وما أريد أنْ اُؤكِّد عليه عند هذا المستوى من التحليل، هو أنَّ نموذج/متلازمة رأس المال - الحرب المذكور بعاليه، لم يُستخلص من مفاهيم نظرية أداتية وترف أكاديمى بحت، ولكنه مسنود بالوقائع التاريخية.
فمن واقع تحليلنا المادى لحروب رأس المال، إتضح لنا: أنَّ الحرب العالمية الأولى سبقها تناقص أرباح حاد (O'Brien and Williams 2007)، أدى بدوره لتنافس الدول ألأوربية على المستعمرات واندلاع الحرب العالمية الأولى. وقد أعقب تلك الحرب كما هو معلوم تسوية فراساى عام 1919م، وإنشاء عصبة الأمم. ثم أعقب تلك التسوية الكساد الكبير 1929م، والذى أدى بدوره إلى الحرب العالمية الثانية. أعقب الحرب العالمية الثانية تسوية بريتون وودس (Bretton - Woods) عام 1945.
ومنذ بريتون وودس، فإنَّ النظام الرأسمالى قد مرَّ بعدة مراحل من الكساد (آخرها كساد 2006 المستفحل منذ عام 2008، والذى ظل مستمراً إلى يومِ النَّاس هذا)، أدَّتْ إلى الحروب بالوكالة (الحرب الكورية، حرب فياتنام، الحرب العراقية الإيرانية)، والحروب الداخلية (الحروب بين الناس أو الحروب الذكية كما يًسميها البعض)، كما فى: السودان، الصومال، أفغانستان، حروب الربيع العربى. وهكذا يعمل نظام التطور الرأسمالى فى إطار حلقتِهِ المُفرغة: الكساد - الحرب - التسوية - الكساد - الحرب من جديد.
إذاً، فالحرب متلازمة من متلازمات طريق التطور الرأسمالى. إلاَّ أنَّ الغرب بذكائه وتآمرِهِ قد أخرج الحرب ذات الوجه القبيح خارج المركز (صدَّرها للأطراف/الهامش) وجعلها فى المركز منحصرة فى التنافس الإقتصادى. والحرب فى متلازمة "الحرب - التنافس الإقتصادى"، عادةً ما تُخيِّم بالمناطق الغنية بالموارد (كالخليج وإيران ومناطق الماس والذهب ومصادر الطاقة فى أفريقيا وغيرها). فالغربيون فى المركز يتنافسون على تطوير بلدانهم، ونحن فى الأطراف نتنافس على القِتلةِ المتطورة.
والحرب المقصودة هذه المرة (والمتماهية فى المذهبية لتجرَّ معها عدد كبير من الدول؛ مصر وغيرها) هى حرب دول التعاون الخليجى مجتمعة ضد إيران. هذه هى الحرب الوحيدة التى من الممكن أن تخرج النظام الرأسمالى من حالة الكساد الإقتصادى المُطْبِقة الآن.
والمحصلة بمقتضى هذه المتلازمة هو ألاَّ فكاك من الحرب، والعاقل من الحكام فى دول العالم الثالث (if any)، هو من يتجاوزها بالدلوف إلى التسوية ليُجنِّب شعبه ويلات الحرب. ويا تُرى ماذا فعل السيد رئيس حكومة السودان خلال ربع قرنٍ من الزمان، ليُجنِّبَ شعبَهُ ويلاتِ الحروب التى تارةً ينسبها لنفسه وتارةً ينسبها للشيطان بحسب مقتضى الحال.
أقول ما أقول، وأنَّ التسوية أحيناً لا تبعد شبح الحرب، وذلك حينما تكون الحرب سلعة تتحدد بالعرض والطلب والفرصة البديلة (Opportunity Cost)، أى إذا كانت الحرب أربح من التسوية، فلا مناص منها.
فالرجاء قراءة التقرير التالى للتأكُّد من وجهة النظر هذى: (https://firstlook.org/theintercept/2015/03/20/asked-iran-deal-potentially-slowing-military-sales-lockheed-martin-ceo-says-volatility-brings-growth/) والذى فيه (وفى الفيديو أيضاً) تتوجس البنوك الغربية وشركات الأسلحة من الوصول إلى إتفاق نووى مع إيران، الأمر الذى قد يقلِّل من مبيعات الأسلحة وبالتالى الأرباح؛ حيث أنَّ الحرب أو التهديد بالحرب هو أمر جيد لتجارة الأسلحة. ويُطمئن أحد المتحَدِّثيْنِ الآخر بقوله: "لا تبتئس، فثمة حالات مهولة من عدم الإستقرار ستحُلُّ بالمنطقة، كما تشى بذلك "بُنية الحوافز الضارة" التى هى من صميم سوق الأسلحة الدولية".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة