أفق بعيد مشنقة "شوق الدرويش" شهدت ظهر السبت الماضي الاحتفال التدشيني لكتاب الدكتور عبد الرحمن الغالي "المهدية: قراءة في رواية شوق الدرويش"، الذي أقيم بالخرطوم، وكان قد سبقه تدشين آخر بالقاهرة بحضور المؤلف والسيد الصادق المهدي ومؤلف الرواية حمور زيادة. كان من الواضح منذ البداية أنها محاكمة سياسية وآيدلوجية للرواية، وليس مجرد احتفال وتدشين للكتاب، فقد كان معظم الحضور من قيادات وكوادر حزب الأمة وكيان الأنصار، وكانت المنصة على نفس الشاكلة، وضمت الناقد الدكتور عز الدين ميرغني، وهو صاحب رأي سلبي مشابه في الرواية. يحمد للدكتور عبد الرحمن الغالي أنه قال في ورقته، كما قال في الكتاب أكثر من مرة، أنه لن يأخذ وقتا في مناقشة أدبيات النص وفنياته وأسلوبه، كما أنه ليس معنيا بذلك، وإنما اتجه مباشرة لما أسماه "مضمون النص". وبالتالي لم يغلف رأيه بأي غلاف نقدي أدبي، ولا استخدم المصطلحات النقدية. وقال إنه سيصرف جهده في تناول جوهر الرواية وثيمتها الأساسية " في ذم المهدية ونعتها بالتطرف والكذب والوحشية والهمجية والتخلف". ومن هذا المنظور أيضا نصب الدكتور الغالي مشنقته للكاتب والرواية " تبنى الكاتب رؤية الجيش الغازي، فرأى في السودان أرضا خلاء يقطنها ثلة من السود الذي بالغ في الإكثار من وصف سوء خَلقهم وخُلقهم من حيث سواد البشرة وقبح المنظر....الخ". واعتبر الكتاب مجرد صياغة روائية لكتاب الاب أوهروالدر "عشر سنوات في معسكر المهدي". لا يهم هنا إن كانت الأوصاف والنعوت قد جاءت على لسان الكاتب، أو بعض شخوص روايته، فمدخل القراءة السياسية والآيدلوجية للرواية لا يعترف بهذا الفصل. ولكن هل يفعل النقاد المتخصصون نفس الشئ، أم أن لهم رأي مختلف؟ الحقيقة أن رؤية الناقد الدكتور عز الدين ميرغني لم تختلف عن ذلك، وقد قال بوضوح "إذا كانت شخصيات الرواية من نسج خيال الكاتب، فهي مسؤوليته ونتاج قصدي لخياله، وإن كانت منقولة من مكان آخر فهذا يعني أنه كاتب ضعيف الخيال وناقل". ولم يقصر الدكتور ميرغني في ذم الكاتب والرواية والقول أنه أساء للسودان وشعب السودان "وإن كان الجيل الحالي قد تسامح معه، فإن الأجيال القادمة لن ترحمه". ووصف ميرغني الرواية بانها ضعيفة فنيا وركيكة اللغة والسرد، مضيفا أن التقرير السري للجنة البوكر قال أنها لم تفز بالمرتبة الأولى لضعف اللغة وكثرة الأخطاء اللغوية. ووصل هجوم الدكتور عز الدين ميرغني للدار الناشرة "العين" ووصفها بأنها متخصصة في نشر الروايات التي تسيء للشعوب العربية .." فرواية ترمي بشرر تسيء للشعب السعودي، وساق البامبو تسيء للشعب الكويتي، والطلياني تسيء للشعب التونسي، وشوق الدرويش تسيء للشعب السوداني." سار البروفيسور عبد الله حمدنا الله على نفس النهج، وقال إن الرواية لا تستحق الالتفات لها بأي وجه، وأنها واحدة في سلسلة روايات ضعيفة تتسيد الساحة بلا مبررات مثل "عزازيل" و"عمارة يعقوبيان"، كما أنها لا تزال تعتمد على إطار القصة العاطفية الذي تجاوزه الناس. ليس من لوم لا على صالون الإبداع بحزب الأمة الذي نظم المناسبة ولا المؤلف الدكتور الغالي، فرؤيتهم كانت واضحة، لكن أدهشني أن نقادا كبار فارقوا منصة النقد الذي يفترض أنهم يملكون إمكانياته وأدواته، وكان بإمكانهم إبداء الرأي في الرواية، سلبا أو إيجابا، من باب النقد الواسع وبآلياته، لا بغيرها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة