نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها النظام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 06:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-19-2005, 07:21 PM

Kamel mohamad
<aKamel mohamad
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3181

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال (Re: Kamel mohamad)

    يتبع للمقال أعلاه:




    وفي هذا السياق فإن التجربة الإسلامية في السودان على وجه الخصوص تتعرض لاختبار غير مسبوق سيتأثر العمل الإسلامي في

    العالم كله بنتائجه. وبالأحرى أن ينهض، هو والآخر الوطني معا، كتفاً بكتف، لمشروع يعيد بناء الأمّة ويصون للبلاد وحدة كيانها

    وشعبها ومستقبلها، ويفتح أمام اللحظة الراهنة من تاريخ الأمّة آفاق نهضة لا مستقبل للأمة بدون الانخراط فيه دون تراخٍ. وبما أن

    التجربة القائمة انطلقت من أرض الحركة الإسلامية فإنها، والدولة القائمة، والصفّ الشعبي الذي يساندها يتحملان مسئولية خاصة

    إزاء واجبات المرحلة وتكاليفها، وواجب القائمين على الأمر أن يصوبوا أنظارهم في المقام الأول لأوضاعهم الداخلية لإصلاحها

    ليتأهلوا بذلك لإصلاح الأوضاع العامة.

    معالم الإحياء
    مهما كانت الاختبارات والمصاعب فإن المؤمنين مطالبون بألا يستسلموا لليأس والقنوط. إذ لا تزال الحركة الإسلامية بتراثها

    وتقاليدها وخبرة أفرادها، وتميز قياداتها تملك رصيدأ كبيراً من الإمكانات وهامشاً ضخماً للعمل. إن الباب ما يزال مفتوحاً أمام العمل

    الإسلامي ليستقيم وينهض ويزدهر. فالصف الإسلامي أثبت على الدوام أنه يحمل مقومات السبق من حيث توافر الكفاءات والخبرات

    والاستعداد للتضحيات القصوى، وأهم من ذلك أنه يملك الإيمان بمشروعية المهمة التي تجد دائما من يتصدى لها برسالية راسخة

    وواثقة. وطريق الإحياء والتجديد هو الخيار الأوحد أمام العمل الإسلامي، فالبديل هو تكريس الأوضاع القائمة بكل احتمالاتها

    المحذورة.
    إن الدعوة للإحياء ليست بحثا عن نموذج اسطوري مقابل النماذج القائمة، ولا هي ، بأيّة حال، انطلاق من إطار بديل. هكذا تنطلق

    الدعوة لإحياء العمل الإسلامي من موقعها داخل إطارات العمل الإسلامي، لا من موقع خارجها. وهي تنطلق، أيضا، استنادا إلى

    رصيد العمل الإسلامي كله، مقابل أن تبدأ من الصفر. فالأصل هو أنّ الإحياء تقويم للقائم، وتطوير له، وحفز للعطاء بين جوانحه،

    وتكييف له وفقا لما يستجد من معطيات.
    إن الإحياء لا بد أن ينطلق من تأسيس حقيقة لازمة وهي أن جوهر الحركة المعاصرة أفكار ورؤى ومواقف وأعمال وكسوب ونماذج

    وقيادة ملهمة على مدار اليوم. إنه معايشة ومكافحة مستمرة لشئون الحياة كلها تهتدي بالإسلام في كل اتجاهاتها. جوهر العمل

    الإسلامي هو بعث لهمة المجتمع وإزكاء لقيم العمل والدعوة والرسالة وإعلاء لقيم النهضة. بدون ذلك الجوهر يفقد العمل الإسلامي

    المعاصر أهم أدواته ومضامينه، ويستهلك رصيد الماضي ويتحول إلى محض انجراف بلا غاية ولا آفاق ولا مستقبل.
    وطريق الإحياء والتجديد له شروط لا يستغني عنها. إنه بلا شك ليس النموذج الماضي بحذافيره الذي يغلّب بعض الأساليب التي

    أدت لانتكاساته المعلومة السابقة. ولا هو البديل المعروض من مناهج تغتال الكسب الحركي وتحيله نشاطاً بلا مرجعيات، وبلا غاية

    يشتد إليها العاملون؛ تحيله نشاطاً إدارياً بلا حيوية، واجتماعات تقليدية متقاطرة بلا آفاق، ودوراناً حول هياكل وخطط مفرغة من

    المضامين. وإنه لمن غير المقبول أو المعقول أن يتراجع العمل الإسلامي إلي أضيق مما كان عليه قبل خمسين عاماً من الكسب

    والتطور، فيختزل في هياكل لتنظيم التذكرة و"التنوير" والتلقي، بما لا يبرم أمراً ذا بال ولا ينقضه. هياكل مفرغة من الرسالة

    والقصد، خالية من الأهداف والغايات العظام، ولا تعدو لقاءاتها أن تكون تعزية للنفس وتسلية لها عن حقيقة أن الحركة الإسلامية

    بصفها ومؤسساتها ليست بذات غناء أو قرار في أمر ذي بال، سواءً أكان الأمر تسوية تعيد تشكيل البلاد، أو أزمة تهدد السودان

    وتهدد محيطه الاستراتيجي، أو كان حتى أدنى هموم الجماعة كوحدتها ومناهج عملها ومرجعياتها.
    إن من أهم معطيات الإحياء هي أنه ينطلق في سياق تحولات كلية متجددة ومتواردة تشكل الواقع السوداني كله والواقع الإقليمي

    والعالمي من ورائه، الشئ الذي يفرض تجنب الانحصار في موقف تنظيمي داخلي ضيق. بعبارة أخرى من الضروري أن تشمل

    المعالجة الإحيائية الدائرة الإسلامية الخاصة ولكن منظوراً إليها في جملة الحالة الوطنية، ثم الحالة العالمية الأوسع. فالعمل

    الإسلامي، باعتبار أن التجربة القائمة تسود باسمه، يمتلك مسئولية خاصة تجاه كل السودانيين أفراداً وتنظيمات. كما أن كثيراً من

    القوى السياسية والاجتماعية التي يتشكل منها السودان اليوم لها تحالفات تاريخية مع الحركة الإسلامية وتراث جهاد وكفاح مشترك

    وهي لذلك لا يمكن تجاهلها أو التنكر لها. بل الواجب أن تستدرك أي تقصيرات صدرت تجاهها منذ قيام الثورة بأي ذريعة كانت.
    هذا مدخل تأسيسي ضروري يمهد للإجابة على الأسئلة الكبرى حول مستقبل العمل الإسلامي وخصائصه في السياق الراهن بكل

    وارداته المتعددة والمتنوعة. والأسئلة الأساسية يمكن تلخيصها في المحاور التالية:
    1. الهوية والمرجعيات
    تبتدئ الأسئلة من السؤال الجوهري عن ماهية الحركة الإسلامية وكيفية وضعها القانوني والأدبي في ظل الأوضاع القائمة وفي ظل

    التشكل الجاري للسودان. وتمضي الأسئلة إلى تعريف العضوية في بعديها العام والخاص وتحرير حقوقها وواجباتها؛ وتعريف القيادة

    كذلك وحقوقها وواجباتها وعلاقاتها فيما بينها، وفيما بينها والقاعدة.
    وهناك أيضاً ضرورة ملحة في ظل التحولات المحلية والعالمية لإعادة تأسيس وتأكيد المرجعيات والمفاهيم الكبرى الهادية للعمل

    الإسلامي. إن المعطيات التي رافقت تطور التجربة في السنوات الخمس عشرة الماضية على وجه الخصوص تستحق وقفات للتدبر

    العميق. وهنا متسع فسيح أمام الحركة لإجراء مراجعات نقدية بكل ما تستأهله من جرأة وصدق وموضوعية، تقويما لذاتها ونقدا

    لأدائها بأعلى درجات الموضوعية والمسؤولية، ومن قبل ذلك، مراجعة أفكارها ومنطلقاتها على ضُوء المتغيرات الوطنية، وعلى

    خلفية ما استجدّ من أفكار وتطورات في الساحة الإنسانية الأوسع. ولا شك أن تلك الوقفات الذاتية للمراجعة ستجهد في استبانة نواحي

    الكسب الموجب والنجاح لتعززها وتبني فوقها، وبذات الوقت ستستبين نواحي الإخفاق لتسد ثغرتها وترمم فسادها. ولا ينبغي لجهد

    يستوفي الغاية في هذا الصدد أن يستثني ناحية من نواحي العمل، أو فترة من فتراته أو حدثاً من أحداثه.
    2. منهج الحركة للتزكية والاستقامة والتجديد
    لا تستحق أن تُوصف جماعة ما بكونها إسلامية ما لم تتجذّر بداخلها قيم الإسلام، نظرية وممارسة. لهذا لا بد أن ينصب الجهد الأدنى

    والأولي نحو الذات في مسعى جاد ومصمم لإحيائها قبل أن تتأهل هي لإصلاح الآخرين. هذه البديهة هي مقتضى نشوء الحركة

    والمبرر الأساسي لمولدها.
    وبرغم أن الحركة قدمت نهجاً متميزاً للتزكية الذاتية وساهمت مساهمة لا يمكن تجاهلها في تعميق التدين في المجتمع إلا أنها لم تسلم،

    لا من حيث هي مجتمعة ولا من حيث هي أفراد متفرقين، من بعض صور سالبة عنها لدى المجتمع. وليست بالضرورة أن تكون

    تلك صوراً صحيحة ولكنها على كل حال تضع قيوداً على فعلها وفرص نمائها وتأثيرها لا مهرب من الوعي بها والتعامل معها. كما

    أنه من المكابرة الإصرار على أنها كلها غير صحيحة، فبنو آدم خطاءون، ومن حكمة الإيمان أن يظل المرء وتظل الجماعة في حالة

    من التزكي والتجديد المستمرة شحذا للهمة وجلاءً للصدأ. وتتأكد هذه الضرورة على خلفية كسب الجماعة في فترة الإنقاذ التي شهدت

    أعلى وتيرة من تكوين الصور عن الجماعة بسبب بروزها أمام المجتمع وهي في مواقع السلطة. إن هذا يؤكد ضرورة تجديد قيم

    الالتزام والاستقامة الأخلاقية على الصعيد الشخصي، وقيم الحريّات العامّة، والإنصاف، والقسط، والمحاسبة، والعدل الاجتماعي،

    وصون الحقوق العامة للناس وحرماتهم على الصعيد العام.
    ولا مشاحة في أن تقديم المشروع الإسلامي بصورة قوية ومستمرة سيتأتى فقط من خلال تقديم بدائل في مجالات الحياة كافة، ونماذج

    وقدوة تعمق مصداقية العمل الإسلامي وتجدد الثقة فيه وتعالج أزمة اهتزاز المثال لديه، وتقوي الإقبال على التدين عامة. وذلك

    يفرض تجديد أساليب العمل في التزكية الخاصة والدعوة وتنشيطها، وتقديم الطروح التي توجه الكسب وتصوغ المواقف العامة.
    إن من الضروري العناية بالأفراد من حيث هم بشر وأرواح، ومن حيث هم مجتمع متساكن ومتعاون. لكن منهج الحركة ليس تزكية

    للذات وحدها ولا يقف في حدود النجاة الشخصية. بل إن من أخص خصائصه أن يمتد إلى المجتمع وإلى الحياة العامة ليصلحها بقيم

    الدين. وبهذا لا يمكن أن ينتكس العمل الإسلامي ليصبح أسراً مقفلة ومواعين للعمل المغلق لأغراض التلقين والتنميط والشحن

    بالولاء الأعمى والأبكم في آن واحد.
    إن من الأولويات هنا أيضاً هو استعادة التجانس الداخلي في الحركة وتحقيق التواصل بين قطاعاتها وأجيالها، وتجديد لحمة الإخاء

    كما كانت، وتجديد الدماء وتفريخ القيادات في كل الأجيال، وبعث تقاليد المبادرة لدى الأفراد وتحرير إرادتهم؛ ومن ناحية أخرى

