التوظيف السياسي للفكر الديني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-31-2024, 05:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2006, 09:29 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التوظيف السياسي للفكر الديني (Re: Sabri Elshareef)

    الخلفية التاريخية لمفهوم مشروعية السلطة
    في الإسلام
    لابد لنا في هذا المضمار أن نتناول التجربة التاريخية الإسلامية في مجال قضية الخلافة، والعلاقة بين هذه التجربة التاريخية والنصوص الفقهية التأسيسية التي تعتبر موضوع التأويل في هذه المسألة.
    لقد انبثقت مشكلة الخلافة في المجتمع الإسلامي بوفاة الرسول الذي لم يترك للمسلمين نظرية للحكم. ومن هنا انقسم الصحابة الى فريقين: فريق المهاجرين أي المكيين، وفريق الأنصار أي أهل المدينة. وصار كل فريق يريد أن يكون له أمر الخلافة بعد النبي. وبموازاة هذا الإنقسام لم يكن فريق الأنصار متحدين في موقفهم، بسبب آثار العلاقة السابقة للإسلام بين الأوس والخزرج. كما ان المهاجرين كانوا منقسمين بين بني هاشم الذي ينتمي اليهم النبي، وصهره وابن عمه علي بن أبي طالب من جانب، وبني عبد شمس وتيم وأمية وغيرهم، الذين ينتمي اليهم سائر المهاجرين ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب من جانب آخر.
    بدأ الصراع على الخلافة في سقيفة بني ساعدة، دون تأسيسات فقهية وقبل نشوء المذاهب الفقهية أو الاعتقادية، أو مذاهب علم الكلام أساساً. وكانت الدوافع السياسية والاجتماعية في الصراع على هذا المنصب غير مخفية. كما لم تحسم من خلال التسويغات الدينية، على الرغم من ورودها في بعض حجج المتصارعين على السلطة. واتخذ الصراع شكله الديني وقالبه الفقهي بعد مرور سنين عديدة، وبعد تطور الدولة الإسلامية، التي أصبحت امبراطورية مترامية الأطراف. وذلك لأن الفكر الديني أصبح بمثابة الوعاء الذي استوعب وجسُّد الصراعات الكامنة في المجتمع.
    تحدث كل من الطبري، وابن أبي الحديد كل حسب رأيه عن أحداث السقيفة. ومن خلال نقل كل واحد منهما لتلك الأحداث، نستبعد الطابع الديني للخلافات والآراء المطروحة في السقيفة، حول الأحقية بالخلافة. ولسرد تلك الحادثة برواية الطرفين (الطبري، وابن أبي الحديد) أهمية كبيرة، بسبب اختلاف ميول الطرفين من الناحية السياسية. وهذا يعكس الجانب السياسي الدنيوي في مسألة الصراع على الخلافة.
    وقد نقل الطبري هذا الصراع الجنيني على الخلافة في سقيفة بني ساعدة، كالتالي:
    " اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال ما هذا فقالوا منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء. ثم قال أبو بكر إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة. إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا أمينا، فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح. وأنا أرضى لكم أبا عبيدة، فقام عمر فقال أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا".[4]
    أما حول الخلاف بين بني هاشم وبين غيرهم من قريش فيذكر الطبري ""حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بيت علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتاً السيف، فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه، فأخذوه"[5]
    ويذكر الطبري حديث عمر بن الخطاب أثناء توليه الخلافة بعد وفاة أبي بكر حول ما جرى قبل ذهابه الى السفيقة كالتالي:
    " إنه بلغني أن قائلا منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا. فلا يغرن امرءاً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة. فقد كانت كذلك، غير أن الله وقى شرها. وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر! وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة. وتخلفت عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدرا. فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم، فقلنا والله لنأتينهم".[6]
    وفي السقيفة بدأت النقاشات والسجالات بين الأنصار وزعيمهم سعد بن عبادة من جهة ، وبين المهاجرين الذين تحدث عنهم أبو بكر الصديق، وعاونه في ذلك عمر بن الخطاب.
    يذكر الطبري نقلاً عن خطبة عمر بن الخطاب تلك النقاشات الحامية، حيث قال "فأتيناهم ( ويقصد هو وأبو بكر)، وهم مجتمعون (أي الأنصار) في سقيفة بني ساعدة. قال وإذا بين أظهرهم رجل مزمل. قال قلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما شأنه قالوا: وجع. فقام رجل منهم فحمد الله وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام. وأنتم يا معشر قريش رهط رآه وقد دفت إلينا من قومكم دافة".[7]
    بيّن عمر بن الخطاب في خطبته، كما ينقلها لنا الطبري، التنسيق وتبادل الأدوار بينه وبين أبي بكر الصديق، في مواجهة الطلب الذي أبداه الأنصار وزعيمهم سعد بن عبادة. ويذكر في هذا الصدد دور السجايا والسمات الشخصية لأبي بكر الصديق وكونه أكثر حلماً منه.
    وبهذا الصدد يذكر الطبري نقلاً عن خطبة عمر بن الخطاب أثناء خلافته ما فعلوه لمواجهة مطالب الأنصار. قال ( والحديث لعمر بن الخطاب): فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا الأمر. وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر. وقد كنت أداري منه بعض الحد. وكان هو أوقر مني وأحلم. فلما أردت أن أتكلم قال فكرهت أن أعصيه. فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به أو بأحسن منه. وقال أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا إلا وأنتم له أهل. وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش. وهم أوسط العرب دارا ونسبا. ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح. وإني والله ما كرهت من كلامه هذه الكلمة إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر. فلما قضى أبو بكر كلامه، قام منهم رجل، فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. قال فارتفعت الأصوات، وكثر اللغط. فلما أشفقت الاختلاف، قلت لأبي بكر ابسط يدك أبايعك، فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار .... قال قائلهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر. خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد".[8]
    ويذكر ابن أبي الحديد حادثة السقيفة في شرح (نهج البلاغة)، ويتحدث عن طبيعة الصراع بين الأنصار والمهاجرين على منصب الخلافة وكيفية حسمه، وتأثير الخلافات القديمة بين الأوس والخزرج على تخلي الخزرج عن سعد بن عبادة واصطفافهم الى جانب المهاجرين. كما أن هناك إشارة الى المخاطر المترافقة بعملية إختيار أبي بكر وإحتمال حدوث الفتنة، بشكل واضح في النص الوارد في شرح نهج البلاغة.
    وحول استعدادات الأنصار وتحركاتهم بعد وفاة النبي، ورد في شرح (نهج البلاغة): ان المهاجرين والأنصار "ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: إن أبت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولون؛ ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده! فقالت طائفة منهم: إذاً نقول: منا أمير ومنكم أمير، لن نرضى بدون هذا منهم أبداً، لنا في الإيواء والنصرة ما لهم في الهجرة، ولنا في كتاب الله ما لهم، فليسوا يعدون شيئاً إلا ونعد مثله، وليس من رأينا الاستئثار عليهم، فمنا أمير ومنهم أمير؛ فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن!".[9]
    أكد أبو بكر في حديثه في السقيفة على كون المهاجرين يمثلون عشيرة الرسول، وأول الملبين لدعوته. كما تحدث عن دور قريش في أوساط العرب وتأثيره على القبائل الأخرى. ويخلو حديث الصديق من الإستشهاد بأية آية قرآنية أو حديث نبوي لتثبيت وبرهان أحقية فريش بالخلافة. علماً أنه لم يتحدث عن أحقيته، بل أحقية قبيلته.
