سَلاماتْ، بروفْ حَسَّاسْ مُحَمَّدْ حَسَّاسْ

قرار الثواني الأخيرة:::
*الحالة التي يمر بها السيد عبد الرحيم لا تخرج عن كونها حالة جهجهة تصاعدية
.. بدأت من نقطة صغيرة في عقلة و انتشرت حتى غطت كل المساحة في تفكيره.
فالسيد عبد الرحيم كان مبعوثا – يُدَرِس في أحد البلاد البعيدة فهو اذن مبعوث مغترب
و هناك فرق كبير بين المبعوث المغترب و المغترب المغترب فالاثنان يلتقيان في صفة
الاغتراب لكن تفرق بينهما أشياء كثيرة منها مثلاً .. الاهتمام الذي يلقاه المغترب المغترب
من سائقي التاكسي أكبر بكثير من ذلك الذي يلقاه المبعوث المغترب .
*و عندما ودّع السيد عبد الرحيم خطيبته و هو يلمح الدموع في عينيها كان يقول لها:
- كلها سنوات قصيرة .. ستمر سراعاً . . سأعود و سأحقق الحلم الذي انتظرناه طويلاً . .
فقط أرجو ألا تقطعي عني الخطابات . . و كانت خطيبته ترد .. أنها ستنتظره و لن
تقطع الخطابات .. بل سترسل له كل يوم خطاب.
*في بداية سنوات اغترابه لم يكن هناك ما يلفت نظره في خطابات أهله
و أصدقائه غير أخبار قصيرة عن الأهل و الجيران و سكان الحي و التي تقول
في اقتضاب أن فلانة قد تم زواجها للشاب المغترب فلان الفلاني . . ثم ان بنت
جيرانهم قد انتقلت الى عش الزوجية السعيد مع زوجها المغترب.
*و بالرغم من أن تلك الأخبار كانت في البداية متناثرة على مساحة
زمنية طويلة الا انها في الايام الاخيرة اخذت طابعا أكثر كثافة و تكرارا ً .
فأغلب بنات الحي قد انتقلن الى عش الزوجية السعيدة.
*و تبلور من وسط هذه الزحمة خط واضح . فالبنت السودانية بما متعها
الله من صفات براجماتية أو ذرائعية أصبحت تعرف أن كلمات مسلن:"أحبك
إلى ان يرث الله أرضه و من عليها و سأظل مخلصا لك الى الابد و سأموت قبل
الأبد و بالقرب من الابد و بعد الابد و أنا اذكرك يا حبيبتي ... الخ .... كانت تعرف
بحسها العملي أن مثل هذه الكلمات لا تخلق عشاً سعيداً و ليس بالضرورة أن تنتقل
الى بيت زواج مكندش مؤستر أي يملك جهاز استريو و مفدفد أي يحتوي على
جهاز فيديو و غيرها من الضروريات العصرية.
* فتحللت من كل ارتباط سابق و عومت نفسها في محراب
الزواج لمن استطاع اليه سبيلا . و الذين يستطيعون اليه
سبيلاً ليسوا من شاكلة المبعوثين المغتربين .
*هذا ما أقض مضجع السيد عبد الرحيم و جعله يسرع في الانتهاء
من دراسته و العودة حتى يستطيع أن يتدخل تدخلاً مباشراً في حالة
اقتراب أي مغترب من المكان الذي تقبع فيه خطيبته .
*و رسم خريطة للحي أمامه و وضع حولها خريطة أخرى تضم كل
دول الاغتراب و كل واحدةبلون مميز . فكان يسأل فلانة مثلاً:فيأتيه الرد:
- حليلك انت وين؟ فلانة فالها فال السرور عرسوها لواحد مغترب دفع
مهرها بالعملة الصعبة و جاب جيب أصلو واحد غيره ما سواهو.
و يسأل عن مكانها فيأتيه الرد .. في الحته الفلانية . و يغرس دبوساً
ملوناً في ذلك المكان و عليه ورقة صغيرة تحمل اسم فلانة و ذلك
لتكتمل صورة الخريطة التي يقوم برسمها .و يتساءل الأخ عبد الرحيم:
- و طيب هو شاف البت دي وين؟ و كانت معظم الاجابات تنحصر في حقيقة واحدة:
- يا خوي شافه في بيت عرس و عجبتو طوالي اتقدم ليها و هي وافقت .
- و هي وافقت طوالي و ما اترددت؟
- تتردد؟ تتردد ليه . . . ما لازم طوالي توافق.
و أهلها ليه ما يوافقوا طالما هي موافقة .......
*و يستمر سيد عبد الرحيم في رسم خريطته و التي
تقترب اكثر و أكثر من موقع منزل خطيبته و هو يلمح
الاسهم تنطلق يميناً و شمالاً و شرقاًو غرباً و الدبابيس
الملونة تتناثر حول خريطة الحيٍ . و لكن بقي سؤال
واحد لم يسأل عنه:
- ما هو موقف خطيبته في كل هذه الزحمة... هل تزوجت و انتقلت الى
مكان آخر أم لا زالت تنتظره. و هو لا يريد أن يسأل هذا السؤال المباشر
حتى اذا علم أنها تزوجت كغيرها يكون وقع ذلك في نفسه خفيفاً و يستطيع
أن يتحمل الصدمة . و أخيراً لم يبق في الخريطة الا دبوس واحد و هو
دبوس خطيبته و لا بد أن يغرسه في مكان ما...فتشجع و تقدم بالسؤال:
- و طيب فلانه ... حصل ليها شنو؟
و جاءت الاجابة:
- ما حصل ليها اي حاجة .. قاعدة منتظراك
و يتساءل بالحاح:
- و طيب هي ما كانت بتمشي بيوت أعراس؟
- طبعاً بتمشي . . .
- و المغتربين ديل ما شافوها؟
- شافوها طبعاً . . . و معقول يكونوا ما شافوها . . ولا انت قصدك شنو؟
و هو لا يدري قصده من السؤال إلا أن خاطراً ثقيلاً قد هجم عليه فأزاحه
بشدة إلا أن ذلك الخاطر ظل يدق بعنف على المساحة المتبقية من تفكيره .
- لماذا لم يتقدم أي واحد من المغتربين لخطيبته . . و في الوقت الذي خلا فيه
الحي من كل قريناتها من البنات ؟ و بالرغم من أنهم رأوها!، حاجة تجنن؟ ولا
بد أنها شينة؟ و أنه كان أعمى عندما خطبها و الا لماذا لم ينافسه فيها المغتربون.
*و ظل ذلك الهاجس يزحم تفكيره حتى وصل الى مرحلة الجهجهة التصاعدية
القصوى فغرس ذلك الدبوس في منزل خطيبته سابقاً و هو يقول:
- هو معقول الواحد يعرس ليهو واحدة المغتربين أبو يعرسوها؟؟
__________________
واجعنى فى البحر... السكات
ومسكتنى فوق وجعي....البحر