    استعادة روح العمل الجماعي، وتوظيف طاقات الأفراد والجماعة في العمل الدعوي والسياسي المنفتح نحو توسيع الولاء في

    المجتمع.
    إن الإحياء لا يلزم في هذه النواحي وحدها بل لا بد له من أن يشمل الناحية الفكرية، فأيما حركة معاصرة بلا فكر متجدد وخطاب

    جاذب مصيرها الذبول والتواري والموت البطيء المؤكد. ولن تستطيع الجماعة أن تطلق طاقات الأفكار في أفرادها ما لم تطلق

    طاقات المبادرة لديهم ولدى المجتمع من حولهم، فالأفكار تنمو وتزدهر في سياق المدافعة والمنافسة، والشرط الأسبق لذلك هو إطلاق

    الحرية دون تردد أو تقاعس.
    3. الشورى والمؤسسية
    إن الجسر العابر إلى الإحياء الجدي ينهض على اصلاحات تنظيمية أساسية، تستهدف توسيع دائرة الشورى في غير ما تأجيل أو

    مداراة. فإن ما يميز الحركة الإسلامية هو وعي قيادتها وقاعدتها وتساويهما في الحقوق، وتقاربهما في المعرفة والإمكانات الذاتية. ولم

    تقم العلاقة بين القيادة والقاعدة، في أفضل مراحل العمل الإسلامي، على مشيخية ولا على تقاليد الإشارة والتلقي السالبة، بل كان

    المثال الشاخص دائما وبوضوح هو مثال النبوة والخلافة الراشدة حيث المداولة والمشاورة حتى بين صاحب الوحي وعامة

    الصحابة، وهو مقتضى عموم الأمر بالشورى الذي جاء في القرآن بصيغة الإطلاق. ثم إنه من الضروري التذكير بأن الشورى

    ليست نصوصاً تكتب لتنتهك، ولا هي وعود بارقة كالسراب وادعاءات لا تسندها بينات، ولا هي تمويهات إجرائية معقدة لإبراء

    الذمة، ولا هي جدل دائري لا ينتهي حول صحائف وخطط ولوائح لا تقدم ولا تؤخر في قرارات جوهرية. وقطعاً هي ليست تزجية

    أوقات الاجتماعات ببيانات "تنويرية" لا تستدعي نظراً ولا محاسبة ولا قراراً ذا بال. إن الضابط في هذا الجدل حول ماهية الشورى

    ومقدار ممارستها هم أبناء الحركة الإسلامية أنفسهم، فهم يعرفون الشورى حين يرونها ويعرفون نقيضها حين يرونه أيضاً.
    إن الشورى الحقيقية في الأساس يستحيل تحقيقها إن لم تتوفر لها شروط عينية. في مقدمة تلك الشروط تكافؤ أصحاب المشروع في

    الذمم وفي الحقوق والواجبات. قبل أن تتحقق الشورى بالإجراءات فإنها تتحقق بتساوي أفراد الجماعة في مقومات السلطة والقوة. إنه

    لمن الخطأ أن توصف مؤسسة قيادية بأنها شورية أو قيادية إن لم يتكافأ أعضاؤها في المعلومات، والإمكانات المادية، ليس في العلم

    بها فقط تحقيقاً لمبدأ الشفافية، بل في الوصول إليها واستخدامها. ولا تكافؤ بين الشركاء في مشروع واحد بغير تكافؤ في الحقوق إزاء

    الأجهزة التنظيمية بحيث تبقى نزيهة ومحايدة إزاء حقوق أعضاء الجماعة وعدالة الإجراءات بينهم مهما ارتفعت أو انخفضت

    مقاماتهم. وبهذا لا يمكن تصور شورى حقيقية إذا احتكرت مقومات السلطة والقوة ووظفت لفئة دون أخرى.
    إن الإصلاح الشوري يعني بالضرورة إصلاح طرائق العمل المؤسسي ومفاهيمه في كل الأصعدة والمستويات، إن كان في الحركة