    ونستطيع ان نثبت هذا الإستنتاج من خلال رواية ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، وهي رواية لا تختلف عمّا أورده الطبري في تاريخه.يقول ابن أبي الحديد أن أبا بكر قال: "إن الله جل ثناؤه بعث محمداً بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه، وكنا - معاشر المسلمين المهاجرين- أول الناس إسلاماً، والناس لنا في ذلك تبع. ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوسط العرب أنساباً، ليس من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة. وأنتم أنصار الله، وأنتم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنتم وزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في الدين. وفيما كنا فيه من خير، فأنتم أحب الناس إلينا، وأكرمهم علينا، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله، والتسليم لما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين، وأحق الناس ألا تحسدوهم، فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة، وأحق الناس ألا يكون انتقاص هذا الدين واختلاطه على أيديكم، وأنا أدعوكم إلى أبي عبيدة وعمر؛ فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر، وكلاهما أراه له أهلاً".[10]
    لم يكن أبو بكر وحده في دعوته لكي تكون الخلافة في قريش. وكان يعلم أن أبا عبيدة الجراح وعمر بن الخطاب يؤيدانه في هذا المسعى. ويمثل كل منهما مركزاً من مراكز القوى في العوائل والأفخاذ التي تتكون منها قريش. وقد أثرت دعوته في تليين موقف بعض الأنصار واستعدادهم للتوافق وتقاسم السلطة. وفي هذه اللحظة من الصراعات برز دور عمر وأبي عبيدة، ليكملا ما بدأه أبو بكر الصديق. وهذا ما نلمسه في حديثهما، المذكور عند الطبري وعند ابن أبي الحديد.
    قال عمر وأبو عبيدة: "ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك، أنت صاحب الغار، ثاني اثنين، وأمرك رسول الله بالصلاة، فأنت أحق الناس بهذا الأمر.
    وتكررت الدعوات بالتقاسم في السلطة بين المهاجرين والأنصار. ووصل النزاع الى حد حصول احتمال التصادم بين المهاجرين والأنصار، غير أن المهاجرين كانوا قد حسموا أمرهم في أن تكون الخلافة لهم. وضمن السجال الدائر والدعوة الى تقاسم السلطة، "قام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار؛ املكوا عليكم أيديكم، إنما الناس في فيّكم وظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر الناس إلا عن أمركم، أنتم أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، وأنتم أصحاب الدار والإيمان؛ والله ما عُبِّدَ الله علانية إلا عندكم وفي بلادكم، ولا جُمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا عُرف الإيمان إلا من أسيافكم، فاملكوا عليكم أمركم، فإن أبى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير".[11]
    غير أن هذا المقترح المطروح للتوافق عبر التشارك بين الطرفين في السلطة، لم يكن مقبولاً من جانب المهاجرين. ولذا نجد عمر بن الخطاب يقول: "هيهات! لا يجتمع سيفان في غمد. إن العرب لا ترضى أن تؤمركم ونبيها من غيركم. وليس تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، وأولو الأمر منهم. لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا، والسلطان المبين على من نازعنا، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة! فقام الحباب، وقال: يا معشر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من الأمر، فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فأجلوهم عن بلادكم، وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم أولى الناس بهذا الأمر، إنه دان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له. أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، إن شئتم لنعيدنها جذعة، والله لا يرد أحد علي ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف".[12]
    غير أن معسكر الأنصار لم يكن موحدأ. فآثار الصراعات الدائرة بين الأوس والخزرج، لم تزل باقية في نفوس البعض منهم. وكان للأوس وزعيمهم سعد بن عبادة فقط الفرصة لتولي السلطة في حالة حسم النزاع والنقاش لصالح الأنصار. ولم يكن هذا الأمر يروق للخزرج.
    يشير العديد من المؤرخين الى هذه الحالة، والى موقف بشير بن سعد الخزرجي، قائلين: "لما رأى بشير بن سعد الخزرجي ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة ـ وكان حاسداً له، وكان من سادة الخزرج ـ قام فقال: أيها الأنصار، إنا وإن كنا ذوي سابقة، فإنا لم نرد بجهادنا وإسلامنا إلا رضا ربنا وطاعة نبينا، ولا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عوضاً من الدنيا، إن محمداً صلى الله عليه وسلم رجل من قريش؛ وقومه أحق بميراث أمره، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر؛ فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم.
    فقام أبو بكر، وقال: هذا عمر وأبو عبيدة، بايعوا أيهما شئتم؛ فقالا: والله لا نتولى هذا الأمر عليك؛ وأنت أفضل المهاجرين، وثاني اثنين، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة؛ والصلاة أفضل الدين. أبسط يدك نبايعك. فلما بسط يده، وذهبا يبايعانه، سبقهما بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير، عقك عقاق؛ والله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك.
    ولما رأت الأوس أن رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن حضير- وهو رئيس الأوس- فبايع حسداً لسعد أيضاً، ومنافسة له أن يلي الأمر، فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد، وحمل سعد بن عبادة وهو مريض، فأدخل إلى منزله، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده، وأراد عمر أن يكرهه عليها، فأشير عليه ألا يفعل، وأنه لا يبايع حتى يقتل، وأنه لا يقتل حتى يقتل أهله، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج؛ وإن حوربت الخزرج كانت الأوس معها". [13]
    إن الحوار الذي جرى بين الأنصار والمهاجرين لا يعكس المنظور الديني في مسألة حسم قضية الخلافة التي أثيرت في السقيفة. ولا نجد في حوار الفرقاء في السقيفة ما يشير في حديث أي منهم الى آيات من القرآن، أو نصوص من الحديث النبوي. وجرى الحديث حول اختيار ومبايعة الزعيم أو الأمير ضمن القيم العشائرية والموروث القبلي السائد، في وقت لم تكن لهذه القبائل تجربة سابقة في ميدان تأسيس الدولة، واختيار رئيس لها. فالمهاجرون رأوا بأن لهم الحق في الخلافة لأنه بدون تضحياتهم، ومن ضمنها هجرتهم لم يكن الإسلام يصل الى ما وصل إليه في الجزيرة العربية. وقالوا وكان المعبر عنهم بشكل واضح أبو بكر الصديق: بأن العرب لن تقبل إلاّ أن يكون هذا الأمر في قريش. وهكذا نرى إن الحديث قد جرى حول التقاليد العربية الراسخة وإمكانية القبول العربي، وفي هذه النقطة يبرز دور "هذا الحي من قريش" كما جاء في قول الخليفة الأول. وقد وصف الخليفة الثاني بأن ما جرى كان فلتةً أو فتنةً وقى الله شرها، كما برز العامل القبلي بشكل واضح في إنحياز الخزرج الى المهاجرين، بسبب خلافهم القديم مع الأوس. ولم يتكرر ما جرى في السقيفة لاختيار الخلفاء الراشدين الثلاثة الآخرين، حيث تختلف طريقة وصول كل منهم للخلافة عن الآخر.
