المـــُــبيدات الفاسدة .. أما يزال في الكأسِ باقٍ ..؟ (مقال)

من خلال ما رَشح مؤخّراً في اجتماع وزير الزراعة، بروفيسور إبراهيم الدّخيري، بوفدٍ لخبراء من منظمة الزراعة العالمية (الفاو)، تأمّل كثيرٌ من المواطنين خيراً في حُسن مُبادءات الحكومة المكوّنة حديثاً (!!) في طَرْق القضايا والهموم، التي تؤرّق صحة المواطن، أو تُفقره أو تدعه في هَمله القديم يُعاني الويلات، بلا أيّ عونٍ حكومي يتقدّم الأمور، ليوردها حيث المنشود من الأهداف.

تداولت الصحف خبر الاجتماع باستبشارٍ بائن، وأبانت تناوله لأمر المبيدات الزراعية التالفة. حيث أفاد وفد الخبراء من المنظمة الأممية، أنهم يعملون على "تقييم وضع" المبيدات التالفة بالسودان، وبالتالي الإسهام في مساعدته للتخلص من هذا الخطر الكيميائي الماحق. كما أفاد البروف/ وزير الزراعة، بأنهم قد بحثوا التعاون المشترك وتقديم التسهيلات اللازمة للقضاء على المبيدات التالفة بالسودان، مؤكداً استعداد الوزارة للقيام بما يليها لحلّ هذه المعضلة.

لعلَّ السؤال النافر، يقفز حائرا ها هُنا : من أين جاءتنا هذه المبيدات التي فسدت؟ وأهلكت الزرع والضرع ..؟ وكيف سكتَ المُختصّون أعواماً ..؟ عن أن ينطقوا كاشفين هذا الشر الذي يخزّنونه تحت إمراتهم التقديرية الباتعة، ولسنوات طوال، ثم لا يفعلون غير إحالة الإشراف لمرؤوسيهم الصِّغار على هذه السموم القاتلة، ومن دون بذل اللازم من إرشاد وتوعية.

لقد ظلّت تصريحات المختصّين بالمبيدات، تطفو وتغطس بين حينٍ وآخر. لا تجيء تصريحاتهم ابتداعاً، بل في معظمها استجابات لمساءلات المحرّرين بالصحف؛ أولئك المشدوهين بخبر المبيدات التي فسدت تحت إمرة المختصّين، ثم فتكت بالإنسان والحيوان والثرى المنكوب؛ بينما المختصَّين المُبيديِّين "ولا عليهم"..! ولكأنّما الأمر الماسخ لا يُعنيهم في كثيرٍ أو قليل..! حيث تجدهم دوماً، مهمومين بالسياسات العليا، والحوافز والترقّي الوظيفي ثم " الكنكشة" بأسنانهم وألسنتهم على الكرسي الوثير لأطول فترة مُمكِنة..! دون أدنى اهتمام بالمخازن المُفَخَّخة بسمومهم..! تلك التي خطّطوا لاستيرادها وما كان تخطيطهم - بعبرة الحال المائل الماثل - إلّا حيص بيص، وَ شُغُل بلا تخصُّص ولا تخصيص.

قد يفجعُك وأنت تتابع أخبار المبيدات الزراعية التالفة، أن هناك " مجلس قومي للمبيدات. يقرُّ متحدّثٌ باسمه، أن حجم الموجود (لدينا) من مبيدات تالفة وضارّة بصحة الإنسان والبيئة والأرض والهواء وال وال..إلخ,, هو في حدود ال 700 طن، حسب آخر إحصاءٍ رسمي. سبعمائة طن من المبيدات التالفة، والمُسبِّبة لأجعص الأمراض، والفاتكة بأصلب العناصر والمواقف والمخازن والأناسي الطيِّبين ..! موزّعة على مخازن بمختَلَف مناحي السودان الوسيع ومشاريعه الزراعية؛ في أشبه ما يكون لكل مواطن كيلو مبيدات فاسدة ورُبع رطل مُبيد يأخذه في 60 داهية..! ثم يستدرك القائل المجلسي: لكن رغم ذلك، فالسودان من أقل الدّول في وجود مبيدات فاسدة، فالدول التي من حولنا، توجد بها كمّيات أكبر ..!

تلك المبيدات، هي المتهم الأول في أمراض الأورام؛ بل إن مضارَها الصحّية متنوّعة، ففيها ما يضُرّ بالدماغ ومنها ما يضر بالجهاز الهضمي والكُلَى، وأمراض الخصوبة وسرطان البروستات عند الرجال. أما أطفالنا ( ودون أن يكونوا أكبادنا، تلك التي تمشي على الأرضِ)، فيا ويلهم..! فهم الأكثر تضرراً لأن هذه السموم تتراكم في أجسادهم منذ الصغر ويكون ضررها أكبر، كلما تقدّمت بهم الأيام.

ما يزيد التفجّع، أن هناك مليونا لتر مُبيد فاسد، لم تلحَق أن تُرَشّ..! فبقيَتْ مُخزّنة تحت ذات إشراف المجلس القومي للمبيدات، ففسدت وأفسدتْ والمجلس باقٍ قائم (يا جبل ما يهزّك ريح)، ولا إشراف ولا يحزنون، اللهم إلّا المُفارَقة، فقد نصَحَ بعض المُختَصِّين بالمجلس، بضرورة رشّها ..! تلك ال مليونَيْ لتر، بمعنى تبخيرها وهيَ بهذا التّلَف السَّميم.. وَ للمبيدات الفاسدة خطرٌ عظيمٌ لو كانوا يعقلون؛ فهل هذا مجلس قومي للمُبيدات، أم هو مجلسٌ ضد المواطنين؟ كي ما يروحون في 66 داهية، كِرماناً للمجلس أن تُوطّأ له أكناف الكراسي العالية.








------------------
مع التحايا للجميع