    السياسية أو الدولة. وذلك يعني تعديلات في الأساليب والتقاليد القائمة اليوم في كل أجهزة القيادة وأجهزة الرقابة والشورى. وسيعني

    ذلك حتما استدعاء قضية المحاسبة للأفراد والقيادات على حد سواء. إن هذا المبدأ الإسلامي الصريح هو من أهم ما ميز المثال

    الإسلامي كما عبرت عنه مرحلتا النبوة والخلافة الراشدة، لكنه أيضاً ظل ركيزة هامة في تقاليد عملنا المعاصرة. واليوم وقد قامت

    دولة ترفع مبادئ الإسلام أصبحت هذه التقاليد أوجب. فمن غير العدل أن يطلب من أعضاء الحركة تقديم أرواحهم وأموالهم

    وأوقاتهم، ليدافعوا عن التجربة القائمة دون كلل أو ملل وهم لا يملكون المقدرة على الاستقصاء المحايد، الدقيق والشافي، وليس القانع

    فقط بالتطمينات، من اتهامات الخطأ أو التجاوز في الحقوق العامة مما يقدح في صورة التجربة الواجب الدفاع عنها والمنافحة عن

    صورتها.
    4. العمل الإسلامي والدولة
    ترمي الأسئلة أيضاً إلى معالجة الجدلية التي يصورها الافتراض القائل بحتمية التنافر بين الحركة والدولة أو ما تلخصه مقولة: "قوة

    الحركة-ضعف الدولة؛ وضعف الحركة-قوة الدولة". إن الإجابة على هذا السؤال توجد في حقيقية أساسية من المهم إثباتها وهي أن

    الجماعة من حيث فكرها وكسبها الرسالي غير مرتهنة إلى حيز الزمان أو المكان. هما بلا شك اعتباران مهمان لكن الفكرة في

    إطلاقها تتجاوز الزمان والمكان وإلا لما بقيت العقائد والأفكار عبر الدهور. أما الدولة من حيث هي تجسيد زماني ومكاني للفكرة فإنها

    مقيدة بهما وبما يترتب من تكاليف وأعباء، ومواثيق وقوانين، وأولويات وحوادث، وجملة ممتدة من الاعتبارات العملية. ويفرض

    ذلك تعيين مدى الارتباط الملزم والمقيد بين الفكرة في بعدها المثالي والرسالي وبين سلسلة الوقائع والملابسات اليومية التي تواجه

    تطبيقها في حالة الدولة، بما يخلي مساحة للمراجعة البناءة ولا يرهن الفكرة برمتها لأقدار الدولة ويجعلها تحت رحمة الأحداث التي

    تنوشها وتوهن بناءها. فالمراهنة على الدولة وحدها وإلحاق الدعوة والفكرة برمتها بها وبأقدارها، يعني زوال الدعوة والفكرة بزوال

    الدولة.
    وهنا لا بد من تأكيد مسألة مهمة وهي أن تجربة الدولة الماثلة، بكل ما لها وما عليها، هي من صنع الحركة الإسلامية مهما ضج أبناء

    الحركة بالشكوى من عدم كفايتها هي، أو ضعف مقدرتهم هم على تقويمها وتصويبها. وبذلك فإن أي جهد إحيائي إنما ينصب نحو

    التقويم والتصويب للحركة والدولة كليهما، فهما ليستا فوق النقد والتقويم والمحاسبة من ناحية، كما أنهما ليستا في مقام الخصومة

    والعداء من ناحية أخرى. وأي إخلال بهذا المبدأ أو التنازل عنه سيعني أن تؤول الدولة حتماً بكل أدواتها وسلطانها إلى من يسيطر

    عليها وتبقى تحت رحمة قراراته وتقديراته وحده. في هذه الحالة ستكون الخسارة مزدوجة: من ناحية تتحمل الحركة وزر أفعال لم

    تأت بها، ومن ناحية أخرى تفرط في ما حصلته وجنته بكسب يدها.
    إن من الضروري اكتشاف المعادلة التي تدحض الفرضية التي تلخصها المقولة السابقة التي تنبني على تناسب عكسي يحمل صفة

