|
Re: الوصايا الثلاث : لهم ولهنّ (Re: ابو جهينة)
|
أما ذاك، فقد قال لصاحبه : المرأة قارورة عطر ،، فأعمل على الاستمتاع بالعطر وحافظ على القارورة وحاذر أن تنكسر أو يسلبك إياها أحدهم. خوفا على العطر،، فقد صب جل اهتمامه على القارورة لأن بداخلها يكمن العطر الذي ظل يستنشق عبقه معها و في غيابها. سكنتْ روحه فصارت أهم من الهواء والأكل والشرب. أدمنها تماما ... أحتضن القارورة بين أضلاعه ،، ووضعها بين أهدابه ورموشه وغطى عليها بجفنيه وأغلق عليها قلبه وظللها بغمامات من مشاعره وسحبا من أحاسيسه. أفاق يوما ،، و هو يحس خواءا في الروح وجوعا في نبضه ،، وعبقها يربض بين أحضانه ويربت على كتفه ويهدهد أركان تعبه ويسكن خياشيمه،، و لكن القارورة لم تكن هناك ،، ناداها بأعلى صوته ،، لم تجب. خرج كالمجنون يبحث عنها ،، رآها تولي الأدبار تتدحرج على حصى الطريق دونما إلتفاتة،، ترتطم بالأرصفة و الأعمدة الخرسانية و تتوارى بين الزحام ،، ولهول مفاجأته ،، لم يحدث لها أي ضرر جراء كل هذا وذاك ،، لم تنكسر أو يصيبها شرْخ ،، واصلتْ تدحرجها و هي سليمة معافاة ، لا يسمع غير رنينها عبر جسدها الشفاف الرقيق ، حتى غابت عن ناظريه و عن دنياه. عندما شفى من إدمانه عطرها ،، وأنزاح عبيرها من خياشيمه،، راح يشكو لصديقه ما فعلته قارورته. و قبل أن يكمل حديثه وشكواه، راح يضحك بهستيريا متواصلة ،، فقد كان عطرها يعبق من بين ثنايا صديقه المنتشي بالعطر و الذي لم يكن يسمع ضحكات صديقه المجنونة.
|
|
|
|
|
|