|
في الضقلمة السعيدة
|
معركة الانترنت الأولى والأخيرة (أو في الضقلمة السعيدة) -----------------------
اذا ظننت أنك في منجاة من الانترنت وبعيدٌ عنه، منتبذاً مكاناً قصيا، وبين يديك كتاب، ومنغمساً تماماً في وهم حصانة الكتاب الورقي ولا قهريته أمام الحاسوب والحِجرُوب (ترجمتي المقترحة لكلمة لابتوب)، فأنت على خطأ عظيم بل ربما دخلت في عتمور الضلال! فنفس هذا المخلوق الورقي القديم إذا قلبت غلافيه ستجد مكتوباً عليهما اسم المؤلف والناشر وتوقيع مصمم الغلاف و و وستجد هذا الشكل الهندسي المبهم بخطوطه المتراوحة ذات السُمك المتغيّر. لا علم لي بتاريخ نشأة هذا الطلسم ولا أرغب في العودة لماضي المقاصد الوخيمة إذا أدركت ما أعني. لكنه، أي الطلسم، هو الثقب، هو حصان طروادة، الذي يتسلل إليك منه الانترنت ليصرع عادات التثقف البالية لديك. ما يحدث هو أن هذا الشكل الدرابزيني على الغلاف إذا مسحت عليه هاتفك النقّال أو موبايلك سيخرج لك منه أكثر من عفريت ليس مع أيٍ منهم هدية مضمونة لك أو حتى مجرد الرغبة في خداعك بأمانٍ سندسية! مسحُك بالموبايل على هذا الطلسم، ويسمونه باركود barcode، يقودك إلى حيث ستجد وبصور متعددة، نفس الكتاب معروضاً على موقعٍ ما وأمامك سعره وتكلفة التوصيل وفي الغالب يكون السعر أعلى، وعلى الأجناب نازعات أخرى للإنتباه! ليس جزافاً القول بأن الغرض (المدني) للانترنت هو فتح أسواق جديدة للمنتجين والمستثمرين ووكلائهم. حيث يتم الفتح هذه المرة بغزو المستهلك حتى وان كان جالساً في حمّامه. وقد يكون هذا الغزو من أسباب تفاقم اليابوس عند مَن يتعرض له بحيث يمكن تضمين شره الرأسمالية مع الأسباب الأخرى للإمساك. الحقيقة الملط هي أنه ما من نشاط تقوم به أونلاين إلاّ وشاركك فيه بائع أو مروّج!إن الانترنت الذي بدأ في أمريكا كرد فعل لإطلاق الروس أول قمر صناعي في العالم (سبوتنك Sputnik) عام 1957 وبدأ لأغراض عسكرية لم يرثه المثقفون ولا الجامعات، بل التجار والوسطاء الذين أمكنهم بفضله غزو الجامعات والمعاقل الفكرية وكسر هيبتها. فها هو العالم صار مولداً هائصاً يطيح فيه الباعة بزعيقهم فيُسمعون هارفارد وأوكسفورد وجامعة جوبا و مصطفى أتاتورك العليا كمان! ولأن هناك تشبيك سري لا يقودك إليه الرمز www بشكله الحالي، فما عسانا نقول سوى أن الانترنت بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطُوبى للغرباء! على أن من أطرف العفاريت التي فرّخها الانترنت هم أبناء تلك الفئة التي راكمت ثروات خرافية من وظيفتهم التي قطعها لهم الانترنت من رأسه وهي أنهم يقومون باختصار الرابط الموّصل link لأي موقع بحيث يبدو مختصر وشيك! أي أن شغلتهم التي يتباهون بها هي أنهم يقومون بضقلمة الروابط! ومن الضقالم... ما ربُك عالم!
|
|
|
|
|
|
|
|
|