    أما الجانب الآخر من الصراع في معسكر المهاجرين فيتجلى في الخلاف بين بني هاشم الذي ينتمي اليهم النبي، وصهره وابن عمه علي بن أبي طالب من جانب، وبني عبد شمس وتيم وأمية وغيرهم، الذين ينتمي اليهم سائر المهاجرين ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب من جانب آخر.
    ينقل لنا ابن أبي الحديد في ( شرح نهج البلاغة ) هذا الجانب من الصراع بعد اجتماع بني هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعد نفسه رجلاً من بني هاشم. واجتماع بني أمية إلى عثمان بن عفان، واجتماع بني زهرة إلى سعد وعبد الرحمن، ودعوة عمر بن الخطاب، وأبي عبيدة بن الجراح للطرفين الأخيرين لمبايعة أبي بكر، بعد حسم الصراع الأولي في السقيفة لصالح أبي بكر الصديق. فقام عثمان ومن معه، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما، فبايعوا أبا بكر.
    وفي هذا الصدد يقول ابن أبي الحديد : "ذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم؛ فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه؛ وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى انتهوا له إلى أبي بكر، فقيل له: بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون".[14]
    غير أن عمر بن الخطاب الذي قاد الدعوة لمبايعة أبي بكر، وكسب المعركة في السقيفة، وأحرز عليه موافقة بني أمية وبني زهرة، فضلاً على كونه من بني تيم، كان يريد فرض الأمر على بني هاشم أيضاً. ولهذا كان يلح حسب ما يشير اليه المؤرخون على علي بالبيعة لأبي بكر.
    وقد جرى اختيار الخليفة الثاني عن طريق الوصية، بعد تشاور أبي بكر الصديق مع بعض الصحابة، فرادى، ومنهم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد وأسيد بن حضير، حسب روايات واردة في كتب السيرة وتاريخ الخلفاء. وبالتالي نجد أن الخليفة الأول قد أوصى بالخلافة الى عمر بن الخطاب حسب وجهة نظره واجتهاده، دون ان يشير الى نص ديني وآية قرآنية لتثبيت موقفه في صحة تلك الوصية، واستحقاق الخليفة الثاني للمنصب من منظور ديني. وهذا منا نجده في وصيته التالية:
    " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عَدَلَ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بَدًل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم بالغيب..".[15]
    كما جرى اختيار عثمان بن عفان عن طريق لجنة شكلها عمر بن الخطاب وراعى فيها الاعتبارات القبلية. وجرى اختيار الخليفة الرابع بعد الأحداث التي نجمت عن قتل الخليفة الثالث.
    يذكر ابن أبي الحديد دور وتأثير الإعتبارات القبلية في إختيار الخليفة الثالث، ويبدو أن ما يطرحه أمر منطقي إرتباطاً بواقع الجزيرة العربية والتركيبة الإجتماعية السائدة فيها. ويمكن القول وحسب الرواية أدناه بأن العامل القبلي كان حاسماً في حسم تلك القضية.
    يقول إبن أبي الحديد:
    "لما دفن عمر، جمعهم أبو طلحة، ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار، حاملي سيوفهم، ثم تكلم القوم وتنازعوا، فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان. وذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به علياً وعثمان، وأن الخلافة لا تخلص له وهذان موجودان، فأراد تقوية أمر عثمان وإضعاف جانب علي عليه السلام، بهبة أمر لا انتفاع له به، ولا تمكن له منه.
    فقال الزبير في معارضته: وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي، وإنما فعل ذلك لأنه لما رأى علياً قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقه لعثمان، ودخلت حمية النسب، لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي صفية بنت عبد المطلب، وأبو طالب خاله. وإنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي عليه السلام، باعتبار أنه تيمي، وابن عم أبي بكر الصديق، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من تيم حنق شديد لأجل الخلافة، وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، وهذا أمر مركون في طبيعة البشر، وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى الآن تحقق ذلك، فبقي من الستة أربعة.
    فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن - وذلك لأنهما من بني زهرة، ولعلم سعد، أن الأمر لا يتم له - فلما لم يبق إلا الثلاثة. قال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أيكما يخرج نفسه عن الخلافة، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما، فأمسكا. فبدأ بعلي عليه السلام، وقال له: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسول الله، وسيرة الشيخين: أبي بكر وعمر. فقال: بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي. فعدل عنه إلى عثمان، فعرض ذلك عليه، فقال: نعم، فعاد إلى علي عليه السلام، فأعاد قوله؛ فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً، فلما رأى أن علياً غير راجع عما قاله، وأن عثمان ينعم له بالإجابة، صفق على يد عثمان، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن علياً عليه السلام قال له: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم".[16]
    هذه اللوحة التاريخية للأحداث ـ رغم الإقتباسات المطولة التي أراها ضرورية ـ تعتبر تجربة تاريخية ساهمت فيما بعد وبأثر رجعي في بلورة وصياغة نصوص فقهية تتمتع بأشكال من القدسية في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر.
    وتستبعد هذه القراءة وجود نظرية خاصة بالخلافة في القرآن والسنة النبوية، أو الإعتماد على نظرية الشورى كأساس لأختيار الحاكم. وعلاوةً على ذلك لا نجد في النصوص الأصولية (القرآن والسنة) ما يشير بشكل صريح الى كون الشورى مبدءأً تشريعياً صريحاُ لاختيار الخليفة. كما أن نص الآية 28 من سورة الشورى {وأمرهم شورى بينهم} جاء في سياق الحديث عن سلوك المؤمنين وأخلاقيتهم، ويخلو من الدلالة على كونه نصاً خاصاً بنظام الحكم.
    لم يقم النبي بعملية توعية، أو الدعوة إلى نظام الشورى، كما لم يبين حدوده وتفاصيله ، ولم يعطه طابعا دينيا مقدسا. فقد تكون المجتمع الاسلامي الأول من مجموعة من العشائر ، لم تكن قد عاشت - قبل الاسلام - وضعا سياسيا على أساس الشورى، وإنما كانت تعيش، في الغالب، وضع زعامات قبلية وعشائرية تتحكم فيها القوة والثروة وعامل الوراثة إلى حد كبير.
    وبهذا الصدد كتب محمد باقر الصدر وهو من المراجع الشيعية المعاصرة في العراق قائلاً:
    "...نستطيع بسهولة أن ندرك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى، وتفاصيله التشريعية، ومفاهيمه الفكرية، لأن هذه العملية لو كانت قد أنجزت، لكان من الطبيعي أن تنعكس وتتجسد في الاحاديث المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي ذهنية الامة، أو على الاقل في ذهنية الجيل الطليعي منها ، الذي يضم المهاجرين والانصار بوصفه هو المكلف بتطبيق نظام الشورى مع أننا لانجد في الاحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى".[17]
    على الرغم من أن الأفكار والآراء المتعلقة بالسلطة ومشروعيتها، وكيفية تداولها، لم تكن متبلورة ومتجذرة حسب رأينا، بشكل تكوِّن نواتات لإتجاهات واضحة تؤسس مستقبلاً لنظرية الخلافة أو الإمامة، وإنما تداولت القضية في سياق القيم والتقاليد القبلية السائدة، إلاّ أن المرجع الشيعي العراقي المعاصر محمد باقر الصدر يرى في ذلك الصراع القبلي تأسيساً لإتجاهين رئيسيين في موضوع السلطة.
    وبهذا الصدد يذكر محمد باقر الصدر أن في ذهنية الأمة أو في " ذهنية الجيل الطليعي منها فلا نجد فيها أي ملامح أو انعكاسات محددة لتوعية من ذلك القبيل.. وهذا الجيل كان يحتوى على اتجاهين، أحدهما الاتجاه الذي يتزعمه أهل البيت، والآخر الاتجاه الذي تمثله السقيفة والخلافة التي قامت فعلا بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ). فأما الاتجاه الاول : فمن الواضح أنه كان يؤمن بالوصاية والامامة ، ويؤكد على القرابة، ولم ينعكس منه الايمان بفكرة الشورى. وأما الاتجاه الثاني : فكل الأرقام والشواهد في حياته وتطبيقه العملي تدل بصورة لا تقبل الشك على أنه لم يكن يؤمن بالشورى، ولم يبن ممارساته الفعلية على أساسها ، والشئ نفسه نجده في سائر قطاعات ذلك الجيل الذي عاصر وفاة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) من المسلمين وتلاحظ بهذا الصدد للتأكد من ذلك ، أن أبا بكر - حينما اشتدت به العلة - عهد الى عمر بن الخطاب ، فأمر عثمان أن يكتب عهده ، وكتب " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله ، الى المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم فإني أحمد الله اليكم . أما بعد : فإني قد استعملت عليكم عمر بن الخطاب ، فاسمعوا وأطيعوا ". ودخل عبد الرحمن بن عوف فقال : كيف أصبحت يا خليفة رسول الله ؟ فقال : أصبحت موليا ، وقد زدتموني علي ما بي ، إذ رأيتموني استعملت رجلا منكم ، فكلكم قد أصبح ورما انفه ، وكل يطلبها لنفسه ".[18]
    يستنتج الصدر من وصية الخليفة الأول، أن الخليفة لم يكن يفكر بعقلية نظام الشورى. وكان يرى أن من حقه تعين من يستخلفه من هذا الاستخلاف، "وأن هذا التعيين يفرض على المسلمين الطاعة ، ولهذا أمرهم بالسمع والطاعة ، فليس هو مجرد ترشيح أو تنبيه ، بل هو إلزام ونصب . ونلاحظ أيضا أن عمر رأى هو الآخر، أيضا، أن من حقه فرض الخليفة على المسلمين، ففرضه في نطاق ستة أشخاص، و أوكل أمر التعيين إلى الستة أنفسهم دون أن يجعل لسائر المسلمين أي دور حقيقي في الانتخاب، وهذا يعني أيضاَ ، أن عقلية نظام الشورى لم تتمثل في طريقة الاستخلاف التي انتهجها عمر ، كما لم تتمثل ، من قبل ، في الطريقة التي سلكها الخليفة الاول . وقد قال عمر ـ حين طلب منه الناس الاستخلاف ـ : " لو أدركني احد رجلين فجعلت هذا الامر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة، وأبي عبيدة بن الجراح ، ولو كان سالم حيا ما جعلتها شورى".[19]
    لقد جاء مبدأ الشورى عاماً ومطلقاً وغير محدد لطريقة اختيار الإمام أو الخليفة أو طابع نظام الحكم. ولانجد حتى في كتابات الداعين لهذا المفهوم ما يشير الى كون الإسلام قد حقق طريقةً لتحقيق الشورى.
    خلال الفترة من خلافة الخليفة الأول وحتى مقتل الخليفة الثالث على يد منتفضين على حكمه، لا نجد في ذلك الدور الفقهي الى ما يشير الى جريمة البغي "الخروج عن طاعة الإمام الحق مغالبةً بتأويل". فالتوازنات القبلية السائدة استطاعت أن تخفف وطأة النزاعات الكامنة التي لم تصل الى استخدام القوة من قبل المتصارعين على الحكم. إلاّ أن الأمر سرعان ما انفجر مع أحداث ما يسمى "أحداث الفتنة".
    على أثر الإنقسام الجديد حول مفهوم الخلافة وأحقية كل طرف بذلك بدأت النواتات الأساسية لما سميّ مؤخراً بنظرية الخلافة في مذاهب السنة، ونظرية الإمامة في مذاهب الشيعة.
    وعلى حد قول الشهرستاني فإن " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلَّ على الإمامة في كل مكان".[20]
    وارتباطاً بالصراع المسلح على السلطة، الذي وجد كل طرف شرعيته في ايجاد الحجج الفقهية والشرعية لأحقيته بالسلطة، وتزامناً مع استخدام القوة في تلك الصراعات، تبلور مفهوم البغي وأركانه وبشكل تجاوز نص الآية من سورة الحجرات. ووجد الفقهاء في الأدوار الفقهية الأخرى فيما جرى من أحداث، خلال هذه الفترة، أساساً لبلورة وصياغة تصوراتهم وفهمهم للبغي وأركانه وللآثار المترتبة عليه. واستخدموا الى حد معين القياس الفقهي في الموقف من الآثار والحالات الجديدة، في ظل واقع جديد في البلدان الإسلامية، حيث صار الحديث فيها عن وجود فعلي لأكثر من خليفة في الأمصار الإسلامية، وسيطرة المنتفضين على سلطة الخلافة لسنوات عديدة. مما أدى الى آثار اقتصادية واجتماعية، ونتائج متباينة في فقه المعاملات، بين الناس الخاضعين لسلطة المناطق الخارجة عن سلطة الخلافة المركزية.
    إن مفهوم الإمام الحق مفهوم متغير حسب المذاهب الفقهية والعقائدية التي تطورت بعد احداث الفتنة الأولى. ولا بد من استعراض هذا المفهوم لدى المدارس الفقهية والاعتقادية الأساسية، لأن البغي يترتب أساساً على هذا الأمر. وفي هذا المجال نجد أن الفقهاء المسلمين، في القرون الاسلامية المختلفة، ميَّزوا بين عدة مصطلحات تتعلق بمفهوم شرعية السلطة أو الحكم، ومنها الخلافة أو الإمامة الكبرى، والامارة والسلطة والحكم.
    وعلى ضوء التجربة التاريخية الإسلامية، سمّي من يخلف الرّسول في إجراء الأحكام الشّرعيّة ورئاسة المسلمين في أمور الدّين والدّنيا خليفةً ، ويسمّى المنصب خلافةً وإمامةً .
    أمّا مصطلح الخلافة في الاصطلاح الشّرعيّ فإنه يرادف الإمامة ، وقد عرّفها ابن خلدونٍ بقوله : "هي حمل الكافّة على مقتضى النّظر الشّرعيّ ، في مصالحهم الأخرويّة ، والدّنيويّة الرّاجعة إليها" ، ثمّ فسّر هذا التّعريف بقوله : "فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشّرع في حراسة الدّين والدّنيا".[21]
    وتداول الفقهاء مصطلح الإمارة التي تعني لغةً: الولاية، والولاية إمّا أن تكون عامّةً، فهي الخلافة أو الإمامة العظمى، وإمّا أن تكون خاصّةً على ناحيةٍ كأن ينال أمر مصرٍ ونحوه، أو على عملٍ خاصٍّ من شئون الدّولة كإمارة الجيش وإمارة الصّدقات، وتطلق على منصبٍ أمير.[22]
    أما السّلطة فهي: السّيطرة والتّمكّن والقهر والتّحكّم، ومنه السّلطان. وهو من له ولاية التّحكّم والسّيطرة في الدّولة. فإن كانت سلطته قاصرةً على ناحيةٍ خاصّةٍ فليس بخليفةٍ ، وإن كانت عامّةً فهو الخليفة. وقد وجدت في العصور الإسلاميّة المختلفة خلافة بلا سلطةٍ ، كما وقع في أواخر العبّاسيّين، وسلطة بلا خلافةٍ كما كان الحال في عهد المماليك. أما الحكم فهو في اللّغة: القضاء، يقال: حكم له وعليه وحكم بينهما، فالحاكم هو القاضي في عرف اللّغة والشّرع. وقد تعارف النّاس في العصر الحاضر على إطلاقه على من يتولّى السّلطة العامّة.[23]
    يميز ابن خلدون في مقدمته بين المصطلحات الواردة أعلاه بشكل جلي، ويقول: " أن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة. والسياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار. والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع الى إعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به".[24]
    يتناول الدواني في كتابه (الفواكه) مصطلح الإمامة قائلاً بأن الإمامة "هي في اللغة مطلق التقدم. وأما في الشرع فتنقسم أربعة أقسام إمامة وحي أي حصلت بسبب الوحي وهي النبوة، وإمامة وراثة أي حصلت بسبب الإرث، لأن العلماء ورثة الأنبياء وهي العلم، وإمامة مصلحة وهي الخلافة العظمى ويقال لها الإمامة الكبرى. وإمامة عبادة وهي صفة حكيمة توجب لموصوفها كونه متبوعا لا تابعا. وكلها تحققت له صلى الله عليه وسلم".[25]
    اعتبر الفقهاء المسلمون ومنهم الماوردي صاحب (الأحكام السلطانية) الإمامة فرض كفاية "فإذا قام بها من هو من أهلها، سقط فرضها على الكفاية وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان : أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماما للأمة . والثاني أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة ، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم ".[26]
    وتناول الماوردي الشروط الواجب توفرها في أهل الاختيار وهي على حد قوله ثلاثة. أحدها العدالة الجامعة لشروطها. والثاني : العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها . والثالث : الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف ".[27]
    كما يورد الماوردي وهو من الشافعية الشروط اللازمة توفرها في من يتنافس على منصب الإمام قائلاّ: وَأَمَّا أَهْلُ الإِمَامَةِ فالشروط المعتبرة فيهم سبعة: أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. والثاني: العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام. والثالث سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها. والرابع : سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض. والخامس: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح. والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو. والسابع : النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس ، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم { الأئمة من قريش } فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليما لروايته وتصديقا لخبره ورضوا بقوله : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { قدموا قريشا ولا تقدموها } . وليس مع هذا النص المسلم شبهة لمنازع فيه ولا قول لمخالف له ".[28]
    ولكن الشروط التي أوردها الماوردي لم تكن محل اتفاق جميع المذاهب الإسلامية، وخاصة الشروط المتعلقة بالعدالة ومفهومها والاجتهاد، والشرط المتعلق بالنسب القريشي.
    فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العدالة والاجتهاد شرطا صحّةٍ ، فلا يجوز تقليد الفاسق أو المقلّد إلاّ عند فقد العادل والمجتهد .
    وذهب الحنفيّة إلى أنّهما شرطا أولويّةٍ ، فيصحّ تقليد الفاسق والعامّيّ ، ولو عند وجود العدل والمجتهد.
    وحول السّمع والبصر وسلامة اليدين والرّجلين، ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّها شروط انعقادٍ ، فلا تصحّ إمامة الأعمى والأصمّ ومقطوع اليدين والرّجلين ابتداءً ، وينعزل إذا طرأت عليه ، لأنّه غير قادرٍ على القيام بمصالح المسلمين ، ويخرج بها عن أهليّة الإمامة إذا طرأت عليه.
    وذهب بعض الفقهاء إلى أنّه لا يشترط ذلك، فلا يضرّ الإمام عندهم أن يكون في خلقه عيب جسديّ أو مرض منفّر ، كالعمى والصّمم وقطع اليدين والرّجلين والجدع والجذام ، إذ لم يمنع ذلك قرآن ولا سنّة ولا إجماع .
    أما حول النّسب فيشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون الإمام قرشيّاً لحديث:«الأئمّة من قريشٍ». وخالف في ذلك بعض العلماء منهم أبو بكرٍ الباقلانيّ ، واحتجّوا بقول عمر :" لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولّيته "، ولا يشترط أن يكون هاشميّاً ولا علويّاً باتّفاق فقهاء المذاهب الأربعة، لأنّ الثّلاثة الأول من الخلفاء الرّاشدين لم يكونوا من بني هاشمٍ، ولم يطعن أحد من الصّحابة في خلافتهم، فكان ذلك إجماعاً في عصر الصّحابة".[29]
    يربط ابن خلدون في مسألة كون الإمام قرشياً بنظريته المبنية على العصبية. ويرىأن بعض الفقهاء الذين أجازوا أن تكون الإمامة في قريش قد تعاملوا مع الأمر الواقع بعد تدهور سلطة الخلافة في أواخر الدولة العباسية.
    ومن هذا المنطلق يفسر ابن خلدون رأي القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفي في بغداد سنة 403 هـ حول نفيه اشتراط القرشية لمنصب الخلافة. يقول ابن خلدون: أن الباقلاني "لما أدرك عليه عصبية قريش من التلاشي والإضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء، فأسقط شرط القرشية، وإن كان موافقاً لرأي الخوارج، لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده. وبقي الجمهور على القول باشتراطها وصحة الإمامة للقرشي، ولو كان عاجزاً عن القيام بأمور المسلمين. ورُدَّ عليهم سقوط شرط الكفاية التي يقوى بها على أمره، لأنه إذا ذهبت الشوكة بذهاب العصبية فقد ذهبت الكفاية، وإذا وقع الإخلال بشرط الكفاية تطرق ذلك أيضاً الى العلم والدين، وسقط إعتبار شروط هذا المنصب وهو خلاف الإجماع".[30]
    كما نجد مسألة التعامل مع الأمر الواقع واضحاً عند الماوردي وبحثه في "إمارة الاستيلاء"، والذي يعتبر شكلاً من أشكال إضفاء الشرعية على ما موجود في الواقع بعكس رغبة الخليفة، بل وتجاوزاً على صلاحياته.
    يقول الماوردي: " وأما إمارة الاستيلاء، التي تعقد عن اضطرار، فهي أن يستولي الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة أمارتها، ويفوض إليه تدبيرها وسياستها، فيكون الأمير باستيلائه مستبداً بالسياسة والتدبير، والخليفة بإذنه منفذاً لأحكام الدين، ليخرج من الفساد إلى الصحة ومن الحظر إلى الإباحة. وهذا وإن خرج عن عرف التقليد المطلق في شروطه وأحكامه فيه من حفظ القوانين الشرعية وحراسة الأحكام الدينية ما لا يجوز أن يترك مختلاً مدخولاً ولا فاسداً معلولاً، فجاز فيه مع الاستيلاء والاضطرار ما امتنع في تقليد الاستكفاء والاختيار لوقوع الفرق بين شروط المكنة والعجز".[31]
    وإذا كانت حادثة السقيفة تمثل تأسيس البنية أو اللبنة الأولى من مفهوم الخلافة (الإمامة الكبرى)، فإن معركة صفين بين الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان، الذي أعلن نفسه هو الآخر خليفةً للمسلمين، تمثل أحداثاً ومواقف عديدة تعتبر أساساً وبنيةً للتأسيس الفقهي اللاحق إضافة الى الآراء التي طرحت أثناء الحادثة.
    فعلى أثر هذه الحادثة نشأ الخوارج وتطورت فرقهم بعد ذلك. وأعلن الخارجون الأوائل على علي بن أبي طالب، والذين سموا بـ "المُحَكَّمة الأولى" موقفهم من الإمامة. ويذكر الشهرستاني موقفهم بكونه بدعةً، قائلاً أنهم:
    "جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش، وكل من ينصبونه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان إماماً، ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه، وإن غيّر السيرة وعدل عن الحق، وجب عزله أو قتله. وهم أشد الناس قولاً بالقياس، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلاّ، وإن أحتيج إليه فيجوز أن يكون عبداّ أو حراً أو نبطياً أو قرشياً."[32]
    وتأتي تسميتهم بالمُحَكَّمة بعد رفضهم لنتائج التحكيم بين أبي موسى الأشعري ممثل علي بن أبي طالب، وبين عمرو بن العاص ممثل معاوية. و قالت هذه الفرقة قولتها الشهيرة لعلي بن أبي طالب بعد رفضهم التحكيم:"لم حكمت الرجال، لا حكم إلاّ لله".
    ويرد ابن كثير والطبري أصل هذه التسمية كالتالي:
    "إن عليّاَ بينما هو يخطب يوماً إذ قام إليه رجل من الخوارج فقال: يا علي أشركت في دين الله الرجال ولا حكم إلاّ لله، فتنادوا من كل جانب لا حكم إلاّ لله، لا حكم إلاّ لله. فقال علي: الله أكبر، كلمة حق يراد بها باطل أما أن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولانمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، ثم رجع إلى مكانه الذي كان فيه خطبته".[33]
    ولم يقف بعض فرق الخوارج عند هذا الحد، فقد تناولت إحدى هذه الفرق وهي (النجدات) نسبة الى نجدة بن عامر الحنفي، مسألة وجوب الإمام بحاجة الناس إليه. ويذكر الشهرستاني في هذا المجال موقف النجدات قائلاّ: " وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام بحملهم عليه فأقاموه جاز".[34]
    ويشير ابن خلدون الى أن بعض المعتزلة وبعض الخوارج دعوا الى عدم وجوب هذا المنصب بسبب سياسات الحكام المسلمين التعسفية، مشيرا الى أرضية ظهور هذا الرأي في مقدمته فائلاً:
    " والذي حملهم على هذا المذهب إنما هو الفرار عن الملك ومذاهبه من الاستطالة والتغلب والاستمتاع بالدنيا، لما رأوا الشريعة ممتلئةً بذم ذلك، والنعي على أهله، ومرغِّبَةَ في رفضه".[35]
    وفي رأينا إن الأمر عند المعتزلة لا ينحصر في مجرد ردود فعل على تصرفات الحكام، بل ينحو منحىً فكرياً وفلسفياً، ارتباطاً بتطور علم الكلام، وبالاقتران بآرائهم الفلسفية الأخرى ونظرتهم لمفهوم السلطة.
    يوجز الماوردي في (الأحكام السلطانية) التجربة التاريخية الإسلامية لفترة أكثر من قرنين وما شهدته من حوادث جرى القياس عليها في مجال كيفية انعقاد الإمامة. وما يذكره الماوردي يمثل استنتاجات نابعة من تجربة الخلفاء الراشدين والدولة الأموية وفترةً من الدولة العباسية. وبهذا الصدد يقول:
    " والإمامة تنعقد من جهتين: أحداهما باختيار أهل العقد والحل. والثاني بعهد الإمام من قبل: فآما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله عنه على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها. وقالت طائفة أخرى: أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استلالا بأمرين: أحدهما أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها، وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشر بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم. والثاني أن عمر رضي الله عنه جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة. وقال آخرون من علماء الكوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين. وقالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي رضوان الله عليه أمدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، ولأنه حكم وحكم واحد نافذ".[36]
    أدخلت تجربة الدولة الأموية طريقة أخرى لنقل السلطة، وهي طريقة ولاية العهد لابن الخليفة المتوفي. وهذه الطريقة في نقل السلطة ليست بعيدة عن الخلفية الثقافية العربية والنزعة القبلية السائدة أو حتى سيطرة عائلة معينة من القبيلة على كرسي السلطة في الدولة. وانتبه الفقهاء الى هذا الواقع الجديد، فظهر التأسيس الفقهي على اساس الأمر الواقع لإمكانية أو مشروعية نقل السلطة بهذه الطريقة، إضافةً الى طريقة أهل الحل والعقد التي مورست بشكل معين ومحدود في تجربة الخلفاء الراشدين في الحكم. ولم يقتصر تأثير ولاية العهد على الفقهاء الذين أعتبروها طريقة مشروعة خطّها معاوية بن أبي سفيان لأول مرة عندما عين إبنه يزيد وليّا للعهد، بل أثرت الفكرة على نظرية الإمامة الشيعية (الجعفرية الإثنى عشرية) المبنية أيضاً على أساس تحديد الإمام عن طريق التوارث العمودي لأبناء الحسين بن علي الذي ثار على يزيد، ونُكِّل به وبأفراد عائلته وصحبه بوحشية.
    وحول ولاية العهد كأسلوب لإنتقال السلطة يشير الفقيه المالكي الدسوقي إلى:
    أن " الإمامة العظمى تثبت بأحد أمور ثلاثة: إما بإيصاء الخليفة الأول لمتأهل لها، وإما بالتغلب على الناس، لأن من اشتدت وطأته بالتغلب وجبت طاعته، ولا يراعى في هذا شروط الإمامة إذ المدار على درء المفاسد وارتكاب أخف الضررين، وأما بيعة أهل الحل والعقد. وهم من اجتمع فيهم ثلاثة أمور: العلم بشروط الإمام والعدالة والرأي. وشروط الإمام الحرية والعدالة والفطانة وكونه قريشيا وكونه نجدة وكفاية في المعضلات".[37]
    أجمل الفقهاء المسلمون من المذاهب السنية بشكل عام في عهود متأخرة، خلاصة تجربة الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين في مسألة نقل السلطة. وقد تأثروا بالأمر الواقع الذي طرحته الحياة ، لذا إعتبروا التغلب والقهر طريقةً لنقل السلطة. علماً أن المتغلب والمنتصر، في حالة إفتراض فشله، لا يمكن إلاّ أن يعتبر باغياً من قبل السلطة الإسلامية التي لم يستطع إزاحتها. وهذا ما يجعل مفهوم البغي وإستحقاقاته مناطاً بنتائج الصراعات على السلطة، فليس من قوة باستطاعتها محاسبة الباغي المنتصر والمتغلب على الحاكم العادل، وما على عامة المسلمين إلاّ تقبُّل الأمر الواقع بحجة "درء المفسدة، ووقوع الضرر" في حالة الخروج على المتغلب.