    الحتمية بين قوة الجماعة وقوة الدولة. إنها فرضية شائهة ومشبوهة الأصل ومكبلة للدولة والحركة كليهما، ومعكوسها هو الصحيح،

    فقوة الدولة في قوة من يسندها من جماعة، وقوة الجماعة في قوة دولتها. والبديل لهذا التعايش المتساند المتعاضد هو التفاني والتناسخ.
    وتطلب الأسئلة هنا كذلك توضيحاً، أدق وأنجع مما هو قائم الآن، عن العلاقة بين الحركة الإسلامية بأي تعريف مقبول ومتفق عليه

    وبين الحركة السياسية العامة المؤيدة للدولة والموجهة لها. وأيضاً تستدعي الأسئلة إجابات حول العلاقة بين المؤسسات الشورية

    والقيادية من ناحية، والدولة من ناحية أخرى، وما يلزم من تقويم لتلك العلاقة في المستويات المركزية واللامركزية.
    5. العمل الإسلامي والوحدة الوطنية
    إنّ قَدَر الحركة وقَدَر السودان مجتمعاً ودولة أصبحا متلازمين في هذه الفاصلة التاريخية. والبحث عن مستقبل السودان، بأية صورة،

    يصعب أن ينظر إليه في ظل الظروف الراهنة بتغييب أي منهما. ولذلك فإنّ من أوجب واجبات المرحلة رعاية وحدة كيان الوطن

    وقيادة مشروع بناء الأمّة بوعي ومسؤولية وترفع عن المكاسب الذاتية الضيقة.
    إن إحياء العمل الإسلامي ووحدته لن يثمر شيئا في ظل انقسام المجتمع المحيط، وبذلك تبرز قضية إصلاح الساحة الوطنية الأوسع

    وإعادة بناء وحدتها قضية مركزية وذات أولوية تتقدم هموم العمل الإسلامي. إن الوحدة المطلوبة في صعيدها الأرفع هي الوحدة

    الوطنية الشاملة المؤسسة على ركائز المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، المتجذرة في قيم العدالة والحرية للجميع، بلا

    مداهنة ولا تردد في إعلان ذلك والالتزام به، ودون تقديم لمكاسب ظرفية تتحصل من تأجيل إعلانه.
    لكن الوحدة الوطنية لا تجتنى بالأماني. إنها تستلزم تناولاً جاداً لقضايا الإصلاح السياسي الجوهرية في الساحة العامة بكل ما تتضمنه

    من أسئلة حرجة ومن تضحيات كبرى. فلن تتحقق وحدة وطنية دون التزام صريح بمطلوباتها المتمثلة في توفير الحريات السياسية

    للجميع، والقبول بالتداول السلمي للسلطة، والقسمة العادلة لمصادر القوة والثروة، واللامركزية الحقيقية التي تتيح لمجتمعات الريف

    والأطراف أن تلتحق بركب المدنية وتتساوى مع غيرها في الحقوق. وإن التسويف في هذه المبادئ لن يورث البلاد سوى مزيد من

    الإنقسام ويدفع بالقوى الطرفية إلى التمرد المسلح، كما يدفع بالقوى الوطنية والفاعليات الاجتماعية المتنامية إلى الانعزال.
    إن وحدة الساحة السياسية السودانية العامة، بالنسبة للعاملين في الحقل الإسلامي، تنطلق من إعادة تأسيس المسار الإسلامي

    وتصحيحه وإحيائه للسير به نحو تحقيق أعلى درجات التضامن والوحدة الوطنية عبر صيغة مفتوحة ومتنامية وفق الظروف

    والحاجات والاستجابات. و دون ذلك المطلب الأسمى ينبغي أن تتحقق درجة من الوحدة والاتساق بين فصائل العمل الإسلامي،

    فبدون ذلك تهدر طاقات عطاء كبيرة، وتضيع أوقات ثمينة، وربما يستحيل العمل إلى مناورات محدودة وتضييع للوقت والإمكانات

    في تشقيق الذات وتقسيم الآخرين.
    إن الالتزام بمبدأ الوحدة وتكريس المتاح من الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأوضاع الراهنة والبناء عليه، شرط ضروري.

