|
هل الديمقراطية مطلب شعبي؟ مقال للدكتور حيدر إبراهيم
|
08:18 PM Oct, 19 2015 سودانيز اون لاين زهير عثمان حمد-ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ -ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ مكتبتى فى سودانيزاونلاين
دار نقاش في لقاء للجمعية العربية لعلم الاجتماع حول الديمقراطية والمجتمع المدني في المجتمعات العربية- الإسلامية. وكان النقاش جادا وساخنا حول الآليات والمعوقات والمستقبل، ولكن أحد الحاضرين قطع التسلسل التقليدي لمثل هذه النقاشات المتكررة بسؤال مفاجىء: هل تعتبرون الديمقراطية حقيقة مطلبا شعبيا؟ وأردف ذلك بالقول بأن النموذج الاسترشادي أو الباردايم في مجتمعاتنا هو الطاعة، وليس الديمقراطية أو الحرية. وهذه الأيام حاصرني السؤال بقوة مع أجواء الانتخابات المصرية والتي ننظر إليها بكثير من الأمل في أن تكمل التجربة التونسية، وتعيد لما سمي بـ «الربيع العربي» سمعته التي بدأت تتآكل. ولكن بعض الارهاصات تهدد بعدم التفاؤل، فهناك مخاوف كبيرة من تدني نسبة المشاركة، باعتبار أن الشعب المصري شارك في عدد من الانتخابات والاستفتاءات في فترة زمنية قصيرة. ولكن الأمر الخطير، كان عجز الأحزاب والقوى السياسية الليبرالية عن توحيد قوائمها ومرشحيها. ولكن هذه المشاعر من اللامبالاة وعدم الاهتمام والارتباك، تكاد تشمل العالم العربي جميعه.فكل المشهد العربي من ليبيا، واليمن، وسوريا، والعراق؛ لا يشجع على التفاؤل، كما يؤكد أن مساعي الاستقرار والسلام تطغى على دعوة للديمقراطية. هذا ما يجعل المرء يتشكك كثيرا في إمكانية الجزم بأن الديمقراطية مطلب شعبي. ويمكن أن تسند هذا الشك أسباب تاريخية بديهية لم تحدث معها قطيعة نهائية بعد. فقد عاش العرب والمسلمون تاريخا طويلا من الاستبداد، وبالتالي لم تصبح الديمقراطية أو الحرية جزءا أصيلا من الثقافة العربية مثل قيم كالكرم والشجاعة والمرؤة مثلا. فقد ظلت ثقافة «سلطان غشوم خير من فتنة تدوم» مستمرة حتى عصرنا الحالي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما أن مبدأ الخروج على الحاكم، لم يحسم فقهيا، ولم يتم الإجماع حول موقف موحد. ومن الواضح، أن نقاش موضوع الحكم والسياسة، كان يتشكل كمحرم أو تابو منذ ذلك الوقت، وبالتالي جاء التراث خاليا من الادبيات التي تناقش السلطة، عدا الآداب السلطانية التي تقوم بنصيحة الحكام فقط. وقد كان الوضع يختلف عن أوروبا التي عرفت المفهوم منذ اليونان القديمة أي قبل ميلاد المسيح. ووجود الفلسفة واستمرارها في الغرب، سمح بمناقشة كل القضايا التي تهم الإنسان بما فيه علاقة الحكام والمحكوم. بينما ساد الفقه في مجتمعاتنا، وهو المقابل الموضوعي للفلسفة في الغرب.ولأن الفقه كان يهتم بالامور الخاصة بالإنسان ـ من الطهارة حتى الجنازة، فقد ساهم في تهميش الإهتمام بمسائل الحرية السياسية. وقد استهلك نفسه في تفاصيل العبادات، فحرمنا من التاريخ المتراكم في موضوعات الحكم. كان من الطبيعي أن يدخل المسلمون العصر الحديث وهم في فقر مدقع فيما يتعلق بالمشاركة السياسية بسبب طول خضوعهم لحكم الخلافة المتوارث والأسر المتنافسة. وبعد سقوط الخلافة وخضوع البلاد العربية للاستعمار الاجنبي، تم تدعيم الدور القبلي والطائفي تطبيقا لنظرية : «فرّق تسُد». وحين تأسست الأحزاب السياسية، كانت مجرد كيانات جديدة بمكونات تقليدية قديمة هي القبيلة والطائفة. لذلك، لم يكن من الممكن أن تساعد مثل هذه الاحزاب التقليدية في تطوير ثقافة ديمقراطية حديثة وعميقة بين أعضائها، فقد كانت هي نفسها تفتقد الديمقراطية الداخلية. وكانت أحزاب موسمية تظهر في فترة الإنتخابات فقط. ولم تكن تهتم بالفكر الديمقراطي المكتوب، وكان أقصى ما تقدمه هو جريدة الحزب. ومن المعلوم أن الديمقراطية تحتاج لتدريب وتمرين مستمرين، وهذا يحدث عندما يكون للحزب نشاط يومي مستمر أو على الأقل منتظم في فترات متقاربة. لذلك لم تكن فترة ما بعد عشرينيات القرن الماضي، والتي نصفها تجاوزا بالفترة «الليبرالية»، تتسم بأيّ من خصائص الليبرالية بمضمونها الفلسفي، سوى الشكل الخارجي مثل الأحزاب والبرلمان، والتي لم تكن تؤدي الوظائف الحقيقية لمثل تلك المؤسسات. وجدت الإنقلابات العسكرية التي اكتسحت المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية وبعد نكبة فلسطين، مبرر رفضها للديمقراطية في فساد الأحزاب وعجز الحكم. وجاءت شعاراتها المعلنة خالية من أي إشارة للديمقراطية، وكأنها ترفض الماضي كلية. فالحركة الإنقلابية الأولي في مصر، أكتفت بشعار: الاتحاد ـ والنظام ـ والعمل. أما الحركات اللاحقة، فقد طورت شعارها ولكنها خلت أيضا من كلمة ديمقراطية: وحدة ـ حرية ـ اشتراكية. وكانت كلمة حرية تعني التحرر من الاستعمار، وليس الحريات السياسية والحقوقية، كما قد يتبادر للذهن. وقبلت الشعوب العربية بمقايضة تتنازل فيها عن الديمقراطية والحرية مقابل أن يقوم الضباط الحكام الجدد بتحرير فلطسين وتطبيق الاشتراكية والعدالة. وبعد هزيمة 1967 خسرت الشعوب العربية: الحرية والخبز واسترداد فلسطين. وكانت الانتفاضات الشعبية التي إندلعت فيما سُمي بـ «الربيع العربي» ضد الدكتاتوريات التي أصرت على الحكم رغم الهزيمة والفشل في إدارة البلاد. تتحمل النخب العربية مسؤولية كبرى بسبب عجزها عن تجذير الديمقراطية في عقل ووجدان الإنسان العربي العادي. فقد كانت هذه النخب بحكم تعليمها ومعارفها تؤمن بأيديولوجيات ونظريات، اعتقدوا أنها يمكن أن تحقق التقدم والنهضة بسرعة. ولم يكن لهذه النخب الصبر في العمل الدؤوب وسط الجماهير، لذلك وجدت في الإنقلابات أداة مغرية لحرق المراحل. وكان أغلب المثقفين وبمختلف الانتماءات الحزبية والايديولوجيا، يرون في الجيش «الحزب» الحديث الوحيد القادر على إحداث التغيير. وكثيرا ما ظن المثقفون بأنهم قادرون على توظيف العسكريين، ولكن انتهت العلاقة بكوارث دفع ثمنها المثقفون، وساعدوا في تخليف التطور الديمقراطي، واضاعة سنوات عزيزة من عمر الشعوب في التجربة والخطأ. يلاحظ أنه حتى المطلب الديمقراطي السائد يتوقف عند الديمقراطية الأداتية (أدوات أو وسائل فقط) باعتبارها أفضل وسيلة للتداول السلمي للسلطة. ولكن المأزق هو أن الكثيرين من المساندين للخيار الديمقراطي، قد أُختزلوا الديمقراطية في الإنتخابات أو «الصندوق»، والتعددية الحزبية. ولهؤلاء مواقف محافظة جدا حين يمتد المفهوم ليشمل الحريات العامة وحقوق الإنسان الأساسية، خاصة حرية العقيدة والتفكير. ففي هذه الحالة يأتي الخوف من الردّة والحق في تغيير الدين. كما يختزل كثيرون من الرافضين، الديمقراطية في زواج المثليين، وحق الاجهاض، والإنحلال الخلقي، والعلمانية بفهم سالب. ومن الواضح أن الديمقراطية بمضمونها الفلسفي الشامل مرفوضة لأنها فكر غربي. وهنا الفصل المتعسف بين الوسائل وبين العقل الذي يقف خلفها. وبالتأكيد لو قلنا لرجل الشارع العادي في بلادنا التي تصل نسبة الأمية أكثر من 60٪ ويعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، أن الديمقراطية تكفل حق تغيير الدين، فسوف يرفضها بلا تردد. وحتى بالنسبة للديمقراطية الأداتية، يتناقص حماس الناس باستمرار للمشاركة السياسية، وتضعف الأحزاب وتتشرذم، ولا تتأسس أحزاب حديثة تمارس الديمقراطية في داخلها قبل أن تطالب بها للآخرين. وفي النهاية، أظن أن السؤال- عنوان المقال يظل شرعيا وقائما.
٭ كاتب سوداني
حيدر إبراهيم علي
|
|
|
|
|
|