    وخلاصة الأمر في تجربة نقل السلطة يشير الفقهاء المسلمون إلى شرعية تثبيت الإمامة بأربعة طرق:
    1 ـ باختيار أهل الحل والعقد من العلماء والفقهاء وأرباب الحل والعقد. وذلك اعتماداً على ما جرى عند بيعة أبي بكر في السقيفة.
    2 ـ اختيار الإمام السابق لمن يليه، اعتماداً على سنة أبي بكر في إختياره عمر بن الخطاب. وتطور الأمر إلى اختيار الخليفة ابنه كما هو الأمر في مسألة ولاية معاوية لابنه يزيد. وقد سار الخلفاء الأمويون والعباسيون على هذه السنة.
    3 ـ أن يجعل الإمام السابق الأمر شورى في جماعة معينة يختارون الإمام الجديد من بينهم (طريقة اختيار الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان).
    4 ـ بالتغلب والقهر عن طريق إستخدام القوة والتغلب على الإمام السابق مهما كانت مشروعيته.
    يشير عبد القادر عودة في مؤلفه "التشريع الجنائي الإسلامي، مقارناً بالقانون الوضعي" إلى هذه الحالة قائلاً:
    " يظهر المتغلب على الناس ويقهرهم حتى يذعنوا له ويدعونه إماماً، فتثبت إمامته وتجب طاعته على الرعية. ومثل ذلك ما حدث من عبد الملك بن مروان حين خرج على ابن الزبير فقتله، واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعاً وكرهاً ودعوه إماماً. وإذا ثبتت الإمامة بإحدى هذه الطرق كان الخروج على الإمام بغياً. أما إذا لم تكن الإمامة ثابتة بإحدى هذه الطرق فلا يعتبر الخارج باغياً ولا الخروج بغياً".[38]
    أن الطريقة الرابعة هي الطريقة التي وصل بها معظم حكام الدول العربية الإسلامية إلى السلطة، وهي بالتالي طريقة تضفي المشروعية الفقهية على الإنقلابات العسكرية التي حصلت في معظم الدول العربية الإسلامية في القرن الميلادي الماضي، دون إرادة عامة المسلمين ومواطني تلك الدول. ولا تزال آثار هذه الطريقة وتفاعلاتها السلبية شاخصة أمام أنظار عامة المسلمين.
    إن التجربة التاريخية الإسلامية تطرح لنا واقعاً مفاده أن مسألة أختيار السلطة كانت خاضعةً لمعيار مصلحة النخبة المسيطرة تحت عنوان مصلحة الجماعة. ومصلحة الجماعة في هذا المضمار ليس مفهوماً مجرداً، بل كان خاضعاً لإعتبارات سياسية واجتماعية وتوازنات قبلية. وبتطور وتوسع الدولة الإسلامية والتصادم الحاصل نتيجة الصراعات، التي لم تعد بنية الجزيرة العربية قادرة على استيعابها أو التوافق بشأنها، أصبح معيار القوة أساساً لنظرية الحكم. ونجد إشارة الفقهاء الى هذا المفهوم في القرن الرابع الهجري، ولكن بصياغات تحمل معها الأثر الرجعي.
    إذا نظرنا الى الصراع المحتدم حول قضية الخلافة بمختلف جوانبها وأطرافها، نرى أن هذا الصراع تمحور أساساً في نطاق مفهوم الحق الديني كشكل خارجي للصراع المحكوم أساساً بقيم المجتمع العربي السائدة في الجزيرة العربية والمحكومة بالتوافقات بين المكونات الإجتماعية القبلية بعد تشكيل نواتات الدولة والإتفاق على جعل الأمر في قريش من جهة، ويين أحقية هذا الجزء أو هذا القسم من قريش على أساس القرابة الوراثية من النبي من جهة أخرى. وأصبحت مهمة كل طرف في الصراع تطويع النص الديني لكي يتلاءم مع متطلبات الأحقية الشرعية بالسلطة.
    وفي ظل أجواء هذه الصراعات نشأت اللبنات الأساسية لنظرية الإمامة الشيعية، عبر نشوء محور جديد للصراع يرتبط بتحديد المفهوم الإسلامي للخلافة واعتبارها حقاً إلهياً محضاً، على أساس اعتبار الخليفة إماماً للمسلمين ويكون اختياره بواسطة الوحي المنزل على النبي، وبالتالي يصبح واجباً على النبي تبليغ المسلمين باختياره. وعلى المسلمين الخضوع لهذا الاختيار كجزء من الإيمان بالعقيدة الإسلامية.
    ولم تأت هذه الصياغات الفكرية والنظرية بعد وفاة النبي مباشرةَ، بل أن هذه المفاهيم بدأت بالتبلور والتطور الجنيني ابتداءً من وفاة النبي، واتخذت أشكالها المتعددة ارتباطاً بالمتغيرات في أوضاع المجتمع العربي الإسلامي، والصراع على السلطة، الذي اتخذ طابعاً دموياً منذ مقتل الخليفة الثالث، وتفاقمت بعد التخلي عن أشكال الشورى والتوافقات، لمصلحة ولاية العهد، والحكم الوراثي، بعد نشوء الدولة الأموية، وتولي يزيد بن معاوية منصب الخلافة، وسحق الحسين بن علي عام 61 هـ.
    وعليه يمكن القول أن نظرية الإمامة الشيعية شهدت تطورات وتغيرات، لا بسبب صراعها مع نظرية الخلافة، وفكرة الشورى وتنوعاتها، أو فكرة ولاية العهد فحسب، بل أن هذه النظرية شهدت تغيرات بسبب الصراعات الداخلية، حول مشروعية تمثيل الشيعة، والأحقية بالإمامة ضمن هذا البيت.
    ونجد هذه الحقيقة بعد وفاة الأمام الرابع الناجي من مذبحة كربلاء عام 61 هـ، علي بن الحسين الملقب بزين العابدين، حيث افترقت الشيعة على ثلاث فرق: الأمامية اتباع الأمام محمد الباقر بن زين العابدين، والزيدية أتباع زيد بن علي بن زين العابدين، والكيسانية وهم أتباع محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب مباشرة ونسب الى أمه الحنفية.
    ومن جانب آخر أثرت بوادر تشكيل علم الكلام، وتعدد مدارسه على النظرية الشيعية في الإمامة، إرتباطاً بمسألة مسؤولية الفعل الإنساني وعلاقته بالفعل الإلهي.
    تستند نظرية الإمامة الشيعية على عدة أركان وهي: عصمة الإمام، وضرورة النص عليه من الله كطريق لمعرفته. ثم بحصر الإمامة في علي بن أبي طالب والحسن والحسين وذرية الحسين. وهكذا جرى تحديد مفهوم أهل البيت ضمن هذا النطاق فقط.
    يشير المؤرخ الإمامي سعد بن عبدالله القمي الأشعري في كتابه (المقالات والفرق) الى أن : "علي بن أبي طالب إمام ومفروض الطاعة من الله ورسوله بعد رسول الله (ص) .... وانه استحق الإمامة ومقام النبي، لعصمته وطهارة مولده وسبقه وعلمه وشجاعته وجهاده وسخائه وزهده وعدالته في رعيته. وان النبي (ص) نص عليه وأشار اليه باسمه ونسبه وعينه، وقلد الأمة إمامته، وأقامه ونصبه لهم علماً، وعقد عليهم أمرة المؤمنين، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة، وأعلمهم ان منزلته منه منزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعده واذ جعله نظير نفسه في حياته، وإنه أولى بهم بعده...".[39]
    استندت نظرية الإمامة على النص الديني المقدس لأثبات أحقية علي بالخلافة واعتمدت على حديث النبي في غدير خم، الذي يدعو فيه النبي الى موالاة علي. وحدث الجدال بعد قرن من الحديث حول المعنى الجلي والمعنى الخفي لنص الحديث.
    تروي كتب الشيعة والسنة (حديث الغدير) أو (حديث الموالاة) بصيغ متعددة، مع المحافظة على مضمونه. ومضمون الحديث أن النبي بعد عودته من حجته الأخيرة، وقف في مكان من الطريق يدعى غدير خم، وكان معه جمع من الصحابة، فقام فيهم خطيباً، وقال في جملة ما قال:" ألست أولى منكم بأنفسكم؟" فأجابوا: اللهم نعم. وحينئذ أخذ بيد علي. ثم قال: "اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وانصر من نصره، واخذل من خذله". فقام الصحابة يهنئون علياً، وبينهم عمر بن الخطاب. وقال له عمر:" بخ بخ لك يا علي، فقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة".[40]
    وقد حدث الاختلاف بين الطرفين في فهم معنى المولى الذي فسره الشيعة بمعنى الولاية أي الحكم والسلطان، أو الإمامة. وهذا ما ورد على سبيل المثال في قول الشيخ المفيد في كتاب (الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب)، أن "الرسول أعطى للإمام علي في غدير خم حقيقة الولاية وكشف به عن ممثلته له في فرض الطاعة، والأمر لهم والنهي والتدبير والسياسة والرياسة".[41]
    إلاّ أن السيد المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة) يقول: "أن أهم حديث نبوي حول النص بالإمامة وهو حديث غدير خم، هو نص خفي وليس بنص جلي، إذا حذفنا منه الزيادات المضافة".[42]
    في حين يفسر أهل السنة معنى الولاء بمعنى الحب والمودة. وبهذا المعنى يفقد الحديث دلالته في النص على الإمامة.
    يذكر ابن أبي الحديد خلاف الشيعة في قضية الأحقية بالإمامة داخل البيت الشيعي إرتباطاً بمسألة النسب.
    ويذكر في ( شرح نهج البلاغة ):
    "قد اختلف الناس في اشتراط النسب في الإمامة، فقال قوم من قدماء أصحابنا: إن النسب ليس بشرط فيها أصلاً، وإنها تصلح في القرشي وغير القرشي إذا كان فاضلاً مستجمعاً للشرائط المعتبرة، واجتمعت الكلمة عليه، وهو قول الخوارج. وقال أكثرأصحابنا وأكثر الناس: إن النسب شرط فيها، وإنها لا تصلح إلا في العرب خاصة، ومن العرب إلا قريش خاصة. وقال أكثرأصحابنا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
    "الأئمة من قريش" إن القرشية لشرط إذا وجد في قريش من يصلح للإمامة، فإن لم يكن فيها من يصلح، فليست القرشية شرطاً فيها.
    وقال بعض أصحابنا: معنى الخبرأنه لا تخلو قريش أبداً ممن يصلح للإمامة، فأوجبوا بهذا الخبر وجود من يصلح من قريش لها في كل عصر وزمان".[43]
    وإذا كان الأمر في البداية ينصب في التأكيد على أحقية قريش بالخلافة، وبعده أحقية بني هاشم من قريش بهذه المهمة، أصبح تداول الأمر في أحفية هذا البطن أو ذاك من بني هاشم بتلك السلطة.
    فعلى سبيل المثال، قال معظم الزيدية: "إنها في الفاطميين خاصة من الطالبيين، لا تصلح في غير البطنين، ولا تصح إلا بشرط أن يقوم بها ويدعو اليها فاضل زاهد عالم عادل شجاع سائس. وبعض الزيدية يجيز الإمامة في غير الفاطميين من ولد علي رضي الله عنه، وهو من أقوالهم الشاذة.
    وأما الراوندية فإنهم خصصوها بالعباس رحمه الله وولده من بين بطون قريش كلها. وهذا القول هو الذي ظهر في أيام المنصور والمهدي. وأما الإمامية فإنهم جعلوها ساريةً في ولد الحسين رضي الله عنه في أشخاص مخصوصين، ولا تصلح عندهم لغيرهم.
    وجعلها الكيسانية في محمد بن الحنفية وولده، ومنهم من نقلها منه الى ولد غيره".[44]
    وفي رأينا أن الإشكالية الأساسية في مجال مشروعية السلطة في مختلف المذاهب الإسلامية شيعية كانت أو سنية، مغاليةَ كانت أو معتدلة، تكمن في وجود التناقض بين الممارسة الفعلية الناجمة عن التجربة التاريخية الإسلامية، المتأثرة بالتوازنات السياسية والاجتماعية السائدة، والنتائج العملية لتلك الصراعات من جهة، وبين نظرية المعرفة الإسلامية المبنية على الإيمان الديني والعودة الى المصدر الإلهي، والبحث عن مشروعية السلطة ضمن هذه النظرية. وفي المحصلة النهائية جرت المحاولات ضمن هذا النطاق من أجل تكييف النص الديني أو التفسير الفقهي مع النتائج العملية للصراعات على السلطة من قبل المنتصرين، أو لضرورات السعي من أجل الحصول على السلطة من قبل المعارضين. وهذا ما جعل مشروعية السلطة ومفهوم الإمام الحق موضع تساؤل طوال التاريخ الإسلامي.
                  

العنوان الكاتب Date
التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-06-06, 09:11 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-06-06, 09:16 PM
    Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Suad I. Ahmed02-07-06, 06:06 AM
      Re: التوظيف السياسي للفكر الديني عوض محمد احمد02-08-06, 07:41 AM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Abureesh02-08-06, 08:30 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 08:53 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 08:59 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:23 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:24 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:25 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:28 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:29 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:30 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 09:50 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Elmoiz Abunura02-08-06, 10:41 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef02-08-06, 10:59 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 04:51 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 04:53 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 04:55 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 04:57 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 04:59 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:00 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:03 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:05 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني الجيلى أحمد05-05-06, 05:08 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:08 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:10 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:12 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:15 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:17 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:18 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:23 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:24 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:26 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:29 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:31 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:32 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:33 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني Sabri Elshareef05-05-06, 05:41 PM
  Re: التوظيف السياسي للفكر الديني الجيلى أحمد05-06-06, 10:49 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de