    وإن المبادرات التي لا تأبه لتأكيد ذلك المبدأ تجنح في غاية الأمر إلى أن تصبح هي نفسها مشكلة انقسامية في غلاف جديد، خاصة

    إذا بدا أنها تكرس لزعامة بديلة دون عناية حقيقية بجوهر الإحياء، أو إذا اعتبرت موجهة نحو زعامة قائمة وليس نحو مبادئ حاكمة.
    6. العمل الإسلامي وقضايا المجتمع
    ليس بأضر لجماعة تلي أمر الناس من أن تفقد الصلة بهم والمقدرة على تلقي أحاسيسهم والعناية بمشاغلهم. ويجب لذلك إظهار

    حساسية أعلى تجاه مشاغل المواطنين في معاشهم وأرزاقهم ومجمل حقوقهم في الحياة الحرّة الكريمة، صيانة لهم من أذى الفقر وذل

    الحاجة. فإنه يستحيل لصاحب دعوة أن يدعو قوما لا يعبأ بمكابدتهم في ظروف الشظف وضنك العيش واتّساع مدى حاجات الإنسان

    المعاصرة. ولقد وصف القرآن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه "بالمؤمنين رءوف رحيم". هذا شرط ضروري لأي جهد رسالي

    بناء، فالجماعة السياسية الناجحة ليست هي التي تقوم مقام الدفاع غير المشروط عن مواقف أصحابها وممارساتهم، خاصة إذا وليت

    السلطة، بل الجماعة الناجحة هي التي تملك مقياساً حساساً لنبض المجتمع وحاجاته وتطلعاته، وتصبح هي ذاتها موصلاً ممتازاً

    لتيارات المجتمع ومحامياً صلباً عنها.
    7. العمل الإسلامي والسياق الإنساني
    إن الحركة الإسلامية المعاصرة هي بنت زمانها ولحظتها في التاريخ الإنساني، فالحق عليها أن تنفتح على التجربة الإنسانية على

    سعتها، وأن تستلهم من حكم التجربة الإنسانية وكسب البشرية الدروس والأسباب المؤدّية إلى النهضة والتقدّم. فلسنا بصدد انغلاق أو

    عُزلة غير مبررين، بقدر ما نحن أمام تحدّيات انفتاح وتواصل وتفاعل حيّ وخلاق مع مقتضيات عصرنا ومكاسبه. والعمل في

    السياق الإنساني العام يستوجب جهداً يتعدى محض الانفتاح السالب نحو مقتضيات العصر وتياراته، إلى التأثير الفاعل في تشكيلهما

    والتعامل معهما. وهذا جهد له متطلبات عديدة تبدأ بتعميق التواصل البناء مع تيارات العمل الإسلامي على الساحة الوطنية، ثم على

    الساحة العالمية من أجل التوافر على إجابات متفق عليها حول القضايا التي تشغل الإنسانية ومن بينها التهم التي تلصقها بعض

    الجهات بالإسلام بصورة متنامية، من رعاية العنف وعدم الاستعداد للمجادلة بالحسنى. ويلزم أن يمتد الحوار وأن تقوده الحركة

    الإسلامية مع التيارات الأخرى داخل بيت المسلمين ثم نحو الساحة العالمية مع الأديان والثقافات الأخرى.
    وإنه لمن المهم في هذا الصدد وفي سياق الحديث عن البعد العالمي للعمل الإسلامي، إلى جانب التمسّك بمنظومة القيم الخاصة

    بالحوار، الانطلاق من قاعدة متينة للإجماع الوطني، وبناء علاقات وطيدة من حسن الجوار توثقها المصالح والمبادئ المشتركة،

    والتعاطي المتفاعل مع المجتمع الدولي الأوسع، تعايشا وتواصلا وشراكة.
    خاتمة ودعوة
    نحن في قلب مرحلة من التاريخ تحيط بها تحدّيات ومهام كُبرى، وإن انطلاق عملية الإحياء بصورة مشروعة وصحيحة توفر العمق

