|
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل (Re: ابو جهينة)
|
سهر ( شرفي ) على ضوء لمبة الجاز و هو و صديق عمره ( إدريس ) .. اندهش ( إدريس ) عندما رأى صديقه يقوم بطَي البندقية في ( بطانية قديمة ) و يحشرها بين أمتعته في الشنطة مع علبة الرصاص .. قال ( شرفي ) : أولاد عمي هناك بيتفنجروا بي التعليم و بالبيت السمح و بالعربية ... السنة دي بوريهم الرجالة كيفن .. قال إدريس : أوع تكون ناوي تكتل ليك واحد فيهم فإنفجر ( شرفي ) ضاحكاً و هو يقول : أكتل شنو يا العوقة ... بوريهم أني بقيت راجل و بقدر أشيل سلاح فقال ( إدريس ) مشفقا ً : إنت ماك نصيح ؟ الرجالة إلا بالسلاح ؟ وقفت أسرته تودعه و هي ترفع له صرة ( الزوادة ) مع الدعوات. إنطلق اللوري صوب الجنوب .. صوب أمدرمان و ( شرفي ) متكوم على جوالات التمر و متحفز للقاء إبنة عمه و إبن عمه ... شيء في قرارة نفسه يستحثه على تحديهما بأي شكل من الأشكال .. فطالما سخرا منه و من تصرفاته .. فلا هو بالمتعلم ليرد على أسئلتهما .. و لا هو من أهل المدن حتى يجاريهما في طريقة العيش هناك .. إذن كيف يريهما تميزه بهذا السلاح ؟ فإستعمال السلاح فيه مخاطر و محاذير إنطفأ الحماس قليلاً بدواخله .. لكنه ظل يتحين الفرصة المناسبة و هناك في بيت عمه. ... على سطح بيت عمه .. جلس يتسامر مع إبن عمه و أخته.. يلاحقانه بالسخرية و هو يدلق عليهما قصص شجاعته في السباحة عكس التيار عز الدميرة ......... و ملاحقته لثعبان ضخم ... و أنه حمل عقارب سامة بواسطة ( عروق ) أعطاها إياه ( فلاتي ) عابر .. أتتْه الفرصة مواتية .. و هو مستغرق في نسْج بطولاته الحقيقية و الوهمية .. رأي قطاً يستعرض فحولته على جدار يفصل بين بيت عمه و بين البيت الطيني المجاور له التي تسكنه أرملة مع وحيدها... يعلو مواء القط فجأة لينحدر ببطء في وتيرة بطيئة ليرتفع مرة أخرى ممتزجاً بمواء الأخرى. فأسرع ( شرفي ) نحو شنطته و أحضر البندقية وسط ذهول و دهشة إبن عمه و أخته. قال شرفي : شايفين الكدايس ديلاك .. من هنا بجيب خبرهم. و قبل أن يمنعاه أو يتمكنا حتى من الإستفسار عن السلاح ..... كان قد ألْقَمَ البندقية بضع رصاصات ثم أفرغها تجاه القط و رفيقته. شق صوت الرصاص سكون الحي ... و تردد الصدى بين جنبات البيوت و الشوارع الضيقة .. بعد هدوء قاتل .. تنادى الجيران عن مصدر الرصاص ... بينما شق السكون ولولولة الأرملة صاحبة البيت الطيني .. فقد إخترقتْ رصاصة رأس وحيدها و نثرت الدم و العظم على الوسادة و أرضية الحوش.
