فيها وما زلنا إلى الآن في مناهجنا التعليمية متأثرين بهذا الأسلوب من دون أن نعي ذلك.

    vهناك توجه إلى نقد المثقف يمثله(علي حرب) يرى أن المثقف يسيج نفسه بأوهام معرفية تحول بينه وبين المعرفة. هل بالإمكان محاكمة المثقف معرفياً بعيداً عن هذه الظروف الإجتماعية والسياسية التي يعيشها المثقف في شكلها المباشر؟

    v لا أستبعد أن المثقف له أوهامه وهناك الكثير من المثقفين يندرجون ضمن هذه الأوهام التي يستترون خلفها وتستغرقهم، وعلي حرب في نقده لأوهام المثقف العربي أثار كثيراً من ردود الفعل المتباينة كثير من هذه الردود كانت دوافعها وهمية أيضاً أي أنها لم تكن مستوعبة من قبل هؤلاء الثائرين الذي يقعون ضحية لمنظومات أوهامهم.ثمة ارتياب وثمة علاقة متوترة بين المثقف والمجتمع فلكل منهما منظومة فكرية معينة وهناك حواجز بين المنظومتين وهذه الحواجز لم تسمح للمثقف أن يوصل صوته إلى النسيج الإجتماعي لكي يتمكن من إثارة السؤال هي الوسط الاجتماعي. إننا ننتظر ولادة المثقف الذي يمثل قيمة رمزية واعتبارية للمجتمع واعتقد أنها ولادة ستكون عسيرة فالظرف التاريخي يبدو مازال يحول دون ذلك.

    vهناك نمط من الخطابات الشائعة تبدو متأثرة بالنمط الشفاهي في بنيتها وكأنها لا تستطيع التفكير عبر آليات الكتابة ويبدو المثقف الجماهيري أكثر ارتباطا بهذا النمط من الخطابات، بم تبرر ذلك ؟

    v أنا لم أهتم بهذه القضية مباشرة وإن وردت في كتاباتي على هامش الاهتمام العام وأرى أن العقلية الشفاهية مازالت مهيمنة على خطاب المثقف العربي. فالخطاب الأيديولوجي والسياسي الذي يقوم على الخطابية والمصادرة على المطلوب والانطلاق من مسلمات مسبقة وفروض مشكوك فيها هو النمط السائد والمثقف الذي ينتج هذه الخطابات لا يمكن أن يندرج إلا ضمن هذا النمط الشفاهي، المثقف الذي يعيد العلاقة بينه وبين العالم كتابياً مازال صوته خافتاً لا يستطيع أن يجهر به بعد.


                  

العنوان الكاتب Date
حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 11:55 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 11:58 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:01 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:03 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:05 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:07 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:08 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-14-05, 07:27 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-15-05, 02:46 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de