    الاستراتيجي الضروري للتداول حول أمهات القضايا مما لا يمكن تناوله إذا تعاملنا معها بالتصامم عن وجودها، أو بروح القطيع

    المتدافع للهروب منها. والإحياء بهذا الفهم الموجب سيمكن من استقبال المرحلة القادمة من عمر السودان باستعداد أفضل، وبمقدرات

    أنجع. إن جهداً كهذا سيكشف عن حقائق مذهلة حول مقدار التجديد المطلوب، سواءً من حيث الأولويات أو من حيث الأطروحات

    المنطلقة من فكر وخطاب يوفقان بين ضرورات المرحلة الجارية وحاجاتها، وبين تواتر التجربة الإسلامية في فكرها وكسبها

    التاريخيين.
    إن المشكلات الراهنة التي تواجه التجربة الإسلامية لا يمكن تلخيصها في أنها مشكلة قيادات. إنها تسري في أغوار أعمق من ذلك،

    تسري في البنيات التنظيمية وفي الأفكار والنظريات التي تشكلها، وفي سلوك القاعدة والمؤسسات الشورية والقيادية والتنفيذية

    وتقاليدها الموجهة. لذا فإن مقصود الإحياء ينبغي أن يتجاوز المعالجات السطحية وينفذ إلى المحركات الروحية والوجدانية، والثقافة

    الموجهة للجماعة وللعمل.
    إن الإجابة على الأسئلة الواردة أعلاه تمثل تحدياً أساسياً لإحياء العمل الإسلامي، ولا يمكن لأحد أن يزعم امتلاكه للحقيقة النهائية

    الثابتة في تقديم الإجابة عليها. بل عكس ذلك هو الصحيح، فإن جوهر الإحياء يعني أن تأتي الإجابة عبر عمل جماعي يبني من جديد

    وحدة فكرية تؤهلنا لاستقبال التحولات الكبرى في هذا المفصل الحرج من تاريخ السودان. ولأن هذا الجهد جماعي بطبعه فهو لا بد

    أن يكون توحيدياً لا انقسامياً. ولكي يستوفي هذا الشرط لا بد له من أن ينطلق من داخل المؤسسات المشروعة ليرفع مطالب

    مشروعة ويطلب إجابات مشروعة أيضاً.
    ثم إن التصدي للتحديات والاختبارات التي تواجه الجماعات والأمم لا يفلح إلا إذا تقمصه التوكل والعزم والتصميم على الاقتحام مهما

    كانت مكارهه. وهذا بطبيعته جهد متدرج متأن ولكن برؤية ومقاصد لا تغيب عن الذهن. والقصد من هذه الدعوة هو أن ينفض أبناء

    الحركة الإسلامية عن كاهلهم أوزار اليأس ويفارقوا مذاهب الاستسلام، وأن يتداعوا مرة أخرى كما تداعوا بالأمس للجهاد وتداعوا

    قبله ليشيدوا بناء حركة إصلاحية تجديدية كبرى في التاريخ القريب، أن يتداعوا ليقيموا أركان دعوة جامعة للإحياء، دعوة تعرف

    كيف تتغلغل إلى الوجدان فتوقظ من الوسنان وتبعث الطاقات المغمورة تحت ركام القنوط، دعوة يرفدها كل واحد من موقعه وعلى

    شاكلته التي يسرها الله له، دعوة قوية ونامية لا ينحسر ساحلها ولا تنشق لجتها، تمضي إلى غاياتها بإذن ربها.






                  

العنوان الكاتب Date
نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها النظام Kamel mohamad03-19-05, 02:40 PM
  Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال Kamel mohamad03-19-05, 07:12 PM
    Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال Kamel mohamad03-19-05, 07:21 PM
  Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال Kamel mohamad03-19-05, 07:15 PM
  Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال Kamel mohamad03-19-05, 07:15 PM
  Re: نص الورقة التي قدمها د.غازي صلاح الدين العتباني في ندوة هيئة الاعمال الفكرية و أنتقد بها ال Kamel mohamad03-19-05, 07:16 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de