لم تشفع توسلات زوجة عم ( شرفي ) لكى ترضى أم القتيل بأي تسوية لإنقاذه من حكم معروف. حتى دموع أم ( شرفي ) و والده لم يزحزحا الأرملة عن موقفها ... تناوب الجيران التوسط .. الأرملة تعرف بأن ( شرفي ) لم يكن يقصد القتل ... و لكن شيئاً ما وقف بينها و بين العفو عن هذا الشاب الغرير .. كما أن شقيقها ما فتيء يوغر صدرها و يؤلبها على عدم التهاون في حقها. وقف ( شرفي ) يرسف في أغلاله أمام الحشود التي أتتْ من قريته و من جيران و معارف عمه. وقف و هو لا يجرؤ النظر إلى أحد ... سأله القاضي : في التحقيق رفضت تورينا من وين جبت البندقية .. و دي آخر مرة بسألك فيها .. وين لقيت البندقية دي ؟ رفع ( شرفي ) رأسه ببطء .. ثم جال بناظريه بين الحضور .. و تسمرتْ عيناه على رجل كثيف الشاربين يجلس بالقرب من الأرملة .. إنه هو .. إنه ( وَهَب الله ) الأبّال .. صاح ( شرفي ) : وَهَب الله .. وَهَب الله ... أسْكته القاضي .. فإستمر ( شرفي ) : أهو دة الباع لينا البندقية ... غاص الرجل في مقعده .. و هو يحملق في ( شرفي ) طافت أحداث القرية الوادعة تلك الليلة الشتوية و ذاك الصباح أمام ناظريه بسرعة و كأنه لا زال يتذوق طعم ( العجوة ) و صوت زخات الرصاص في الخلاء يدوي طنيناً في أذنيه. خُيِل إليه بأن روح ابن شقيقته تلعنه على الملأ .. و كأنه يسمعه يصرخ فيه : إنت القاتل يا خال .. إنت السبب ثم تحامل الرجل على نفسه .. و أنكر أصلاً أن أسمه ( وَهَب الله ). قال بتحدٍ سافر : أهي دي شقيقتي أم المقتول .. أسألوها عن إسمي .. الولد دة جن ولا شنو ؟ و ( شرفي ) يصيح : يا سعادتو دة ( وَهَب الله ) و الله ... و رغم أن والد ( شرفي ) و ( إدريس ) أمَّنا على إفادة ( شرف ) .. لم تثبت الأوراق أن هذا الرجل هو ( وهب الله ) .. و شقيقته أكدتْ بأنه لا يحمل إسم ( وَهَب الله ) .. و أنها لم تره يوماً يبيع السلاح .. بل يتاجر في الإبل فقط .. لم يجرؤ الرجل على النظر في عيني شقيقته ... فكأنها ستكتشف بأنه كتب أول فصل من فصول الجريمة .. لصغر سنه .. قضتْ المحكمة بأن يتم حبس ( شرفي ) لفترة طويلة .. طويلة جداً .. اعتبرها ( شرفي ) أسوأ من حكم الإعدام .. و تقافزت أمام عينيه صورة أمه و هي تبكي بحرقة .. و أم القتيل و نظرتها التي تنضح بالألم .. و ابنة عمه تلاحقه بسخريتها . . و ( وَهَب الله ) يتحاشى النظر في عينيه... الممر الأسمنتي إلى سجنه الطويل تراءى له كتلك الجزيرة الصغيرة على النيل تحتضن ( شراك ) الطيور و شواطئها الرملية تتوزع عليها الحفر التي يخلفها بحثه عن بيض ( الوزين ) و السلاحف ... و رائحة البارود المنطلقة من تلك الرصاصة تختلط في أنفه مع رائحة سنابل القمح في حَلَبة (النوريق) و صوت رنين السلاسل تضج في رأسه كأنها تموسق صوت الطمبور و صوت صديقه ( إدريس ) الحزين ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 11:54 AM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 11:56 AM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 12:00 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 12:01 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 12:34 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 01:32 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 10-29-15, 01:32 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 11-01-15, 10:47 AM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 11-01-15, 11:00 AM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | Mannan | 11-02-15, 02:43 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 11-03-15, 10:39 AM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | محمد صديق | 11-03-15, 01:54 PM |
Re: شرق العتمور ... جنوب النيل | ابو جهينة | 11-04-15, 11:08 AM |
|
|
|