|
Re: رؤية قانونية للرد علي الإدعاءات المصرية ف (Re: بلال الطاهر)
|
سيطرة بريطانيا علي مصر العثمانية بدأت تقريبا منذ 1869 من خلال الديون والإمتيازات خاصة في عهد الخديوي إسماعيل, حيث إشترت بريطانيا أسهم قناة السويس وأصبح لها نفوذ قوي عليه, ومارست عليه ضغوطا حتي أضطر للتنازل عن العرش سنة 1879, لإبنه توفيق باشا, ولما ثار عرابي الخديوي الجديد إستغل الإنجليز ضعفه وإستعان بهم حتي قضوا علي جيش عرابي في التل الكبير سنة 1882, ومن هنا بدأ الإحتلال البريطاني الكامل لمصر, حيث كانت تديرها بطريقة ذكية عبر مندوبيها الساميين وملوكها الأتراك (الصوريين), وإستمر هذا الوضع حتي يوليو 1952
المعروف أن المصريين طوال هذا التاريخ ظلوا جنودا يحرسون المستعمر (بوابين المستعمر!), يستخدمهم في تجريداته لإحتلال السودان أو فلسطين, وحتي كقادة سياسيين كانوا يديرون شئون البلاد تحت سلطة الملك (التركي) والذي كان يخضع بدوره للمندوب السامي البريطاني خاصة اللورد كرومر, ولكن من المفارقات أن المصريين إعتادوا (جهلا أو لغرض) في سرد تاريخهم أن يجيروا إجراءات وتدابير المستعمر, سواء التركي أو البريطاني, لمصر, ويبنوا عليها أحكاما قانونية كأن مصر في ظنهم ظلت دائما مستقلة !
ومن هنا كان هذا السرد التاريخي ضروريا لنبين التفسير الخاطئ لما يسمي بإتفاقية الحكم الثنائي لسنة 1899, والثنائية بالأحري بين بريطانيا والدولة العثمانية, مع أن النفوذ الفعلي لكلا البلدين كان لبريطانيا تحت قيادة اللور كرومر, وحتي العلم الذي رفع بجانب العلم البريطاني لم يكن سوي علم الدولة العثمانية, وبالتالي ما تم من إتفاق لا يمكن أن نطلق عليه إتفاقية دولية بالمفهوم القانوني, لأنها لم تكن بين دولتين مستقلتين, بل بين دولتين مستعمرتين من جهة رئيسية واحدة وهي بريطانيا, ولهذا لا تعدو إتفاقية 1899 سوي أن تكون لها صفة قرار أو عقد تنظيمي إداري, وبما أن الإنجليز كانت لهم الكلمة العليا سواء في السودان عبر كتشر أو في مصر عبر اللورد كرومر, فلم يكن هناك ما يمنعهم من تعديل الإتفاق, وفي هذا الإطار جاء تعديل سنة 1902 بناء علي مطالبة الحاكم العام في السودان من سلطات الإحتلال في مصر بالموافقة علي جعل مثلث حلايب لأسباب ديموغرافية وجيوبوليتيكية منطقة إدارية لحكومة دولة السودان (SGAA), فجاءت الموافقة عبر ناظر الداخلية الممثل للخديوي عباس حلمي في قراره التنفيذي
ولم يحصل من بعد أي تغيير في هذا الوضع من قبل سلطات الإحتلال, وظلت سلطات الإحتلال بعد رفع حمايتها علي مصر وفي كل إتفاقياتها معها تستثني السودان منها وتحول دون سيطرتها عليه إلي أن تحقق له الإستقلال بإعتراف بريطانيا ومصر المستقلة, وتوالي الإعتراف بدولة السودان بحدوده التي ورثها من الإستعمار, ولم تقدم مصرفي أي من المحافل إعتراض علي مثلث حلايب, ولم تقايض إعترافها بذلك, وعليه يصبح أي إعتراض لاحق غير مقبولا, لمخالفته مبدأ قدسية الحدود الموروثة المستقر دوليا
فضلا عن الإدارة الفعلية للمثلث من قبل السودان طوال هذه الفترة وإجراء إنتحابات فيه منذ 1953 حتي 1986 كل ذلك يؤكد سيادته عليه, وكذلك تراجع مصر بعد قرار مجلس الأمن 21 فبراير 1958 وسحب جنودها, مما يعتبر تنازلا عن المنازعة أو يفرض عليها بناء علي القرار الذي تم حفظه قبول التفاوض واللجوء للتحكيم
أما قيام مصر بإحتلال المثلث وفرض الأمر الواقع يعد إنتهاكا صريحا للقانون الدولي ومخالفة لمبدأ عدم جواز إكتساب الأراضي بالقوة, وبالتالي تعتبر’ جميع التدابير التي تتخذها لتغيير طابع المنطقة من أراضي وممتلكات ونقل للسكان لاغية وباطلة ولا أثر قانوني لها
أما قيام مصر بعقد إتفاقات ثنائية مع السعودية تخص حلايب ودون التشاور مع السودان مخالف أيضا لمبدأ عدم القيام بأعمال إنفرادية في أمر متنازع عليه, والسعودية أيضا ليس بمقدورها أن تكسب من خلال هذه الإتفاقات لمخالفتها لمبدأ حسن النية bona fide ومخالفتها كذلك لاتفاقية تقاسم الثروات الطبيعية البحرية لسنة 1974 مع السودان, ولحسن الحظ تخول هذه الإتفاقية السودان حق اللجوء لمحكمة العدل الدولية, وكما أن النزاع البحري فرصة أخري للسودان ليحيل مصر إلي التحكيم الملزم حسب اتفاقية قانون الأمم المتحدة لقانون البحار الدولية
|
|
|
|
|
|